عوائل غزاوية تخشى مصير عشرات أخرى ما زالت تنتظر إعمار منازلها التي دمرتها الحروب

فلسطيني تهدم بيته في 2008 لـ «الشرق الأوسط» : من يومها وأنا أتنقل من مكان لآخر بالإيجار

صورة وزعت أمس لفلسطينيات ينظرن إلى بناية لم يتبق منها سوى الهيكل بعد استهدافها بغارات إسرائيلية، في بيت حانون شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
صورة وزعت أمس لفلسطينيات ينظرن إلى بناية لم يتبق منها سوى الهيكل بعد استهدافها بغارات إسرائيلية، في بيت حانون شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

عوائل غزاوية تخشى مصير عشرات أخرى ما زالت تنتظر إعمار منازلها التي دمرتها الحروب

صورة وزعت أمس لفلسطينيات ينظرن إلى بناية لم يتبق منها سوى الهيكل بعد استهدافها بغارات إسرائيلية، في بيت حانون شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
صورة وزعت أمس لفلسطينيات ينظرن إلى بناية لم يتبق منها سوى الهيكل بعد استهدافها بغارات إسرائيلية، في بيت حانون شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

عايش أبو زياد (43 سنة) الحروب الإسرائيلية الثلاث الأخيرة على قطاع غزة، والتي شنت في فترة زمنية لا تتعدى الثماني سنوات. وكان أبو زياد يأمل بعد كل حرب في أن تنجح مؤتمرات الإعمار التي تنظم كي تباشر أعمالها، إلا أن كل تلك الأماني ذهبت أدراج الرياح مع الانقسام الفلسطيني والعراقيل والبيروقراطية التي تصاحب آلية الإعمار.
ولم تنجح حتى الآن لجان وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) أو اللجان التي فعلتها حكومة حماس السابقة في أن تعوض أبو زياد ماديا من أجل إعادة إعمار منزله في منطقة أبو العجين شرق دير البلح، الذي كان دمر خلال الحرب الأولى عام 2008 عندما حولته الصواريخ الإسرائيلية إلى كومة ركام. وبقي أبو زياد أسيرا لشروط اللجان التي كانت تعمل في غزة طوال تلك السنوات.
وعلى الرغم من أنه شعر بشيء من التفاؤل بعد تشكيل حكومة الوفاق الوطني، وتشكيل وفد تفاوضي فلسطيني موحد لوقف العدوان الإسرائيلي الأخير على أمل أن يسرع ذلك من وتيرة الإعمار، عاد التشاؤم إلى وجهة ثانية بعد خلافات جديدة طفت على السطح بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس.
ويوضح أبو زياد لـ«الشرق الأوسط» أنه منذ تدمير منزله في 2008 وهو «يتنقل من منزل لآخر بالإيجار مقابل 200 دولار شهريا تقريبا». ويؤكد أنه لم يتمكن حتى اللحظة من إعادة إعمار منزله بشكل قانوني عبر اللجان التي كانت تشكل من قبل حكومة حماس سابقا أو من خلال المؤسسات الدولية. وأضاف أن بعض المؤسسات ومنها «الأونروا» كانت «تتذرع بأنها لا تستطيع بناء منزله بسبب سكنه في مناطق حدودية»، في حين أن لجانا أخرى دفعت له أموالا محدودة لم تمكنه من إعادة بناء منزله، ناهيك عن شح مواد البناء في القطاع عموما.
ودمرت إسرائيل في عملية «الرصاص المصبوب»، أو ما يعرف فلسطينيا بالحرب الأولى، التي استمرت 22 يوما منذ 27 ديسمبر (كانون الأول) 2008 وحتى 17 يناير (كانون الثاني) 2009، بعد أن قررت وقف إطلاق النار من جانب واحد، نحو 4100 منزل بشكل كامل، وأكثر من 17 ألف منزل آخر بشكل جزئي، بالإضافة لتدمير 35 مسجدا و120 مبنى حكوميا و3 مقرات تابعة لـ«الأونروا».
وقال المواطن هاني شنطي، من سكان مخيم جباليا شمال قطاع غزة، إنه تسلم عدة دفعات مالية بعد أشهر من تدمير منزله في الحرب الأولى، وصلت إلى 5 آلاف يورو، لكنه لم يستطع إعماره إلا في أبريل (نيسان) من العام الماضي، لأن ذلك المبلغ غير كاف مقارنة بما تحتاجه المنازل من أموال طائلة لبنائها. وتكلفة بناء البيوت تعتمد على المساحة ونوع البناء، وتصل تكلفة تشييد منزل بسيط من طابقين على مساحة قدرها 100 متر مربع إلى أكثر من 20 ألف دولار، بحكم غلاء مواد البناء عموما، إذ تفرض إسرائيل حصارا مشددا على تلك المواد حصرا خشية استخدامها من حركة حماس لبناء الأنفاق.
ولفت شنطي في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى الصعوبات التي واجهته كما واجهت آلاف المواطنين الذين دمرت منازلهم حينها. وأشار إلى أن «إطالة إعادة الإعمار ارتبطت بكثير من الظروف السياسية والمعوقات الاقتصادية التي ارتبطت بالحصار على غزة وغلاء مواد البناء وندرة توفرها مقابل غلاء أسعار المواد الأخرى التي يحتاجها أي مواطن لتعمير منزله بشكل كامل وإعادته كما كان من أبواب ونوافذ وغيرها».
وقال مصدر مسؤول في وزارة الإسكان، لـ«الشرق الأوسط»، إن الغالبية العظمى من أصحاب المنازل المدمرة في الحربين السابقتين عوضوا ماديا من خلال توفير أموال من جهات حكومية وأخرى غير حكومية. وأشار إلى أن «الأونروا» تولت إعادة إعمار عشرات الآلاف من المنازل التي دمرت بالحرب الأولى بعد أن استطاعت توفير مواد البناء.
وأقر المصدر، الذي فضل عدم ذكر هويته بسبب وجود قرار يمنع التصريح لوسائل الإعلام، بأن عملية الإعمار وتوزيع الأموال كانت طويلة، وأن هناك عددا لا بأس به من المنازل التي دمرت في الحرب الأولى أعيد بناؤها في عام 2012 (أي بعد قرابة أربعة أعوام)، ومنها ما انتظر حتى منتصف 2013، في حين أن منازل الحرب الثانية عام 2012 تم تعويض أصحابها لكنها لم تبن جميعا. وأشار إلى أن تلك المنازل «محدودة ولا تتعدى الـ200 منزل ما بين تدمير كلي وجزئي».
وسجلت الحرب الأخيرة على قطاع غزة والتي استمرت 50 يوما تدمير 2358 منزلا بشكل كلي و13644 بشكل جزئي، وشهدت تدمير برجين سكنيين وبرجين تجاريين يضمان مكاتب مختلفة منها مؤسسات صحافية. ويخشى أصحاب المنازل المدمرة في الحرب الأخيرة من أن يتحول مصيرهم إلى المجهول خوفا من عودة السجالات الإعلامية بين حركتي فتح وحماس في ظل إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس ضرورة تسليم كل الأموال التي تصل من أي جهة إلى مؤسسة الرئاسة، التي ستتابع مع حكومة التوافق ملف الإعمار. في حين تصر حركة حماس على أن يكون الإعمار فقط عبر حكومة التوافق ومن خلال تشكيل لجنة وطنية تضم كل الفصائل.
وقال المواطن إبراهيم عبد الكريم، من سكان دير البلح ودمر منزله في قصف من قبل طائرات الاحتلال خلال الحرب الأخيرة، إنه لم يتسلم حتى الآن أي مبلغ مالي، وإنه اضطر للعيش مع أهله في المدينة ذاتها، فيما بقيت زوجته وأطفاله لدى عائلتها لحين تدبر أموره. وأشار إلى أن جهات غير حكومية وزعت مبالغ مالية على بعض المتضررين، في حين لم يحصل آخرون سوى على كوبونات غذائية وبعض الأموال كمصروف عائلي، وتبلغ من 300 - 500 شيقل، أي ما يعادل نحو 150 دولارا. وأعرب عن خشيته من أن يرتبط مصير أصحاب البيوت المدمرة مؤخرا بمصير الآلاف من العائلات التي انتظرت سنين طويلة حتى استطاعت إعادة منازلها إلى الشكل الذي كانت عليه.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».