تحدث عدد من الأدباء العرب حول تجاربهم في الكتابة، وذلك في ملتقى القاهرة الدولي السابع للإبداع الروائي العربي، الذي عقد مؤخراً. وجاءت هذه الشهادات خليطاً ما بين الإفصاح عن دوافع الكتابة وبين أساليبها وتكنيكاتها، وتأثير الطفولة والمكان الأول والحنين إليه على إبداعاتهم، كما اتسمت بنوع من المواجهة الشفيفة مع الأنا في محاولة كشف ذواتهم الحقيقية القابعة فيما وراء نصوصهم.
الروائي الفلسطيني يحيى يخلف، الذي فاز بجائزة الملتقى، تحدث عن أثر معاناة الطفولة وذاكرة المكان على كتاباته، حيث «المكان الأليف»، الدفء والحنان في بيت العائلة: «طالما غرفت منها عندما أدركتني هواية الكتابة وحرفة الأدب... فكتبت روايتي (تفاح المجانين) التي عكست أحلام الطفولة في البحث عن سر القوة والشجاعة»، مضيفاً: «مخزون الذاكرة كبر معي ورافقني، وشكّل بنية تحتية لبناء روائي ومعمار فني فمنها كتبت رباعية: (بحيرة وراء الريح)، و(ماء السماء) و(جنة ونار) و(نهر يستحم في البحيرة)».
وربطت الروائية السورية لينا هويان الحسن، الحديث عن تجربتها بما سمته الحنين الغامض، قائلة: «نرضخ للكتابة عندما يجتاحنا اليقين الغامض، إنه لا يمكن التملص من عنف الذاكرة إلا بتدوينها. نحن مذنبون واعون بذنوبنا والدليل أننا نكتبها... الكتابة هي حياتنا التي نعيشها عن اختيار، ونعيش نقضيها، عندما تعود إلى تاريخنا الشخصي المتواري في كل شيء فينا؛ في جوارحنا وتفكيرنا ومشاعرنا، لهذا بدأت من عالمي الخاص، والواسع في الوقت نفسه؛ بدأت من الصحراء».
فيما أشارت الروائية العمانية جوخة الحارثي، إلى أثر الغربة في مدينة أدنبرة على إبداعها: «كنت في منتصف عشريناتي طالبة مغتربة، أدرس دكتوراه بلغة غير التي أعشق، وأماً لطفلة تعاني الوحدة، لكن الكتابة أنقذتني. كنت أمشي غريبة الوجه واليد واللسان، أرى آلاف الحكايات تمشي معي وأدعوها لنجلس معاً، ونشرب كوب قهوة في الصقيع، شربت الحكايات، عشرات الأكواب ونادمتها، لا تبدأ الحكاية حتى تنتهي، ولا تنتهي حتى تدخل في حكاية جديدة، قالت لي الحكايات: همنا طويلاً كأشباح في هذه المدينة، وقد تنادمنا طويلاً، اكتبيني... فكتبت رواية (سيدات القمر)»، مضيفة: «كتبت فحررتني لغتي، لغتي أعطتني ساقين فركضت، الكتابة أعطتني جناحين فطرت».
أما الروائي المصري محمد السيد داود، فيرى أن «كل رواية شهادة على الحياة، كل إنسان مجموعة متشابكة من الروايات، ويمكن لكل كاتب أن يضيف رواية على الأقل حول علاقته بالكتابة، أشعر أن بالإمكان كتابة رواية عن كل رواية كتبتها»، مضيفاً: «دائماً هناك ما لم أنشره، وما لم ينشر قط، لكن الكتابة مستمرة».
واعتبر الروائي المغربي مبارك ربيع، الكتابة، نوعاً من المواجهة: «أجدني في الإبداع الروائي وجهاً لوجه أمام اللانهائي بلا محدوديته المطلقة وبتعدد ممكناته، مما يفرض صعوبة الاختيار والحسم، بما في ذلك من مغامرة تقييمية ذاتية»، وبالنسبة له فإن «التركيب الروائي هو ما يدعو خبرة في غابر الطفولة أو أقاصي موطن أو حلم خيال مجنح إلى أن تتلاحم وتتنامى في لحظة ما».
وعبر الروائي المصري أشرف الصباغ، عن تجربته الكتابية، قائلاً: «أعيد ترتيب العالم، لا بالورقة والقلم، بل بأزرار الكومبيوتر. هكذا شاءت الطبيعة، وشاء التطور، وكلما تصورت أنني نجحت في صياغة معادلة ما اكتشفت أن العالم بحاجة إلى مزيد من الترتيب».
فيما رأت الروائية السودانية آن الصافي، أن «الكتابة وسيلة التعبير التي تحمل مسؤولية عظمى أمام واقعنا لنأخذ بأسباب وفرتها لنا، فهناك أجيال تنتظر منا أن نهيئ لها أرضية صلبة»، وتؤكد أن «الكتابة للمستقبل هو المشروع الأدبي الذي أعمل عليه، بحيث يحمل طيه رؤى أطرحها عبر نصوص سردية وأوراق فكرية ثقافية تعنى بأثر أدوات العصر الراهن في آلية التفكير والتواصل، وما يؤثر على حياة الفرد ومسار المجتمعات».
وقال الروائي المصري بهاء عبد المجيد، في مداخلته، «الكتابة عندي نوع أدبي يعبر عن قيمة إنسانية وحضارية في الوقت نفسه»، قائلاً: «أكتب الرواية من منطقة الذاتية فهي منبع خصب للفن الروائي السردي، وأيضاً إعمال الذاكرة وارتباطها باختيارات مناطق من الحكي في الماضي، التي تستشرف المستقبل»، ومضيفاً: «الرواية عندي هي موقف وجودي من الحياة ومن العالم الذي نعيشه، والشخوص عندي هي تمثيل حقيقي للواقع، ولكن برؤية فلسفية رمزية»، كما يعترف بأن نصوصه تتحاور مع نصوص محلية وعالمية، معتبراً الرواية نصاً كونياً كبيراً.
وأشار الروائي الأردني جمال القيسي، إلى أن فكرة روايته الأولى انبثقت حينما كابد شعوراً بانهيار الأمل في التغيير نحو الأفضل، وصدمته بأحوال المسلمين والعرب في الولايات المتحدة على أرض الواقع، لافتاً إلى أن قضية الهوية كانت هاجساً دافعاً للكتابة أيضاً، في ظل صدمة التراكمات التاريخية الجارحة.
أما الروائي اليمني محمد الغربي عمران، فذكَّر بأن كتابة الرواية تتطلب قراءة الحياة التي نعيشها، وليس التجارب الروائية لعدد من الكتاب الآخرين، لافتاً إلى أنه لا توجد وصفة جاهزة لكتابة الرواية، ولكن الكتابة الإبداعية هي خلاصة تجارب حياتية ومخزون من القراءة التي تلهم الكاتب أحياناً في معالجة قضايا حياتية تمسه.
وقال الروائي المصري محمد عبد الله الهادي، «أكتب لأنني أحب أن أكتب، أي أنني أمارس شيئاً أحبه، ولن أدعي البطولة فأقول إنني أطمح إلى تغيير العالم، فهذا وهم كبير يقع فيه كثير من الكتاب».
أما الروائي السوري هوشنك أوسي، فاعتبر أن «الرواية هي فن الأنا، في محاولة لاستنهاض المجتمع وإطلاعه على قبائحه، وهي فن نقد الأنا والآخر، وهي محاولة تصفية حساب مع الحياة والموت؛ لذا ليس من الغرابة وصف الرواية بأنها من صنف المراجعات النقدية للذات والمجتمع والتاريخ»، ويضيف أن الرواية يجب أن «تنزع إلى التجديد والتجريب المستند إلى أرضية معرفية متينة وخيال خصيب، وموهبة جسورة لئيمة».
الكتابة بالنسبة للروائية المصرية مني الشيمي، «قلق داخلي... ثمة شيء في الكتابة يشبه الرسالات يجب تبليغه... الكاتب أداة تعبر عن معاناة الآخرين، والروائي يؤرخ لخطوات الإنسان منذ نشأ على هذه الأرض».
الروائية التونسية حياة الرايس، اعتبرت أن «المكان لمن يبدعه والزمان. فبعد أكثر من ثلث قرن في كتابة القصة والشعر والنص المسرحي وأدب الرحلات وأدب الرسائل والبحث الفلسفي... كأني كنت في حاجة إلى جمع شتاتي في رواية فكانت (بغداد وقد انتصف الليل فيها)»، معتبرة أنها رواية سيرة ذاتية، «فيها السرد والحكاية وتعدد الشخصيات والأحداث والعقدة والدراما والرؤية الفلسفية والخيط الرابط والموقف من قضايا العصر في مناخات شعرية، وفية لخصائص كتاباتي الأدبية... فيها مقومات الرواية ومقومات السيرة الذاتية... أو ربما كنت أتوق إلى كتابة النص المفتوح الذي لا يحده حد».
واعترف الروائي المصري جار النبي الحلو، بأن ما كتبه من ألوان الإبداع الأدبي يضج بألوان الطفولة وبساطة سحرها، قائلاً: «كانت رواية (حلم على نهر) هي الأولى، وفيها تابعت هذا الرجل أبا سيد، وجاهدت معه في بناء حلمه، لكننا انكسرنا معاً في يونيو (حزيران) 1967، فيما الرؤى الاشتراكية تداعب خيال الشاب الذي رمى بنفسه في شرك الكتابة، هو أنا الذي صارت أحلامه أكبر من العالم، وعرفت المهمشين والغجر والفلاحين وطلاب الجامعة ورفقاء الثقافة فكتبت (حجرة فوق السطح)».
وعن تجربته الروائية، يعتبر الروائي السوري خليل النعيمي، أن «الكتابة الروائية أغنى من الواقع لأنها تملأ الفراغات المهملة في الحياة بأشياء مبتدعة من الواقع اللامرئي»، وحول تأطير النقاد للكتاب وقولبتهم يقول: «الكتابة الروائية ليست موقفاً فكرياً، وإن كانت أدواتها الأفكار، ليست سياسة، وإن كانت تعنى كثيراً بالسياسة، الرواية امتزاج حميمي بين لغتها وفن قولها وتصور الكاتب المبدع للعالم، وهي من أجل إيضاح ذلك ترتكز على علامات وإشارات، وتعتمد على دلالات خاصة بها».
أما الروائي المصري سعد القرش، فتحدث عن علاقته بالكتابة قائلاً: «أكتب فأرى، وأبلغ فضاءً طليقاً يهزم الزمن، وأتحايل على حياة واحدة لا تكفيني؛ فأصوغ حيوات، وأرتحل في التاريخ، التاريخ لا الماضي، أرتحل فيه لا إليه. وهبتني الكتابة عائلة إنسانية كبيرة، وأجتهد لتضمن لي بنيناً وأحفاداً».
شهادات لروائيين عرب حول تجاربهم في الكتابة
الحنين إلى الوطن وتحقيق الذات واستشراف المستقبل
شهادات لروائيين عرب حول تجاربهم في الكتابة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة