شهادات لروائيين عرب حول تجاربهم في الكتابة

الحنين إلى الوطن وتحقيق الذات واستشراف المستقبل

جانب من الندوة
جانب من الندوة
TT

شهادات لروائيين عرب حول تجاربهم في الكتابة

جانب من الندوة
جانب من الندوة

تحدث عدد من الأدباء العرب حول تجاربهم في الكتابة، وذلك في ملتقى القاهرة الدولي السابع للإبداع الروائي العربي، الذي عقد مؤخراً. وجاءت هذه الشهادات خليطاً ما بين الإفصاح عن دوافع الكتابة وبين أساليبها وتكنيكاتها، وتأثير الطفولة والمكان الأول والحنين إليه على إبداعاتهم، كما اتسمت بنوع من المواجهة الشفيفة مع الأنا في محاولة كشف ذواتهم الحقيقية القابعة فيما وراء نصوصهم.
الروائي الفلسطيني يحيى يخلف، الذي فاز بجائزة الملتقى، تحدث عن أثر معاناة الطفولة وذاكرة المكان على كتاباته، حيث «المكان الأليف»، الدفء والحنان في بيت العائلة: «طالما غرفت منها عندما أدركتني هواية الكتابة وحرفة الأدب... فكتبت روايتي (تفاح المجانين) التي عكست أحلام الطفولة في البحث عن سر القوة والشجاعة»، مضيفاً: «مخزون الذاكرة كبر معي ورافقني، وشكّل بنية تحتية لبناء روائي ومعمار فني فمنها كتبت رباعية: (بحيرة وراء الريح)، و(ماء السماء) و(جنة ونار) و(نهر يستحم في البحيرة)».
وربطت الروائية السورية لينا هويان الحسن، الحديث عن تجربتها بما سمته الحنين الغامض، قائلة: «نرضخ للكتابة عندما يجتاحنا اليقين الغامض، إنه لا يمكن التملص من عنف الذاكرة إلا بتدوينها. نحن مذنبون واعون بذنوبنا والدليل أننا نكتبها... الكتابة هي حياتنا التي نعيشها عن اختيار، ونعيش نقضيها، عندما تعود إلى تاريخنا الشخصي المتواري في كل شيء فينا؛ في جوارحنا وتفكيرنا ومشاعرنا، لهذا بدأت من عالمي الخاص، والواسع في الوقت نفسه؛ بدأت من الصحراء».
فيما أشارت الروائية العمانية جوخة الحارثي، إلى أثر الغربة في مدينة أدنبرة على إبداعها: «كنت في منتصف عشريناتي طالبة مغتربة، أدرس دكتوراه بلغة غير التي أعشق، وأماً لطفلة تعاني الوحدة، لكن الكتابة أنقذتني. كنت أمشي غريبة الوجه واليد واللسان، أرى آلاف الحكايات تمشي معي وأدعوها لنجلس معاً، ونشرب كوب قهوة في الصقيع، شربت الحكايات، عشرات الأكواب ونادمتها، لا تبدأ الحكاية حتى تنتهي، ولا تنتهي حتى تدخل في حكاية جديدة، قالت لي الحكايات: همنا طويلاً كأشباح في هذه المدينة، وقد تنادمنا طويلاً، اكتبيني... فكتبت رواية (سيدات القمر)»، مضيفة: «كتبت فحررتني لغتي، لغتي أعطتني ساقين فركضت، الكتابة أعطتني جناحين فطرت».
أما الروائي المصري محمد السيد داود، فيرى أن «كل رواية شهادة على الحياة، كل إنسان مجموعة متشابكة من الروايات، ويمكن لكل كاتب أن يضيف رواية على الأقل حول علاقته بالكتابة، أشعر أن بالإمكان كتابة رواية عن كل رواية كتبتها»، مضيفاً: «دائماً هناك ما لم أنشره، وما لم ينشر قط، لكن الكتابة مستمرة».
واعتبر الروائي المغربي مبارك ربيع، الكتابة، نوعاً من المواجهة: «أجدني في الإبداع الروائي وجهاً لوجه أمام اللانهائي بلا محدوديته المطلقة وبتعدد ممكناته، مما يفرض صعوبة الاختيار والحسم، بما في ذلك من مغامرة تقييمية ذاتية»، وبالنسبة له فإن «التركيب الروائي هو ما يدعو خبرة في غابر الطفولة أو أقاصي موطن أو حلم خيال مجنح إلى أن تتلاحم وتتنامى في لحظة ما».
وعبر الروائي المصري أشرف الصباغ، عن تجربته الكتابية، قائلاً: «أعيد ترتيب العالم، لا بالورقة والقلم، بل بأزرار الكومبيوتر. هكذا شاءت الطبيعة، وشاء التطور، وكلما تصورت أنني نجحت في صياغة معادلة ما اكتشفت أن العالم بحاجة إلى مزيد من الترتيب».
فيما رأت الروائية السودانية آن الصافي، أن «الكتابة وسيلة التعبير التي تحمل مسؤولية عظمى أمام واقعنا لنأخذ بأسباب وفرتها لنا، فهناك أجيال تنتظر منا أن نهيئ لها أرضية صلبة»، وتؤكد أن «الكتابة للمستقبل هو المشروع الأدبي الذي أعمل عليه، بحيث يحمل طيه رؤى أطرحها عبر نصوص سردية وأوراق فكرية ثقافية تعنى بأثر أدوات العصر الراهن في آلية التفكير والتواصل، وما يؤثر على حياة الفرد ومسار المجتمعات».
وقال الروائي المصري بهاء عبد المجيد، في مداخلته، «الكتابة عندي نوع أدبي يعبر عن قيمة إنسانية وحضارية في الوقت نفسه»، قائلاً: «أكتب الرواية من منطقة الذاتية فهي منبع خصب للفن الروائي السردي، وأيضاً إعمال الذاكرة وارتباطها باختيارات مناطق من الحكي في الماضي، التي تستشرف المستقبل»، ومضيفاً: «الرواية عندي هي موقف وجودي من الحياة ومن العالم الذي نعيشه، والشخوص عندي هي تمثيل حقيقي للواقع، ولكن برؤية فلسفية رمزية»، كما يعترف بأن نصوصه تتحاور مع نصوص محلية وعالمية، معتبراً الرواية نصاً كونياً كبيراً.
وأشار الروائي الأردني جمال القيسي، إلى أن فكرة روايته الأولى انبثقت حينما كابد شعوراً بانهيار الأمل في التغيير نحو الأفضل، وصدمته بأحوال المسلمين والعرب في الولايات المتحدة على أرض الواقع، لافتاً إلى أن قضية الهوية كانت هاجساً دافعاً للكتابة أيضاً، في ظل صدمة التراكمات التاريخية الجارحة.
أما الروائي اليمني محمد الغربي عمران، فذكَّر بأن كتابة الرواية تتطلب قراءة الحياة التي نعيشها، وليس التجارب الروائية لعدد من الكتاب الآخرين، لافتاً إلى أنه لا توجد وصفة جاهزة لكتابة الرواية، ولكن الكتابة الإبداعية هي خلاصة تجارب حياتية ومخزون من القراءة التي تلهم الكاتب أحياناً في معالجة قضايا حياتية تمسه.
وقال الروائي المصري محمد عبد الله الهادي، «أكتب لأنني أحب أن أكتب، أي أنني أمارس شيئاً أحبه، ولن أدعي البطولة فأقول إنني أطمح إلى تغيير العالم، فهذا وهم كبير يقع فيه كثير من الكتاب».
أما الروائي السوري هوشنك أوسي، فاعتبر أن «الرواية هي فن الأنا، في محاولة لاستنهاض المجتمع وإطلاعه على قبائحه، وهي فن نقد الأنا والآخر، وهي محاولة تصفية حساب مع الحياة والموت؛ لذا ليس من الغرابة وصف الرواية بأنها من صنف المراجعات النقدية للذات والمجتمع والتاريخ»، ويضيف أن الرواية يجب أن «تنزع إلى التجديد والتجريب المستند إلى أرضية معرفية متينة وخيال خصيب، وموهبة جسورة لئيمة».
الكتابة بالنسبة للروائية المصرية مني الشيمي، «قلق داخلي... ثمة شيء في الكتابة يشبه الرسالات يجب تبليغه... الكاتب أداة تعبر عن معاناة الآخرين، والروائي يؤرخ لخطوات الإنسان منذ نشأ على هذه الأرض».
الروائية التونسية حياة الرايس، اعتبرت أن «المكان لمن يبدعه والزمان. فبعد أكثر من ثلث قرن في كتابة القصة والشعر والنص المسرحي وأدب الرحلات وأدب الرسائل والبحث الفلسفي... كأني كنت في حاجة إلى جمع شتاتي في رواية فكانت (بغداد وقد انتصف الليل فيها)»، معتبرة أنها رواية سيرة ذاتية، «فيها السرد والحكاية وتعدد الشخصيات والأحداث والعقدة والدراما والرؤية الفلسفية والخيط الرابط والموقف من قضايا العصر في مناخات شعرية، وفية لخصائص كتاباتي الأدبية... فيها مقومات الرواية ومقومات السيرة الذاتية... أو ربما كنت أتوق إلى كتابة النص المفتوح الذي لا يحده حد».
واعترف الروائي المصري جار النبي الحلو، بأن ما كتبه من ألوان الإبداع الأدبي يضج بألوان الطفولة وبساطة سحرها، قائلاً: «كانت رواية (حلم على نهر) هي الأولى، وفيها تابعت هذا الرجل أبا سيد، وجاهدت معه في بناء حلمه، لكننا انكسرنا معاً في يونيو (حزيران) 1967، فيما الرؤى الاشتراكية تداعب خيال الشاب الذي رمى بنفسه في شرك الكتابة، هو أنا الذي صارت أحلامه أكبر من العالم، وعرفت المهمشين والغجر والفلاحين وطلاب الجامعة ورفقاء الثقافة فكتبت (حجرة فوق السطح)».
وعن تجربته الروائية، يعتبر الروائي السوري خليل النعيمي، أن «الكتابة الروائية أغنى من الواقع لأنها تملأ الفراغات المهملة في الحياة بأشياء مبتدعة من الواقع اللامرئي»، وحول تأطير النقاد للكتاب وقولبتهم يقول: «الكتابة الروائية ليست موقفاً فكرياً، وإن كانت أدواتها الأفكار، ليست سياسة، وإن كانت تعنى كثيراً بالسياسة، الرواية امتزاج حميمي بين لغتها وفن قولها وتصور الكاتب المبدع للعالم، وهي من أجل إيضاح ذلك ترتكز على علامات وإشارات، وتعتمد على دلالات خاصة بها».
أما الروائي المصري سعد القرش، فتحدث عن علاقته بالكتابة قائلاً: «أكتب فأرى، وأبلغ فضاءً طليقاً يهزم الزمن، وأتحايل على حياة واحدة لا تكفيني؛ فأصوغ حيوات، وأرتحل في التاريخ، التاريخ لا الماضي، أرتحل فيه لا إليه. وهبتني الكتابة عائلة إنسانية كبيرة، وأجتهد لتضمن لي بنيناً وأحفاداً».



علي بن تميم: لا بدّ من الريادة في التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي

جانب من معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2024
جانب من معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2024
TT

علي بن تميم: لا بدّ من الريادة في التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي

جانب من معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2024
جانب من معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2024

في حوار «الشرق الأوسط» مع الدكتور علي بن تميم، رئيس «مركز أبوظبي للغة العربية»، في هيئة الثقافة والسياحة في أبوظبي، الذي يتبع له مشروع «كلمة» للترجمة؛ أحد أكبر المشاريع الثقافية في العالم العربي، تحدّث عن التحديات التي تسوقها وسائل التواصل للهوية الثقافية للمجتمعات المحلية، لكنه دعا إلى الريادة في استخدام التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي بوصفها سبيلاً للحفاظ على الهوية الثقافية وتعزيزها، وذلك عبر تغذية الفضاء الرقمي بالمنتجات الفكرية والأدبية الجادة والرصينة.

لاحظ الدكتور علي بن تميم، أن الوسائل الرقمية فرضت تغييرات في اهتمامات الشباب، وهي تحديات مدعومة بالفجوة في المحتوى الثقافي العربي الحقيقي على تلك الوسائل. وهنا نص الحوار:

> كيف ترون التحديات التي تواجهها الهوية الثقافية، وسط طوفان الثقافات السريعة التي تفرضها العولمة؟

- بالتأكيد فإن الثقافة التجارية السريعة، ومخرجات العولمة، التي قد تشكل فرصاً لتعزيز الهوية المتفردة، لها تأثيرات كبيرة وتفرض تحديات بالغة على المجتمعات، خصوصاً وسائل التواصل الاجتماعي وما تفرضه من تشويه للغة العربية، والمفردات والتراكيب وغيرها، وما تنشره من محتوى مجهول المنشأ خصوصاً في مجالات الأدب والشعر والسرد، وهو ما بات يشكل تهديداً وجودياً لقطاع النشر من خلال إمكانية الوصول وتفضيلات الشباب لتلك الوسائل، وعدم التزام الوسائل الرقمية بحقوق الملكية الفكرية، لا بل بالتلاعب بالمحتوى واجتزائه وتشويهه، والأخطاء الجسيمة في حق اللغة والهوية الثقافية والاجتماعية التي تمارسها بعض المنصات.

الدكتور علي بن تميم (رئيس مركز أبوظبي للغة العربية)

> كيف رصدتم الأثر غير الإيجابي للوسائل الرقمية؟

- من الملاحظ أن تلك الوسائل فرضت تغييرات في اهتمامات الشباب ونظرتهم ومحاكمتهم لمختلف الشؤون التي يعبرون بها في حياتهم، واللجوء إلى المعلومات المبتورة والابتعاد عن القراءات الطويلة والنصوص الأدبية والمعرفية الشاملة وغيرها التي تحقق غنى معرفياً حقيقياً.

وتأتي تلك التحديات مدعومة بالفجوة في المحتوى الثقافي العربي الحقيقي على تلك الوسائل، ما يعزز ضعف التفاعل مع الموروث الثقافي، حيث تفتقر العديد من المبادرات الثقافية التي تركز على الترويج للأصالة بصورة تتفاعل مع الأجيال الجديدة، إلى الوسائل الحديثة والتفاعلية التي تجعلها جذابة للأجيال الشابة. ويضاف إلى ذلك تأثير اختلاف طبيعة الأعمال وأسواق العمل، التي يتم فيها تسليع الثقافة لغايات تجارية.

> لكن الإمارات – كما بقية دول الخليج – قطعت شوطاً كبيراً في تمكين التقنيات الرقمية... فهل يأتي ذلك على حساب الهوية الثقافية؟

- صحيح، ينبغي النظر إلى أن ريادة الدولة في المجالات الرقمية والذكاء الاصطناعي تشكل بحد ذاتها عامل دعم للهوية الثقافية، إضافة إلى تأثير البيئة الاجتماعية ومخزونها القوي من الثقافة وغنى هويتها، والدور الإيجابي للمعرفة الرقمية في تعزيز تنافسية الدولة وريادة الأعمال، ووجود كفاءات متعددة للاستفادة منها في تعزيز المحتوى الثقافي والهوية الثقافية، على دراية كاملة بأساليب ووسائل انتشار تلك المنصات ووصول المحتوى إلى الجمهور المستهدف، وإمكانية استغلال ذلك في خلق محتوى ثقافي جديد موازٍ للمحتوى المضلل يمتلك كفاءة الوصول، والقدرة على مخاطبة الشباب بلغتهم الجديدة والعصرية والسليمة، لمواجهة المحتوى المضلل، إن جاز التعبير.

> ما استراتيجيتكم في مواجهة مثل هذه التحديات؟

- تساهم استراتيجية مركز أبوظبي للغة العربية، في تعزيز الهوية الثقافية الإماراتية والحفاظ عليها وسط تأثيرات العولمة. وتشكل المهرجانات الشاملة مثل مهرجان العين للكتاب ومهرجان الظفرة للكتاب ومعرض أبوظبي الدولي للكتاب، والجوائز الرائدة مثل جائزة الشيخ زايد للكتاب وجائزة سرد الذهب، وغيرها، بما تتضمنه من مبادرات متكاملة ثقافية واجتماعية وفنية ورياضية ومسابقات تنافسية، واحدة من وسائل لتعزيز جاذبية تلك المهرجانات والجوائز للجمهور، وتحفيزهم على المشاركة بها، من خلال دمج الموروث الثقافي بالوسائل العصرية.

كما يقوم مركز أبوظبي للغة العربية من خلال الشراكات الدولية بتعزيز نشر الثقافة الإماراتية وإبراز دورها الحضاري العالمي، ما يمنح مزيداً من الفخر والاعتزاز للشباب بهويتهم الثقافية ويحفزهم على التعرف عليها بصورة أوسع.

الترجمة والأصالة

> مع تزايد الترجمة بين اللغات، كيف يمكن ضمان أن تكون الأعمال المترجمة ناقلاً للأصالة الثقافية من مصادرها وليست مجرد (انتقاءات سطحية) لا تمثّل التراث الثقافي للشعوب أو للمبدعين؟

- يدرك مشروع «كلمة» للترجمة بمركز أبوظبي للغة العربية أهمية الترجمة ودورها البارز في دعم الثقافة بعدّها وسيلة أساسية لتعزيز التقارب، والتسامح بين الشعوب، انسجاماً مع توجهات دولة الإمارات ودورها في تعزيز تبني ثقافة التسامح بين الحضارات والشعوب. وقد أطلق المركز أربعة مشاريع رئيسية للترجمة حققت قفزة نوعية في مستوى الترجمة العربية، واعتماديتها ومستوى الموثوقية التي تحظى بها في الأوساط الأكاديمية ومؤسسات النشر العالمية، ما جعله شريكاً رئيسياً لكبرى مؤسسات وشركات ومراكز الأبحاث المعنية بالترجمة على مستوى العالم، على الرغم من التحديات الواسعة التي تجاوزها مشروع كلمة للترجمة، بسبب الطبيعة المكلفة لنشاط الترجمة والنشر، والأخطاء المتوقعة، وتحديات توافر المترجمين من أصحاب الكفاءة الذين يمكنهم نقل المعرفة بسياقها وروحيتها الأدبية والعلمية نفسها، مع الحفاظ على عناصر السرد والتشويق.

وفي هذا الإطار اعتمد المركز جملة من المعايير التي ساهمت بفاعلية في ريادة مشاريع النشر الخاصة به، التي تشمل اختيار الكتب، والمترجمين بالاعتماد على لجنة من المحكمين المشهود بخبرتهم في الأوساط الثقافية والعلمية والأكاديمية العالمية. كما عزز كفاءة المترجمين، والقدرة على إيجاد أصحاب الاختصاصات من ذوي الكفاءات عبر التعاون مع المؤسسات الأكاديمية في الدولة ومراكز الأبحاث العالمية، وتدريب مترجمين مواطنين بلغ عددهم اليوم نحو 20 مترجماً من أصحاب المهارات والمواهب في قطاع الترجمة، التي يحكمها الشغف والتطوير المستمر وحب القراءة، والقدرة على السرد.

> ماذا تحقق في هذا الصعيد؟

- ساهمت جهود المشروع في ترجمة أكثر من 1300 كتاب، وتوسيع اللغات لتشمل 24 لغة حتى اليوم، بالإضافة إلى الترجمة عن اللغتين التشيكية والسلوفاكية. كما شملت قائمة المترجمين أكثر من 800 مترجم، إضافة إلى تعاون نحو 300 آخرين مع مشاريع المركز، وانضمام 20 مواطناً من جيل الشباب والخريجين إلى القائمة، نحرص على توفير كل سبل الدعم والتحفيز لهم، لتشجيعهم على خوض غمار تجربة الترجمة تحت إشراف مترجمين محترفين.

وقد وفر تعدّد المشاريع التي يحتضنها المركز وخصوصيتها، نماذج خبرة متعددة وشاملة، ساهمت بشكل فعّال في تعزيز الكفاءة في قطاع الترجمة وصولاً إلى تحقيق السمعة الرائدة التي يحظى بها المركز في الأوساط العالمية حالياً، ومنها «مشروع إصدارات» الذي يعنى بالكتب التراثية والأدبية، وكتب الأطفال والرحالة، و«مشروع كلمة» الذي يمثل نقلة نوعية في تاريخ الترجمة العربية من خلال ترجمة نحو 100 كتاب سنوياً، منذ انطلاقته، من أرفع الإنتاجات المعرفية العالمية، إضافة إلى إطلاق «مشروع قلم»، وجميعها مبادرات رائدة تحظى بالاعتمادية والموثوقية العالمية، وتتبنى أرفع معايير حقوق النشر.

> كيف يوازن مشروع «كلمة» بين الحفاظ على التراث الثقافي ودعم الإبداع الحديث، هل ثمّة تعارض بينهما؟

- الموروث الثقافي والتاريخي يشكل ذاكرة وهوية المجتمعات، وهو نتاج عقول وجهود بشرية مستمرة، وتواصلٍ إنساني أسفر عن إرث فكري وإبداعي توارثته الأجيال، وهو مصدر ثري ومهم للإبداع في الفن والأدب.

ومن جهته، حرص مشروع كلمة على الاهتمام بترجمة كتب التراث العالمي، فقدم بادرة لترجمة سلسلة ثقافات الشعوب في 72 كتاباً تتضمن ترجمة لمئات الحكايات والقصص من التراث الشعبي والفلكلوري العالمي بهدف تعزيز العمق الثقافي الجامع بين مختلف الأعراق والجنسيات والثقافات.

وفي الإبداع الحديث ترجم العشرات من الروايات لكتاب عالميين، بالإضافة إلى ترجمة الشعر الأميركي الحديث، وكتب النقد والدراسات الأدبي والشعر الغربي.

ويسعى مركز أبوظبي للغة العربية عبر هذا المشروع إلى دمج نماذج الإبداع الحديث بالتراث الثقافي التي لا تشكّل أي تعارض في مضمونها، بل تحقّق تكاملية، وشمولية لتطوير الإبداع الثقافي وضمان مواكبته للتغيرات العصرية لتعزيز وصوله للمتلقين من دون إهمال العلوم ونشر جوانب المعرفة.

المعرفة والذكاء الاصطناعي

> هل نحن في سباق مع التقنيات الذكية للوصول إلى المعرفة مهما كلّف الثمن؟ كيف يمكن لحركة الترجمة أن تستفيد منها؟

- تشكل التقنيات الذكية بعداً أساسياً لانتشار المحتوى العربي الرائد والمتوازن في العصر الحالي، غير أنها لا تدخل ضمن اسم السباق وليست هدفاً في حد ذاتها، بل يتم استثمار إمكاناتها لتعزيز تحقيق الأهداف الاستراتيجية الثقافية ونشر اللغة العربية والثقافة العربية، ومواجهة التحديات التي يفرضها تجاهلها.

وتبرز أهمية استثمار الوسائل الذكية في تحديد وترسيخ احترام الملكية الفكرية، وإيجاد وسائل إلكترونية رقمية للحد من التعديات عليها.

وبالتأكيد، فإن استثمار المخرجات الذكية من شأنه تعزيز حركة الترجمة وتنوعها، وخلق تنافسية جديدة تعزز من ريادة القطاع.

رواد الثقافة قادرون على كشف «المسوخ» التي ينتجها الذكاء الاصطناعي

علي بن تميم

> هل هناك مخاوف من «مسوخ» ثقافية ينتجها الذكاء الاصطناعي تؤدي لمزيد من تشويه الوعي؟

- يستطيع رواد الثقافة التمييز بسهولة بين المنتج الثقافي الإبداعي والمهجن أو الدخيل، غير أن التحديات التي يفرضها الواقع الرقمي يتمثل في تشويه الإبداع الثقافي بين أفراد المجتمع، وفي رأيي فإن الوسائل الذكية أتاحت لبعض المدعين مجالات للظهور لكنها لا تزيد على فترة محدودة. فالثقافة والإبداع مسألتان تراكميتان وموهبتان لا يمكن اقتحامهما بسهولة، ونسعى بحرص إلى الاستفادة من البنية الرقمية الرائدة للدولة في إطلاق مبادرات ذكية وتعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي لنشر المحتوى الثقافي الحقيقي الذي يمثل هويتنا وحضارتنا.

> كيف يمكن لحركة الترجمة أن تتجنب التحيّز الثقافي وتقدم نصوصاً دقيقة وموضوعية؟

- الترجمة رافد مهم من روافد الثقافة الإنسانية، ومثل أي مهنة أخرى، تخضع مهنة الترجمة لمجموعة من الأخلاقيات التي ينبغي الالتزام بها. والكفاءة اللغوية والقدرة على ترجمة النص ليستا المعيار الوحيد في عملية الترجمة من لغة إلى لغة، فالابتعاد عن التحيز الثقافي والفكري واحترام الاختلافات الفكرية والثقافية، وفهم السياقات الثقافية المختلفة للغة المصدر وللغة المترجم إليها من الأمور الحيوية والمهمة في تقديم ترجمات رصينة وخالية من التشوهات. وبهذا يتحقق الهدف الأسمى للترجمة وهو تقريب الشقة بين الثقافات والحضارات.ويتم اختيار الإصدارات الخاصة بالترجمة بناء على أهميتها العالمية وما تقدمه من قيمة مضافة للقراء توسع مداركهم، وتعزز رؤيتهم للمستقبل، من خلال لجنة متنوعة ومتخصصة تعزز الموضوعية وسياقات الحوكمة واحترام حقوق الملكية الفكرية وغيرها من معايير وقيم عليا.