أزمة فنزويلا تعزز انخراط دمشق في الفلك الروسي

تحليل إخباري

الأسد وشافيز في كراكاس (الشرق الأوسط)
الأسد وشافيز في كراكاس (الشرق الأوسط)
TT

أزمة فنزويلا تعزز انخراط دمشق في الفلك الروسي

الأسد وشافيز في كراكاس (الشرق الأوسط)
الأسد وشافيز في كراكاس (الشرق الأوسط)

شكلت أزمة فنزويلا فرصة لانخراط دمشق أكثر في الفلك الروسي وتحالفات موسكو في الشرق الأوسط والعالم، بعد قيامها بسلسلة من خطوات الاعتراف السوري بأقاليم انفصالية ودول أخرى تدعمها روسيا وتعارضها أميركا.
وأدانت وزارة الخارجية السورية، أول من أمس الأربعاء، «محاولة الانقلاب الفاشلة» في فنزويلا، واتهمت الولايات المتحدة بالسعي لزعزعة الاستقرار في هذا البلد، بحسب «وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)».
وتشهد فنزويلا أزمة إثر إعلان رئيس البرلمان الفنزويلي خوان غوايدو نفسه رئيساً بالوكالة اعترفت به 50 دولة؛ بينها الولايات المتحدة، في وقت رفض فيه الرئيس نيكولاس مادورو ذلك وأعلن الثلاثاء الماضي «إفشال» تحرك عسكري ضده. ولوّحت واشنطن أمس بـ«تدخل عسكري» لصالح غوايدو.
وتعد حكومة مادورو أحد حلفاء دمشق. وزار وزير الخارجية الفنزويلي خورخيه أرياسا دمشق الشهر الماضي والتقى الرئيس السوري بشار الأسد الذي كان زار كراكاس قبل اندلاع الأزمة السورية في 2011. كما أن الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو شافير زار دمشق خلال سنوات العزلة السورية بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري. وحافظت الحكومتان على العلاقات خلال السنوات الأخيرة.
ولم يكن الأسد الوحيد الذي أشار خلال لقائه المسؤول الفنزويلي إلى «التشابه» بين الأزمتين فيهما، بل إن الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أشارت إلى ذلك، عندما كتبت على صفحتها في «فيسبوك» أن كلام مسؤولين أميركيين عن فرار مادورو مشابه لكلامهم سابقاً عن هروب الأسد من دمشق.
وكان نقل عن الأسد قوله خلال لقائه مسؤولين روساً إن موقفه يختلف عن رئيس أوكرانيا فيكتور يانوكوفيتش الذي «هرب وترك كييف خلال فترة سريعة».
وتزامن دعم دمشق لمادورو مع استقبالها نائب وزير خارجية كوريا الشمالية باك ميونغ غوك لـ«تأكيد عمق علاقات الصداقة التاريخية بين البلدين في مختلف المجالات الاقتصادية والعسكرية والسياسية»، بحسب «سانا». وأطلع ميونغ غوك المسؤولين السوريين على نتائج محادثات رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في قمة عكست جمود انفتاح بيونغ يانغ على الغرب وفشل قمتي جونغ أون والرئيس الأميركي دونالد ترمب.
ومنذ التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا في سبتمبر (أيلول) 2015، اتخذت دمشق خطوات سياسية وعسكرية واقتصادية لتعزيز علاقاتها مع حلفاء موسكو.
وأعلن وزير خارجية «جمهورية أبخازيا» داور كوفي أن الفترة القريبة المقبلة ستشهد افتتاح سفارة في دمشق التي أعلنت في نهاية مايو (أيار) من العام الماضي اعترافها باستقلال «جمهوريتي» أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، لتكون بذلك خامس بلد يعترف بانفصال هذين الإقليميين عن جورجيا بعد روسيا وفنزويلا ونيكاراغوا وناورو.
وفي سبتمبر 2018 وقّع الأسد و«الرئيس» الأبخازي راوول خاجيمبا في دمشق معاهدة صداقة. وسبق ذلك قيام زعيم أوسيتيا الجنوبية أناتولي بيبيلوف بزيارة العاصمة السورية لتعزيز العلاقات. وأثار اعتراف دمشق باستقلال المنطقتين استياءً في جورجيا التي قطعت العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، كما أثار انتقادات لدى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وأعلن إقليما أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية من جانب واحد الانفصال عن جورجيا، وخاضا حرباً لمدة 5 سنوات ضدها بدعم من روسيا التي تدخلت عسكرياً لفرض انفصالهما في صيف عام 2008، مما أسفر عن سيطرة موسكو على الجمهوريتين وإعلانهما الرغبة في الانضمام إلى الاتحاد الروسي.
ومن الخطوات الأخرى، اعتراف دمشق في 2016 بقرار موسكو ضم شبه جزيرة القرم، الأمر الذي انتقدته أوكرانيا وخفضت على وقعه العلاقات الدبلوماسية مع دمشق وأغلقت السفارة السورية في كييف، فيما نوه رئيس «جمهورية القرم» سيرغي أكسيونوف بـ«الموقف الصادق والشجاع» لدمشق التي سعت جزيرة القرم إلى «تطبيع» العلاقات معها وإقامة تعاون مؤسساتي.
وإلى جانب وجود الجيش الروسي وقاعدتي طرطوس وحميميم في اللاذقية، ينتشر آلاف من عناصر الشرطة العسكرية من القوات الخاصة الآتية من الشيشان بأوامر الرئيس رمضان قاديروف، صديق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.