تحولات المجتمع العراقي في ثلاث روايات

منذ خمسينات القرن الماضي إلى احتلال «داعش» الموصل

سقوط تمثال صدام حسين
سقوط تمثال صدام حسين
TT

تحولات المجتمع العراقي في ثلاث روايات

سقوط تمثال صدام حسين
سقوط تمثال صدام حسين

تذهب رواية «شتات نينوى» للروائية العراقية غادة رسول إلى قراءة الوضع العراقي وبيان المأساة والظروف القاسية التي عاشها الشعب العراقي منذ خمسينات القرن الماضي، وحتى ساعة تدوين أحداث الرواية من خلال مكان واحد هو الموصل، أي بدءاً من مقتل الملك فيصل الثاني ملك العراق، ومسألة التحزب والخلافات التي دارت بين الشيوعيين والقوميين والإسلاميين التي أسفرت عن سطوة صاحب القرار في الاغتيال والقتل والسحل، ثم ما حدث في العراق إبان الحرب العراقية - الإيرانية، وما أسفرت عنه من ضعف الاقتصاد وانهيار البنية التحتية، والقتال الذي بات ضحيته الشعب العراقي، ثم اشتداد المأساة الناتجة من دخول جيش النظام العراقي إلى الكويت.
باتت هذه الخصوصية جديدة على العراق الذي كان مكتفياً بمقومات البناء من الاقتصاد القوي والنفط والغاز والزراعة والمياه والعقول والأرض والمساحات الشاسعة والأيدي العاملة، لكن تكالبت عليه الدول العظمى وأفسدت كل ما بناه، هكذا كان يقول أحد أصدقاء أحمد، وهو الشخصية الرئيسية في الرواية: «طيب الحكومة العراقية حركت الجيش واحتلت الكويت، وحرروا الكويت. قصفوا أهدافاً عسكرية فيها، لماذا هذا التركيز على هدم العراق؟ ص 181». كما يؤكد النص الروائي الذي هو مذكـرات كتبها أحمد بأن المعاناة لم تقف أو تضمحل، بل راحت تكبر وتزداد، فظهرت التنظيمات السياسية والأحزاب، وبدأ التشدد في طرائق العمل السياسي والاستحواذ على مقدرات العراق.
وتزداد المأساة تعقيداً حينما برز تنظيم «داعش» في العراق وفي سوريا، لينتشر الاضطراب والفوضى في مدن وقرى الشمال، حيث لا يفرق هذا التنظيم في معاداته بين المسلمين المختلفين عنه في التوجه العقائدي، أو الأقليات الدينية والعرقية والطائفية، فـ«(داعش) تضرب مدناً وقرى، تقتل وتسبي، تكبّر وهي تفعل كل هذا حتى صار التكبير مرادفاً للرعب... «داعش» طردت المسيحيين من الموصل بعد أن رفض القساوسة حضور اجتماع معهم لتحديد مبلغ الجزية، ثم صادرت أملاكهم، ص 276»، وقد أتقنت الكاتبة البناء النصي منطلقة من رؤية تتمثل في كشف زيف الحياة العراقية في ظل الأنظمة السياسية المتناحرة على السلطة، ومن خلال تقنية الاسترجاع، فضلاً عن توظيف تقنية التواصل بين الشخص الذي راسل دار النشر وعائلة أحمد الذي مثلها ابنه سعيد المريض بالتخلف العقلي، وقد نجح النص ليكون مرآة حاضرة لدى القارئ، وكاشفاً دور التطرف في هدم العراق، ودور الدول الكبرى في ذلك.
وتتناول رواية الروائي العراقي حسين السكاف «وجوه لتمثال زائف» - وهي مخطوط - الجماعات السياسية والتنظيمات العلنية والسرية التي تلعب بالعراق إبان النظام العراقي الأسبق (فترة صدام)، وبعد سقوطه، وظهور الكثير من التشكلات التي تؤيد بعضها القوى العظمى، والدور الذي تقوم به هذه التشكلات الحزبية والتنظيمية والسياسية في بث الرعب والفساد وضعف البنى التحتية، ويمحور الروائي النص في شخصية مرهون عيسى صاحب وما آلت إليه أعماله الإجرامية، فعيسى عاش طفولة لم ينعم بها، فعاقر الخمر والحشيش وهو صغير السن، بل تعرض لعمليات اغتصاب، كما رأى زوج أمه يُقتل، وهرب أمه وأخته من البيت، وبهذه الأعمال يدخل السجن، ثم يخرج لتبدأ حياته أكثر إجراماً من خلال القتل بطرق شتى: التخدير، الصعق الكهربائي، الطلق الناري بكاتم الصوت، التفجيرات، وها هو يقول: «قبل أربع سنوات... كنت في بلدي أعمل مديراً عاماً للمؤسسة العامة للثقافة والنشر، مؤسسة أنشأتها أنا، وهي لا تمت بصلة إلى وزارة الثقافة إلا بالاسم فقط، فقد كانت مستقلة بشكل مطلق، بل كانت أكثر استقلالاً من أي وزارة أو كيان حكومي... بل أكثر من هذا، كانت لها الكلمة العليا على كل الوزارات والمؤسسات الحكومية دون أن يعرفها أحد، هذه المؤسسة قد أسستها مع السيد وكيل وزارة الداخلية، ص 4».
والهدف من ورائها القيام بعمليات إرهابية متنوعة ومتعددة الأشكال والأهداف ففي «فترة وجيزة نفذت مؤسستنا الكثير من العمليات التي هزت أركان البلد بكل مكوناته... حيث تم اغتيال نائبين، وأربعة أساتذة جامعة، وخمسة ضباط متقاعدين، وسيدتين كان لهما دور سياسي هامشي، لكنه كان مؤثراً على صعيد إجراء الصفقات والمقابلات التلفزيونية، ص 126»، وهكذا كانت تتوسع علاقاته مع كبار الدولة، تكبر الإجرام الذي ينفذه أمراً من جهات عليا نظير المكافآت المالية الكبيرة بالعملة الأجنبية، بل وصل الأمر إلى شراء المحال التي تشتغل على التفخيخ، وأن يقتل أمه وأخته للتخلص من عار لم يدخلاه بمحض إرادتهما، كما كشفت عن كره السياسيين إلى المثقفين والكتاب والفنانين، وتصفيتهم الجسدية، وكذلك طرائق استغلال الثقافة لصالح الاغتيالات، «شممت رائحة زكية كانت تبعثها الدماء التي كانت تسيل من رأس وجسد الأستاذ عبد الله، ص 170».
أما رواية «رأس التمثال» لحسن الفرطوسي فوقفت على معاناة الشعب العراقي في ظل الحرب الأهلية والتطاحن المستميت بين الفصائل والميليشيات العراقية، بعد سقوط نظام صدام، وأخذ الكاتب تمثال صدام مدخلاً لأحداث الرواية، فبعد سقوط التمثال حاول أحد الشباب تحطيمه بمطرقة، لكن التمثال كان أقوى صلابة وتجذراً في المكان، ذلك ما استدعى حضور رافعة أميركية لإسقاطه، هكذا قال السارد وكأنه يقول بلسان حال الرافقة: «لا تحاول أيها البائس، ما هكذا يسقط الطغاة... ابتعد أنت ومطرقتك الغبية، فنحن نعرف لغة الجبابرة، ونعرف كيف نسقط الرؤوس – ص 9».
وهذا ما أسهم في سرعة نمو شخصية ناصر بائع الخضراوات المتجول الطامح لارتداء العمامة، حيث انتشرت في موجة التحزبات ميليشيات وأحزاب وتنظيمات تستغل «لبس العمامة» من أجل تحقيق مصالحها، هكذا لبس ناصر بائع الخضراوات العمامة وبات أحد الذين يشار لهم ويقدر بآرائه ونهجه في تحقيق أهداف الميليشيات التي ينتمي إليها؛ إذ قال محمود: «هذا ناصر صار عصابجي، رأيته بعيني وهو يتصدر مجموعة مسلحة متشحة بالسواد، هاجمت عيادة طبية، واقتادت صاحبها بعد أن وضعوه في صندوق السيارة... وشاهده مفيد عباس يرتدي جبة وعمامة بيضاء، ص 65»، وبتحقيق هذا الطموح والصعود غير المتوازن فرض عليه أن يكون أحد مخططي أو منفذي عمليات الاغتيالات، «فمن خلال زجاج واجهة المحل المغبرة لمح رحمان عدداً من الرجال الملتحين يقطعون الزقاق بسراويلهم السود وقمصانهم الفضفاضة النازلة حد الركبة.. شاهدهم يتهامسون أمام بيت يعود إلى مهند شاب يعمل في دائرة البلدية، وما أن فتح الباب حتى عاجل أحدهم بثلاث طلقات في الرأس، ص 53».
وهنا تكشف الرواية عن أن الخصوصية الثقافية في هذه الفترة هي تلك العلاقة المتبادلة بين رجال الدين ورجال السياسة، أو العلاقة التي ترسمها الثقافة الجديدة للمجتمع، هي: علاقة الدين بالسياسة في ضوء علاقة السياسيين بالنظامين القديم والحديث، وكيف تبنى المصالح التي أضعفت البنى المجتمعية بتشييد التنظيمات والأحزاب المتحاربة من أجل تحقيق مصالحها الشخصية.

- كاتب من البحرين



من التصميم إلى الإنشاء… ابتكارات مستدامة تُشكِّل معرضاً دولياً في السعودية

معرض مستدام وصديق للبيئة من إنشائه إلى تصميمه ومكوّناته (تصوير: تركي العقيلي)
معرض مستدام وصديق للبيئة من إنشائه إلى تصميمه ومكوّناته (تصوير: تركي العقيلي)
TT

من التصميم إلى الإنشاء… ابتكارات مستدامة تُشكِّل معرضاً دولياً في السعودية

معرض مستدام وصديق للبيئة من إنشائه إلى تصميمه ومكوّناته (تصوير: تركي العقيلي)
معرض مستدام وصديق للبيئة من إنشائه إلى تصميمه ومكوّناته (تصوير: تركي العقيلي)

وسط ازدياد أعداد الوافدين إلى مقرّ «المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير» بنسخته الثانية في العاصمة السعودية، بتنظيم من «المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحّر»، في منطقة «كوب 16» بالرياض، رصدت «الشرق الأوسط» جوانب لافتة حول تصميم مقرّ المعرض وإنشائه.

بدخول الزوّار المنطقة المركزية، يجدون أنفسهم في قلب الحدث. وكشف «المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحّر»، لـ«الشرق الأوسط» عن أنّ المعرض يقدّم رؤيته للمستقبل المستدام من خلال مجموعة متنوّعة من الأنشطة والجلسات ومناطق الجذب؛ فتمثّل المنطقة المركزية قلبَه، إذ تُشكِّل نقطة الانطلاق والتواصل مع المناطق الأربع المحيطة، مما يسمح للزوار بالتعرُّف إلى كيفية تضافر الجهود المختلفة لتحقيق الاستدامة.

جانب من التقنيات ضمن المعرض (تصوير: تركي العقيلي)

قلب النبتة وبتلاتها

وتُمثّل المنطقة المركزية في المعرض «قلب النبتة»؛ وهي المحور الرئيس الذي يمدُّ جميع المناطق المحيطة بالأفكار والموارد اللازمة. تحتوي هذه المنطقة على المعرض وجناح المركز، حيث تُعرض الرؤية الشاملة لمستقبل مستدامٍ ومكافحة التصحّر.

ولاحظت «الشرق الأوسط» خلال جولتها في أجنحة المعرض، انقسامه إلى 4 مناطق تُمثّل «بتلات النبتة»، إذ تجسِّد كل منطقة شريكاً من شركاء المركز في رحلتهم نحو بناء مستقبل مستدام.

استعراض عدد من الأرقام المهمّة (تصوير: تركي العقيلي)

وشرح القائمون على «المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير»، تلك المناطق كالآتي:

«صون الطبيعة»؛ وهي مخصّصة لعرض جهود حماية الغطاء النباتي ومكافحة التصحّر، و«واحة التشجير» المُرتكزة على أهمية المشاتل والمتنزهات في تعزيز الغطاء النباتي ودورها في الحفاظ على التنوّع البيولوجي.

شاشات عرض متعدّدة داخل المعرض (تصوير: تركي العقيلي)

أما الثالثة، «منطقة المستقبل والابتكار»، فتتضمّن عرضاً لأحدث الابتكارات والتقنيات التي تقدّم حلولاً عملية للتحدّيات البيئية، إلى جانب «منطقة النماء المستدام» المُرتكزة على أهم الطرق والأساليب المستدامة لإنماء الطبيعة من خلال بناء شراكات وتوفير فرص استثمارية وجهات داعمة لتنمية الغطاء النباتي.

استدامة من التصميم إلى الإنشاء

وأكد «المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحّر» حرص المعرض على استخدام مواد مستدامة وصديقة للبيئة في جميع جوانب التصميم والإنشاء، بما فيها مناطق الجلوس والديكورات، والأثاث، بهدف تقليل البصمة الكربونية وتعزيز أهمية الاستدامة البيئية.

شاشة تستعرض المتنزهات الجيولوجية (تصوير: تركي العقيلي)

ومن المواد المستخدمة في التصميم والإنشاء، مادة «الإكريليك» المعروفة باسم «البليكسيغلاس» أو «صفائح البليكسيغلاس»، وهي متعدّدة الاستخدامات وصديقة للبيئة ومثالية لمجموعة واسعة من المشروعات. وأوضح المسؤولون أنَّ مَن يبحث عن إنشاء قطعة ديكور منزلية، أو قطعة أثاث مخصّصة، أو ميزة معمارية فريدة، فإنّ صفائح «الإكريليك» توفِّر فوائد عدَّة تجعلها الخيار الأمثل لأي مشروع.

وثانياً «الألمنيوم» الذي يُعدّ من أكثر المعادن الصديقة للبيئة. وثالثاً خشب «شيبورد» وهو لوح حُبيبي أو منتج خشبي هندسي يُضغَط من رقائق الخشب ويُستَخدم على هيئة رقائق خشب مُشكَّلة، أي مُعاد تدويرها. وأوضح المعرض أنه باستخدام هذه الأخشاب، «نعمل على تقليل الطلب على الأخشاب المقطوعة حديثاً، مما يساعد في الحفاظ على الغابات ونُظمها البيئية».

اهتمام من زوّار دوليّين بمشاهدة تقنية سلّة المهملات الذكية (تصوير: تركي العقيلي)

وأخيراً «الدهانات المائية صديقة البيئة»، المتميّزة بأنها طلاءات ذات أساس مائي. ورغم ذلك، فإنّ هذا الأساس المائي ليس كافياً لتكون صديقة للبيئة، فيؤكد المعرض ضرورة تجنُّب استخدام المركّبات العضوية المتطايرة وشبه المتطايرة في الطلاءات لتأثيرها السلبي في الصحة، ولتوفير نوعية ممتازة من الهواء في الأماكن المغلقة.

الشجرة التفاعلية تتحدّث إلى أحد الزوّار (تصوير: تركي العقيلي)

ويقدّم المعرض أيضاً فرصة فريدة لاستعراض جهود «المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحّر» عبر 14 تقنية منتشرة في أرجائه، منها: «تقنية خريطة تأثير المركز» التي تُبرز جهوده عبر تسليط «بروجكتور» على خريطة البلاد لتُقسَّم تلك الجهود إلى 7 قوائم رئيسية؛ وعند اختيار قائمة، تُحدَّد المنطقة وتُعرَض الجهود فيها على شكل جداول.

فمن خلال «هولوغرام» نَظم المعلومات الجغرافية، والاستعراض التفاعلي للمنتزهات الجيولوجية، وشاشة بحجم يتجاوز المترين، تُعرَض جميع بيانات إدارة الفرص والاستثمارات.

جانب من التقنيات الـ14 في المعرض (تصوير: تركي العقيلي)

وضمن التقنيات، برزت شاشة بحجم 9 أمتار، متخصّصة في إدارة الرصد والحماية، فكشف المركز لـ«الشرق الأوسط» عن رصد الإدارة العامة للرقابة والحماية 2752 مخالفة بيئية خلال عام 2024، مضيفاً أنّ الإدارة العامة للرقابة والحماية تُعنى بالمحافظة على الغطاء النباتي من خلال تسيير دوريات الحماية الخاصة بالمركز وأعمال الرقابة الجوّية باستخدام الطائرات المسيَّرة للمحافظة على سلامة الغطاء النباتي في المتنزهات والغابات والأراضي والمراعي؛ مع نشر أكثر من 600 مراقب بيئي للحدّ من المخالفات وضبط المُخالفين.

عرض ثلاثيّ البُعد (تصوير: تركي العقيلي)

تبرز تقنية «الشجرة التفاعلية» وسط القاعة. فعندما يقترب الزائر، تدبُّ الحياة في الشجرة ويُعرَض وجهٌ عليها لتبدأ بسرد قصتها ممثلةً الأشجار المُعمِّرة في السعودية.

كذلك تتعدّد التقنيات لتشمل غرفة التنوّع النباتي، بالإضافة إلى جولة تفاعلية للمتنزهات الوطنية، عبر «هولوغرام» مع شاشة جانبية تعرض صوراً ثلاثية البُعد لمستقبل هذه المتنزّهات.

من وسائل الرصد والحماية في المركز (تصوير: تركي العقيلي)

ذلك بالإضافة إلى مؤشِّر التنوّع البيئي، وجهاز الرخص والتراخيص، وشاشة خطّ الإنجازات، وسلّة المهملات الذكية، وتقنية الواقع المعزِّز أمام كل شجرة لكشف تفاصيل تتعلّق بها وببيئتها ومواقعها والجهود المبذولة بشأنها.

وأخيراً مُساعد الذكاء الاصطناعي الذي يتفاعل مع الزوّار بطرح الأسئلة والتحدُّث معهم حول موضوعات التصحُّر والتشجير في السعودية.