سنوات السينما

Days of Glory (2006)
- رشيد بوشارب يكشف أوراق الحرب
مهنة المخرج الجزائري الأصل، الفرنسي العمل والهوية، بدأت قبل سنوات من شهرته. هو منتج فيلم المخرج اللبناني زياد الدويري «بيروت الغربية» سنة 1998 وأحد منتجي فيلم الفرنسي برونو دومون «الإنسانية» في العام التالي وفيلم دومون اللاحق «29 نخلة».
«أيام المجد» كان رابع فيلم يخرجه بوشارب، وهو الذي بدأ سنة 1991 بفيلم لافت هو «شب» وتبعه بعد أربع سنوات بفيلم «غبار الحياة» وبفيلم «سنغال الصغيرة» سنة 2000. كذلك كان أكبر فيلم أنجزه بوشارب حتى ذلك الحين وما زال إلى اليوم وبعد مرور ستة أفلام أخرى (آخرها الفيلم الكوميدي «شرطي بلڤيل» بطولة عمر ساي).
طرح «أيام المجد» موضوعاً جديداً كان غائباً عن الذِّكر: ‫تضحيات الجنود المنضّمين من المغرب والجزائر أساساً ومن شمال أفريقيا والعمق الأفريقي أيضاً، إلى الجيش الفرنسي لتحرير فرنسا من الاحتلال النازي. تلك التضحيات المسجّلة في التاريخ والمحفورة في الذكريات والقبور التي شاءت فرنسا، قبل تاريخ هذا الفيلم، تجاهلها أو مساواتها بالتضحيات المماثلة للفرنسيين أنفسهم.‬
هذا حتى جاء هذا الفيلم وكشف النقاب عنها وكان بعد ذلك ما كان من تقدير واندفاع الرئيس شيراك لإصدار قرار برفع قيمة التعويضات الشهرية التي يتقاضاها المحاربون العرب القدامى أو عائلاتهم لكي تتساوى مع تلك التي يتقاضاها سواهم.
يبدأ الفيلم بتعريفنا بالشخصيات العربية والأفريقية الرئيسية التي قررت الانضمام إلى القوات الفرنسية لتحريرها من الاحتلال النازي خلال الحرب العالمية الثانية.
العريف عبد القادر (سامي بوعجيلة) من المؤمنين بأن المساواة بين المستعمر الفرنسي وبين المواطن المغربي يبدأ بالانضمام إلى الجيش الفرنسي. آخرون ينشدون العدل والمساواة والحرية ويعتقدون أن دخول الجيش الفرنسي هو الملاذ الوحيد المُتاح لهم هرباً من الوضعية التي يفرضها الاحتلال الفرنسي عليهم كمواطنين خارج فرنسا.
البعض الثالث يتداول مسألة الوطنية، معتبراً أن تحرير فرنسا من النازية هو واجب تجاه فرنسا بصرف النظر عن المسببات الأخرى. وإذ ينتقل الفيلم إلى الموقعة الحربية الأولى يشير بوشارب إلى شجاعة الجندي العربي رغم أن المشهد الحربي الأول ضعيف التنفيذ. من حسن الحظ يرتفع مستوى المعالجة الفنية برمتها بعد ذلك.
الاهتمام بالطرح الإنساني - السياسي للفيلم يبدأ باكراً حين نتعرّف إلى المشادات بين عبد القادر الذي يحاول دفع قائده مارتينيز (برنار بلانسان) لتبنّي حقوق الجنود العرب، لكن بلانسان، المؤلف من نصف فرنسي يؤاثره ونصف جزائري يزدريه، لا يفعل شيئاً حيال الوضع. الشخصيات الأخرى تجد نفسها في أتون من تجارب الصياغة النفسية والاجتماعية: مسعود (رشدي زم) الذي يعيش قصّة حب مع فرنسية، وسعيد (جمال دبّوس) الذي أجبرته الإعاقة (يده اليمنى مشلولة وهي في الواقع كذلك) على العمل مساعداً وخادماً (أحياناً) لرئيسه إلى أن يثور على وضعه وينتقل إلى الحرب ذاتها مبرهناً على جدارته.
‫هذه الشخصيات وسواها تؤسس قلب الفيلم العاطفي وتجيّش الشعور تجاه شخصياته وبالتالي تجاه رسالته. والمجموعة التي تؤديها تفهم دورها وتجيد فيه وتنجح في تجسيد الرسالة المطلوبة منهم. ‬
الفصل الأخير من الفيلم هو الأفضل بين مشاهد المعارك. الصدام بين الفرقة الألمانية الكبيرة المتقدّمة والجنود القلائل للفرقة العسكرية المؤلفة من مقاتلين عرب وأجانب مصمَّم جيداً ويعتني بالشخصيات وأدوارها ولو على نحو كلاسيكي. ليس «أيام المجد» (أو «البلديون» في تسمية أخرى)، أفضل أفلام الحرب، لكنه من تلك التي تحتفي برسالتها جيداً.

قيمة تاريخية ★★★★★
قيمة فنية: ★★★★★