نقاد محاصَرون

نقاد محاصَرون
TT

نقاد محاصَرون

نقاد محاصَرون

> لا بد أن الإنترنت ومواقعه سبب كبير آخر في مسألة انتشار الكتابة عن السينما من قِبل كتّاب يتخذون العملية بحدودها الدنيا: مشاهدة فيلم والكتابة عنه. وأحياناً، كما ثبت أكثر من مرّة، عدم مشاهدة فيلم والكتابة عنه.
> صحيح أن الكتابة غير المتخصصة سبقت عصر الإنترنت وكان دائماً هناك «نقاد» سينما ما هم بنقاد، لكن الحقل الجديد من الوسط الإعلامي أشاع الكتابة عن السينما، والكتابة النقدية بحد ذاتها، لدرجة أن انتشارها شبيه بانتشار مشروبات الصودا؛ ترطّب الحلق لكنها تبقى مزيجاً من الكيماويات والسكريات وبلا فائدة صحية.
> لا يحدث هذا على صعيد الكتابة بالعربية فقط، بل هو منتشر في كل أروقة العالم. نقاد أكثر من موقع أجنبي (من بينها «روتن توماتوز») يتحدثون عن الأفلام كما لو كانوا اكتشفوها ويكتبون بلغة الأنا وأنت. شيء مثل «أنا أعلم بأنك ستحب هذا الفيلم كما أحببته أنا»! يدلي ذلك بآراء لا تمتّ إلى النقد بل لوجهة النظر ولا تعرف التحديد والتخصص بل تمر على الموضوع عابراً.
> عربياً، تسود كتابات من نوعين: الإتيان بما يمكن من فن الإنشاء واستخدام الكلمات المركبة التي تجعل من مراجعة الفيلم شيئاً مثل دحرجة الصخور، والكتابة المترجمة (بآرائها) عن مواقع غربية. النقد الفعلي المتأتي عن دراسة وخبرة وتخصص، محاصَر. كان دوماً كذلك واليوم الحصار أكبر. والخاسر هي الثقافة السينمائية وحق القارئ في المعرفة الصحيحة.


مقالات ذات صلة

«كوكب القردة»... الجزء العاشر منه على الأبواب

سينما  «مملكة كوكب القردة» (ديزني).

«كوكب القردة»... الجزء العاشر منه على الأبواب

القردة الكبيرة ستعود في العاشر من مايو (أيار) المقبل لتقف أمام الكاميرا في أدوار درامية معقّدة.

محمد رُضا (لندن)
سينما  «ثالث» (سكرين برودكشن).

شاشة الناقد: في فيلم لبناني جديد بوابات الأمل مفتوحة لكن الواقع صعب

فيلمان عن الوضع الصعب واحد لبناني والآخر ألماني عن أحداث فرنسية. ثم فيلم ثالث لمخرج أميركي مستقل لا يوفّر كل ما كان مأمولاً منه.

محمد رُضا (لندن)
يوميات الشرق نجمات سينمائيات مخضرمات شاركن في مسلسل «Big Little Lies» من بينهنّ نيكول كيدمان وريز ويثرسبون وميريل ستريب (HBO)

من السينما إلى المنصات... موسم الهجرة المعاكسة

ما هي الأسباب التي دفعت نجوم السينما في هوليوود للانتقال إلى الشاشة الصغيرة، في موجة بلغت أوجها خلال السنوات الماضية؟

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق «الجونة السينمائي» يعلن مغادرة انتشال التميمي منصبه

«الجونة السينمائي» يعلن مغادرة انتشال التميمي منصبه

أعلن مهرجان الجونة السينمائي بمصر عن تغيير مهم في قيادة فريق عمل دورته السابعة المقررة إقامتها ما بين 24 أكتوبر وأول نوفمبر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
سينما «أنا دانيال دليك» لكن لوتش (سكستين فيلمز)

أفلام الحوارات والقضايا الصعبة تفوز غالباً

في الدقيقة الخامسة من فيلم Gold Diggers of 1935 (لبزبي بيركلي، 1935) يُلقي صاحب فندق من 5 نجوم كلمة مختصرة عن واجبات العاملين والموظّفين المختلفين حيال النزلاء

محمد رُضا (لندن )

«كوكب القردة»... الجزء العاشر منه على الأبواب

 «مملكة كوكب القردة» (ديزني).
«مملكة كوكب القردة» (ديزني).
TT

«كوكب القردة»... الجزء العاشر منه على الأبواب

 «مملكة كوكب القردة» (ديزني).
«مملكة كوكب القردة» (ديزني).

القردة الكبيرة ستعود في العاشر من مايو (أيار) المقبل لتقف أمام الكاميرا في أدوار درامية معقّدة. هناك زعيم شرس يريد اصطياد كل البشر على سطح الأرض وغوريلا شاب يشعر بأن الوقت حان لإنقاذنا، نحن مساكين هذا الكوكب، من طغيان وسطوة ذلك الزعيم.

هذه هي حبكة الجزء العاشر من سلسلة «كوكب القردة» وسيعرض عالمياً تحت عنوان Kingdom of the Planet of the Apes تحت إدارة المخرج وس بول، الذي كان حقق الجزء التاسع من هذه السلسلة سنة 2017. يمكن إضافة أن الغوريلا الشاب شهد ما لم يعجبه وهو قيام القردة باختطاف فتاة من البشر لأنها أذكى من القردة. هذا جعله يسأل ويدرك بأن البشر، في هذه القراءة المستقبلية التي تم بعثها من الفيلم الأول قبل 56 سنة بفيلم «كوكب القردة» الذي أخرجه حينها فرانكلين شافنر (حقق «باتون» سنة 1970)، يستحقون الشفقة ومؤازرتهم ضد الاستبداد.

البشر ضد القردة في «ثورة كوكب القردة» (فوكس).

استبداد

من حينه، زارت هوليوود هذا الكوكب كل بضع سنوات فأنجزت خمسة أفلام حول الصراع بين البشر والقردة ما بين 1968 و1973 ثم عادت إلى المنوال سنة 2001 (إعادة صنع للفيلم الأول) ثم تم تفريخ ثلاثة أفلام بعد ذلك. الفيلم الجديد هو الرابع من الفئة الجديدة.

ببعض التمحيص تنقسم هذه الأفلام غالباً إلى قسمين: مع البشر ضد الغوريلات الكبيرة ومع الغوريلات ضد البشر. الحكاية في الأساس تدور حول كيف استبد البشر بالقردة وسخّروها كعبيد في فيلم ثم كيف ثارت القردة وسخّرت البشر كعبيد في فيلم آخر... ثم منذ ذلك الحين والكرة تنتقل من فريق لآخر. الفيلم الجديد سيحاول تقديم قرد حكيم واحد ليساعد البشر... إذن يمكن القول، ولو بحذر، إنه فيلم مع الإنسان ضد الحيوان.

لمعت الفكرة أساساً في بال الكاتب الفرنسي بيير بول تحت عنوان La Planète des Singes. يُقال إنه زار ذات مرّة، في عام 1963، حديقة الحيوان وأخذ يتمعّن في تصرفات وسلوكيات الغوريلا. عندما عاد إلى داره شرع في كتابة الرواية الأولى التي اعتمدتها هوليوود من سنة 1969 أفلاماً ورسوماً متحركة وإنتاجات تلفزيونية، بل وألعاب فيديو.

الصراع بحد ذاته لا يختلف عن صراع أهل الأرض ضد مخلوقات عديدة بعضها يخرج من تحت سطح الماء وبعضها يهبط من الكواكب البعيدة وأخرى تنفض عن نفسها أطناناً من الصخور والرمال وتخرج من تحت الأرض.

حسب المناسبة المنشودة، يفوز أهل الأرض بالمعركة ضد هذه المخلوقات مرّة ويخفقون مرّات لكن الصراع لا يتوقف. لسبب لا يعلمه أحد، هناك نيّة شريرة لدى تلك المخلوقات (خصوصاً تلك الهابطة من السماء) استعمار الإنسان وتحويل مدنه إلى دمار. فعل يستطيع البشر القيام به من دون مساعدة خارجية.

هيلينا بونام كارتر ومارك وولبرغ في «كوب القردة» (فوكس).

على ذلك سلسلة «كوكب القردة» Planet of the Apes تختلف في أن القردة ليست من مخلوقات بعيدة، بل هي حيوانات تعيش، في الأساس، فوق كوكب شبيه بالأرض يسكنه بشر، مما يمنح الفرصة لتصوير الصراع بين الفريقين. كون الأعداء قردة ساعد في تقريب احتمالات الصراع بين البشر وبين حيوانات يمكن زيارتها في حدائق الحيوان أو في بلاد أفريقية وآسيوية ولاتينية كثيرة تعيش في غاباتها وتنأى بنفسها عن صحبة الإنسان أو التمثّل به. هذا أقرب إلى القبول من مخلوقات برؤوس أخطبوطية أو على شكل مركبات فضائية تطلق أشعة تدمّر الحياة والجماد على حد سواء.

على أن الكوكب الشبيه بالأرض تطلّب دوماً تصاميم إنتاج غالية، مما أدّى بالمسلسل، بعد فصلين أولين، إلى الهبوط إلى كوكب الأرض ذاتها بدء من الفيلم الثالث من السلسلة.

هناك بعض الفلسفة لا في الحكاية الأصلية فقط، بل في معظم تلك الأفلام اللاحقة من المسلسل. شيء عن عالم مهزوز وغير ثابت يؤمن بالاستغلال والعبودية ثم يدفع ثمناً باهظاً نتيجة عمله. شيء ليس بعيداً عما يقع في أرجاء كوكبنا هذا.

ميزانيات صغيرةالفيلم الأول في هذه السلسلة ينتمي إلى الخيال العلمي ونهاية العالم. بشر يهبطون كوكب يماثل الأرض فيكتشفون أن القردة هي التي تمسك بزمام الكوكب. القردة تهاجمهم والصراع من هنا وصاعداً يدور حول كيف سيتمكن البشر من الهروب منهم.

في الفيلم التالي Beneath the Planet of the Apes («تحت كوكب القردة»، 1970) حاول المخرج تد بوست فعل المستحيل بميزانية لم تزد عن 3 ملايين و400 ألف دولار (رغم نجاح الفيلم السابق الذي جمع 33 مليون دولار متجاوزاً أضعاف ميزانية لم تزد عن 5 ملايين و600 ألف دولار).

الحكاية المنتخبة هنا هي وصول ملاح فضاء (جيمس فرانسيسكوس) إلى الكوكب ذاته بحثاً عن الملاح السابق تايلور (شارلتون هستون). سيجده سجيناً مع مجموعة من البشر تقوم بعبادة القنبلة النووية. على سذاجة ذلك ورغم المعيقات المادية صنع بوست حبكة جيدة مكتوبة لصالح الإنسان ضد حاكميه.

بعد ذلك، حان وقت الهروب من الكوكب المذكور والملجأ الوحيد هو الأرض ذاتها في وقت تم ضغط التكلفة مجدداً إلى ما يقرب من 3 ملايين دولار. المشكلة هنا هي أن هوليوود كانت لا تزال تعامل السلسلة بمستوى الأفلام الصغيرة، رغم أنها كانت لا تزال تحقق أرباحاً مرتفعة (نسبياً على الأقل).

دار الفيلم الثالث، Escape from the Planet of the Apes («هروب من كوكب القردة»، 1971) حول قيام الولايات المتحدة باستقبال ثلاثة قرود بالغي الذكاء بعدما تم نقلهم من كوكبهم السابق. بذلك تم زرع البذرة الأولى في تحويل الصراع من كوكب مجهول إلى كوكب الأرض. الإخراج كان لدون تايلور وهو مخرج تلفزيوني أنجز بضعة أفلام جيدة والاستقبال العام كان إيجابياً.

للجزء الرابع Conquest of the Planet of the Apes («قهر كوكب القردة»، 1972) تمت الاستعانة بالمخرج البريطاني ج. لي تومسون الذي دفع باتجاه تحقيق فيلم يدور حول العنصرية التي يمارسها البيض على القردة والتي قصد بها أن تماثل العنصرية التي يمارسها البيض على السود في الولايات المتحدة. من هنا وصاعداً ستبدأ مرحلة من الأفلام التي تصبح فيه القردة ضحايا للبشر الموصومين بالعنصرية والرغبة في الاستعباد.

بالانتقال إلى الجزء الخامس Battle for the Planet of the Apes («المعركة لأجل كوكب القردة»، 1973) ازداد اعتماد الفيلم على التماثل الاجتماعي، لكن الجميع كان يعلم أن هذا الجزء هو آخر الأجزاء والميزانية بدورها (نحو مليون ونصف دولار) لم تسمح بكثير من المغامرة وانتهى هذا الفيلم بين يدي جمهور استجاب قليلاً ونقاد لم يكترثوا للفيلم مطلقاً.

إعادة واستعادة

حتى مطلع القرن الحادي والعشرين بقي هذا الكوكب من الأفلام مهجوراً مثل كوخ في برية ما. لكن شركة فوكس انبرت من دون سابق إنذار لتبني سلسلة جديدة بدأت بنية الانتقال من مفهوم الفيلم الصغير إلى شروط الفيلم الضخم.

أدركت شركة فوكس أنه لم يعد هناك مبرر كافٍ للبقاء في نطاق الإنتاجات الصغيرة لمشروع من هذا النوع إذا ما أريد له النجاح. ميزانية فيلم العودة (تحت عنوان Planet of the Apes) بلغت 100 مليون دولار وعوض مخرجين منفذين جلبت للمشروع مخرجاً من أصحاب الرؤى الفكرية والفنية هو تيم بيرتون.

ما صنعه المخرج هو إعادة القصّة الأولى التي اعتمدها الفيلم الأول من السلسلة لكن المنظور والمعالجة والثقل الفني وتوظيف التكنولوجيا مختلف تماماً ومضاعف. ومع نجوم جدد (من بينهم هلينا بونهام كارتر ومارك وولبرغ وتيم روث وبول جياماتي) أنجز الفيلم قرابة 363 مليون دولار.

بعد عشر سنوات تم ابتداع حكاية جديدة بعنوان Rise of the Planet of the Apes («ثورة كوكب القردة»، 2011) الذي جلب قرابة 500 مليون دولار تحت إدارة روبرت وايات وبذا فتح هذا الجزء الباب لعودة مستمرة وقوية.

فيلمان بعد ذلك هما Dawn of the Planet of the Apes («فجر كوكب القردة»، 2014) وWar for the Planet of the Apes («حرب كوكب القردة»، 2017) حوّلا الصراع إلى محض قوى عسكرية تواجه كل منها الآخر مع ميزان قوى متغيّر تبعاً لمن سيفوز في نهاية مطاف كل فيلم.

رغم هذه الخلفية المشبعة فإن الغوريلات الخطرة صاحبت السينما منذ أن كانت لا تزال تحلم بصمت. هناك أفلام طرزان الأولى، ثم كل أفلامه الناطقة القديمة منها والحديثة حيث تلعب القردة أدواراً إيجابية فواحدة منهن أرضعت الطفل الأبيض عندما وجدته في إحدى غابات أفريقيا فتبنته، وعندما اشتد عوده حافظ على صداقته مع كل أنواع القردة، بل ومع حيوانات غير مفترسة يعرف لغاتها ويأمرها فتلبيه.

لكن صورة الغوريلا كوحش كاسر تجسدت في «كينغ كونغ» سنة 1933 بفضل ماريان س. كوبر من وحي الكاتب إدغار والاس. هناك فوق جزيرة مجهولة تحط سفينة تحمل أفراداً في رحلة علمية. بين هؤلاء جميلة شقراء اسمها آن (فاي راي) التي ذات يوم تجد نفسها وجهاً لوجه أمام ذلك الغوريلا الكبير. المشكلة هي أنه وقع في غرامها من النظرة الأولى وعندما يتم نقله مقيّداً بسلاسل إلى نيويورك بغاية عرضه للعموم لجني الأرباح يكسر القيود ويختطف آن من جديد ويصعد بها سطح مبنى إمباير ستايت حيث يواجه الطائرات التي تهاجمه كما واجه الجنرال كَستر هنود السيوكس في موقعة «ليتل بيغ هورن» الشهيرة. كلاهما، كستر وكينغ كونغ، حاربا وخسرا ولو لأسباب مختلفة. الفارق أن كينغ كونغ عاد للحياة في سلسلة من الأفلام الأخرى سيعرض آخرها أيضاً في الشهر المقبل تحت عنوان Godzilla X Kong.

سيكون ذلك ثاني لقاء بين البطلين غودزيلا الآتي من أعماق البحار وكينغ كونغ الذي كان دفن نفسه تحت سطح الأرض بالقرب من أهرامات الجيزة كما ينص السيناريو.

عشرة أفلام من بطولة غوريلات معظمها خطر

إسماعيل ياسين في بيت الأشباح

فطين عبد الوهاب ★★

واحدة من كوميديات الممثل يواجه

فيه غوريلا (1951)

Africa Screams | تشارلز بارتون ★★

بد أبوت ولو كوستيللو

وبينهما غوريلا (1949)

Congo | فرانك مارشال ★★★

فريق من المكتشفين يواجهون

غوريلات الكونغو (1995)

Gorilla at Large | هارمون جونز ★★

جريمة قتل في سيرك والمتهم غوريلا (1954)

Gorillas in the Mist | مايكل أبتد ★★★

سيغورني ويڤر تعيش سعيدة بين القردة

في أفريقيا (1988)

Jungle Woman | رينولد لو بورغ ★

تتحوّل امرأة فاتنة إلى غوريلا قاتلة (1944)

King Kong | بيتر جاكسون ★★★★

نسخة جديدة من الحكاية الأصلية

مع جسيكا لانغ (2005)

Mighty Joe Young | أرنست شودساك ★★

استعادة لأسطورة كينغ كونغ باسم آخر (1949)

Mighty Joe Young | رون أندروود ★★★

غوريلا ضخمة يتم نقلها إلى أميركا

لحمايتها إذا أمكن (1998)

Rampage | براد بيتون ★★

غوريلا مصابة بفيروس

يهدد حياة شيكاغو (2018)

2023: Anatomy of a Fallإخراج: جوستن ترييه (فرنسا) ★★★


شاشة الناقد: في فيلم لبناني جديد بوابات الأمل مفتوحة لكن الواقع صعب

 «ثالث» (سكرين برودكشن).
«ثالث» (سكرين برودكشن).
TT

شاشة الناقد: في فيلم لبناني جديد بوابات الأمل مفتوحة لكن الواقع صعب

 «ثالث» (سكرين برودكشن).
«ثالث» (سكرين برودكشن).

فيلمان عن الوضع الصعب واحد لبناني والآخر ألماني عن أحداث فرنسية. ثم فيلم ثالث لمخرج أميركي مستقل لا يوفّر كل ما كان مأمولاً منه.

ثالث ★★★★

إخراج: كريم قاسم | لبنان | 2023‫ ‬

العنوان الذي اختاره المخرج بالإنجليزية هو Thiiird مع ثلاثة أحرف I. كل حرف يمثّل باباً من ثلاثة أبواب يريد بطله فؤاد (فؤاد ماهولي) تركها في ثلاثة أماكن متفرقة. ما هو الرمز المقصود تحديداً؟ هو متروك لاستنتاج كل مشاهد لهذا الفيلم البديع لمخرج يهيم حبّاً باللقطة غير المستعجلة والإيقاع الطبيعي للحياة التي يعرضها.

وصف البعض الفيلم بـ«التسجيلي»، وهذا خطأ كبير وإلا لكان من الممكن وصف أفلام ثيو إنجيلوبولوس وأندريه تاركوڤسكي بالتسجيلية كونها أيضاً تتبع إيقاعاً تأملياً طبيعياً ينحاز للصورة على حساب الحركة. «ثالث» هو فيلم درامي كامل ذو منهج يقوم بمراقبة الشخصيات إثر توجيهها لما هو مطلوب منها. هذا وحده يجعله عملاً روائياً ولو مع تقليل النسبة الدرامية للحد الأدنى.

الفيلم يدور حول مصلح سيارات اسمه فؤاد يعيش ويعمل خارج قرية لبنانية. نتعرّف عليه وهو يعالج سيارة متوقفة. حين لا يفلح في معرفة العطب يقوم وعامله السوري محمد (محمد العليان) بدفعها إلى الخلف تارة وإلى الأمام تارة أخرى. لا شيء يفيد. لا شيء يعمل وهذا هو الإحساس السائد في مطرح العمل ثم على رقعة الحياة أيضاً.

حتى لا يبقى الفيلم (الذي لا يتودد صوب سرد قصصي معتاد) كناية عن رجلين يعيشان في كنف حياة مهملة يوفر المخرج شخصيات أخرى لن تتدخل في الحكاية الدائرة، بل هي أشبه بهامش ملاحظات على جانبها: المرأة التي تبكي وهي تتحدّث على الهاتف وقد خسرت زوجها وأموالها المحجوزة في أحد المصارف وعليها أن تعيل أولادها. الشبّان الأربعة الذين يتداولون الوضع المعيشي المتدهور، وشابان في سيارة أحدهما كاتب ومخرج والثاني ممثل يريد تغيير كلمة «عائدون» في حوار مسرحية مزمعة إلى كلمة «راجعون»، لأنه يجدها أكثر شعبية. الكاتب يعارض والممثل يصر.

هؤلاء ينتشرون في أرجاء ذلك المحل. سيارة تأتي وسيارة تذهب لكن الوضع سيء بالنسبة لفؤاد الذي عليه أن يغلق المحل. مساعده محمد يحفر قبراً ربما لنفسه أو ربما لمستقبله. فؤاد بدوره، وقد قرر إغلاق هذا المحل الكائن على كتف طريق في القرية (لا نراها سوى مرّة واحدة) يريد أن يستعير شاحنة صغيرة ليحمل الأبواب الثلاثة فوقها. أبواب ترمز لآمال مفتوحة على الهواء.

الفيلم ساحر بتصوير طلال خوري بالأبيض والأسود (باستثناء 5 دقائق ختامية). الكادرات تنتمي دائماً إلى شروط التعبير عن الوضع. التفاصيل الصغيرة لا تعد صغيرة لأنها تتحوّل أمام العين إلى أجزاء من الحياة. وهناك الكثير من الماء. نهر نراه أحياناً ونسمع خريره أحياناً أخرى. هناك دجاجات تخرج من القن عندما يفتح فؤاد الباب. تلحقه لإطعامها. في مشهد يوزع نتفاً من رغيف بين يديه لكن إحدى الدجاجات تنقر الرغيف ثم تطبق بمنقادها عليه وتسحبه من بين أصابعه. هذا لا يتطلب، كما يفعل مخرجون آخرون، لقطات إضافية، بل كل ما في الأمر أن على المشهد أن يتكون من لقطة واحدة تستوعب كل شيء. عينا المشاهد عليهما محاولة فهم الأسلوب وهضم الدلالات الموحى بها وفي كل لقطة دلالة.

لا يوجد تمثيل بالمعنى المتعارف عليه. ربما هذا سبب التباس بعض النقاد (وإحدى المؤسسات العربية) حين وصفوا الفيلم بالتسجيلي. الأداء طبيعي وما لا بد أن المخرج (لبناني يعيش في الولايات المتحدة) قام به هو تدريب الممثلين غير المحترفين على الحياة أمام الكاميرا من دون التفكير بها. يلتقط صدق تلك الآمال المنهارة والأحلام البائدة. لبنان ما عاد كما عرفناه، بل أصبح كله أشبه بمحل السيارات التي لا تعمل.

* عروض: مهرجان روتردام

‪DIRECT ACTION‬ ★★

إخراج: غواليرمو كايلو وبن راسل | تسجيلي | ألمانيا | 2024‫ ‬

يحمل العنوان معنى يبتعد عن فحوى الفيلم وطريقة تعامله. هو ليس «فعلاً مباشراً»، بل سبر غور وضع هو أوسع مجالاً من مجرد الحديث عن احتجاج هيئات اجتماعية وسياسية في منطقة في غربي فرنسا ضد إنشاء مطار جديد. الإطار الأكبر هو التركيبة الاجتماعية ذاتها وما يجمع وما يفرّق بين الناس الذين لا يواجهون المشروع وحده، بل العولمة ذاتها.

«فعل مباشر» (مهرجان برلين).

القضية ليست جديدة، بل تعود إلى مشروع تم التحضير له لإنشاء هذا المطار سنة 2009. جوانب هذا المشروع، من وجهة نظر سكان المنطقة، مضرة أكثر مما هي مفيدة. إنهم المزارعون الذين سيخسرون نحو 1650 هكتاراً من الأرض الخصبة وهيئات الدفاع عن البيئة والمعادون للعولمة الذين ألّفوا جبهة باسم ZAD (الأحرف الأولى من «منطقة الدفاع»، Zone À Défendre) وبعد سنوات من النضال الصعب ضد الحكومة تخللتها مواجهات مع الشرطة (تحوّلت إلى عنف وبطش أحياناً) أقلعت الحكومة الفرنسية عن مشروعها وقررت شطبه.

يأخذ المخرجان، الأميركي راسل والفرنسي كايلو، الطريق الطويل والمتعرّج عوض اختصار الموضوع في إطار محدد. هناك نحو أربع ساعات تمضي بطيئة تريد أن تسجّل كل شيء يمكن تسجيله حول وضع كان يمكن اختصاره من دون فقدان دلالاته. لكن كما أن العنوان خادع فيما يوحي به، كذلك المنهج الذي يعمد إليه المخرجان الذي يقود في بعض الأحيان إلى متابعة شؤون تأخذ وقتاً أطول مما يجب لكي تحفر في البال دلالاتها على نحو متكرر.

ليس أن الفيلم يفقد وجهته ومعناه السياسي المناوئ للحملات الرسمية لتغيير معالم الطبيعة والبيئة باختلاق المزيد من المشاريع الاقتصادية لها، بل يترك الكاميرا لدقائق طويلة تلاحق ما لم يعد ضرورياً. المشاهد المصوّرة بجمالية وإتقان تطول وهي تتابع الشيء ذاته طوال الوقت. في مواجهتها جمهور عليه أن يتحلّى بصبر قد لا يتجاوز طوله الساعات الأربع التي يتكوّن الفيلم منها.

على ذلك، رسالته تصل مترادفة طوال الوقت وهي حق الناس في حماية ما توارثوه من أرض وبيئة ومواجهة الاندفاع صوب المشاريع الاقتصادية التي عادة لا تأخذ في حسبانها الآثار السلبية للآخرين.

* عروض: مهرجان برلين.

‪MAY DECEMBER‬ ★★

إخراج: تود هاينز | دراما | ألولايات المتحدة | 2023‫ ‬

«ماي ديسمبر» فيلم محسوب جيداً ومصنوع بمهارة لكن محتواه يبقى دون القدرة على استحواذ الإعجاب. بعض ذلك مردّه التكرار في اعتماد رسم وتجسيد الشخصيات الثلاث الثلاث.

لدينا غرايس (جوليان مور) ربة بيت رحب في موقع جميل محاط بالأشجار والمياه وليس بعيداً عن ساحل البحر. زوجها جو (تشازلز ملتون) رجل طيّع، أليف، ودود ومحب لزوجته، ثم إليزابيث (ناتالي بورتمن) الممثلة التي تصل في زيارة تم ترتيبها بغاية التعرّف من كثب على شخصية وحياة غرايس تمهيداً لقيامها ببطولة فيلم عنها.

بورتمن ومور في «ماي ديسمبر» (نتفلكس).

تستند الحبكة هنا إلى أحداث حقيقية بطلتها امرأة أغوت تلميذاً في الثانية عشرة من عمره. المحكمة وجدت أنها قامت - عملياً - باغتصابه فأودعت السجن وحين خروجها بعد عدة سنوات تواصلت مع الطالب ذاته، وقد أصبح الآن في مطلع العشرينات من عمره وتزوّجته.

نقطة الاهتمام بالنسبة للمخرج هاينز ذات وجهين. الأول هو طرح الحدث المذكور من دون الالتزام بتفاصيله بذلك هو ليس سيرة حياة، بل دراما مبنية على واقعة فعلية تتخلص من الأحداث الفعلية بكاملها بابتداع مرحلة ما بعدها. الثاني هو الوقوف على ما أنتجته هذه العلاقة الزوجية حالياً. كيف ينصهر الماضي مع الحاضر على نحو لا يخلو من التوتر رغم ما يبدو، في الظاهر، وئام مستديم.

يتطرّق الفيلم إلى الماضي من خلال بعض الحوار وعبر مشهد لمقالات منشورة في مجلات ترفيه. الممثلة هي محققة تمارس عملاً صحافياً في جوهره وذلك عبر طرحها الأسئلة، لكنها في الوقت نفسه تعايش الأجواء الأسرية للزوجين وأولادهما. الفارق في العمر بين غرايس (في الأربعينات) وجو (في العشرينات) لا يبدو ذي قضية، لكن سريعاً ما نلاحظ أن جو شخصية منصاعة أكثر منها قيادية في هذا الزواج. غرايس تحبّه، كما تؤكد وهو يحبّها، كما يقول للممثلة حين تسأله، لكن الصورة الماثلة تكشف عن فتور رمادي يوحي بعكس ما يتردد.

غرايس ذات يد عليا وتتحدث بصرامة مع الجميع. هي ليست سهلة المنال حتى بالنسبة للممثلة التي تحل ضيفاً، لكن المخرج يُتيح لها وجهاً آخر أكثر جاذبية وألفة. إنها مثل الدجاجة التي تحمي صيصانها طوال الوقت وبطريقتها الخاصّة مع ابتسامة ودودة في الكثير من الأحيان.

رغم كل هذا التداول في حياتها والسيناريو المتفهم لشخصيتيه النسائيتين (كتبه المخرج بنفسه) وذلك السرد الهادئ والواضح، فإن الفيلم لا يحتوي على شيء مثير فعلياً. الدلالات واضحة والمنهج سردي ومباشر ولا يوجد غموض أو طرح لأسئلة.

ما نراه سهل القراءة ويمر جلياً وبقدر ملحوظ من الرتابة في بعض الأحيان. الجهد المبذول على صعيد التمثيل يُزين العمل بلا ريب، لكنه لا يكفي لمنحه مزايا خاصة. المفادات تتكرر معظم الوقت، مما يجعل المفاجآت القليلة (صوب النهاية) أقل تأثيراً مما يجب.

* عروض: «نتفلكس» 2024

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز


أفلام الحوارات والقضايا الصعبة تفوز غالباً

«أنا دانيال دليك» لكن لوتش (سكستين فيلمز)
«أنا دانيال دليك» لكن لوتش (سكستين فيلمز)
TT

أفلام الحوارات والقضايا الصعبة تفوز غالباً

«أنا دانيال دليك» لكن لوتش (سكستين فيلمز)
«أنا دانيال دليك» لكن لوتش (سكستين فيلمز)

في الدقيقة الخامسة من فيلم Gold Diggers of 1935 (لبزبي بيركلي، 1935) يُلقي صاحب فندق من 5 نجوم كلمة مختصرة عن واجبات العاملين والموظّفين المختلفين حيال النزلاء، تتضمن ألّا ينسى الموظف أن يكون صادق النبرة حين يقول «نعم، سير» أو «نعم، مدام» وألا يقول لزبون «لا» مطلقاً.

الجمهور الذي يستمع إليه من أعراق مختلفة (سود وبيض وسواهما) ويتطرّق في النهاية إلى موضوع «البخشيش» الذي هو أهم لهم من عدم حصول بعضهم على راتب، «لأنه أعلى من الراتب التي ستتقاضونه مني»، كما يقول ضاحكاً.

في الدقيقة الـ25 (أو نحوها) في فيلم «مثلث الحزن» (Triangle of Sadness لروبن أوستلوند، هناك المشهد نفسه إنما فوق يخت مرفّه (5 نجوم) حيث تُلقي مسؤولة الخدمات على العاملين، من أعراق مختلفة أيضاً، حواراً مشابهاً يتضمن أن يقول الخدم وموظفو المطعم بنبرة صادقة «نعم سير» و«نعم مدام» وألّا يقول أحدهم «لا» لزبون.

يختلف كل فيلم عن الآخر بناحيتين: «منقبّو الذهب، 1935» فيلم ميوزيكال و«مثلث الحزن» دراما ساخرة. الأول لم يدخل مهرجاناً ولم يفز بجائزة. الثاني دخل «كان» وخرج بجائزة السعفة الذهبية سنة 2022.

بطلا فيلم «مثلث الحزن» (إمبراتيڤ إنترتاينمنت)

صورة وحوار

لم تكن هذه المقارنة مهمّة لدى لجنة التحكيم (ترأسها الممثل الفرنسي ڤينسنت ليندون الذي كان فاز بسعفة أفضل ممثل عن دوره في Titane في العام السابق، 2021 (على افتراض بعيد بأنهم كانوا على علم بهذا التشابه) بل حقيقة أن الفيلم عاين بصورة ساخرة موضوعاً اجتماعياً بأسلوب يلتقط التفاصيل ليعرضها بضعف حجمها العادي.

فيلم قضية اجتماعية في إطار التعرّض لحياة الأثرياء المجتمعين فوق مركب (عوض فندق) والضرب الخفيف بمطرقة فوق الرؤوس لاستخراج مناسبات السخرية المنشودة حول أثرياء اليوم وسقطاتهم.

باستعادة التاريخ الحديث لجوائز المهرجان، مع اقتراب حثيث لموعد دورته العام الحالي (من 6 حتى 27) نجد أن الأفلام التي فازت بالسعفات الذهبية من 2014 إلى 2023 كانت تحمل قضايا. أو يمكن القول بأنها «أفلام قضايا» وبعضها اتّكل بشدّة على الحوارات خلال ذلك.

هذا هو المعاكس تماماً للعقد الأخير من القرن الماضي وبعض العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين. لو أخذنا الأفلام التي فازت بالسعفات الذهبية ما بين 1991 إلى العام 1999 سنجد أن فيلماً واحداً من أفلام القضايا الاجتماعية فاز بالسعفة وهو «روزيتا» للأخوين جان - بيير ولوك داردين سنة 1999. أما باقي الأفلام الفائزة فكانت من تلك التي تتضمن القضية التي تثيرها في انصهار كامل ضمن المعالجة الروائية ذات الأساليب الجمالية.

الحوار تفعيل ضروري إذا زاد عن حدّه بات على نقيض من الصورة ومن الضرورة الحتمية لتفعيل الأخيرة لأنها هي السينما والحوار، بالمقارنة، هو المسرح والراديو.

سينما الأمس والأمس القريب، كانت ما زالت أكثر اهتماماً بتفضيل الصورة على الحوار، وكانت كذلك أكثر اعتماداً على بلورة الأسلوب الذي من أجله يستطيع الفيلم إيصال ما يريد إيصاله عوض أن يلقيه أمام المشاهدين على نحو مباشر.

نجد هذا ماثلاً في «متوحش في القلب» لديفيد لينش (1990)، و«بارتون فينك» للأخوين كووَن (1991)، و«أفضل النوايا» لبِل أوغست (1992)، و«وداعاً عشيقتي» لغايكي تشن (1993)، و«بالب فيكشن» لكونتن تارنتينو (1994)، و«أندرغراوند» لأمير كوستارتزا (1995)، و«أسرار وأكاذيب» لمايك لي (1996)، و«طعم الكرز» لعباس كياروستمي (1997)، و«الأبدية ويوم» لثيو أنجيلوبولوس (1998).

من القاع

هذا لا يجب أن يعني أن هذه الأفلام (وكثير منها رائع) لا يتضمن مضامين اجتماعية أو سياسية أو أي اهتمام إنساني النشأة، بل هي على اختلاف منهج كل مخرج، تنعم بأسلوب عمل يضع «المنهج» و«الطريقة» قبل القضيّة المثارة. بعضها، مثل «بالب فيكشن» لم يحمل أي قضية استثنائية أو انتهاء لتحليل جاد. بعضها الآخر، مثل «أندرغراوند» اشتغل على تشكيل فني صوتي وبصري حافل احتوى حكايات تنتمي إلى شخصيات الفيلم المتعددة. البعض الثالث، كما حال «الأبدية ويوم» انتمى لسينما الشعر والتأمل وعرض «قضيّته» فوق بساط من المشاهد الجمالية التي لا تُنسى.

على العكس من ذلك، ولأسباب تتعلّق بنقلة ثقافية من بين أسباب أخرى، أتت الأفلام التي فازت بالسعفات الذهبية في السنوات العشر الأخيرة معاكسة.

بدءاً بالفيلم الفائز في العام الماضي، «تشريح سقوط» للفرنسية جوستين ترييه، نلحظ تركيبة بسيطة (تمهيد، محاكمة، فلاشباك) لتناول موضوع المرأة المتهمة بقتل زوجها. خلال المحاكمة تكشف عن العلاقة القائمة على الهيمنة والحرمان الجنسي من قِبل الزوج المصاب بإحباط شديد. الموضوع يطغى على الإبداع الأسلوبي في هذا الفيلم كما في فيلم «تيتان» الذي فاز بالجائزة الأولى سنة 2021 من إخراج جوليا دوكوزناو.

ليس أن هذا الفيلم، الفرنسي أيضاً، يخلو من أسلوب عمل، لكنه ليس ذلك الأسلوب الجمالي الذي يوفر المحتوى، بل هو التابع لمحتوى هو بدوره فوضوي وفي أحيان عدّة بشع.

الأمور متساوية على نحو متقارب في الفيلم الكوري «طفيلي» (Parasite) لبونغ جوون هو (2019)، ومن ثمّ غالب لصالح بصرياته في ربع الساعة الأخيرة أو نحوها. قبله بعام فاز الفيلم الياباني «نشالو المحلات» (Shoplifters) لكود إيكا كوزيكازو بالسعفة.

من «ديبان»: مهاجرون إلى بلد جديد (سيليولويد دريمز)

كلاهما يعرض وضعاً اجتماعياً لعائلتين فقيرتين باختلاف أن تلك التي في «نشالو المحلات» لا تعلو فوق السحاب لحين قبل أن تهبط مجدداً كما الحال مع «طفيلي».

في الهم الاجتماعي كذلك كان «ديبان» للفرنسي جاك أوديار خرج بالسعفة الذهبية سنة 2015. هذا فيلم صادق عن 3 شخصيات سريلانكية (رجل، امرأة، طفلة) جُمعوا من دون سابق صلة ليكونوا بمثابة عائلة واحدة ومُنحوا جوازات سفر مزوّرة لينتقلوا بها إلى فرنسا. بوصول العائلة إلى باريس يستلم ديبان وظيفة مشرف على نظافة مبنى سكني من تلك المخصصة للمهاجرين، بينما تعمل الزوجة المزيّـفة ياليني منظّـفة ترعى شؤون رجل شرس له ماض في الجريمة ولديه الآن ولد شاب اسمه إبراهيم يدير إحدى عصابات المخدرات التي تقطن ذلك المشروع السكني.

يتعامل الفيلم مع هذا الوضع جيداً، وما يُثير الاهتمام هو الفكرة الكامنة في جمع ثلاثة أفراد عليهم أن يتصرفوا كما لو كانوا عائلة واحدة وما ينتج عن هذه الفكرة من مفارقات.

عمل أوديار يبقى مثار احترام شديد لعامِلَين هما، المعالجة القريبة من الموضوع والشخصيات من دون تكلّـف، ولطرحه الموضوع الاجتماعي المثار أصلاً. هذا لم يحدث في الأفلام الأخرى المُشار إليها، مثل «مثلث الحزن» و«الميدان» (للمخرج السويدي أوسلند أيضاً) ولا بالدرجة نفسها من السّكر المُحلّى كما في فيلم «روزيتا» للأخوين داردين.

«ديبان» فيلم جيد بفضل تمسّكه بحكايات من القاع دون تلميع من أي نوع. لا يتجاوزه في ذلك سوى «أنا دانيال بليك» الذي خرج فائزاً بالسعفة في السنة التالية لفوز فيلم أوديار كما لو كان هذا تأكيداً على الرغبة في تشجيع الأفلام التي تدفع باتجاه الاهتمام بمهمشي الحياة.

«أنا دانيال بليك» (I‪,‬ Daniel Blake) حمل الاهتمام نفسه بالمجتمع الدوني، كحال معظم أفلامه التي تتحدث عن رجال ونساء من الطبقة التي لا تملك وهي تحاول فقط دفع فواتير الحياة ووضع بعض الطعام على الطاولة. «آسف، افتقدناك» (للمخرج نفسه، 2019) لم ينجز السعفة على الرغم من إتقان لوتش الدائم لتفاصيل الحياة اليومية وإيصال مفعول المعالجة الدرامية ومتطلباتها في مقابل نقل صدق الوضع الذي يصوّره.

اعتبار صارم

قبلهما، سنة 2014، مُنح «نوم شتوي» (Winter Sleep) للتركي نوري بيلج جيلان، سعفة المهرجان الفرنسي، ومن اللافت أن الفيلم يقوم على حوارات طويلة تقع، في معظمها، داخل غرفة واحدة على عكس أعمال المخرج نفسه السابقة التي حملت انتماءً لسينما أندريه تاركوڤسكي وثيو أنجيلوبولوس.

المشاهد الخارجية لا تزيد على 25 دقيقة وهي الوحيدة الباقية من اهتمام المخرج السابق بالأماكن البعيدة والوحيدة إلا من بعض شخصياتها. هذا من أصل نحو 3 ساعات مدفوع باتجاه تشكيل مسرحي لحكاية رجل وامرأتين يعيشون في تلك القرية الأناضولية المعزولة. لاحقاً ما احتفت أفلام هذا المخرج بالحوار على حساب الصورة. مشهد حوار من ربع ساعة بين صاحب مكتبة ومؤلّف (في «شجرة الإجاص البري»، 2014) لا يمكن له إلا أن يكون نقيضاً لتفعيل فن السينما على ما عاداه.

اعتماد هذا الفيلم، وأفلام أخرى وردت في هذا الاستعراض خلال الأعوام العشرة الأخيرة (وبل العشرين سنة الأخيرة إذا ما شئنا العودة إلى الوراء أكثر)، على الحوار لا يخلو، في اعتبار صارم، بمناهضته روح السينما القائمة، أساساً، على تفعيل الفن ليسبق المضمون وليس تفعيل المضمون ليسبق ما يمكن القيام به من أسلوب.

في حين لا ينادي أحد أن تكون الأفلام البصرية والتأملية خاوية، وهناك ما هو ممتاز وأقل من ذلك منها، فإن الأفلام التي تعتمد على العرض الاجتماعي بدورها لديها همّ تطويع المضمون لمعالجة فنية في الأساس كما حال «أنا، دانيال بليك» الذي لا يتمتع ببصريات أخاذة، بل بالشغل على الواقع المٌعاش كغطاء وكأرضية لما يُسرد أمام الكاميرا من شخصيات وأحداث.

تقييم الأفلام الفائزة بالسعفة ما بين 2014 و2023

2014: Winter Sleep إخراج: نوري بيلج جيلان (تركيا) ★★★

2015: Dheepan إخراج: جاك أوديار (فرنسا) ★★★

‫2016: I, Daniel Blake‬ إخراج: كن لوتش (بريطانيا) ★★★★

‫2017: The Square‬ إخراج: روبن أوستلوند (السويد) ★★★

2018: Shoplifters إخراج: كود إيدا كوريكازو (اليابان) ★★★

2019: Parasite إخراج: بونغ جوون هو (كوريا الجنوبية) ★★★★

2020: أُلغيت الجوائز بسبب «كورونا»

‫2021: Titane ‬ إخراج: جوليا دوكرناو (فرنسا) ★

‫2022: Triangle of Sadness‬ إخراج: روبِن أوستلوند (السويد) ★★★

2023: Anatomy of a Fall إخراج: جوستن ترييه (فرنسا) ★★★


شاشة الناقد: مأساة مهاجرين أفغان إلى إيران

«حدود بلا نهاية» (يوروب ميديا نست)
«حدود بلا نهاية» (يوروب ميديا نست)
TT

شاشة الناقد: مأساة مهاجرين أفغان إلى إيران

«حدود بلا نهاية» (يوروب ميديا نست)
«حدود بلا نهاية» (يوروب ميديا نست)

أفلام الهجرة من ناحية، وأفلام المحاكمات من ناحية أخرى، في ازدياد واضح ولأسباب مختلفة. الفيلم الثالث استعادة من برنامج عروض في لوس أنجليس.

ENDLESS BORDERS ★★★

إخراج: عباس أميني | إيران/ ألمانيا | 2023‫ ‬‬

الفيلم الخامس للمخرج الإيراني عباس أميني قد يضعه في خانة المشكوك بأمرهم من الرقابة الإيرانية. ذلك الحديث عن اضطهاد رجال القانون لبطل الفيلم وتلك الخلفية التي دفعته لترك عمله في طهران واللجوء إلى قرية تقع على الحدود الأفغانية، ثم تلك الغزوات البوليسية على اللاجئين الأفغان الهاربين من سطوة «طالبان»، كلها تترك ما هو أقرب إلى اليقين بأن الفيلم غير مرحّب به حتى لو تسلّل إلى العرض داخل البلاد (وهو أمر ليس معروفاً لدينا).

بطل الفيلم اسمه أحمد (بوريا رحيمي سام) أستاذ مدرسة لجأ إلى تلك القرية الفقيرة الواقعة عند الحدود. في بداية الفيلم نفهم أنه ينتقل بين طرفَي الحدود لتعليم الناشئة. هذا إلى أن يوقفه بوليس الحدود ويأخذ تصريحه بالتجوّل بين المنطقتين. يحاول أحمد إفهام المحقق أنه مجرد أستاذ يؤدي وظيفته وأن تلامذته في أفغانستان يحتاجون إليه، لكنَّ المحقق يصرفه.

سبب انتقاله من طهران إلى تلك القرية غير معروف، لكنّ الموحى به أن السبب سياسي. زوجته سجينة للسبب نفسه، ويداهمه شعور بأنه مسؤول عن دخولها السجن، لكنَّ هذا أيضاً من الأمور التي أبقاها المخرج غائبة عن التفسير. في القرية يستقبل، وسواه، مهاجرين آتين من أفغانستان بحثاً عن الأمان بعيداً عن سطوة «طالبان». هناك ربّ عائلة مهاجرة مريض ونرى «الأستاذ أحمد» يفعل جهده لكي ينقذ حياته بما في ذلك شراء الأدوية من ماله الخاص. للعائلة فتاة تبلغ من العمر 16 عاماً، زُوّجت لكن هناك شاب إيراني واقع في حبها، والأستاذ يحاول ثنيه عن فعل ما لا تُحمد عقباه.

بدوره يشرح الحوار بعض المواقف، لكنَّ المشكلة هي أنه مع اختيار عدم إيضاح الوضع وإبقاء بعض الأسئلة التي يثيرها المُشاهد بلا أجوبة يُضعف حدّة الفيلم ويموّه بعض رسالته. ما نراه ماثلاً بوضوح هو ذلك الأستاذ الذي يشعر بأن واجبه يتجاوز الحكم الصادر عليه بالتوقف عن التعليم، وصعوبة الانتقال ما بين القرية والمدينة، والصعوبة المماثلة في الحفاظ على قدرٍ من العلاقات المتساوية في مجتمع قبائليّ راضخ تحت حصار التقاليد. العائلة نفسها تودّ المضيّ قُدُماً صوب الحدود التركية وصولاً إلى تلك الألمانية لطلب الهجرة، كيف سيتسنّى لها ذلك؟ وهل هي قادرة على خوض تلك الرحلة في ظروف صعبة؟

العنوان يبقى آسراً لأن الحدود التي يتحدث عنها الفيلم ليست فقط بين تلك الأفغانية والإيرانية، بل تلك الرمزية التي تواجه بطل الفيلم كذلك. تمثيل بوريا رحيمي سام يتنفس إيماناً بما يؤديه. طبيعي ومنصهر تحت رغبة المخرج في أن تبقى كل عناصر الفيلم (بما في ذلك تضاريس المكان والتصرّفات) طبيعية.

• عروض: مهرجان روتردام

‪THE GOLDMAN CASE‬ ★★★‬

إخراج: سدريك كوهن | دراما محاكم | فرنسا | 2023‫ ‬‬

مثل «تشريح سقطة»، (Anatomy of a Fall)، لجوستين ترييه، و«سان أومير» (Saint Omer)، لأليس ديوب، تدور أحداث هذا الفيلم في قاعة المحكمة. لكن باستثناء مقدّمة لشاب يركض للحاق بموعد مع المحامي في مكتبه، لا توجد أي مشاهد خارجية على الإطلاق.

من «قضية غولدمان» (مونشاكر)

القضية الماثلة هي تهمة موجّهة إلى رجل اسمه بيير غولدمان، متهم بسرقات عدّة وبقتل صيدلي وامرأة في إحدى سرقاته إلى جانب مجموعة أخرى من السرقات، كلّها معروضة علينا عبر مقدّمة مكتوبة ثم من خلال المرافعات. غولدمان، الذي يَمْثلُ هنا أمام محكمة استئناف بعدما كان قد صدر عليه حكم سابق يعترف بكل السرقات باستثناء التي قتل فيها الصيدليين. حول هذه النقطة وخلفيات المجرم ومع وجود شهود لديهم أقوال توفر مزيداً من المعلومات عن هذه القضية، يسرد الفيلم وقائع المحكمة على نحو لا يخلو من التشويق الناتج عن تعاون جيد وخطة عمل ناجحة تجمع بين الإخراج والتوليف.

تقع الأحداث، وهي فعلية، سنة 1975 وتمتلئ القاعة بمناصرين للمتهم (معظمهم من دينه)، الذين يقاطعون القاضي مردّدين «غولدمان بريء» عدّة مرات حتى من قبل صدور الحكم ببراءته من تهمة القتل وسجنه لـ12سنة، عقوبةً على سرقاته. يستعين القاضي (ستيفن غوران - تيليه) بكتاب سيرة وضعه المتهم خلال فترة سجنه السابقة عنوانه «ذكريات يهودي بولندي وُلد في فرنسا»، وبشهادة زوجته السابقة وطبيبة نفسية وبعض أصدقاء الأمس وبينهم مَن تعرّف غولدمان عليه عندما انضم إلى جماعات ثورية في كوبا وفنزويلا قبل عودته إلى باريس ليمتهن السرقة.

سيتَّهم غولدمان الشرطة الفرنسية بأنها قوّة عنصرية. حين يقف محامي الدفاع ليقول إن موكله يعني «بعض» رجال البوليس، يردّ غولدمان: «بل كل رجال البوليس». على ذلك المحاكمة ليست عن هؤلاء بل عن غولدمان المحاط بذلك الجمهور الذي لا نعرفه سوى من ملامحه يصرخ مطالباً ببراءته.

ما يستنتجه الناقد هنا هو قدر من الريبة من أن استخدام جمهور المؤيدين غير المحايدين هو تفعيلة لحشد عاطفي مؤيد بين مشاهدي الفيلم أيضاً. يتساءل المرء بالتالي، إذا كانت التوليفة كتابةً وإخراجاً هي بالصدق التي تتبدّى عليه خصوصاً مع وجود مناسبات تمرّ سريعة من دون التوقف عندها مثل حقيقة أن غولدمان يصر على براءته ديماغوغياً («أنا بريء لأني بريء») رافضاً وجود شهود قد يرجّحون روايته: هل لم تكن المحكمة قادرة على جلب هؤلاء الشهود لو أرادت؟ ألم يكن الدفاع أو المدّعي العام قادرين على فرض هؤلاء الشهود لاستجوابهم؟

جُلُّ القضية يتعاطى وخلفية غولدمان وحياته الصعبة وما إذا كان مريضاً نفسياً أم لا. الفيلم قائم على الحوار بطبيعة وضعه، بوصفه فيلم محاكمة، وفي أحيان يسبق المُشاهد المواقف التي سيعبّر عنها الحوار حين يصل.

• عروض: خاصّة.

‪KISS OF DEATH‬ ★★★★‬

إخراج: هنري هاذاواي | بوليسي | الولايات المتحدة | 1947‫ ‬‬

‫هذا هو الفيلم الذي يقف فيه ريتشارد ويدمارك عند أعلى السلم ويدفع بامرأة عجوز فوق كرسيها المتحرك من أعلى السلم. وإذ يهبط الكرسي ثم ينقلب بالعجوز عند آخر السلم، ينظر ويدمارك‬ إلى ما فعل وهو يضحك. إنه الفيلم الوحيد الذي جمعه وڤيكتور ماتيور الذي لعب هنا دور سارق المجوهرات الذي اعتُقل ثم أُطلق سراحه بعدما وافق على الإفشاء عن العصابة التي انتمى إليها.

ريتشارد ويدمارك في «قبلة الموت» (تونتييث سنتشري فوكس)

فيلم هنري هاذاواي هذا يشبه سهماً لا يلتوي بعد إطلاقه بل يُصيب هدفه بجدارة. المعالجة التي اختارها المخرج صارمة في انتمائها إلى الحكاية البوليسية وما تحتويه من أبعاد مثل البطالة وخسارة الزوجة والوضع الذي يواجهه بيانكو/ ماتيور بعدما وشى بهوية العصابة التي شاركته السرقة. بيانكو هو لصّ وليس بطلاً يُجيد القتال أو الدفاع عن نفسه حتى عندما يشكّل القاتل المعقّد نفسياً أودو/ ودمارك، خطراً عليه.

هذه السّمات مطبوعة، بعناية والمخرج يتيح للمشاهد احتواءها عبر مشاهد صامتة تترك غاياتها الدرامية في نفس المُشاهد جيداً. واستقامة السرد تعني كذلك أن الاختيار هو الالتصاق بجوهر الحكاية من دون شخصيات أو أحداث للتخفيف من وقع ما يدور على الشاشة مثل كثير من أفلام اليوم. إلى جانب ما ورد آنفاً من سمات، يمنح الفيلم شخصية بيانكو طابعاً اجتماعياً في الخلفية: لقد أصبح بعد انتحار زوجته إثر دخوله السجن، الراعي الوحيد لابنتيه الصغيرتين، وقبل ذلك هناك الدافع لتورّطه في السرقة وهو أن سجلّه لم يكن نظيفاً في الأصل، مما جعل حصوله على عمل ما أمراً مستحيلاً.

يُبرز الفيلم وضعه بوصفه رجلاً طيّباً إنما سيئ الحظ. هنا يبرز دور مساعد النائب العام دي أنغلو (برايان دونلڤي)، الرجل الذي يعلم ورطة بيانكو لكنه لا يستطيع إلا استخدامه مخلباً للوصول إلى باقي العصابة. علاقتهما ليست صداقة وليست عداوة بل قائمة على نحو من التفاهم على الواجب.

• عروض: أميركان فيلم إنستتيوت (2024)...

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز


سينما المؤلف تخسر في المواجهة

امرأة في الغرب: هايلي ستانفيلد في «جرأة حقيقية» (باراماونت)
امرأة في الغرب: هايلي ستانفيلد في «جرأة حقيقية» (باراماونت)
TT

سينما المؤلف تخسر في المواجهة

امرأة في الغرب: هايلي ستانفيلد في «جرأة حقيقية» (باراماونت)
امرأة في الغرب: هايلي ستانفيلد في «جرأة حقيقية» (باراماونت)

حفلت المواقع العربية والعالمية بتساؤلات عن السبب (أو ربما الأسباب) التي منعت فوز «كيليرز أوف ذَ فلاور مون» بأوسكار أفضل فيلم عنوة عن «أوبنهايمر»، أو فوز مخرجه مارتن سكورسيزي بدلاً من فوز مخرج كريستوفر نولان عن «أوبنهايمر».

التعليقات تختلف كثيراً في أسلوبها وأسبابها في العالم العربي عنها في الغرب.

عربياً، هناك قناعة من أن فيلم سكورسيزي أفضل في كل أوجهه من فيلم «أوبنهايمر» وعدم فوزه يعود إلى أن الفيلم الفائز يتناول يحتوي على دعاية يهودية و«هذا سبب فوزه الوحيد»، كما ذهبت إحدى التعليقات العاطفية.

مع وجود أكثر من 9500 مقترع ينتمون إلى الأكاديمية بوصفهم أعضاء في جميع المهن، من المستحيل معرفة لماذا فاز فيلم على آخر على نحو محدد. كل ما يمكن قوله هو أن التصويت حرّ من التبعية وأن عواطف بعض المعلّقين العرب كثيراً ما تتبنى نظريات وتُهم الانحياز من دون تحليل كامل لمعطيات أي من الأفلام الفائزة أو تلك التي نافستها.

وسترن حديث

هناك تحفّظات على الفيلمين معاً لا تداخلها المواقف السياسية لأي منهما إلا بحدود كيفية ما طُرح في هذين الفيلمين: سيرة حياة مخترع الذرّة من دون إدانة فعله مقابل دراما تعرض ولا تنتقد قيام عصبة بيضاء تقتل أثرياء القبائل الهندية. توفّر سرد الأحداث من وجهة نظر الجلادين وليس الضحايا مع ما يعنيه ذلك من فارق كبير.

فنياً، كل من الفيلمين يحتوي على عناصر فنية لافتة، لكن الجهد المبذول والتآلف بين كل هذه العناصر لخلق عمل يشمل أزمنة مختلفة وتفعيل لأسلوب يتجاوز مجرد السرد القصصي أمران يميّزان «أوبنهايمر».

لكن هناك جانباً بعيداً جداً عن التداول حتى الآن لا علاقة له بالجوائز، بل بفيلم سكورسيزي نفسه.

تقع أحداث «كيلرز أوف ذَ فلاور مون» في مطلع القرن الـ19 في الغرب الأميركي. صحيح أنه ليس عن رعاة بقر لكنه، من بين تصنيفات قليلة أخرى، هو فيلم وسترن حديث من مخرج لا تنتمي أعماله السابقة إلى هذا النوع من الأفلام. هذا قد لا يجعله أقل إدراكاً لعالم الفترة ومقتضياتها، بل يوعز باختياره لما يهمّه من الحكاية التي يسردها وهو تقديم «القتلة» في العنوان في الصدارة كما فعل في أفلام العصابات التي حققها وفي «ذئب وول ستريت» عندما صوّر، على نحو غير نقدي على الإطلاق، نجاح بطله في اللعب على القانون وجمع ثروته الطائلة بطرق غير شرعية (لعب ليوناردو ديكابريو بطولة ذلك الفيلم أيضاً).

هذه الرغبة في سرد حكاية تقع في الغرب الأميركي من دون أن تكون تقليدية، مبررة لكنها متكررة والأفلام الحديثة التي عمدت إلى هذه المحاولة كلها فشلت في نقل صورة الغرب الأميركي حتى على النحو الذي يعزز ما تذهب إليه من مفادات.

قبل فيلم سكورسيزي بنحو عام ونصف العام شاهدنا «قوّة الكلب» (The Power of the Dog) للنيوزيلاندية جين كامبيون وفيلم «أخبار العالم» (News of the World) للآيرلندي بول غرينغراس، وقبل ذلك بنحو 6 سنوات حقق الأخوان غووَل وإيثن كووَن فيلمهما «إنشودة بستر سراغز» (The Ballad of Buster Scruggs) وأخرج الفرنسي جاك أوديار «ذَ سيسترز برذرز» (The Sisters Brothers) سنة 2018.

الجامع بين هذه الأفلام، بما فيها «كيلرز أوف ذَ فلاور مون»، هو انتماء كل منها إلى مخرج يحمل لواءً فنياً خاصاً به أو، كحال غرينغراس، يجمع في أعماله بين الفن والتجارة على نحو ناجح غالباً.

كل هذه الأفلام كشفت عن رؤى تنتمي إلى مخرجيها وليس إلى الواقع وحقائقه الفعلية المرتبطة بثقافة تلك الفترة وزمنها. إلى نوع مستحدث من الوسترن يختلف عن أنواعه السابقة. تلك التي بدأت كحكايات بطولة وصراع تقليدي بين الأخيار والأشرار في الأربعينات والخمسينات، وصولاً إلى النضج الثقافي والفني الذي صاحب موضوعاتها في النصف الثاني من الستينات وطوال السبعينات، قبل أن يتحوّل النوع مناسبات متباعدة العروض على الشاشات الكبيرة ومتوالية، ببعض الزخم، بالنسبة إلى أفلام تتوجه مباشرة للمنصّات وسوق الأسطوانات.

مشاكل عائلية

يكشف فيلم جين كامبيون عن التباعد الشديد بين ماهية فيلم الوسترن وبين استغلال فترته الزمنية لسرد آخر. حتى ولو وضعنا في الحسبان حرية الفنان في اعتماد هذا التمازج، إلا أن معالجة الفترة ذاتها وثقافتها وسلوكياتها مختلفة كثيراً عن الواقع كما كان متداولاً.

لقطة مع كريستين دانست في«قوّة الكلب» (نيوزيلاند فيلم كوميشن)

في فيلم كامبيون «قوّة الكلب» تسود الرغبة في الحديث عن شخصيات تائهة تعيش معاً فوق مزرعة، يعمد إلى الانشغال بعناصر درامية متعددة بتعدد شخصيات الفيلم الرئيسية وتوظيف المكان وجمالياته الموحشة لخدمة هذا المنهج. الفيلم هو رؤية ذاتية من قِبل المخرجة للغرب الأميركي كما تريد فهمه. رؤية شخصية مع قدر واضح من الافتراض والتكلّف لقصة حول شقيقين يملكان مزرعة في ولاية مونتانا (رفضت المخرجة التصوير في الولاية وصوّرت الفيلم في نيوزيلاندا). أحدهما (بندكت كمبرباتش يدير أعمال المزرعة وخيولها وجورج الشؤون المالية، وعندما يتزوّج جورج من صاحبة مطعم (كرستن دنست) يكشف فيليب عن عدائه للمرأة التي تشعر بأنها غير محبوبة وتداوي مصيرها بالشرب. والأحداث تتوالى صوب توجّهات خالية من القدرة على دمج المُشاهد مع ما يدور درامياً أو مع الشرط العريض للمكان والزمان ودلالاتهما كفيلم وسترن.

واكيم فينكس في «ذ سيسترز برذرز» (واي نَت برودكشنز)

مثله في هذا البعد عن العناصر الفعلية للنوع فيلم جاك أوديار «ذَ سيسترز برذرز» (سيسترز هو اسم عائلة الأخوين جون س. رايلي وواكيم فينكس) الذي دار حول شقيقين يعملان في مهمّات القتل لقاء أجر ينطلقان صوب هدفهما الجديد، لكنهما ينقبلان على من قام بإسناد المهمّة إليهما.

لا مشاكل في الحكاية، لكن الكثير من تصنّع الأبعاد الجمالية والفكرية سريعاً ما يؤدي إلى عمل متكلّف وقليل التأثير. بكلمة أخرى، يفقد الفيلم ملامحه الواقعية ليدخل في إطار الرغبة في سيادة الفكرة ومنهج المخرج - المؤلّف.

جرأة حقيقية

أما «أنشودة بستر سراغز» فمشكلته أكبر بكثير. هذا فيلم وسترن للأخوين غووَل ونتان كووَن الذي تعود النقد الغربي على تقدير كل لقطة من معظم ما قاما بتحقيقه معاً. فيلم مؤلّف من قصص شتّى تبغي تقديم وجهة أخرى للغرب الأميركي يقوم على السخرية من ثقافته وتاريخه وشخوصه. بعض القصص أفضل إخراجاً من أخرى، لكنه في كلّه يندثر تحت ستار تلك السخرية حتى عندما تخفق الحكايات ذاتها في منح معالجاتها العناصر الأسلوبية الصحيحة لمثل هذا الفعل.

لديهما فيلم وسترن أفضل حققاه سنة 2010 بعنوان «جرأة حقيقية» (True Grit) عن ثلاثة (رجل وشاب وفتاة في الرابعة عشر) يقومون برحلة للقبض على قاتل والد الفتاة و- بالمرّة - قتل آخرين يشكلون عصابة مطلوبة من قِبل القانون.

الفيلم مأخوذ عن فيلم سابق بالعنوان ذاته حققه سنة 1969 هنري هاذاواي، أحد أهم مخرجي أفلام الغرب الأميركي. القصّة ذاتها مع اختلافات ارتآها الأخوان، لكنها وإن كانت ليست مضرّة هي أيضاً ليست نافعة. الباقي استنساخ مقبول، لكنه لا يصل إلى تميّز وجودة الأصل.

يكاد «أخبار العالم» لبول غرينغراس أن ينتمي إلى قصص الغرب الأميركي لولا أنه يقص حكايته ببرود ويوفر بعض المشاهد التي تحتاج إلى مبررات كافية للقبول بها. حكاية رجل (توم هانكس) يعمل قارئ صحف متنقلاً (!) يلتقط فتاة صغيرة هاربة من إحدى القبائل ويحاول إيداعها في عهدة خالتها المتزوّجة من رجل سيعامل الفتاة باحتقار. في هذا الفيلم استخدام واضح للنوع لتمرير رسالة لا تنضوي على جديد أو مميّز وتسقط في أتون من التغرّب وعدم الأهمية.

في السياق نفسه، سنلاحظ أن محاولة صوفيا كوبولا لتقديم فيلم عن «المرأة» في حكاية كُتبت لغاية مختلفة لم تشهد النجاح بدورها. الفيلم هو The Beguild حول الجندي الشمالي، خلال الحرب الأهلية الأميركية في ستينات القرن التاسع عشر، الذي يلجأ إلى مدرسة بنات تقع في الجزء الجنوبي المعادي له. تسعفه الإناث في تلك المدرسة من جروحه ويتعافى، لكنه يوهم بعضهن بالحب. حين يكتشفن أنه غير صادق يخططن للانتقام منه.

هذا الفيلم، بدوره، مأخوذ عن فيلم أفضل أنجزه دونالد سيغل من بطولة كلينت ايستوود سنة 1971. مرّة أخرى، الفيلم السابق أقرب لمفهوم الغرب ومتحرر من الرغبة لإبراز ذاتية المخرج.

بالعودة إلى فيلم سكورسيزي، فإن الاهتمام بالقصّة وشخصياتها البيضاء (مقابل تهميش الآخرين الذين هم لب الموضوع بأسره) مسألة اختيار، لكن حتى في هذا الإطار فإن دخول فترة زمنية معينة تشترط قدراً من التعامل معها وهو ما تجنّبه فيلم سكورسيزي على نحو يخلق المزيد من التباعد بين الحكاية وما كان مفترضاً بها أن تأتي به من وقائع.

عشرة أفلام وسترن لا غنى عنها

1943: The Ox‪-‬Bow Incident إخراج: وليام أ. ولمن

1950: Winchester ‪‬73 إخراج: أنطوني مان

1952: High Noon إخراج: فرد زنمَن.

1953: Shane إخراج: ‪جورج ستيڤنز

1956: The Searchers إخراج: جون فورد

1966- The Good the Bad and the Ugly إخراج: سيرجيو ليوني

1969: The Wild Bunch إخراج: سام بكنباه

1976 The Outlaw Josey Wales ‫إخراج: كلينت ايستوود

‬1973: Pat Garrett and Billy the Kid إخراج: سام بكنباه

1990: Dances With Wolves إخراج: كَيڤن كوستنر


شاشة الناقد - «ثورة فوق القماش»: فنان يبحث عن ماضيه

لقطة من «ما فوق الضريح» (ماد سوليوشن)
لقطة من «ما فوق الضريح» (ماد سوليوشن)
TT

شاشة الناقد - «ثورة فوق القماش»: فنان يبحث عن ماضيه

لقطة من «ما فوق الضريح» (ماد سوليوشن)
لقطة من «ما فوق الضريح» (ماد سوليوشن)

في أحد أفلام هذا الأسبوع حديث عن شاب يريد البقاء في بلد المهجر وفيلم آخر عن مهاجر يريد العودة إلى بلاده.

ما فوق الضريح ★★★

إخراج: كريم بن صالح | دراما | فرنسا | 2023‫ ‬

يوفر المخرج الجزائري كريم بن صالح في «ما فوق الضريح» فيلماً مغايراً عن المعتاد بالنسبة لتلك الأعمال التي تتناول موضوع المهاجرين العرب في باريس. بطله سفيان (حمزة مزياني) شاب يغرف، في مطلع الفيلم، مما هو متاح من لهو الشباب. حفلات ورقص ومخدرات. ثم تنسحب الكاميرا من مشهد البداية إلى الأجواء العائلية التي تحيط بذلك الشاب.

والد سفيان دبلوماسي جزائري سيتقاعد قريباً والسفارة ستقيم حفلاً لذلك. لكن سفيان نفسه غير سعيد لأنه مهدّد بالطرد من فرنسا كونه توقف عن متابعة الدراسة (فلم يعد يحمل إقامة طالب) وليس لديه عمل يربطه. حين يجد العمل مساعداً لحانوتي يرفض هذا توفير عقد عمل له ما يجعل التهديد بطرده من فرنسا أمراً محتملاً في أي لحظة.

يتابع الفيلم بطله بين تموّجات حالته. يتعرّف على فتاة فرنسية شابة تبدو مهتمّة به، لكنه لا يُجيد الحفاظ على هذه العلاقة بسهولة، وعندما يترك عمله عند الحانوتي الأول ويلتحق بحانوتي آخر يرشده هذا إلى ضرورة فهم الإسلام والتصرّف بأحكامه وشرائعه. في وسط هذه المتغيّرات لا يبدو أن سفيان آيل إلى تحديد مسيرته والفيلم ينتهي به وهو يغني لوالده (أو يحاول ذلك بكلمات غير متوازنة) في حفل السفارة المرتقب.

نال الفيلم جائزة أفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. لكن كأي سيناريو لأي فيلم هناك مستويان، الأول مضمون السيناريو والثاني فعل كتابته، ويبدو أن المستوى الأول هو الذي دفع لجنة التحكيم لمنحه الجائزة، هذا لأن هناك بضع مشاكل في فعل الكتابة ووضع النقاط فوق حروفها. أهم تلك المشاكل أن الأب سيترك ابنه يعاني من احتمال طرده من فرنسا من دون السعي لاستخدام علاقاته الدبلوماسية لمنحه إقامة دائمة. لا يعرف هذا الناقد الكثير عن شروط الإقامة، لكنه كثيراً ما عدّ أن كل فرد من عائلة أي دبلوماسي سيمنح إقامة صالحة لفترة وجود الدبلوماسي فوق الأراضي الفرنسية. كذلك نجد التبرير الذي ساقه الأب عندما طلب منه ابنه المساعدة في هذا الشأن واهياً، إذ قال له إنه عندما كان في سنّه كان عليه أن يشق طريقه بالاعتماد على نفسه. تتوقع من أب يطلب من وحيده الاعتماد على نفسه في مواقف مختلفة ليس من بينها احتمال إعادته إلى الجزائر منقطعاً عن بيت العائلة.

الممثل مزياني يعكس الشخصية التي يؤديها على نحو مقبول، لكنه لا ينقل الشعور الذي يعايشه في مراحل شتّى جيداً إلى الجمهور. كذلك فإن موقف الحانوتي منه (متجهم، غير آبه وعدائي) غير مفهوم إلا من حيث أنه عايش الموتى كثيراً لدرجة أنه بات يفضلهم على الأحياء.

في الجزء الأخير من الفيلم يحصل سفيان على العقد الذي سيحميه من الطرد، وها هو يقف ليغني (لم يُعرف عنه ذلك) تمهيداً لإعادة المياه لمجاريها بينه وبين والده. «ما فوق الضريح» ما زال يقفز فوق المشاكل التي يتطرّق إليها من دون توفير مبرراتها.

في خانة الإخراج تتبدّى مهارة المخرج كريم بن صالح على نحو أفضل. يعمد إلى فيلم فرنسي المعالجة ضمن الأسلوب السردي السائد حيث تمر الأحداث بإيقاع متوال. لا تفوت المخرج تفاصيل يركز الكاميرا عليها (مثل مشاهد غسل الميّت). لا يرتفع الفيلم صوب مستوى فني يتمناه الناقد له لكن ما يوفره صياغة فنية سليمة كدراية وتنفيذ.

* عروض: مهرجان البحر الأحمر

‪A REVOLUTION ON CANVAS‬ ★★★

إخراج: سارا نجيمي، تل شودر | تسجيلي | الولايات المتحدة | 2023‫ ‬

في الثمانينات غادر رسام إيراني اسمه نكزاد نُجيمي بلاده بعدما أدرك أن حياته باتت في خطر مع الانقلاب على نظام شاه إيران وقيام نظام جديد.

كان ترك البلاد إلى نيويورك في الستينات متزوّجاً سيدة يهودية إيرانية ثم عاد إلى إيران في السبعينات متوسماً البقاء. هذا إلى حين غادرها حال قيام الجمهورية الإسلامية تاركاً وراءه رسوماته.

«ثورة فوق القماش» (HBO)

نرى نُجيمي في بعض الوثائقيات المستخدمة في حضرة الشاه خلال استقبال الأخير لمجموعة كبيرة من الناس. لا تحديد للمناسبة لكن النظام الجديد، يقول الفيلم، كان سيعد وجود الفنان بين هؤلاء دليلاً على تقرّبه من الشاه. يقول أيضاً إن نُجيمي لم يكن مؤيداً لنظام الشاه بل كان منتقداً له من خلال رسوماته.

الثابت أن نُجيمي لم يلتق مع الثورة الإسلامية في أفكارها ونظمها أو يشعر حيالها بأي تجاوب أو تقدير. رسوماته تُشير إلى نقد للآيديولوجيا التي حكمتها وهو يتحدّث في الفيلم عن أنه ينتقد كل شيء من منطلق ثابت يعادي الآيديولوجيات كافة. هو لم يكن موالياً للشاه لكنه لم يرغب في انتظار أن يسمع الحكم الجديد شهادته في هذا المجال فهرب من إيران إلى الولايات المتحدة تاركاً 100 لوحة مرسومة وراءه. الفيلم ينشد طرح السؤال عن مصير تلك اللوحات وعما إذا كان نُجيمي (الذي هو والد المخرجة) يستطيع العودة الآن لاستعادة رسوماته إذا ما كانت موجودة حيث تركها أو حيث تم نقلها.

الجواب يأتيه من صديق إيراني نصحه بألا يحاول: «لا شيء يستحق أكثر من الحياة نفسها»، كما يقول له. وأحد معارفه في إيران يخبره بأنه لا يعرف ما الذي حدث لرسوماته... يبدو كاذباً، وبالتأكيد هو خائف من أن يساعد الفنان في التقاط ماضيه حتى لا يخسر منصبه. رغم ذلك يؤكد الرسّام (الذي يعده الفيلم بنفحة ترويجية واضحة «أحد أهم فناني هذا العصر») أنه يريد استعادة رسوماته. المبادرة في هذا الشأن تأتي غريبة بعض الشيء من حيث توقيتها. هل تم ابتداع هذه الرغبة لأن هناك فيلماً عليه أن يتحقق، أم من بعد مداولات فعلية بين الفنان وعائلته تجسّد حب المرء لبعض ماضيه المسجون بعيداً عنه؟

يمزج الفيلم ما بين الخاص والعام. هناك جزء من قصّة حبّه لزوجته يحكي بعضها لكاميرا ابنته (المتزوّجة شريكها في الإخراج تل شودر) وتحكي الزوجة بعضها الآخر. لكن الانتقال من موضوع لآخر ليس دائماً سلساً ولو أن عدم سلاسته لا تؤثر كثيراً على متابعته.

الإيقاع الذي تختار المخرجة تفعيله هنا يجمع بين تسجيل الواقع اليوم والرجوع إلى وثائقياته معاً. هناك مادّة حافلة من المشاهد المستقاة من مصادر شتّى. من مشاهد وثائقية مصوّرة للفنان كما للمحطات التاريخية الإيرانية (خلال النظامين) جنباً إلى جنب الاستعانة بأفلام ريبورتاجية عرضتها محطة «سي إن إن» CNN وسواها حول أحداث تلك الفترة.

من كل هذا يتوسم الفيلم تقديم وضع إنساني لفنان ينشد إحياء ماضيه وحياة عائلية حافلة بالضغوط النفسية والعاطفية تبعاً لتلك الرغبة. الكاميرا كانت هناك في مشاهد قليلة، لكن معظم ما نراه من المشاهد الحيّة هو إعادة إحياء يدخل فيها التمثيل عنصراً واضحاً.

* عروض: منصّة «إتش بي أو» HBO

‪Damsel‬ ★★

إخراج: جوان كارلوس فرسناديلو | فانتازيا | الولايات المتحدة | 2024‫ ‬

مشاهدة هذا الفيلم القائم على حكاية فانتازية مكتوبة بروح المغامرات الخارقة للواقع توحي بأن الكاتب دان مازيو لا بد قضى معظم وقت الكتابة محاولاً تأليف ما هو مختلف عن كتابة سابقة له في ذات المضمار عنوانها «غضب التايتنز» (Wrath of the Titans) الذي تحوّل إلى فيلم فشل تجارياً شارك في بطولته اسمان كانا ظهرا في فيلم ستيفن سبيلبرغ «لائحة شندلر»، هما راف فاينس وليان نيسن.

لقطة من «آنسة» (نتفليكس)

الحكايتان، تلك التي وردت في الفيلم السابق وهذه الحالية، تبقيان في إطار المعارك التي يشنها «البطل» ضد الوحوش. لكن التفاصيل تختلف هنا، في «آنسة»، ليس فقط من حيث أن البطولة نسائية (تقوم بها ميلي بوبي براون) بل من حيث عناصر الخيال التي تؤلّفها.

إيلودي (براون) فتاة جميلة تعيش في قرية. هي من أسرة فقيرة والفقر كذلك سمة القرية بأسرها. تحاول إيلودي المساعدة حسب ما تستطيع. ذات يوم تتسلم خطاباً يعلمها أنه تم اختيارها لتكون زوجة ابن ملكة تحكم بلدة أخرى اسمها أروا. ترى إيلودي العرض فرصة لإنقاذ قريتها من الجوع وتقبل. الاحتفاء بوصولها مبهر لكنها سريعاً ما تدرك أن الملكة تريدها زوجة لابنها درءا لغضب التنين الساكن في كهف مخيف، وذلك تبعاً لتقاليد تعود إلى مئات السنين. إذا لم تضح الملكة بزوجة ابنها فإن التنين سيثور وقد يهاجم القصر ويدمر حياة الجميع.

إلى جانب الميثالوجيا التي يحملها الفيلم، هناك قدر غالب من المواقف التشويقية. ذلك الوحش ينفث النار ليحرق كل شيء. يذيب ثلوج البحيرات ويحرق ساقي إيلودي (ولو لبعض حين) ثم يستشيط غضباً عندما تفلت بطلة الفيلم من أنيابه. كل ذلك ضمن ما هو مطلوب من بصريات ومؤثرات مصنوعة على نحو لا بأس به تقنياً. ما كان يحتاجه الفيلم لكي يتميّز هو حكاية تعمد إلى تفاصيل مختلفة عن تلك الواردة فيه حول المرأة الضعيفة التي تتحوّل إلى مقاتلة تود الانتقام ممن كانت السبب في مصيرها والانتصار على تنين جامح في الوقت ذاته. لا ينفع التطرّق إلى الموضوع من باب محاولة إقناعنا أن البطلة قُضي عليها من قبل ولن تقوم لها قائمة. صرنا أذكى من أن نصدّق مثل هذه التوليفة.

* عروض: «نتفليكس».

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز


«صندوق البحر الأحمر» وراء المنافس العربي الوحيد في «الأوسكار»

مخرجة الفيلم مع رئيسة مجلس أمناء مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي جمانا الراشد ومحمد التركي الرئيس التنفيذي للمهرجان
مخرجة الفيلم مع رئيسة مجلس أمناء مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي جمانا الراشد ومحمد التركي الرئيس التنفيذي للمهرجان
TT

«صندوق البحر الأحمر» وراء المنافس العربي الوحيد في «الأوسكار»

مخرجة الفيلم مع رئيسة مجلس أمناء مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي جمانا الراشد ومحمد التركي الرئيس التنفيذي للمهرجان
مخرجة الفيلم مع رئيسة مجلس أمناء مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي جمانا الراشد ومحمد التركي الرئيس التنفيذي للمهرجان

في ليلة الحدث الفني الأهم في العالم، كان فيلم «بنات ألفة» المدعوم من مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي، المنافس العربي الوحيد في كل فئات جوائز «الأوسكار».

ووصل «بنات ألفة» للمخرجة التونسية كوثر بن هنية إلى القائمة النهائية المختصرة لـ«الأوسكار» عن فئة أفضل فيلم وثائقي طويل، في خطوة استثنائية لصناعة السينما في المنطقة.

جمانا الراشد ومحمد التركي خلال حفل جوائز «الأوسكار»

وسلط هذا الإنجاز الضوء على دور مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي وصندوقها في دعم صناع الأفلام في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتمهيد الطريق أمامهم للوصول إلى منصات عالمية مرموقة.

وخلال ثلاث سنوات، هي عمر مهرجان البحر الأحمر السينمائي، دعم الصندوق التابع لمؤسسته أكثر من 250 من صناع الأفلام من كل أنحاء العالم، كما يساهم بتمكين الأصوات الجديدة ورفد الإبداع السينمائي أينما كان.


«أوبنهايمر».. تحفة فنية عن سيرة مبتكر القنبلة الذرية

الممثل كيليان مورفي مؤدياً دور عالم الفيزياء الأميركي روبرت أوبنهايمر (أ.ب)
الممثل كيليان مورفي مؤدياً دور عالم الفيزياء الأميركي روبرت أوبنهايمر (أ.ب)
TT

«أوبنهايمر».. تحفة فنية عن سيرة مبتكر القنبلة الذرية

الممثل كيليان مورفي مؤدياً دور عالم الفيزياء الأميركي روبرت أوبنهايمر (أ.ب)
الممثل كيليان مورفي مؤدياً دور عالم الفيزياء الأميركي روبرت أوبنهايمر (أ.ب)

رجل سحقه الشك من أجل اختراع غيّر تاريخ البشرية... هي قصة «أوبنهايمر» عن سيرة مبتكر القنبلة الذرية، الذي حصد، أمس الأحد، أوسكار أفضل فيلم، أبرز مكافأة سينمائية في هوليوود..

شبه تحفة كريستوفر نولان الفنية هذه النمط السينمائي القديم: طاقم تمثيلي مميز، وميزانية ضخمة، ورهانات عالية، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.

ويتبع الفيلم الذي يمتد على أكثر من ثلاث ساعات، اللحظات الأساسية في حياة روبرت أوبنهايمر، الفيزيائي الذي أدخل الكوكب إلى العصر النووي، وعجّل بنهاية الحرب العالمية الثانية قبل أن ينتابه الشك بشأن ابتكاره الذي استحال أداة تدميرية فتاكة.

ويغيّر هذا الفيلم البالغة ميزانيته مائة مليون دولار، الاتجاه السائد في السنوات الأخيرة المتمثل بمنح جائزة أوسكار أفضل فيلم لإنتاجات مستقلة بتكلفة إنتاجية أصغر.

المخرج كريستوفر نولان يتوسط كيليان مورفي وإيميلي بلانت خلال تصوير مشهد من «أوبنهايمر» (أ.ب)

وقالت منتجة الفيلم إيما توماس: «لقد حلمتُ بهذه اللحظة منذ زمن بعيد. ولكن بدا من غير المرجح أن يحدث ذلك على الإطلاق (...) السبب وراء ظهور هذا الفيلم بالشكل الذي ظهر فيه هو كريس نولان. إنه فريد من نوعه. إنه رائع»، مشيدة بكريستوفر نولان الذي فاز أيضاً بجائزة أفضل مخرج عن «أوبنهايمر».

 

ولغايات التصوير، أمر نولان بإعادة بناء لوس ألاموس في سهول جنوب غربي الولايات المتحدة، وقد صُوّرت المشاهد الرئيسية في الفيلم، الذي يعيد إنتاج أول انفجار نووي في يوليو (تموز) 1945، باستخدام متفجرات حقيقية.

 

وقد كانت هذه التركيبة فعالة، إذ نجح الفيلم في إقناع النقّاد والجمهور على السواء.

وحقق الفيلم إيرادات تجاوزت مليار دولار في جميع أنحاء العالم، كما حصد جوائز كبرى كثيرة في عالم السينما، وصولاً إلى تتويجه بأبرز مكافأة سينمائية عالمية.

حلم وكابوس

شرع كريستوفر نولان، الذي يحفل رصيده السينمائي بإنتاجات ضخمة بينها «إنسبشن» وثلاثية باتمان «ذي دارك نايت»، في المشروع بعد قراءة سيرة ج. روبرت أوبنهايمر الذاتية المتعمقة (American Prometheus: The Triumph and Tragedy of J. Robert Oppenheimer)، بقلم كاي بيرد ومارتن شيروين.

كريستوفر نولان فاز بجائزة أفضل مخرج عن «أوبنهايمر» (أ.ب)

وتحمل السيرة في طياتها عناصر درامية قوية: شخصية فريدة تنجرف في مأساة تجمع بين «الحلم والكابوس»، بحسب المخرج.

فبعد أن عرف المجد بوصفه «عراب القنبلة الذرية»، أصبح روبرت أوبنهايمر غارقاً في الندم على عواقب اختراعه.

واستحال بعدها داعية لنزع السلاح النووي، إلى أن دُفع للتنحي جانباً بسبب تعرضه للملاحقة للاشتباه في تعاطفه مع الشيوعية.

وقال كريستوفر نولان: «ليست هناك إجابة واضحة لقصته، فهي تحتوي على مفارقات رائعة».

وأصبحت صورة العالِم واضعاً يده على جبهته، وهو يحدق في الفضاء، مسترسلاً وسط هذه التناقضات اللامتناهية، أيقونة الفيلم الروائي الطويل.

ثلاثة أنواع

بُني هذا الفيلم حول مزيج ذكي من ثلاثة أنواع: القصة البطولية، وأفلام السطو، والدراما القانونية. من هنا، تتعاقب المشاهد في العمل حول السباق لصنع القنبلة الذرية بمواجهة النازيين، وإقامة فريق من الخبراء لتنفيذ المشروع، ومحاكمة عبقري أصبح هدفاً لاتهامات بالتآمر والخيانة.

واختار كريستوفر نولان لأداء الدور الرئيسي في الفيلم كيليان مورفي، وهو ممثل آيرلندي معروف لدى المخرج، فاز أمس الأحد بجائزة أوسكار أفضل ممثل.

فاز كيليان مورفي بجائزة أوسكار أفضل ممثل عن فيلم «أوبنهايمر» (رويترز)

ويمثل أمامه، في العمل الذي تدور أحداثه في واشنطن حين كانت تسودها أجواء مناهضة للشيوعية في خمسينات القرن العشرين، روبرت داوني جونيور الذي فاز الأحد بأوسكار أفضل ممثل بدور ثانوي.

ويزخر الفيلم بطاقم تمثيلي قوي يشمل أسماء لامعة بينها إميلي بلانت، ومات ديمون، وفلورنس بيو، وكينيث برانا، وغاري أولدمان، ورامي مالك.

روبرت داوني جونيور فاز بأوسكار أفضل ممثل بدور ثانوي عن فيلم «أوبنهايمر» (أ.ب)

«باربنهايمر»

ويعود النجاح التجاري الهائل لهذا الفيلم أيضاً إلى ظاهرة «باربنهايمر». فقد كان طرح العمل الدرامي عن مبتكر القنبلة الذرية، والكوميديا الأنثوية «باربي»، في اليوم نفسه من شهر يوليو (تموز) الماضي، خلال فترة إضراب هوليوود، بمثابة حافز لآلاف المتفرجين للتعرّف إلى الفيلمين، المختلفين تماماً.

مرتادة للسينما تشتري تذكرة بينما يظهر أفيشا فيلمي «باربي» و«أوبنهايمر» (أ.ب)

وبمواجهة الدمية الشهيرة «باربي»، كانت هناك حاجة لاستقطاب الجمهور إلى فيلم طويل يمزج بين التساؤلات التاريخية والفيزياء النووية وجلسات المحاكمة المليئة بالبيروقراطية.

مع مثل هذا السيناريو، «لا تقول لنفسك إنه سيحقق إيرادات بمليار دولار»، وفق تشارلز روفن، أحد منتجي الفيلم الذي طرحته شركة «يونيفرسال».

جنيفر لايم وكيليان مورفي يحملان جائزتي أوسكار عن فيلم «أوبنهايمر» (أ.ب)

ورأى روفن أن «تحقيق هذا الأمر على أرض الواقع، مع سيل التقويمات الإيجابية للعمل، أمر ممتع للغاية!».

ولم يوقف أي شيء مذاك مسيرة «أوبنهايمر» الناجحة، إذ حصد في الأشهر الأخيرة جوائز مرموقة كثيرة أبرزها في حفلات «غولدن غلوب»، و«بافتا» البريطانية، وحتى جوائز نقابة ممثلي الشاشة (ساغ)، قبل أن يتوّج هذا المسار الأحد في حفلة الأوسكار.


الكشف عن أعلى نجوم هوليوود أجراً... هل أعمالهم الأكثر جودة؟

النجم آدم ساندلر تصدّر قائمة الممثلين الأعلى أجراً في 2023 (رويترز)
النجم آدم ساندلر تصدّر قائمة الممثلين الأعلى أجراً في 2023 (رويترز)
TT

الكشف عن أعلى نجوم هوليوود أجراً... هل أعمالهم الأكثر جودة؟

النجم آدم ساندلر تصدّر قائمة الممثلين الأعلى أجراً في 2023 (رويترز)
النجم آدم ساندلر تصدّر قائمة الممثلين الأعلى أجراً في 2023 (رويترز)

قد لا يكون النجم الأميركي آدم ساندلر مرشحاً لأي جائزة «أوسكار» في الحفل الذي سيقام نهاية هذا الأسبوع، عن فيلمه «Murder Mystery 2» الذي أنتجته شبكة «نتفليكس»، لكنه يستطيع أن يعزي نفسه بحقيقة أن الجزء الثاني من فيلم التشويق والإثارة ساعد في جعله الممثل الأعلى أجراً في هوليوود، العام الماضي، وفقاً لمجلة «فوربس» الاقتصادية.

وهذه هي المرة الأولى التي يتصدر فيها ساندلر قائمة «فوربس» منذ عام 2002، وقالت المجلة إن نجاحات ساندلر على «نتفليكس»، حيث شارك بالتمثيل أو الإنتاج الفني في ثلاثة أفلام لمنصة البث التدفقي خلال عام 2023، ساهمت في تحقيقه أرباحاً تبلغ قيمتها 73 مليون دولار، وهذا ما جعله يتفوق على نجمة فيلم «باربي» مارغوت روبي، البالغة 33 عاماً، والتي أصبحت أصغر شخص يدخل قائمة «الفنانين الأعلى دخلاً خلال عام» منذ عقد من الزمن، وفق ما ذكرته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).

وشاركت روبي بطلة فيلم «باربي» بوصفها منتجة فنية أيضاً في الفيلم الذي حقق أكبر نجاح في شباك التذاكر لعام 2023 (بإيرادات عالمية قاربت 1.5 مليار دولار)، كما شاركت في إنتاج فيلم «Saltburn».

مارغوت روبي ورايان غوسلينغ في فيلم «باربي» (أ.ب)

واحتل النجم توم كروز المركز الثالث في قائمة «فوربس»، وتقاسم النجم رايان غوسلينغ، الذي شارك في بطولة فيلم «باربي»، المركز الرابع مع النجم مات ديمون، فيما جاءت النجمة جينيفر أنيستون زميلة ساندلر في فيلم «Murder Mystery» في المركز السادس.

وجاءت قائمة «فوربس» لأكثر نجوم هوليوود دخلاً في عام 2023 كالتالي:

الأول: آدم ساندلر (73 مليون دولار)

الثاني: مارغوت روبي (59 مليون دولار)

الثالث: توم كروز (45 مليون دولار)

الرابع: رايان غوسلينغ (43 مليون دولار)

الرابع مكرر: مات ديمون (43 مليون دولار)

السادس: جينيفر أنيستون (42 مليون دولار )

السابع: ليوناردو دي كابريو (41 مليون دولار)

السابع مكرر: جيسون ستاثام (41 مليون دولار)

التاسع: بن أفليك (38 مليون دولار)

العاشر: دينزل واشنطن (24 مليون دولار)

وإذا نظرنا في الأعمال الفنية التي شارك فيها هؤلاء النجوم، وأي من هذه الأفلام مرشح لجوائز في حفل «الأوسكار» المرتقب، سيبرز فيلم «باربي» المرشح لجائزة «أفضل فيلم»، و«أفضل أداء لممثل في دور مساند» عن الدور الذي لعبه النجم رايان غوسلينغ، و«أفضل أداء لممثلة في دور مساند» عن الدور الذي لعبته الممثلة أميركا فيرارا، من وسط عدة جوائز أخرى رُشّح الفيلم لها.

أيضاً فيلم «Killers of the Flower Moon»، الذي لعب بطولته النجم ليوناردو دي كابريو، فهو مرشح لجائزة «أفضل فيلم»، و«أفضل إخراج» لمخرجه مارتن سكورسيزي، و«أفضل أداء لممثلة في دور رئيسي» عن الدور الذي قامت به الممثلة الأميركية ليلي غلادستون، و«أفضل أداء لممثل في دور مساند» عن الدور الذي لعبه النجم روبرت دي نيرو، من وسط عدة جوائز أخرى الفيلم مُرشح لها.

أما فيلم «Mission: Impossible - Dead Reckoning» - الجزء الأول - والذي أكد بطولته النجم توم كروز فهو مرشح لجائزة «أفضل صوت» و«أفضل مؤثرات بصرية».


هل تذهب جائزة السينما المرموقة للأفضل أم للأشهر؟

ليلي غلادستون المرشَّحة للفوز (آبل فيلمز)
ليلي غلادستون المرشَّحة للفوز (آبل فيلمز)
TT

هل تذهب جائزة السينما المرموقة للأفضل أم للأشهر؟

ليلي غلادستون المرشَّحة للفوز (آبل فيلمز)
ليلي غلادستون المرشَّحة للفوز (آبل فيلمز)

ثمة ممثلة اسمها دافين جوي راندولف تخوض مجال التمثيل منذ 2013، وظهرت حتى الآن في 40 فيلماً. لم يكن أحد ليعرفها وإنْ شاهدها شخصياً أمامه، لشبهها بكثير من الوجوه، وعدم تفرّدها بملامح مميّزة؛ على العكس لو التقى الواحد منا مصادفة بمارغو روبي، أو جودي فوستر، أو إيما ستون.

لكن الحال ستتغيّر، ولو بمقدار كافٍ، في العاشر من فبراير (شباط) الماضي خلال حفل «الأوسكار» السادس والتسعين. هذا لأنّ دافين هي أقوى مرشّحات مسابقة «أفضل ممثلة مساندة» عن دورها في فيلم ألكسندر باين «المستمرّون» (The Holdovers).

دافين جوي راندولف ستخطف الأنظار (فوكاس فيلمز)

لن يكون فوزها سهلاً أمام جودي فوستر وإيميلي بلنت خصوصاً، لكنه، ووفق توقّعات الغالبية، هو الفوز الأكثر احتمالاً في هذا القسم.

لا بأس بالحديث عن السبب. دافين هي الممثلة الأنثى شبه الوحيدة في «المستمرّون». بطولته لبول جياماتي، وموضوعه يتمحور حوله وطلابه الذكور. هي الطبّاخة والمُشرفة على شؤون المدرسة: امرأة كبيرة الحجم، بدينة، لا يمكن قياس نسبة جمال ملامحها، لكن أحداً من بين جميع منافِساتها في هذا السباق لم يقدّم أداءً مؤثراً وتلقائياً ومندمجاً بعفوية مدروسة أكثر منها. لا يمكن لأي مُشاهد نوعي إلا أن يُعجب لا بدورها فحسب، ولا بطريقة أدائها وحدها، بل كذلك بشخصيّتها الطبيعية والمشبّعة بالمشاعر. ثمة مَشاهد لها وحيدةً، وأخرى أمام بول جياماتي والشاب دومينيك سيسا، لكنّ العين لن تتركها من أجل الآخرين. ستراقبها وهي تعكس حالة إنسانية عميقة. من خلالها، يكاد المُشاهد أن يرى تاريخ أفضل الممثلين والممثلات الأفرو- أميركيين في تاريخ السينما.

اثنان في الطليعة

ربما يتمنّى بطل الفيلم بول جياماتي لو أنّ احتمالات نجاحه في الفوز بـ«أوسكار» أفضل ممثل في دور رئيسي، مضمونة كما حالها.

هو الأستاذ الذي لا يحبّه أحد لمنهجه الجامع بين العداء والعناد. لا كلام لطيفاً لديه ليقوله لأحد. مديره يخبره بصراحة «لا أحد يحبك»، وهو في مقدّمة هؤلاء. طريقة جياماتي لتمثيل الدور مُشبَّعة أسلوبياً. يبتكر شخصيّته على أفضل وجه، ويمنحها الطاقة والفرادة. لكن ذلك لا يبدو أنه المطلوب تماماً لهذا الدور. هناك قدر من المنهج الاستعراضي الذي لا يتساوى مع أداء بعض منافسيه الذين مالوا إلى مبدأ «القليل أفضل من الكثير».

بين هؤلاء منافسه الأول كيليان مورفي عن دوره في «أوبنهايمر». هو في أفلامه السابقة (من بينها فيلمان للمخرج كريستوفر نولان، هما «دنكيرك» و«تمهيد») جيد على الدوام. الفارق بين أفلامه السابقة وفيلمه الجديد، هو أنه يحمل هنا الفيلم بأسره، عارياً من عناصر كثيرة، منها أنه أصغر سناً بسنوات من أوبنهايمر نفسه، وعليه أن يمثّل شخصية مثيرة للنقاش على نحو محايد حتى لا ترجح كفة على أخرى في مواقفه. نعم؛ اخترع القنبلة، لكنه كان يشعر بالذنب. نعم؛ كان يساري الميول، لكنه لم يكن خائناً.

إلى جياماتي ومورفي في سباق أفضل ممثل في دور أول، يتّجه الاهتمام إلى جيفري رايت عن «أميركان فيكشن». مثل جياماتي، كان رايت على مقربة دائمة من دخول مواسم الجوائز المختلفة. ومثله جرى تجاوزه لغير مرّة؛ ومثله أيضاً، هو ممثل يمكن الاعتماد على موهبته، واستحقّ في الواقع جميع الأدوار الجيّدة التي مثلها، بما فيها دوره هنا.

ما سبق سيؤدّي بالتأكيد إلى تجاوُز ممثل جيد آخر هو كولمان دومينغو عن دوره في «رستِن»، وهذا سيكون سهلاً لأن تشخيصه انفعالياً تشابَه أو لم يتشابه مع الشخصية الحقيقية التي يُمثّلها.

الأخير في الحسبان هو برادلي كوبر عن دوره في «مايسترو». فقد سبق وترشّح لغير مرّة ولم يفُز. ليس ثمة أسف إذا لم يفعل عن تمثيله شخصية الكاتب الموسيقار ليونارد برنستاين، فكثير من التصرّف الشخصي والمرور على التفاصيل كان على الفيلم القبول بهما تبعاً لسيناريو ضعيف.

ملاحظة أخيرة هنا، هي أنّ «أوبنهايمر»، و«رستِن»، و«مايسترو» عن 3 شخصيات حقيقية. من هذه الزاوية، يمكن التنبؤ أكثر بأن كيليان مورفي هو مَن سيصعد إلى المنصّة ويوجّه الشكر للمخرج على هذه الفرصة.

غلادستون: سؤال محرج

على الجانب النسائي في سباق أفضل ممثلة في دور أول، تشير التوقّعات إلى فوز ليلي غلادستون بـ«الأوسكار» ضمن هذه الخانة. لديها مُنافِسات عنيدات، هنَّ آنيت بنينغ التي تضع ذخيرة موهبتها المديدة في «نياد» (شخصية حقيقية أخرى)، وإيما ستون عن «أشياء مسكينة»، وكاري موليغان عن «مايسترو»، ثم ساندرا هولر عن «تشريح سقوط».

ما يجعل غلادستون في مقدّمة التوقّعات هي أنها أول ممثلة من المواطنين الأصليين لأميركا (الهنود الحمر) التي تُرشَّح للجائزة عن دورها في «قتلة ذا فلاور مون» لمارتن سكورسيزي. هذا يؤخذ جيداً في الحسبان بزمن تنتشر فيه توجّهات الإصلاح وجمعياته، والرغبة في رفع قبعة التقدير لمواطنيها جميعاً. إنه التوجّه عينه الذي دفع الأكاديمية لمنح سيدني بواتييه «أوسكار أفضل ممثل» عن دوره في «زنابق الحقل» عام 1969.

لكنّ السؤال المحرج هو؛ هل هي بالفعل أفضل المتواجدات؟ دورها في فيلم سكورسيزي لم يحرص على إظهار قدرات بسبب أنها في وقت واحد الممثلة الرئيسية والممثلة المهمّشة. فالمخرج وجَّه اهتمامه لتقديم روبرت دي نيرو وليوناردو ديكابريو. مَشاهدها متشابهة، تبدأ نضرة وعاطفية، ثم تسقط في رتابة المرض. هذه ليست مَشاهد تتطلّب أداءً متميّزاً، ما يرجّح كفّة ما سبق، وهو أنّ «الأوسكار»، إذا ما نالته فعلاً، سيكون نوعاً من التكريم لأصولها.

إيما ستون قد تسرق الأصوات القليلة التي ستفصلها عن غلادستون. لكنّ أداءها فوضوي؛ محسوب بالمَشاهد الصادمة أكثر من تلك التي تعكس قدرة درامية.

أفضل منها كاري موليغان، لكنها بالكاد تسحب نفسها من تحت هيمنة المساحة التي يمنحها كوبر لنفسه.

هذا يتركنا أمام الألمانية ساندرا هولر. جديرة بالاهتمام، لكنها ليست مَن سينال الجائزة مع وجود الأخريات المتمتّعات بتموّجات درامية أقرب منالاً وإثارة للإعجاب.

داوني تحت الضوء

إذا كانت ثمة تفاوتات بين مستويات التمثيل في السباقات الأخرى، ففي سباق «أفضل ممثل مساند» مستويات تختلف وتلتقي في الوقت عينه.

هناك 4 مشاهير وجديد واحد هو ستيرلينغ ك. براون، الأفرو - أميركي الذي يؤدّي دوره جيداً في «أميركان فيكشن»، لكن كيف يتوفر له حظ الفوز في مواجهة أداء جاهز للإدهاش والتأثير كذلك الذي يندفع فيه كل مِن مارك رافالو في «أشياء مسكينة»، وروبرت داوني جونيور في «أوبنهايمر».

روبرت داوني جونيور بارز في المنافسة (غيتي)

البعض يرى أنّ داوني جونيور كان جديراً بتأدية دور كيليان مورفي. ليس لأنّ داوني لا يصلح لهذه المسؤولية، فهو في السنّ المناسبة على الأقل، لكن بعض ما رفع من قيمة «أوبنهايمر» هو أنّ مورفي غير معروف بالحجم عينه، مقارنة مع داوني. بالتالي، صنو آخر من الأداء كان يمكن أن يقع على واجهة هذا الفيلم، ليس أفضل ولا أسوأ، لكنه مختلف بحيث يسرق داوني الفيلم بموهبته، وهو ما لا يحدث مع مورفي في الدور.

بالنسبة إلى مارك رافالو ودوره المفاجئ بالنسبة إلى مَن يتابعه، فإنه على وشك سرقة الضوء من كل هذه النخبة من الممثلين بتشخيصه الذي هو مِن أفضل عناصر «أشياء مسكينة». نعم؛ يعاني الفيلم مشكلات كتابة وبعض عثرات في التنفيذ، لكن حين يصل الأمر إلى كيفية اختار رافالو تجسيد شخصيّته، فلا يمكن إلا الإعجاب بهذا التنويع الذي أنجزه عنوة عن أفلامه السابقة.

هذا لا يحدث مع رايان غوسلينغ المرشّح عن دوره في «باربي». دور كان يمكن لأي ممثل آخر إنجازه، لأنه مكتوب مثل رسالة مفتوحة لا أسرار فيها. هو طيّع بلا ريب، لكن دوره هنا هشّ، ولن يستقطب ما يكفي من أصوات المقترعين لمنحه أي جائزة.

يبقى روبرت دي نيرو. هذا الممثل الذي لا يمكن قهره في الأدوار الجادّة التي يؤدّيها، خصوصاً تلك تحت إدارة سكورسيزي كما الحال في «قتلة ذا فلاور مون» مشكلتان ستحجبان عنه «الأوسكار»: الأولى اسمها كيليان مورفي، والثانية أننا شاهدناه في أدوار مكتوبة أفضل.

توقّعات وتمنّيات

‪*‬ «أوسكار» أفضل ممثل في دور أول:

- ذو الحظ الأوفر: كيليان مورفي عن «أوبنهايمر»

- يستحقها أيضاً: بول جياماتي عن «المستمرّون»، وجيفري رايت عن «أميركان فيكشن»

- الأضعف حظاً: كولمان دومينغو عن «رستِن»

‪*‬ «أوسكار» أفضل ممثلة في دور أول:

- ذات الحظ الأوفر: ليلي غلادستون عن «قتلة ذا فلاور مون»

- تستحقها أيضاً: آنيت بنينغ عن «نياد»، وكاري موليغان عن «مايسترو»

- الأضعف حظاً: ساندرا هولر عن «تشريح سقوط».

‪*‬ «أوسكار» أفضل ممثل في دور مساند:

- ذو الحظ الأوفر: روبرت داوني جونيور عن «أوبنهايمر».

- يستحقها أيضاً: مارك رافالو عن «أشياء مسكينة».

- الأضعف حظاً: ستيرلينغ ك. براون عن «أميركان فيكشن»

‪*‬ «أوسكار» أفضل ممثلة في دور مساند:

- ذات الحظ الأوفر: دافين جوي راندولف عن «المستمرّون»

- تستحقها أيضاً: لا أحد سواها.

- الأضعف حظاً: أميركا فيرارا عن «باربي».