ضغوط الشارع تقلّص نطاق التقشف

توازن دقيق في مشروع الموازنة بين تفادي الانهيار المالي وتجنب الانفجار الاجتماعي

TT

ضغوط الشارع تقلّص نطاق التقشف

تسير الحكومة اللبنانية في حقل من الألغام خلال محاولتها تحقيق التوازن ما بين الإجراءات التقشفية الملحة لتفادي الانهيار المالي والاقتصادي وما بين الاعتراضات الشعبية المتعاظمة الرافضة بالمطلق لأي تدابير تمس جيوب الفقراء والطبقة المتوسطة. ولذلك تحاول التصويب لخفض عجز الموازنة باتجاه الحد مما يُعتبر من الكماليات من خلال تقليص موازنات الوزارات كما من خلال العمل على اتخاذ خطوات حقيقية للحد من الهدر والفساد المستشريين في إدارات الدولة منذ عشرات السنوات.
لكن الاتحاد العمالي العام وعدداً كبيراً من النقابات والعسكريين المتقاعدين، استبقوا إقرار الموازنة في مجلس الوزراء بتحركات شتى تراوحت ما بين الاعتراض والتظاهر والإضراب العام.
ويؤكد عضو تكتل «لبنان القوي» النائب ماريو عون وجود تفاهم بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري على ألا يتم فرض ضرائب أو اتخاذ إجراءات تمس بالطبقتين المتوسطة والفقيرة، وبالتالي التصدي لأي محاولات لتوتير الوضع الداخلي من بوابة الموازنة. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الكل يدرك دقة وهشاشة المرحلة، وإن أي خطوات غير مدروسة ستؤدي إلى انهيار تام على الصعيد الداخلي. لذلك اقتصرت القرارات المتخذة على إلغاء الإعفاءات الجمركية وفرض رسوم على اللوحات المميزة للسيارات على أن تطال الإجراءات التقشفية حصراً أصحاب الرواتب المرتفعة وبعض المخصصات التي ليست في مكانها الصحيح».
وتلحظ المادة 55 من الموازنة التي يدرسها مجلس الوزراء فرض اقتطاع شهري بنسبة 3 في المائة من رواتب وأجور تقاعد العسكريين بمختلف أسلاكهم لزوم الخدمات الصحية والمساعدات الاجتماعية، كما تنص المادة 58 على إلغاء التجهيزات العسكرية المخصّصة للمتقاعدين العسكريين وعائلات المتقاعدين العسكريين المتوفّين، وهو ما دفع العشرات منهم إلى التحرك في الشارع والتهديد بالتصعيد في حال إقرار هاتين المادتين.
ورغم كل ما أشيع في وقت سابق عن توجه لتخفيض رواتب كل موظفي القطاع العام بنسبة 15 في المائة، وهو ما أثار استياء عارماً في الشارع اللبناني، إلا أنه تبين مع انطلاق البحث بالموازنة أن وزير المال لم يضمن أوراقه أي اقتراح بهذا الخصوص.
ويشير عضو كتلة «التنمية والتحرير» ميشال موسى إلى أن «توجه الحكومة بات واضحاً تماماً وهو اتخاذ إجراءات تقشفية - إصلاحية من دون المس بالطبقات الفقيرة والمتوسطة، على أن يتحقق التقشف والإصلاح من خلال ضبط الإدارة العامة وترشيقها والتصدي بالفعل وليس بالكلام فقط للهدر والفساد». واعتبر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن ذلك «كفيل بخفض عجز الموازنة». ورأى أن «التحركات والإضرابات التي شهدها الشارع اللبناني تندرج بإطار اللعبة الديمقراطية بحيث يحق لكل مجموعة وقطاع رفع الصوت لإيصال مطالبه وصرخته للمسؤولين».
ولا تلاقي المعارضة المتمثلة حالياً وبشكل أساسي بنواب حزب «الكتائب» إلى جانب نواب مستقلين آخرين بإيجابية الخطوات التي تقوم بها الحكومة بملف الموازنة. ويشدد النائب في «الكتائب» إلياس حنكش على أن «المطلوب اليوم تحديد الأولويات في سياسة التقشف والتي باتت واضحة للجميع وتنحصر بضبط الهدر ومكافحة الفساد بعيداً عن الشعارات ومن خلال العمل الفعلي؛ خصوصاً أن مكامن الهدر باتت معروفة كمعابر التهريب والتهرب الجمركي وغيرها كثير من الأبواب». وأضاف: «لكن للأسف فإن هذه الطبقة تستسهل دائماً المس بجيوب اللبنانيين ومداخيلهم التي رفعوها بإطار سلسلة الرتب والرواتب في العام 2017 عشية الانتخابات النيابية ليكتشفوا اليوم أن الضرائب التي أقروها غير قادرة على تغطية مصاريف هذه السلسلة».
واعتبر حنكش في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن التحركات التي يشهدها الشارع «تعكس عدم ثقته بكل ما تقوم به هذه الطبقة التي وظفت 10 آلاف شخص قبيل الانتخابات رغم اتخاذها قراراً بوقف التوظيف». وأضاف: «ما نحن بصدده حكومات في قلب حكومة واحدة تحولت إلى كتلة تناقضات؛ خصوصاً بعدما باتت الهوة تتسع يوماً بعد يوم بين الوزراء الذين لا يعنيهم إلا إرضاء جماهيرهم الحزبية وتأمين موازنات لوزاراتهم قادرة على تأمين استمرارية تقديم الخدمات اللازمة لهذه الجماهير».
واستكملت الحكومة اللبنانية أمس البحث في موازنة عام 2019 على وقع الإضرابات في بعض المؤسسات العامة والمصالح المستقلة وإقفال مصرف لبنان. وفي حين أشارت معلومات إلى أن مجلس الوزراء أرجأ البحث بالمادة 60 التي تنص على مصادقة وزارة المال على موازنات المؤسسات العامة، والتي نتج عنها إشكال في مسألة موازنة مصرف لبنان، رجّح وزير الصناعة وائل أبو فاعور، أمس، الانتهاء من درس الموازنة خلال جلستين أو ثلاث جلسات هذا الأسبوع.
وبعد انتهاء الجلسة التي استمرت بضع ساعات، أكد وزير الإعلام جمال الجراح أن «ما يجري تسريبه من معطيات لا أساس له من الصحة ولا يخدم المصلحة الوطنية، والإضرابات جرت بناء على معلومات خاطئة لم يتمّ التطرق إليها أساسا على طاولة الحكومة».
ورأى أن «مقاربة مجلس الوزراء المالية والاقتصادية تتطلب مشاركة الجميع بالحلول وهو بصدد إقرار جملة إصلاحات بنيوية»، مشدداً على «الحرص على استقلالية مصرف لبنان التامة وأن الحكومة لا ترغب التدخل في قراراته وسياساته».
ودعا الموظفين إلى الالتزام بمذكرة رئيس الحكومة سعد الحريري التي ذكّر فيها أمس بالقانون الذي يحظر الإضراب وعدم الأخذ بالإشاعات، وأكد أن أبواب رئيس الحكومة وجميع الوزراء «مفتوحة للحوار المسؤول لإيضاح كل الالتباسات».



الحوثيون يعلنون اقتصار هجماتهم البحرية على السفن المرتبطة بإسرائيل

جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)
جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يعلنون اقتصار هجماتهم البحرية على السفن المرتبطة بإسرائيل

جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)
جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)

أعلنت الجماعة الحوثية في اليمن أنها ستكتفي، فقط، باستهداف السفن التابعة لإسرائيل خلال مرورها في البحر الأحمر، بعد بدء سريان وقف إطلاق النار في قطاع غزة، بحسب رسالة بالبريد الإلكتروني أرسلتها الجماعة، الأحد، إلى شركات الشحن وجهات أخرى.

ونقل ما يسمى بـ«مركز تنسيق العمليات الإنسانية»، التابع للجماعة الحوثية، أن الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر، ستقتصر، فقط، على السفن المرتبطة بإسرائيل بعد دخول وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيز التنفيذ.

وأضاف المركز، الذي كلفته الجماعة بالعمل حلقةَ وصل بينها وشركات الشحن التجاري، أنها توعدت الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل باستئناف الضربات على السفن التابعة لها في حال استمرار هذه الدول في هجماتها الجوية على المواقع التابعة لها والمناطق الخاضعة لسيطرتها.

وسبق للجماعة الحوثية تحذير الدول التي لديها وجود عسكري في البحر الأحمر من أي هجوم عليها خلال فترة وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

وتوعدت في بيان عسكري، أنها ستواجه أي هجوم على مواقعها خلال فترة وقف إطلاق النار في غزة، بعمليات عسكرية نوعية «بلا سقف أو خطوط حمراء».

لقطة أرشيفية لحاملة الطائرات الأميركية هاري ترومان التي أعلن الحوثيون استهدافها 8 مرات (رويترز)

كما أعلنت الجماعة، الأحد، على لسان القيادي يحيى سريع، المتحدث العسكري باسمها، استهداف حاملة الطائرات أميركية هاري ترومان شمال البحر الأحمر بمسيرات وصواريخ لثامن مرة منذ قدومها إلى البحر الأحمر، بحسب سريع.

وسبق لسريع الإعلان عن تنفيذ هجوم على هدفين حيويين في مدينة إيلات جنوب إسرائيل، السبت الماضي، باستخدام صاروخين، بعد إعلان سابق باستهداف وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب بصاروخ باليستي، في حين اعترف الجيش الإسرائيلي باعتراض صاروخين أُطْلِقا من اليمن.

موقف جديد منتظر

وفي وقت مبكر من صباح الأحد كشفت وسائل إعلام تابعة للجماعة الحوثية عن استقبال 4 غارات أميركية، في أول ساعات سريان «هدنة غزة» بين إسرائيل، و«حركة حماس».

ويتوقع أن تكون الضربات الأميركية إشارة إلى أن الولايات المتحدة ستواصل تنفيذ عملياتها العسكرية ضد الجماعة الحوثية في سياق منعزل عن التطورات في غزة واتفاق الهدنة المعلن، بخلاف المساعي الحوثية لربط العمليات والمواجهات العسكرية في البحر الأحمر بما يجري في القطاع المحاصر.

ومن المنتظر أن تصدر الجماعة، الاثنين، بياناً عسكرياً، كما ورد على لسان سريع، وفي وسائل إعلام حوثية، بشأن قرارها اقتصار هجماتها على السفن التابعة لإسرائيل، والرد على الهجمات الأميركية البريطانية.

كما سيلقي زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي خطاباً متلفزاً، بمناسبة بدء اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

وزعم سريع، السبت الماضي، وجود رغبة لدى الجماعة لوقف هجماتها على إسرائيل بمجرد دخول وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ، وإيقاف الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر؛ إذا توقفت الولايات المتحدة وبريطانيا عن مهاجمة أهداف في اليمن.

كما أكّد زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، الأسبوع الماضي، أن الهجمات على إسرائيل ستعود في حال عدم احترام اتفاق وقف إطلاق النار.

ومنذ نوفمبر (تشرين الثاني) من العام قبل الماضي تستهدف الجماعة الحوثية سفناً في البحر الأحمر بزعم تبعيتها لإسرائيل، حيث بدأت باحتجاز السفينة جالكسي ليدر التي ترفع علم جزر الباهاما في المياه الدولية، والتي لا تزال، وأفراد طاقمها البالغ عددهم 25 فرداً، قيد الاحتجاز لدى الجماعة.

السفينة «غالاكسي ليدر» التي تحتجزها الجماعة الحوثية منذ 14 شهراً (رويترز)

وأتبعت الجماعة ذلك بتوسع عملياتها لتشمل السفن البريطانية والأميركية، بصواريخ باليستية وطائرات مسيَّرة في المياه القريبة من شواطئ اليمن بزعم دعم ومساند سكان قطاع غزة ضد الحرب الإسرائيلية.

وتسببت تلك الهجمات في تعطيل جزء كبير من حركة التجارة الدولية، وأجبرت شركات الشحن والملاحة على تغيير مسار السفن التابعة لها، واتخاذ مسار أطول حول جنوب قارة أفريقيا بدلاً من عبور قناة السويس.

وأدى كل ذلك إلى ارتفاع أسعار التأمين وتكاليف الشحن وزيادة مدد وصولها، وبث مخاوف من موجة تضخم عالمية جديدة.

لجوء إلى التخفي

ويلجأ قادة الجماعة إلى الانتقال من مقرات إقامتهم إلى مساكن جديدة، واستخدام وسائل تواصل بدائية بعد الاستغناء عن الهواتف المحمولة والأجهزة الإلكترونية، رغم أنهم يحيطون أنفسهم، عادة، باحتياطات أمنية وإجراءات سرية كبيرة، حيث يجهل سكان مناطق سيطرتهم أين تقع منازل كبار القادة الحوثيين، ولا يعلمون شيئاً عن تحركاتهم.

أضرار بالقرب من تل أبيب نتيجة اعتراض صاروخ حوثي (غيتي)

وشهدت الفترة التي أعقبت انهيار نظام الأسد في دمشق زيادة ملحوظة في نقل أسلحة الجماعة إلى مواقع جديدة، وتكثيف عميات التجنيد واستحداث المواقع العسكرية، خصوصاً في محافظة الحديدة على البحر الأحمر.

كما كشفت مصادر لـ«الشرق الأوسط»، خلال الأيام الماضية أن الاتصالات بقيادة الصف الأول للجماعة المدعومة من إيران لم تعد ممكنة منذ مطلع الشهر الحالي على الأقل، نتيجة اختفائهم وإغلاق هواتفهم على أثر التهديدات الإسرائيلية.

وأنشأت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا في ديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه، تحالفاً عسكرياً تحت مسمى تحالف الازدهار، لمواجهة الهجمات الحوثية وحماية الملاحة الدولية، وفي يناير (كانون الثاني) الماضي بدأ التحالف هجماته على المواقع العسكرية للجماعة والمنشآت المستخدمة لإعداد وإطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة.

وأطلق الاتحاد الأوروبي، في فبراير (شباط) الماضي، قوة بحرية جديدة تحت مسمى «خطة أسبيدس»، لحماية الملاحة البحرية في البحر الأحمر، وحدد مهامها بالعمل على طول خطوط الاتصال البحرية الرئيسية في مضيق باب المندب ومضيق هرمز، وكذلك المياه الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب وخليج عمان والخليج، على أن يكون المقر في لاريسا اليونانية.

احتفالات حوثية في العاصمة صنعاء بوقف إطلاق النار في غزة (إعلام حوثي)

وتزامنت هجمات الجماعة الحوثية على السفن التجارية في البحر الأحمر مع هجمات بطائرات مسيرة وصواريخ باليستية على مدن ومواقع إسرائيلية، ما دفع سلاح الجو الإسرائيلي للرد بضربات جوية متقطعة، 5 مرات، استهدف خلالها منشآت حيوية تحت سيطرة الجماعة.

وشملت الضربات الإسرائيلية ميناء الحديدة وخزانات وقود ومحطات كهرباء في العاصمة صنعاء.

ونظمت الجماعة الحوثية في العاصمة صنعاء، الأحد، عدداً من الاحتفالات بمناسبة وقف إطلاق النار في قطاع غزة، رفعت خلالها شعارات ادعت فيها أن عملياتها العسكرية في البحر الأحمر وهجماتها الصاروخية على الدولة العبرية، أسهمت في إجبارها على القبول بالهدنة والانسحاب من القطاع.

وتأتي هذه الاحتفالات مترافقة مع مخاوف قادة الجماعة من استهدافهم بعمليات اغتيال كما جرى مع قادة «حزب الله» اللبناني خلال العام الماضي، بعد تهديدات إسرائيلية باستهدافهم، وسط توقعات بإصابة قادة عسكريين كبار خلال الضربات الأميركية الأخيرة في صنعاء.