الإيرانيون يحتلون المرتبة الأولى بين المهاجرين غير الشرعيين إلى أستراليا

عوامل بنيوية وعرضية مختلفة تؤثر في معدلات الهجرة

الإيرانيون يحتلون المرتبة الأولى بين المهاجرين غير الشرعيين إلى أستراليا
TT

الإيرانيون يحتلون المرتبة الأولى بين المهاجرين غير الشرعيين إلى أستراليا

الإيرانيون يحتلون المرتبة الأولى بين المهاجرين غير الشرعيين إلى أستراليا

استمعنا في السنوات الأخيرة، أكثر من السابق، عن ركاب السفن المحطمة في المياه الأسترالية. ويحتل الإيرانيون الذين لم يكن لهم حضور كبير في هذه السفن من قبل، حاليا المرتبة الأولى بين المهاجرين الذين يتجهون بشكل غير قانوني إلى أستراليا. ويبدو أننا نشهد نوعا جديدا من الهجرة تتسع بين الإيرانيين: عمليات إبحار على سفن غير مضمونة، ومشفوعة بمخاطر جمة من أجل الوصول إلى أرض الأحلام.
وفي هذا النوع الجديد من الهجرة، تضاف فئات جديدة من الطبقات الاجتماعية بل وأحيانا من القرى إلى جموع المهاجرين الإيرانيين. نظرة توصيفية إلى المهاجرين من أفريقيا وآسيا قبل عقد من الزمن، تظهر أن المهاجرين الإيرانيين لم يكونوا من الطبقات الاجتماعية الدنيا بل اقتصاديا كانوا ينتمون إلى الطبقة الوسطى والفئات العليا من أبناء المدن.
يقول الدكتور نادر وهابي الباحث في شؤون الهجرة في المعهد العالي للعلوم الاجتماعية في باريس الذي نشر كتبا ومقالات كثيرة حول هجرة الإيرانيين في مقابلة خاصة مع «الشرق الأوسط»: «منذ التسعينات وخاصة بعد 1995 نشهد ظاهرة جديدة وهي هجرة الفئات المعوزة ومنهم القرويون الذين يشكلون 10 – 15 في المائة من المهاجرين الإيرانيين. وتؤكد بحوثي التي نُشرت تحت عنوان (دمقرطة الهجرة) أنه ومنذ عام 1995 نشاهد فئات فقيرة وقروية بين المهاجرين الإيرانيين. هذه الفئات الشابة غير المتزوجة عاطلة عن العمل في إيران، حيث يهاجر البعض منهم لمدة عام أو عامين كي يوفروا بعض المال ليستثمروه عند عودتهم إلى قريتهم أو بلدتهم في إيران».
ويشكل هؤلاء المنتمون للطبقات الفقيرة وكذلك قسم من أبناء الطبقة الوسطى، فئة من المهاجرين التي تتعرض أكثر من غيرها للمخاطر الناجمة عن الهجرة غير القانونية بواسطة الزوارق الصغيرة. فهم يختارون الطرق البحرية الخطرة للغاية التي تؤدي أحيانا إلى الغرق في المياه الهائجة كطريق للإبحار إلى أستراليا. كما ينتظر الكثير منهم لسنوات في دول مثل تركيا وفي ظروف صعبة وغير مناسبة، من أجل الدخول إلى الدول الأوروبية.
ووفقا لتصريحات أدلى بها سفير أستراليا في طهران بال فولي أنه وخلال سبعة أشهر أي منذ أول يناير (كانون الثاني) 2013 وحتى نهاية يوليو (تموز) من نفس العام، دخل 6404 إيرانيين، الأراضي الأسترالية بزوارق صغيرة. وتظهر أهمية هذا الإحصاء لدى مقارنتها بإحصاء يتعلق بدخول كل الباحثين عن اللجوء في أستراليا خلال هذه الفترة والبالغ عددهم 17 ألف و209 مهاجرين. فإن أكثر من ثلث المهاجرين خلال هذه الفترة كانوا من الإيرانيين، يليهم الأفغان بألفي مهاجر في المرتبة الثانية. وقال بال فولي إن الإيرانيين هم الأكثر عددا بين المهاجرين إلى أستراليا، ومعظمهم من الساعين اللجوء الاقتصادي والحياة الأفضل في أستراليا.
وعلى صعيد آخر أعلن السفير الإندونيسي في طهران في شهر يوليو الماضي أن 5 آلاف مواطن إيراني يرزحون في المعتقلات المؤقتة، و500 إيراني آخر يقبعون في السجون الإندونيسية. فهؤلاء ليسوا من الباحثين عن اللجوء في إندونيسيا بل معظمهم كانوا يبحثون عن طريق للانتقال إلى أستراليا. وقد أدى ذلك إلى أن تلغي إندونيسيا، إصدار التأشيرة للإيرانيين في المطارات، وتفرض قيودا على دخولهم إلى أراضيها.
ورغم عدم وجود إحصائيات دقيقة عن عدد الإيرانيين الذين غرقوا عند تحطم السفن التي تقلهم فإن الحقيقة القائلة بأن الإيرانيين وكالشعوب الأخرى – بل وأكثر منها – يتجهون إلى وسائل خطيرة للغاية جدا للهجرة، تثير التساؤل عن النسبة المئوية للمهاجرين الإيرانيين الذين يستخدمون هذه الأساليب.
ويؤكد الدكتور وهابي وفقا لبحوثه في هذا المضمار «لدينا ثلاثة أساليب لمغادرة إيران. 40 في المائة يغادرون إيران وفقا لمخطط وبرنامج محدد وبوعي في حين يغادر نحو 30 في المائة إيران بضمانات محددة وبواسطة مهربين موثوقين لأنهم ينتمون للفئات الميسورة للمجتمع الإيراني، لكن البقية أي نحو 30 في المائة الذين ينتمي معظمهم إلى الفئات المعوزة، يواجهون كوارث إنسانية».
لماذا يهاجر الإيرانيون؟
موضوع الهجرة، موضوع قديم، كقدم حياة البشرية. ووفقا لهذا وخلال فترات تاريخية مختلفة، تؤثر عوامل كثيرة في تزايد نسبة الهجرة أو انحسارها. فالشيء الذي يجلب انتباه علماء الاجتماع هو أن نسبة الهجرة في إيران تفوق معدل نسبتها في العالم.
ويرى علماء الاجتماع، أن عوامل بنيوية وعرضية مختلفة تؤثر في عملية الهجرة لدى الإيرانيين. وقد أدت هذه العوامل خاصة بعد ثورة 1979. وخلال فترات مختلفة إلى تصاعد نسبة الهجرة وأحيانا إلى انحسارها لدى الإيرانيين. ويقول الدكتور نادر وهابي «هناك عوامل بنيوية للهجرة خلال الأعوام الـ35 المنصرمة لم تتغير حتى الآن. كما هناك عوامل عرضية كانت لها تأثير قصير المدى. وتشمل العوامل البنيوية أولا: البنية السياسية غير الديمقراطية التي لا تتحمل المعارضة، إذ يؤدي هذا الوضع إلى التضييق على النشطاء السياسيين، والاجتماعيين، والثقافيين، وهجرتهم عن البلد. ثانيا: البنية الاقتصادية الفاقدة للتشغيل. فعلى سبيل المثال في عهد أحمدي نجاد، كانت الضغوط على الشباب بين 18 – 35 سنة تحثهم على الهجرة بسبب مستوى البطالة الذي بلغ 16 أو 17 في المائة رسميا، و28 في المائة وفقا للإحصاءات غير الرسمية. ثالثا: تدخلات الآيديولوجية الدينية في الحياة الشخصية والاجتماعية للناس».
ويضيف «إلى جانب العوامل البنيوية هناك عوامل عرضية مثل: الحرب الإيرانية – العراقية التي أدت إلى هجرة فئات من الطبقات الوسطى والعليا للمجتمع الإيراني. وعدد السكان، حيث لم يكن معدل النمو السكاني في الثمانينات، معدلا معقولا إذ شهدنا نموا سكانيا مرتفعا جدا، وكذلك عوامل أخرى كالاضطرابات الطلابية عام 1999. والحركة الخضراء في عام 2009. إذ تؤكد دراساتي أنه وخلال الأعوام العشرة الماضية هاجر سنويا بين 210 – 250 ألف إيراني بلادهم لأسباب بنيوية وعرضية».
ويتشكل المهاجرون الإيرانيون من فئات مختلفة. قسم من المهاجرين هم من الطلبة والباحثين الذين يقومون بهجرة مؤقتة للولوج في العالم العلمي في الدول المتطورة حيث يبقى البعض منهم في هذه الدول. الفئة الأخرى هم من التجار، والطبقات العليا المهاجرة. الفئة الثالثة هم من الأشخاص الذين يهاجرون وفقا لتصورات صحيحة وغير صحيحة بالنسبة لحياة أفضل وأحيانا حياة مثالية. وتؤدي هذه التصورات الاكليشية أحيانا إلى نسيان المهاجرين مشاكل الحياة في البلد المضيف، وتحمل مخاطر كثيرة للوصول إلى حياة طموحة.
واستنادا إلى بحوثه في هذا المجال يقول الدكتور وهابي «أنا لا أوافق مع الاكليشي. هناك تصور ذهني من الحياة المثالية وهو أمر حقيقي ولم يقتصر على إيران. والأمر كذلك وفقا للمعايير العالمية. وعشية عام 2014. هناك 215 مليون إنسان يعيشون في دول لم يولدوا فيها وهو نحو 3 في المائة من سكان العالم. وبالعودة إلى إيران، تؤكد دراساتي أنه وعشية 2014 هناك أربعة ملايين ونصف مليون إيراني مهاجر، أي أن نسبة 5.5 في المائة من الإيرانيين يقيمون خارج البلاد، وإذا قارنا الأمر مع معدل النمو للهجرة في العالم وهو 3 في المائة، نرى أن معدل نمو الهجرة الإيراني أكثر بكثير من 3 في المائة، والأمر يعود إلى ثلاث ثورات تكنولوجية حدثت خلال الأعوام الثلاثين المنصرمة: ثورة المواصلات، وثورة تقنية الإنترنت، والثورة في المجال الثقافي».
ويؤكد الدكتور وهابي «نتيجة الثورات الثلاث هذه، يستطيع القروي الإيراني أن يطلع على إنجازاتها على المستوى العالمي. إضافة إلى ذلك ووفقا لنظرة الفرد المهاجر، هناك مؤشرات مثل التعليم المجاني، والصحة المجانية، والعمل المناسب تحث الإيرانيين على الهجرة. ورغم ذلك تتغير ذهنية نحو 15 في المائة من الإيرانيين المهاجرين من إيران، وهم يعودون للبلاد بعد فترة، لكن 85 في المائة منهم يبقون في البلد المضيف».
أمواج هجرة الإيرانيين
على رغم العوامل البنيوية لهجرة الإيرانيين خلال الأعوام الـ35 الماضية وهي عوامل ثابتة تشكل أرضية الهجرة، هناك عوامل عرضية تؤدي إلى صعود ونزول الخط البياني لهجرة الإيرانيين.
ويقول الدكتور وهابي حول هذا الخط البياني: «تؤكد أمواج الهجرة من إيران أنه وبعد انطلاق أي توتر في المجتمع الإيراني ولمدة خمس سنوات، يرتفع معدل الهجرة، لكنه ينحسر بعد هذه السنوات الخمس. طلب 45 ألف إيراني حتى عام 1988 اللجوء في الخارج، لكننا شهدنا انحسارا في هذا المعدل حتى عام 1998. ووفقا لإحصاءات الأمم المتحدة انحسر عدد المهاجرين الإيرانيين لمدة عامين بعد صعود خاتمي سدة الرئاسة في إيران وبلغ 9 – 10 آلاف مهاجر سنويا. وقد ارتفع عدد المهاجرين بعد العام 1998 أي عام مداهمة المدينة الطلابية في طهران وذلك لمدة عامين، ومن ثم انحسر معدل الهجرة، حتى عام 2009 حيث شاهدنا ظهور الحركة الخضراء، ومرة أخرى صعود معدل الهجرة. وتؤكد إحصاءات مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أن عدد المهاجرين يبدأ بـ16 ألف في عام 2009 ليصل إلى 17 ألفا في عام 2010. و18 ألفا في عام 2011». وقد أغلقت الحكومة الأسترالية وبقراراتها الجديدة طرق دخول المهاجرين بواسطة الزوارق الصغيرة وبمساعدة المهربين، لكن الأسباب التي تحرك المهاجرين لا تزال قائمة. أي أن الأسباب البنيوية التي تحث الناس للهجرة لا تزال قائمة في المجتمع الإيراني. إذ تبحث الفئات الاجتماعية وبعد إغلاق طريق ما عن طرق جديدة للوصول إلى طموحاتهم من أجل الحياة في بلد أفضل.
ويؤكد الدكتور نادر وهابي في توقعاته عن مستقبل هجرة الإيرانيين: «ستكون هناك وفقا لعلم الاجتماع إعادة لإنتاج الهجرة طالما أسبابها البنيوية قائمة. يجب إلغاء هذه العوامل البنيوية لنشهد انحسارا في معدل الهجرة. آمل أن ينحسر معدل الهجرة إثر وعود السيد روحاني بخلق أجواء مناسبة».
* خدمة: فارسي الشرق الأوسط
«شرق فارسي}



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».