انقطاع الكهرباء يهدد الموسم السياحي الجديد في مصر

«حجوزات شهر سبتمبر (أيلول) تم إلغاؤها بالكامل.. جاءتنا مكالمات بعدم العودة لأعمالنا في الفنادق من جديد بعد أن استبشرنا خيرا بعودة السياحة خلال الموسم الجديد في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل»، عبارات بسيطة وصف بها حسام، أحد العاملين في شركة سياحية شهيرة بأسوان، حال مدينة أسوان السياحية، قائلا: «بعد الفوضى الأمنية.. الآن نعاني انقطاع الكهرباء عن الفنادق والمزارات السياحية التي لا يستطيع السائح الغربي البقاء فيها من دون أجهزة التكييف».
حال حسام، وهو في العقد الخامس من عمره، يشبه حال مئات المرشدين السياحيين والآلاف من سكان مدينة الأقصر (القريبة من أسوان)، أهم المدن السياحية في العالم التي تشتهر بوجود ثلث آثار العالم بها وأكثر من 800 مزار، بعد أن رحل الكثير من شبابها لتوقف حركة السياحة المصدر الرئيس للرزق إلى الدول العربية.
وكثفت الدولة المصرية من إمكانيتها لتعود حركة السياحة إلى طبيعتها في الأقصر وأسوان التي تأثرت منذ تنحي الرئيس الأسبق حسني مبارك عن السلطة في عام 2011، بعد أن طالت المدينتين الفوضى بسبب تخريب أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي من جماعة الإخوان المسلمين، لمحطات الكهرباء، ومظاهراتهم التي تسببت مؤخرا في حرق مبان ومحال سياحية على كورنيش نيل أسوان في ذكري فض اعتصامي «رابعة والنهضة» منتصف الشهر الحالي، وكذا الانقطاع المستمر للكهرباء.
وتقول السلطات المحلية إنها تحكم «السيطرة أمنيا على المدينتين من أجل عودة الحركة السياحية.. وأن أسواق أسوان والأقصر ستشهد رواجا سياحيا كبيرا خلال الموسم السياحي المقبل». ويؤكد محافظ أسوان اللواء مصطفي يسري، أن «المحافظة تسابق الزمن لإعادة الوجه الحضاري لمدنها السياحية المعروفة عالميا». وأضاف المحافظ لـ«الشرق الأوسط»، قائلا: «المحافظة تضع في خطتها احتضان الكثير من المهرجانات والمؤتمرات الدولية خلال الفترة المقبلة، لإرسال رسالة للعالم أجمع أن مصر هي بلد الأمن والأمان، ولجذب أسواق جديدة للسياح من أجل زيادة الليالي السياحية، وخصوصا أنها كمقصد عالمي للسياحة النيلية والبيئية تمتلك بمقوماتها التاريخية والبشرية وطبيعتها الخلابة التنوع الفريد في الأنماط السياحية منها السياحة الأثرية والدينية والعلاجية والتسويقية والسفاري والصيد والمحميات».
لكن حسام، الذي فضل ذكر اسمه الأول فقط لحساسية عمله في أسوان قال، إن «شركات سياحية كثيرة ألغت حجوزاتها بسبب ضعف حركة السياح نظرا لانقطاع الكهرباء.. بعد أن فاق معدل الحجوزات للموسم الجديد، الموسم الماضي في نفس الموعد»، كاشفا عن أن «استمرار أزمة انقطاع الكهرباء تسبب في مطالبة السائحين الأجانب برد قيمة الرحلة كاملة».
وكشف الخبير السياحي في أسوان، يحيى السيد، عن «تراجع الحركة السياحية في مصر بشكل عام بنسبة 80 في المائة بسبب الكهرباء، وأن الأمر كان أكثر سوءا في مدينتي الأقصر وأسوان»، لافتا إلى أن هناك تراجعا في الإقبال على حجوزات الموسم الجديد ليسجل أقل من الأعوام الثلاثة السابقة بسبب الكهرباء.
وقال الخبير السياحي، إن «انقطاع التيار الكهربائي تسبب في انخفاض إيرادات الفنادق والمناطق السياحية لأكثر من 30 في المائة خلال الفترة القليلة الماضية، لارتفاع تكلفة استهلاك كميات كبيرة من السولار لتشغيل المولدات الكهربائية، إضافة إلى زيادة أعمال صيانة الأجهزة أو استبدالها بأخرى حديثة، ورفع الموردين لأسعار المواد الغذائية، التي باتت عرضه للتلف، في حين أن هناك ثباتا في الأسعار السياحية».
في حين أكدت مصادر مسؤولة في وزارة السياحية، أن «الوزارة تحرص حاليا على تشيط السياحة الوافدة إلى الأقصر وأسوان في ظل تراجع معدلات نسب الإشغال الفندقي إلى أدنى مستواها».
«الشرق الأوسط» زارت الأقصر وأسوان ورصدت اللحظات الفارقة في عمر المدينتين اللتين كانتا يأتيان إليهما السياح من كل مكان في العالم، وطيلة 3 سنوات سيطرت على المدينتين حالتا ترقب وتوجس، الأمر الذي تسبب في تدهور الأوضاع الأمنية، وتشريد آلاف العاملين بالقطاع السياحي من أبنائها. ويقول شاهد عيان من أهالي أسوان، إن «انقطاع الكهرباء السبب الرئيس الآن في الأزمة بعد أن كان الانفلات الأمني في المقدمة الشهور الماضية، وهو ما أدي في تراجع حركة التوافد السياحي على المحافظة».
ويضيف شاهد العيان، أن «انقطاع الكهرباء أعطى للسياح انطباعا سيئا عن الوضع في البلاد»، مشيرا إلى أنه عندما يرى السياح ما يحدث من انقطاع الكهرباء لأكثر من 10 ساعات في صعيد مصر، من خلال وسائل الإعلام، يضطرون إلى تغيير رحلتهم والسفر إلى أماكن سياحية أخرى تنعم بالراحة».
ويقول شاهد من المدينة يدعى حمادة مدبولي، صاحب بازار سياحي في السوق التجاري، إنه «منذ إحراق أنصار مرسي لمحلات هدايا سياحية بشارع الكورنيش الذي يضم معظم المراسي السياحية، قامت قوات الأمن بغلق الكورنيش بالقرب من مقر مديرية الأمن بالحواجز الإسمنتية، فضلا عن عمليات السرقة والتنقيب على الآثار التي تتم في وضح النهار». ويضيف أن «الكورنيش كان متعة للأجانب حتى في فصل الصيف.. أما الآن فهو مغلق فلا وجود للسياح من الأصل».
في غضون ذلك، قال محمد فتحي، وهو من شباب أسوان: «بعد التراجع السياحي طوال السنوات الثلاث الماضية وقيام إدارة الباخرة السياحية بتسريحي من العمل، لأجد نفسي بعد 15 عاما من العمل بالمجال السياحي من دون عمل، ولدي أسرة مكونة من 5 أفراد، زادت فرحتي عندما عملت بوجود حجوزات كثيرة وزملائي بشروني بالعودة من جديد لعملي. لكن فرحتي لم تتم.. واتصل بي زملائي وأخبروني ببقاء الوضع كما هو».
قصة مشابهة تكررت مع أحمد نبيل (45 عاما)، الذي عمل أكثر من 10 سنوات بأحد الفنادق الكبرى بمدينة الأقصر، وقامت إدارة الفندق هذا الشهر بإنهاء عقده بسبب انخفاض حركة التوافد السياحي، والتراجع الكبير في عدد السياح القادمين إلى المحافظة.
وسجلت نسبة الإشغالات في الفنادق السياحية بأسوان والأقصر أدنى مستوياتها وبات عدد السائحين الموجودين بالمحافظتين يُعد على الأصابع، وتسعى غرفة السياحة في الأقصر وأسوان إلى تنوع الأنماط السياحية مثل السياحة الأثرية أو البيئية أو العلاجية أو الترفيهية أو السفاري أو الصيد، وذلك لما تنفرد به المحافظتان من مقومات طبيعية خلابة وتميز ثقافي وحضاري في الفنون والحرف، بجانب تفعيل سياحة المهرجانات والمؤتمرات.
في السياق ذاته، قال عاملون بقطاع السياحة المصري، إن «انقطاع التيار الكهربائي في مختلف المدن المصرية، تسبب في انخفاض إيرادات الفنادق والقرى السياحية لأكثر من 15 في المائة خلال الفترة القليلة الماضية». وقال مصدر مسؤول في الاتحاد المصري للغرف السياحية، إن «إيرادات الفنادق والقرى السياحية انخفضت بشكل ملحوظ، نتيجة انقطاع التيار الكهربائي لمدد طويلة خلال الأيام القليلة الماضية، مما تسبب في ارتفاع تكلفة التشغيل، وأعمال الصيانة، وتلف المواد الغذائية»، لافتا إلى أن «انقطاع التيار الكهربائي تسبب في تدمير معظم الأجهزة الحيوية بالفنادق مما رفع تكلفة صيانتها بنحو 25 في المائة عن الأوقات العادية، ويزيد من غضب السائحين».
بدوره، أكد محمد شاكر وزير الكهرباء المصري، أنه سيتم استثناء المناطق السيادية والمزارات السياحية من انقطاع التيار الكهربائي.
وبلغت مديونيات المنشآت السياحية المصرية لدى شركات توزيع الكهرباء المصرية في الأقصر وأسوان، وفقا لبيانات الشركة القابضة لكهرباء مصر، نحو 49.6 مليون جنيه بنهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
ويقول المرشد السياحي توفيق، إنه رغم السحر الذي ينبعث من كل ركن في المدينتين، فإن أول شعور ينتاب زوارهما الآن لن يخلو من إحساس بالألم والحسرة على حال الأقصر وأسوان، اللتين تعانيان بشدة من الركود السياحي، على عكس ما كان سائدا خلال السنوات السابقة.
من جهتها، أكدت مصادر مسؤولة في وزارة السياحية بالأقصر، أن «انقطاع الكهرباء أدى إلى تراجع حركة السياحة بالأقصر إلى أدنى مستوياتها»، موضحا أن نسبة الإشغال السياحي بالأقصر تتراوح في الوقت الحالي بين 6 و12 في المائة. كما وصلت معدلات البطالة لأكثر من 250 ألف شاب في ظل توقف العمل بالفنادق والبواخر السياحية، في حين قال مصدر مسؤول في أسوان، إن «عدد السائحين الموجودين بالمحافظة يُعد على الأصابع».