لطالما عانت الهند من مشكلة الماشية الشاردة، التي يمكن للمرء عادة رؤيتها في المدن والريف وهي تتناول القمامة على جانب الطريق، إلا أن المشكلة قد بلغت ذروة جديدة.
واعتبر حزب «بهاراتيا جاناتا» القومي الهندوسي، الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء ناريندرا مودي، حماية الأبقار أولوية له من أجل الحصول على دعم الهندوس، ولكن هذه الخطوة أدت في النهاية إلى رد فعل عنيف من جانب المزارعين. وتعد «الضائقة الزراعية»، الناجمة عن مواجهة المزارعين لارتفاع التكاليف وانخفاض أسعار المحاصيل، قضية رئيسية في الانتخابات العامة الجارية حاليا في الهند. ويحاول حزب «بهاراتيا جاناتا»، الذي خسر الانتخابات في فصل الشتاء في الولايات الرئيسية التي تشكل فيها الزراعة دعامة رئيسية، استعادة هذه القاعدة المهمة من الناخبين، حيث تؤثر أزمة الماشية الشاردة على عدد كبير من المزارعين في الهند، الذين يتجاوز عددهم 260 مليون مزارع. ويشار إلى أن ولاية أوتار براديش هي ولاية حيوية من الناحية السياسية، حيث يمثلها 80 نائبا من أصل 543 عضوا في البرلمان الهندي. وتستعرض بريانكا غاندي، من حزب المؤتمر الهندي، حزب المعارضة الرئيسي في الهند، قضية أزمة الماشية بشكل بارز في التجمعات الخاصة بحملتها الانتخابية.
تولى مودي مقاليد السلطة في البلاد في عام 2014. لكن لم يعد «بهاراتيا جاناتا» قادرا على أن يقدم نفسه لكونه «حزب الفرص الاقتصادية» في الانتخابات المقبلة لكسب أصوات الناخبين، كما فعل قبل خمس سنوات، بل إنه يعتمد هذه المرة على القومية الهندوسية والقضايا الخلافية المثارة بين الهندوس والمسلمين.
وفي عام 2017، دعا رئيس وزراء ولاية أوتار براديش وكاهن هندوسي متشدد يدعى يوجي أديتياناث، ينتمي لحزب بهاراتيا جاناتا أيضا، إلى تطبيق حظر على بيع وذبح الأبقار بصورة أكثر صرامة، مما أدى إلى إغلاق المجازر غير القانونية.
وفي ولاية أوتار براديش، كما هو الحال في معظم الولايات الهندية، يُحظر ذبح الأبقار، ولكن من الممكن دائما العثور على مجازر غير قانونية تتيح للمزارعين بيع أبقارهم بها إذا توقفت عن إنتاج الحليب، حيث عادة ما يدير أفراد الأقلية المسلمة في البلاد هذه المجازر ويقومون بنقل الماشية.
دفع فرض قيود على بيع وذبح الأبقار الحلوب والكبيرة في السن، وعمليات الانتقام التي يمارسها الهندوس اليمينيون الذين يقدسون هذه الحيوانات، المزارعين إلى التخلي عن الأبقار غير المنتجة. وقام المزارعون والقرويون الغاضبون بحبس الأبقار والثيران في المدارس والمباني الحكومية، في مشاهد غير عادية خلال الأشهر القليلة الماضية في جميع أنحاء ولاية أوتار براديش الهندية. وتواجه المجتمعات الزراعية في الهند «أزمة أبقار»، حيث دمرت الماشية الشاردة مساحات شاسعة من حقول القمح والبقوليات ومحاصيل قصب السكر، وغيرها من المحاصيل، بينما نفقت مئات الأبقار بسبب إصابتها بالمرض وسوء التغذية، أو في حوادث على الطرق. ويضاعف المزارعون في كبرى الولايات الزراعية بالهند، مثل أوتار براديش، من جهود الحراسة التي يقومون بها، حيث يظل كثير منهم مستيقظين حتى وقت متأخر لحماية حقولهم.
وعلى بعد 100 كيلومتر من العاصمة نيودلهي، وتحديدا في منطقة جيوار، يشير فيد بال سينغ، البالغ من العمر 70 عاما، إلى محصول القمح الذي التهمت الماشية جزءا منه، ثم إلى عشرات الأبقار «المغيرة»، التي تحيط بأرض جرداء على مسافة منه. ويقول سينغ للوكالة الألمانية للأنباء: «طردت تلك الأبقار للتو، ليس هناك أحد يعتني بها. يمكنك المجيء في العاشرة ليلا وستجدني هنا أقوم بمطاردة الماشية. يتكبد المزارعون خسارة في المحاصيل وخسارة مالية بسبب ذلك». كما هاجمت الماشية الضالة ثلاثة من السكان المحليين في مكان قريب، وفي حادث مميت آخر، نطحت إحدى البقرات امرأة.
ويؤكد مزارع آخر يدعى فيجاي سينغ أن المزارعين يستمرون في التخلي عن الماشية، مشيرا إلى أن عدم اتخاذ إجراءات من جانب السلطات يؤدي إلى استمرار الحيوانات في تدمير الحقول. ويقول فيجاي سينغ: «أعرف كثيرين بيننا يقومون بذلك. لا يمكننا أن نسبب أي أضرار للأبقار لأننا هندوس، لذلك فإننا نبحث عن المناطق المهجورة... (مثل) العيادات والمدارس الصغيرة، فهي مفضلة بشكل خاص لأنها لا تخضع لحراسة».
وفي ظل تعزيز الإجراءات المعنية بحماية الأبقار، حدثت زيادة كبيرة في أعداد الهجمات التي تقوم بها جماعات «حماية الأبقار» الهندوسية على الشاحنات التي تنقل الماشية، حيث يقوم الهندوس بترهيب التجار، وتتعطل التجارة. وخلال الفترة بين عامي 2015 و2018 قُتل 44 شخصا في مثل هذه الهجمات في الهند، وبينهم 36 مسلما، بحسب تقرير صادر عن منظمة «هيومن رايتس ووتش».
وينتهي الأمر بالمزارعين الذين لا يتمكنون من الاستمرار في إطعام أبقارهم بعد أن تتوقف عن إدرار الحليب، بإطلاقها سرا، حيث يقومون بتركها شاردة بعيدا عن مزارعهم.
ويواجه المزارعون في جيوار مأزقا في الوقت الحالي في ظل وجود خسارة تقدر بنحو ربع إنتاجهم في موسم الحصاد الحالي.
وتم إقامة مأوى مؤقت للأبقار على أرض أحد المعابد في جيوار، ولكن السكان المحليين يقولون إن كثيرا من الماشية قد نفقت بسبب المرض أو الجوع لعدم وجود ما يكفي من أموال لشراء الأعلاف.
ويتم جلب أعداد كبيرة من الماشية الشاردة إلى هذا المأوى، الذي صار الآن مكتظا، بعدما تضاعفت الأعداد مقارنة بـ190 في شهر ديسمبر (كانون الأول)، بحسب ما يقوله العاملون هناك. وطبقت حكومة الولاية ضريبة لرعاية الأبقار، من أجل إقامة وصيانة ملاجئ الأبقار، ولكن الأمر قد تأخر.
ويبدو أن هناك انقساما في الرأي بين المزارعين بشأن هذه الأزمة. ويدعم أرفيند، وهو ابن فيد بال سينغ، الإجراء، رغم أنه يقدر حجم الخسارة بـ50 ألف روبية (1020 دولارا)، وهو ما يمثل سدس أرباح هذا الموسم.
وكانت المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية الهندية - التي تجرى على سبع مراحل - انطلقت في 11 من أبريل (نيسان)، وسط مساع من جانب مودي للفوز بولاية ثانية.
ويمتد التصويت على مدى ستة أسابيع، تنتهي في 19 من مايو (أيار)، ويتوقع إعلان النتائج في 23 مايو.
الانتخابات الهندية بين حماية «الأبقار الهندوسية» وإرضاء 260 مليون مزارع
الانتخابات الهندية بين حماية «الأبقار الهندوسية» وإرضاء 260 مليون مزارع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة