محافظ دهوك لـ {الشرق الأوسط}: تحولنا إلى أكبر مركز نازحين بالعراق

عائلات نازحة مسيحية تروي قصصها مع تنظيم {داعش}

نازحون أيزيديون في مخيم بدهوك.. (وفي الاطار) فرهاد اتروشي محافظ المدينة
نازحون أيزيديون في مخيم بدهوك.. (وفي الاطار) فرهاد اتروشي محافظ المدينة
TT

محافظ دهوك لـ {الشرق الأوسط}: تحولنا إلى أكبر مركز نازحين بالعراق

نازحون أيزيديون في مخيم بدهوك.. (وفي الاطار) فرهاد اتروشي محافظ المدينة
نازحون أيزيديون في مخيم بدهوك.. (وفي الاطار) فرهاد اتروشي محافظ المدينة

كانت محافظة دهوك، أصغر محافظات أو مدن إقليم كردستان العراق ملاذا للمصيفين من العراق وخارج العراق خاصة، وهي الأقرب لمحافظة نينوى (50 كيلومترا)، مركز مدينتها اتصف دائما بالهدوء والرتابة، إذ نادرا ما كان يقيم الغرباء فيها كونها بعيدة عن بقية المدن العراقية، وفي مصيف سولاف أقام الملك غازي قصره، كما بنى صدام حسين قصوره الرئاسية، والمفارقة أن قصر الملك غازي ما يزال قائما، بينما قصور صدام تهدمت.
لكن المحافظة دهوك لم تعد هكذا إذ استقبلت قبل أكثر من عامين أكثر من ربع مليون لاجئ سوري أقيم لهم أكبر مخيم في الإقليم الكردي شبه المستقل وسرعان ما تحول إلى مدينة تقع على أطراف المحافظة التي تحولت فيما بعد إلى أكبر مركز للاجئين والنازحين العراقيين المقبلين من وسط وشمال العراق، خاصة سكان الأنبار ونينوى ومن المسلمين والمسيحيين والأيزيديين، وتفوق عدد اللاجئين والنازحين على عدد سكان مركز المحافظة البالغ 350 ألف نسمة، «مما سبب ضغوطا كبيرة على برامج الخدمات والرعاية الصحية وإنجاز المشاريع المهمة»، حسبما يوضح لـ«الشرق الأوسط» محافظها، عضو مجلس النواب العراقي السابق، فرهاد أمين اتروشي.
ويقول ارتوشي إن السبب فيما جرى في محافظة نينوى وسيطرة داعش عليها هو «تهميش الحكومة الاتحادية السابقة للمحافظات السنية وبضمنها الموصل، وطريقة تعامل القوات الأمنية مع السكان».
يضيف اتروشي قائلا «في دهوك كل مشاريعنا التي تنفذها الشركات الأجنبية والعراقية متوقفة تماما، عندنا مشروع ماء عقرة الاستراتيجي الذي تنفذه شركة إيرانية توقف بسبب الأزمة الاقتصادية مع أنه مشروع مهم جدا»، مشيرا إلى أن هناك «أكثر من ربع مليون نازح من سنجار، وكنا نتوقع أقل من هذا العدد بكثير، يضاف إليهم المسيحيون النازحون من مدينة الموصل وبلدات سهل نينوى، مثل بعشيقة وبرطلا وقرقوش وتل اسقف، وهؤلاء اليوم يشغلون 700 بناية مدرسية، ومخيما كبيرا وشققا سكنية والكنائس إضافة إلى هياكل الأبنية غير المكتملة بعد والتي لا تتوفر فيها الخدمات».
ويشير محافظ دهوك إلى أن «الخدمات والمصاريف المالية تتحملها بالكامل حكومة إقليم كردستان إذ خصص نجيرفان بارزاني مبلغ أربعين مليون دولار كدفعة أولية، بينما لم نسمع من الحكومة الاتحادية، وزارة الهجرة والمهجرين، سوى الوعود، والمشكلة أن منظمة الهجرة العالمية واليونيسيف يتبعون إجراءات بيروقراطية وروتينا بطيئا وغير مفيد، فالأمم المتحدة لم تتحرك بالشكل المطلوب لمواجهة مثل هذه الأزمة، في حين أن من مسؤوليتها (الأمم المتحدة) هي الحفاظ وحماية أرواح الأيزيديين باعتبارهم مجموعة محدودة وصغيرة وينتمون لديانة نادرة ولا توجد إلا في هذه المنطقة من العراق».
ويوضح اتروشي أن «الخدمات التي نقدمها للنازحين تتلخص بتوفير الطعام لهم والرعاية الصحية والأفرشة والأغطية، إضافة إلى المساعدات المالية نقدا»، منبها إلى «إننا إذا ما انتبهنا لأعداد النازحين فسوف نكتشف أنه من الصعب على إمكانات المحافظة توفير الخبز والطعام الكافي، ونضطر للإتيان بالمواد الغذائية من أربيل والبلدات التركية القريبة».
في مطرانية دهوك، ومنذ الصباح الباكر تكون مشغولة بالمئات من النازحين المسيحيين الذين وصلوا من الموصل وبلدات سهل نينوى، وهناك حركة دائبة لتقديم المساعدات لجميع النازحين، حسبما يوضح المطران ربان القس، الذي أوضح لـ«الشرق الأوسط» قائلا «أنا عضو لجنة الإغاثة التي يترأسها محافظ دهوك، ونحن حاليا بصدد إجراء إحصاء دقيق ووضعه ببرنامج في الكومبيوتر من خلال استمارات المعلومات كي نكون دقيقين لتوزيع منحة مخصصة من السيد نجيرفان بارزاني»، مشيرا إلى أن «هناك أكثر من أربعين ألف نازح مسيحي جاءوا من الموصل وبلدات سهل نينوى وقد حرصنا على إيوائهم في الكنيسة والمدرسة وغرف الدير، كما أن هناك من سكن المدارس أو استأجر الشقق والبيوت على أمل أن تتحمل الحكومة الاتحادية هذه التكاليف».
وتفترش العوائل في المطرانية الأرض أو تجلس فوق السلالم بانتظار حل لأوضاعهم الصعبة، وهناك نسمع قصصا عاشها هؤلاء مع داعش، تقول وصال فضيل من الموصل «بعد شهر ونصف من سيطرة داعش على الموصل دخلوا علينا وقالوا إما تتركوا كل شيء وترحلوا أو تصيروا مسلمين أو نقطع رؤوسكم»، مستطردة «عند الفجر تركنا بيتنا وكل ما نملك لنتوجه إلى إقليم كردستان لكن عصابات داعش أوقفتنا وسرقوا كل ما نملك من مال ومصوغات ذهبية والموبايلات (الهواتف الجوالة)».
وتضيف فضيل التي كانت تتحدث والحزن يملأ روحها «سألنا الدواعش عن ديننا فقلنا لهم نحن مسيحيون فقال قائد مجموعتهم (لا تقولوا مسيحيون بل نصرانيون)، وأضاف (لو جاءت الأوامر بقتلكم كان قتلناكم الآن، لكن الأوامر لم تصدر لنا بذلك)، لقد أخذوا كل شيء، حتى دواء مخصص لمعالجة قلب أمي أخذوه ورموه في الأرض ورفض أن نأخذه معنا».
ومع كل ما عاشه هؤلاء المسيحيون من مأساة إلا أنهم يعدون أنفسهم محظوظين قياسا لما حصل للأيزيديين من جرائم قتل واختطاف النساء، يقول بشار أنيس شيت، من حي البكر في الموصل، خرجنا في 18 يوليو (تموز) بعد أن أخذ الدواعش سيارتي الجديدة ومائة ألف دولار، وهناك امرأة منهم منتقبة (داعشية) فتشت زوجتي وأخذت منها كل ما تملك من مصوغات ذهبية بلغت 40 مثقالا». مشيرا إلى أن عناصر داعش «أخذت منا حتى المستمسكات الثبوتية من هويات وجوازات سفر ولم يوافقوا أن نأخذ ولو قدرا بسيطا من المال لتأجير سيارة تقلنا لإقليم كردستان، وعندما طلبت أن آخذ معي مبلغا بسيطا أجابني أحد عناصرهم (احمدوا ربكم أنكم ما زلتم أحياء ولم نقتلكم)، لهذا مشينا حتى نقطة للبيشمركة الذين اهتموا بنا وأعطونا مشكورين مبلغ ١٠ آلاف دينار لتأجير سيارة تبعدنا عن المنطقة».
وتقول ابتسام بطرس حنا، وهي أم لثلاثة أبناء كانوا يدرسون في جامعة الموصل «لقد أجبرنا داعش على ترك بيتنا وسيارتنا وأموالنا لنتحول إلى نازحين ببلدنا»، تفر الدموع من عينيها، وتتساءل «هل هذا معقول أن نتحول ونحن مواطنون في هذا البلد إلى نازحين ونجد أنفسنا بلا سكن وبلا أي موارد مالية».
وتجد أميرة فتو، 57 سنة، من تل سقف وهي أرملة ولها ستة أبناء وبنات، نفسها وعائلتها محظوظين؛ «كوننا استطعنا الهروب منذ أن بدأ داعش يقصف بيوتنا بمدافع الهاون حيث ركضنا وأخذنا كل أبنائنا، وصلنا إلى دهوك بالسيارات، هربنا قبل وصول داعش».
ومثلها تصف هناء بهنام (26 سنة) متزوجة وأم لثلاثة أطفال من قرقوش (الحمدانية)، والتي كانت تقف مع والدتها زيرو حبيب منتظرتين «أي أنباء عن مساعدات الحكومة الاتحادية التي وعدوا النازحين بها لكننا نسمع عن هذه المساعدات ولا نراها»، حسبما توضح، وتقول «لقد طالت قنابل هاونات داعش بيوتنا فهرعنا للهرب بسياراتنا لنصل إلى دهوك حيث نشعر بالأمان».
ويوضح نائب محافظ دهوك بهزاد علي آدم، قائلا «شكلنا غرفتي عمليات لإغاثة النازحين الأيزيديين والمسيحيين والبالغ عددهم أكثر من 260 ألف شخص، واحدة برئاسة محافظ دهوك، والثانية سميناها خلية الأزمة برئاستي، ومهمتنا التنسيق مع المنظمات الدولية والإنسانية والحكومة الاتحادية للإشراف على توزيع المساعدات وبناء المخيمات وتوفير كافة الخدمات الطبية وغيره للنازحين»، مشيرا إلى أن «الحكومة الاتحادية ببغداد خصصت مبلغ عشرة مليارات دينار عراقي (9 ملايين دولار تقريبا) لدعم جهودنا لكننا لم نستلم حتى الآن أي مبلغ».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم