كتاب «أريد أن أطير» يحلّق بأحلام «طيار الملوك» السعوديين

يرصد سيرة الكابتن نهار النصار أول طيار سعودي يقطع المحيط ويلف العالم بطائرته

الملك فيصل والأمير سلطان مع الكابتن النصار
الملك فيصل والأمير سلطان مع الكابتن النصار
TT

كتاب «أريد أن أطير» يحلّق بأحلام «طيار الملوك» السعوديين

الملك فيصل والأمير سلطان مع الكابتن النصار
الملك فيصل والأمير سلطان مع الكابتن النصار

كانوا أربعة شباب في مقتبل العمر، ساقتهم الأقدار للدراسة في مدرسة الجبل في الظهران؛ أولى المدارس التي التحق بها السعوديون الطامحون لدخول «شركة الزيت» التي ملأت آنذاك سمعتها الآفاق، والتي تعرف اليوم باسم «أرامكو». الأول، علي بن إبراهيم النعيمي، والثاني، نهار بن عبد الرزاق النصار، والثالث، أحمد بن خليفة مطر، والرابع علي القرعاوي.
سأل المعلم الأميركي طلابه الأربعة عن أحلامهم حين يكبرون. تجرأ أولهم وهو علي النعيمي القادم من البادية، والذي كان يعمل مراسلاً في مجمع الشركة، قال: «أريد أن أصبح عالماً، وأن أتولى رئاسة هذه الشركة»، أما الثاني، نهار النصار الذي حطت أسرته رحالها في الخبر قادمة من الزبير، فقال: «أريد أن أطير»، وأكمل: «أريد أن أصبح طياراً»، وكذلك قال أحمد مطر، أما القرعاوي فقال: «أريد أن أصبح طبيباً...».
بعد سنوات، حقق علي النعيمي حلمه، وأصبح جيولوجياً وأول رئيس سعوي لشركة «أرامكو»، ثم أصبح وزيراً للنفط، وحقق نهار حلمه وأصبح طياراً مرموقاً، كما أصبح الكابتن أحمد مطر طياراً ومديراً للخطوط السعودية، أما علي القرعاوي فأصبح طبيباً استشارياً معروفاً.
من بين أحلام الشباب أولئك، حلم «أريد أن أطير» الذي تحّول إلى عنوان كتاب جديد، يحمل سيرة الطيار السعودي المعروف نهار النصار، الذي عرف بأنه طيار الملوك السعوديين، وأول طيار سعودي قطع المحيط ولف العالم بطائرته. ودُشن هذا الكتاب مؤخراً في مكتبة مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء)، التابع لشركة «أرامكو»، وتولى جمعه وتحريره الإعلامي محمد عبد الحميد طحلاوي، الذي كان يتوّلى رئاسة مجلة «القافلة» التي تصدرها «أرامكو».
يتناول الكتاب سيرة نهار النصار، باعتبارها واحدة من القصص الملهمة في التضحية والمثابرة والاجتهاد، والتي يمكن أن تمثل نموذجاً للشباب السعوديين الطامحين. فهذا الشاب - كما نظرائه - كانوا يعملون وقت المجاهرة بأحلامهم، «مراسلين» بين المكاتب يحملون الأوراق والملفات، ولكنهم استطاعوا أن يكونوا مصدر إلهام للأجيال التي تلتهم.
يقول مؤلف الكتاب، محمد عبد الحميد طحلاوي، إن رحلة إنجاز الكتاب الطويلة، التي استغرقت، أحد عشر عاماً، بدأت في 29 مايو (أيار) 2008، واختتمت في شهر أبريل (نيسان) 2019. ويتوزع الكتاب إلى ثمانية فصول:
الفصل الأول: «جذور النهار»: وهو يتحدث عن عائلة النصار وتاريخها وجذورها ومسيرة ارتحالها عبر الجزيرة العربية إلى الزبير ومن ثم العودة إلى المملكة.
الفصل الثاني: «جاء النهار»: وهو يتحدث عن ولادة نهار النصار في مدينة الخبر شرق السعودية. الفصل الثالث «بدايات النهار»: وهو يتحدث عن السنوات الأولى من حياة نهار النصار، وما بدأ فيها من إرهاصات عشقه للطيران طفلاً. الفصل الرابع «العلم نور النهار»: ويتحدث عن مسيرة نهار النصار التعليمية، في مدينته الخُبر، وفي «أرامكو»، ثم في مصر للإعداد لدراسة الطيران ثم دراسة الطيران في مصر، ثم بريطانيا، ثم في مصر مرة أخرى.
أما الفصل الخامس «العمل ليل نهار»: ففيه يتطرق للمسيرة المهنية للكابتن نهار النصار، وما حققه من إنجازات متميزة، وما حصل عليه من أوسمة، بالإضافة إلى بعض القصص الطريفة والغريبة. والفصل السادس «نهار في الحياة»: يتحدث عن الكابتن نهار النصار في الحياة الأسرية والاجتماعية، خارج إطار العمل، مركزاً على أسرته الصغيرة والكبيرة، ومتانة علاقاته في كلتيهما، وعلاقاته مع أصدقائه، وجدول حياته اليومي.
وفي الفصل السابع «رحل النهار»: يتحدث عن مرض الكابتن نهار ووفاته. ويضم الفصل الثامن «النهار في عيونهم»: كل ما عثر عليه من مقالات وأخبار عن الكابتن نهار النصار، في الإعلام المحلي والأجنبي، وفي غير ذلك من المصادر.
ويقول طحلاوي: «خروجاً عن المألوف في كُتب السير، رأينا أن نُضيف إلى النص الأساس نصوصاً إضافية قصيرة تُعطي القارئ معلومات طيبة عن موضوعاتٍ تتعلق بسيرة الكابتن نهار النصار، فهناك نصٌّ قصير عن مدينة الخُبر، وآخر عن المنازل التي سكنتها أسرته في الخبر، وثالث عن الخطوط السعودية، ورابعٌ عن أول طيارٍ سعودي وغيرها».
تنحدر أسرة نهار نصار من نجد، وفي عام 1280 هـ نزحت عشيرة سدير إلى مدينة الزبير في جنوب العراق: «بسبب موجات القحط والصراع على الماء والكلأ وضعف الحالة الاقتصادية عموماً في نجد» (ص 16)، وفي الزبير عمل أفراد الأسرة، وبينهم جدّ نهار ووالده، جمّالين يعملون على نقل الحجاج والمعتمرين، ويتولون تنظيم الرحلات ونقل البضائع.
ومع ظهور النفط في شرق السعودية، في الثلاثينيات الميلادية، عاد والده وعمه إلى هناك حيث استقروا في الخبر، وعملا في شركة «أرامكو» عمالاً ثم مقاولين.
ولد نهار النّصار في حي السبيخة بمدينة الخبر شرق السعودية في عام 1355هـ (1936)، وتلقى تعليمه الأولي فيما كان يعرف بـ«الكتاتيب»، حيث تعلّم شيئاً من القرآن الكريم، ومبادئ القراءة والكتابة. كما تعلم شيئاً من اللغة الإنجليزية على يد سيدة هندية كانت زوجة طبيب يعمل في الخبر، (ص 6).
ثم التحق نصار بأول مدرسة حكومية تم افتتاحها - وهي الوحيدة - آنذاك في الخبر، وكانت تحمل في البداية اسم المدرسة «الأميرية»، ثم أصبح اسمها مدرسة الخبر الابتدائية الأولى. وتسمى الآن «مدرسة معاذ بن جبل».
بعدها التحق بـ«شركة الزيت العربية الأميركية» (أرامكو)، في الظهران منتصف عام 1950، حيث عمل مراسلاً مكتبياً في جزءٍ من وقت عمله، ويتعلم اللغة الإنجليزية وبعض العلوم الأساسية في مدرسة الشركة بقية الوقت.
وظهر على نهار الشغف بالطيران، سواء في الحركات التي كان يؤديها، وهو ينقل الأوراق بين المكاتب في بداية عمله مراسلاً في «أرامكو»، حيث كان يحاكي أصوات الطائرات ويقلد حركاتها، أو حين كان يرافق والده نحو مطار الظهران، فيبدي ولعه بالطائرات، ويتأمل هبوط وإقلاع الطائرات على مدرج المطار، ويردد أنه يريد أن يطير.
مشواره العملي في عالم الطائرات بدأ في عام 1953، حين أرسله والده لتعلم الطيران في مصر، حيث التحق بمدرسة «سانت أندراوس» في الإسكندرية، حيث حصل أولاً على شهادة الثانوية التي تؤهله للالتحاق بمعهد الطيران، وفي عام 1954 التحق بـ«معهد مصر للطيران» في إمبابة، وتلقى تدريبه في علوم الطيران على يد مدربة الطيارين المشهورة عزيزة محرم فهيم.
وواصل تدريبه في المعهد حتى شهر مايو عام 1956، وبعد ذلك أرسله والده إلى بريطانيا للاستزادة من علوم الطيران، وهناك التحق بـ«جامعة ساوثهامتون للعلوم الجوية»، حيث حصل على رخصة طالب طيران، واستمر يدرس بها حتى شهر سبتمبر (أيلول) من عام 1956، ولكنه اضطر إلى قطع دراسته هناك بسبب العدوان الثلاثي على مصر، الذي شاركت فيه بريطانيا.
عاد نهار النصَّار إلى مصر، حيث التحق بمجموعة من الشباب السعوديين كانت الحكومة قد أرسلتهم لدراسة الطيران، واستكمل معهم الدراسة في «معهد الطيران»، حتى نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1957، حيث حصل على إجازة الطيران الخاص.
في ديسمبر (كانون الأول) عام 1957، التحق نهار النصار بالعمل في الخطوط الجوية السعودية كمساعد طيار في الأول، وفي نوفمبر 1958، حدث تحول مهم في حياته، حيث أمر الملك فيصل، الذي كان ولياً للعهد آنذاك، بضرورة وجود قادة طائرات من السعوديين، لأن كل قادة طائرات الخطوط السعودية آنذاك كانوا من جنسيات أجنبية، وقد تمكن نهار النصَّار، مع زميله بهاء الدين أسعد، من اجتياز الاختبار اللازم، وأصبحا بذلك أول سعوديين ينالان رتبة قائد (كابتن) طائرة تجارية، على طائرات «داكوتا: دي سي 3»، وكان الكابتن نهار النصّار أصغر سعودي ينال هذه الرتبة، حيث لم يتجاوز سنه 23 عاماً.
واصل نهار النصَّار التدريب على مختلف أنواع الطائرات التي انضمت إلى أسطول الخطوط السعودية. وفي عام 1959، عُيِّن مسؤولاً عن الطلاب المتقدمين لدخول دورة الطيران في الخطوط السعودية، مع استمراره في الطيران، ومن بين طلاب الطيران الذين أشرف عليهم كان الكابتن أحمد مطر الذي أصبح فيما بعد مدير عام الخطوط الجوية السعودية.
وفي 1961، ابتعث الكابتن نهار إلى الولايات المتحدة الأميركية للحصول على شهادة «طيار خطوط جوية» من هيئة الطيران الفيدرالية الأميركية، حيث أنجز دراسته، واجتاز جميع الاختبارات النظرية والعملية المطلوبة، وحصل على الشهادة في مارس (آذار) 1962. كما شهدت نهاية عام 1963 نجاح الكابتن نهار النصَّار في اختبار الطيران على طائرة نفاثة من طراز «بوينغ» بعد إنهائه التدرب عليها، فكان بذلك أصغر طيارٍ سعودي وعربي، وأصغر طيارٍ في العالم حتى ذلك التاريخ، يقود طائرة نفاثة. وإثر هذا الإنجاز، تلقى برقية تهنئة من الأمير سلطان وزير الدفاع والطيران والمفتش العام آنذاك.
وواصل في عام 1965، الترقي في الطيران على طائرات «بوينغ» النفاثة من طرازي 707 و720 وصولاً إلى طراز 747، حتى أصبح قائداً على هذه الطائرات.
فترة الستينيات، شهدت أيضاً التحول الأهم في مسيرته، حيث أصبح منذ هذه الفترة قائداً لطائرات الملوك السعوديين. وبدايته في هذا الجانب كانت مع كبير الطيارين في الخطوط السعودية آنذاك الكابتن سام بقلر، الذي كان يتولى قيادة الطائرة في الرحلات الملكية، حيث عمل الكابتن نهار النصار مساعداً له، ومنذ عام 1963، أصبح القائد نهار النصار هو من يقود الطائرة الملكية، واستمر على هذا حتى وفاته.
وكانت أول رحلة ملكية للكابتن نهار النصار مع الملك سعود على طائرة «الداكوتا» من الرياض إلى حائل، أما أول رحلة للكابتن نهار مع الملك فيصل، فكانت من الرياض إلى جدة بعد مبايعته بالملك. وفي عام 1971 أكمل الكابتن نهار النصار رحلة حول العالم مع الملك فيصل، وكانت أول رحلة تقوم بها «الخطوط السعودية» حول العالم، وشملت الزيارات الملكية في هذه الرحلة: إيران، واليابان، والولايات المتحدة، ثم فرنسا. وبعد إنجاز هذه الرحلة منح الكابتن نهار شهادة عبور خطوط التوقيت الدولي رسمياً، وقد أقلّت الطائرات التي قادها نهار النصَّار كلاً من الملك سعود، والملك فيصل، والملك خالد، والملك فهد، والملك عبد الله، عندما كان ولياً للعهد، والأمير سلطان.
وفي سبتمبر 1975، كُلّف نهار النصَّار بإنشاء قسم للرحلات الملكية يكون مستقلاً عن العمليات الاعتيادية للخطوط الجوية السعودية، فكان بذلك أول من أسّس هذا القسم، وفي عام 1976 عُيّن مديراً لعمليات الرحلات الملكية مع استمراره في الطيران، وبعدها بعام واحد، أي في عام 1977، أصبح أول مديرٍ عام لعمليات الرحلات الملكية، وفي مُنتصف عام 1993، عُيِّن مساعداً لمدير عام الخطوط السعودية لعمليات الرحلات الملكية.
انطوت سيرة نهار النصار الحافلة بالاجتهاد والصبر والمثابرة في الثالث من أغسطس (آب) عام 1994، بالمستشفى العسكري بمدينة جدة، حيث توفي بعد معاناة مع المرض مسجلاً أكثر من 18 ألف ساعة طيران.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».