انهيار «الدولة العميقة» و«القوى غير الدستورية» بعد سجن مسؤولين كبار في الجزائر

مصطلحان يتداولهما «الحراك الشعبي»

TT

انهيار «الدولة العميقة» و«القوى غير الدستورية» بعد سجن مسؤولين كبار في الجزائر

«القضاء على الدولة العميقة» و«سجن القوى غير الدستورية»، مفهومان يتم تداولهما وسط الحراك الشعبي بالجزائر، منذ يومين، ويحيلان إلى ممارسات غير قانونية، وتجاوزات ألحقت ضرراً بالاقتصاد، وتسببت في نهب ثروات البلاد على مدى عقدين من حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة (1999 - 2009).
ويرمز المفهومان إلى وجهاء في النظام السابق، يوجدون في السجن العسكري منذ أول من أمس، وهم: سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس المستقيل ومستشاره الخاص سابقاً، والجنرال محمد مدين (توفيق) مدير المخابرات سابقاً، والجنرال عثمان طرطاق (بشير) مدير المخابرات سابقاً. وأطلق نشطاء بالحراك العنان لفرحتهم، منذ رؤية صور الثلاثة على شاشات الفضائيات، وهم يدخلون المحكمة العسكرية بالبليدة (جنوبي العاصمة)، لاستجوابهم أمام قاضي التحقيق العسكري، بخصوص تهمتي «التآمر على الجيش» و«التآمر على سلطة الدولة». وقرر قاضي التحقيق بعد انتهاء الاستجواب إيداعهم الحبس المؤقت.
ويملك عمار سعداني، الأمين العام السابق لـ«جبهة التحرير الوطني»، الحزب صاحب الأغلبية البرلمانية، «حقوق التأليف» بالنسبة إلى مصطلح «الدولة العميقة» في الجزائر، فقد ردده مرات عدة أمام وسائل الإعلام وقال إنه يقصد الجنرال مدين الشهير بـ«توفيق»، الذي كان يومها لا يزال رئيساً للاستخبارات العسكرية (2015). وقد وجه له سعداني تهماً خطيرة، منها اغتيال الرئيس محمد بوضياف عام 1992. وحمّله مسؤولية محاولة اغتيال الرئيس بوتفليقة عام 2007 بشرق البلاد، على أساس أنه لم يوفر له الحماية اللازمة، بحسبه. كما اتهمه بإبعاد «كوادر نزهاء» من مناصب المسؤولية في الدولة، وبإحداث انقسامات في أحزاب معارضة.
و«الدولة العميقة»، برأي سعداني، تتمثل في سلطة موازية قوية لسلطة رئيس الجمهورية، وهي خفية وتنطبق تماماً، حسب رأيه، على «توفيق» الذي لم يظهر أبداً في العلن ولم يسبق أن صرّح للإعلام خلال فترة قيادته المخابرات (1990 - 2015). وكان الاعتقاد أن جهة نافذة في النظام تريد التخلص من «توفيق» واختارت سعداني لأداء هذه المهمة. وضُرب «توفيق» في مقتل عندما سجنت قيادة الجيش عام 2015 ذراعه اليمنى، العميد حسان آيت وعرابي، مسؤول قسم محاربة الإرهاب واختراق الجماعات المتطرفة، التابع للمخابرات. ولاح في الأفق، حينها، أن ساعة الحسم مع «توفيق» دقّت، وهو ما حصل بالفعل بعد فترة قصيرة، إذ تم عزله بقرار من الرئيس بوتفليقة، وبتأييد قوي من رئيس أركان الجيش نائب وزير الدفاع الفريق قايد صالح الذي يقف اليوم وراء سجنه، والذي قال إنه واحد من «العصابة التي تخطف الحكم».
واختفى سعداني من واجهة الأحداث بعد تنحية الجنرال مدين، إذ استقال من قيادة «جبهة التحرير» بشكل مفاجئ، ولـ«أسباب صحية». وعاد إلى الظهور خلال المظاهرات من خلال تصريحات للإعلام، مناشداً الجزائريين «تمكين بوتفليقة من استكمال ولايته الرابعة»، وقال إن «أمنيته أن يدشّن الجامع الأعظم»، وهو صرح ديني كبير وضعه بوتفليقة على رأس أولويات ولايته الرابعة.
وذنب «توفيق»، حسب مراقبين، أنه أطلق جهوداً مع سعيد بوتفليقة للبحث عن خليفة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة قبل أن يستقيل. وتطورت المساعي إلى تنظيم لقاء بين الرئيس السابق اليمين زروال والجنرال مدين بطلب من الأخير وبإيعاز من سعيد، حيث عُرض على زروال رئاسة الدولة لفترة انتقالية، لكنه رفض. كل ذلك جرى نهاية مارس (آذار) الماضي في عز الحراك، ومن دون علم قايد صالح. ولكن لما بلغ مسامعه مضمون المساعي، اشتمّ رائحة «مؤامرة» لعزله، فهاجم «توفيق» وسعيد في خطاب ناري، وأمر بوتفليقة بالتنحي عن الرئاسة، وهو ما تحقق له 2 أبريل (نيسان) 2019.
أما صاحب مصطلح «القوى غير الدستورية المهيمنة على الحكم»، فهو رئيس الوزراء سابقاً علي بن فليس، الذي يقود حزب «طلائع الحريات» المعارض. واستعمل بن فليس هذا المصطلح خلال السنوات الماضية في حواراته الصحافية، وفي غالبية بيانات الحزب لتوصيف أوضاع البلاد خلال مرض الرئيس. وتتمثل هذه «القوى» أساساً، حسب رأيه، في سعيد بوتفليقة الذي لا يملك منصباً حكومياً علنياً، لكنه يدير شؤون الحكم من وراء ستار. ومن بين التهم التي وُجهت إليه، استخدام ختم رئيس الجمهورية لإصدار قرارات مهمة. ونُسب إليه بيان عليه ختم الرئيس، نُشر على شبكة التواصل الاجتماعي في 29 مارس الماضي، تضمن إقالة رئيس أركان الجيش. وكان رد قايد صالح عنيفاً، إذ قال في خطاب إن «كل ما تتخذه القوى غير الدستورية من قرارات وإجراءات، باطلة وغير معترف بها».
واللافت أن طرطاق، مدير المصالح الأمنية التابعة للرئاسة سابقاً، لم يُذكر بالاسم ولا بالمنصب خلال الشعارات المعادية للنظام في الحراك ولم يهاجمه قائد الجيش، بعكس «توفيق» وسعيد. غير أن قربه من شقيق الرئيس السابق، الذي استعمله أداة لتصفية حسابات مع خصوم بوتفليقة، كان سبباً مباشراً على ما يبدو في المشكلات التي يواجهها حالياً.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».