الشارع السوداني يشكو من ركود الاقتصاد

في وقت لم تتطرق فيه السلطة الحاكمة في السودان إلى قضية الزيادات الهائلة في أسعار السلع الأساسية والاستهلاكية، التي تشهدها الأسواق حالياً، والممتدة منذ أكثر من عام، أبدت جمعيات حماية المستهلك ومنظمات المجتمع المدني قلقها من استمرار هذا الوضع، وتأثيره السلبي على معيشة المواطنين، وزيادة معاناتهم.
ويشهد السودان منذ العام الماضي، أزمة اقتصادية حادة، بسبب السياسات المالية للنظام السابق، وما زال يعاني نقصاً في العملات الحرة والإنتاج، ويواجه حصاراً اقتصادياً كبيراً من المصارف والبنوك العالمية، إضافة إلى الفساد الذي ضرب بأطنابه كل أوجه اقتصاد البلاد، ولم يتم حصره بالكامل أو محاسبته بعد.
وأدت هذه الأزمة الاقتصادية، التي تجلت في نقص بالوقود والخبز والسيولة النقدية، والتي قادت إلى احتجاجات منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وانتهت بثورة شعبية في السادس من أبريل (نيسان) الماضي، إلى ارتفاع وتذبذب سعر الدولار، الذي تعتمد عليه البلاد في توفير معظم السلع الاستهلاكية من الخارج، ما نتج عنه زيادات لا تقل عن 50 في المائة في كل السلع التي تدخل في المعيشة اليومية للمواطنين.
ويري مصرفيون ومحللون اقتصاديون، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن الطريق ما زالت طويلة، لاستقرار أسعار السلع والعملة المحلية، فما زالت خزائن بنك السودان خالية من احتياطات كافية من النقد الأجنبي للإيفاء بمتطلبات المستوردين، الذين يضطرون لشراء الدولار من السوق السوداء.
ورغم توريد أموال بالعملات المحلية والأجنبية إلى بنك السودان المركزي، خلال الشهر الماضي، وتدفقات من المغتربين، إلا أن المشهد العام لحركة التجارة في البلاد، تبدو عليه ملامح الركود.
وما زال التجار ورجال الأعمال متوجسين من التذبذب في سعر الدولار، ففيما بلغ سعره في السوق الموازية 63 جنيهاً، لا يتجاوز سعره 45 جنيهاً في البنوك التجارية وبنك السودان المركزي. وأدي هذا الوضع إلى ركود عام في حركة التجارة الداخلية والخارجية.
وأكدت أمل عبد الحميد، الصحافية والباحثة الاقتصادية، لـ«الشرق الأوسط»، أن المشهد العام للأوضاع الاقتصادية ما زال هو مشهد العام الماضي نفسه، حيث لم تتراجع الأسعار، ولم تنته الأزمات في الوقود والسيولة النقدية، كذلك الدولار لم يستقر بعد، بل في تصاعد مستمر.
وأشارت عبد الحميد إلى أن التجار يبيعون بضائعهم القديمة التي اشتروها عندما كان سعر الدولار في حدود 70 جنيهاً، وبالتالي لن يتوقع منهم تخفيض الأسعار حتى في حالة هبوط الدولار إلى أقل من 60 جنيهاً، كما يحدث حالياً.
وفيما لا يرغب المسؤولون في بنك السودان المركزي في الحديث حول موقف احتياطات النقد الأجنبي وغيره، قال مصدر مصرفي مطلع لـ«الشرق الأوسط»، إن كل الأموال التي أودعت البنك المركزي لا تغطي العجز في أرصدته، بجانب مديونيته العالية على المصارف السودانية وجهات خارجية.
وبيَّن المصدر أن بنك السودان، ومنذ عام 2012، عندما فقد إيرادات النفط بعد انفصال جنوب السودان عن شماله، بدأت احتياطاته من النقد الأجنبي تتضاءل، إلى أن فقدها بالكامل خلال العامين الماضيين. وأشار إلى أن معالجة هذا الوضع لن تتم بين يوم وليلة، كما أن هناك إحجاماً من المراسلين المصرفيين في العالم للتعامل مع السودان، بسبب نقص الأرصدة السودانية من العملات الأجنبية.
إلى ذلك حذر ناشطون في جمعيات حماية المستهلك السودانية ومنظمات المجتمع المدني، من مغبة استمرار وثبات الزيادات الحاصلة في السلع الأساسية والاستهلاكية، مشيرة إلى أن المستهلك السوداني يعاني حالياً من أشد الأزمات التي يمر بها في تاريخ مسيرته الحديث.
ونبه الناشطون في جمعيات حماية المستهلك إلى تدني الوضع المعيشي لأغلبية المستهلكين من ذوي الدخل المحدود، الذين أصبحت حياتهم صعبة، مبدين تخوفاً من تداعيات اجتماعية وسياسية، وصفت بالخطيرة والمدمرة، ما يتطلب من السلطات المختصة الإسراع لمعالجة الوضع الاقتصادي في البلاد.
وطالب الناشطون، متخذي القرار الاقتصادي في السلطة الحاكمة، بإصدار قرارات اقتصادية عاجلة وعملية، بهدف توفير الاحتياجات المعيشية الأساسية للمستهلك، من مواد غذائية وأدوية ومحروقات ودقيق قمح وسكر بكميات كافية، وأسعار معقولة، وذلك من خلال دعم مستوردي ومصنعي الاحتياجات المعيشية الأساسية للمستهلك.
كما نادوا بوضع سياسات مالية ونقدية عملية وواقعية، وضوابط صادر مرنة، وإزالة العقبات والتعقيدات التي أنشأتها السياسات السابقة الخاطئة أمام المستوردين والمصنعين.