ناروهيتو يعتلي عرش اليابان بـ«سيف ومرآة وجوهرة»

إمبراطور اليابان وزوجته خلال الاحتفال بتسلمه العرش في طوكيو أمس  (أ.ف.ب)
إمبراطور اليابان وزوجته خلال الاحتفال بتسلمه العرش في طوكيو أمس (أ.ف.ب)
TT

ناروهيتو يعتلي عرش اليابان بـ«سيف ومرآة وجوهرة»

إمبراطور اليابان وزوجته خلال الاحتفال بتسلمه العرش في طوكيو أمس  (أ.ف.ب)
إمبراطور اليابان وزوجته خلال الاحتفال بتسلمه العرش في طوكيو أمس (أ.ف.ب)

تعهد إمبراطور اليابان الجديد ناروهيتو، أمس، بالوقوف دوماً «إلى جانب الشعب»، في كلمة قصيرة ألقاها بعد يوم على تخلي والده أكيهيتو عن العرش في تطور تاريخي في هذا البلد الآسيوي.
وهي المرة الأولى خلال أكثر من 200 عام التي يختار فيها أحد أعضاء أقدم عائلة حاكمة في العالم التنحي عن الحكم طوعا، وأُقيمت طقوس رسمية أمس لتنازل أكيهيتو وتنصيب ناروهيتو. وأصبح ناروهيتو رسمياً الإمبراطور الـ126 لليابان اعتباراً من منتصف ليل الثلاثاء - الأربعاء، لكنّه خلال الاحتفال القصير الذي استمرّ ستّ دقائق فقط، تسلّم الشارات الإمبراطورية المقدّسة التي تضفي الطابع الرسمي على مكانته كإمبراطور، وهي سيف ومرآة وجوهرة، كما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.
وفي أول خطاب له بعد جلوسه على العرش، تعهد الإمبراطور الجديد بالوقوف دوماً «إلى جانب الشعب». وقال الإمبراطور ناروهيتو في خطابه المقتضب: «أتعهد بالعمل وفقاً للدستور، وأداء واجباتي بصفتي رمزاً للدولة ولوحدة الشعب، وأن أفكّر دوماً في الشعب، وأن أقف دوماً إلى جانبه».
وارتدى الإمبراطور الجديد ملابس غربية رسمية، وسلسلة ذهبية ثقيلة خلال الحفل وأثناء إلقائه خطابه. ورافقته الإمبراطورة ماساكو، التي ارتدت ثياباً بيضاء طويلة وتاجاً مرصّعاً بالألماس. وقال الإمبراطور الياباني إنه «سيمعن النظر» في المثال الذي وضعه والده المحبوب أكيهيتو، مشيرا إلى أنّ توليه العرش ملأه «بشعور من الهيبة».
ونيابة عن الشعب، رد رئيس الوزراء شينزو آبي قائلا: «نحن مصممون على تشكيل مستقبل باهر لليابان، يملأه السلام والأمل، في وقت يشهد فيه الوضع الدولي تغيرات في شكل دراماتيكي». وبعد أن أعاقت الأمطار الغزيرة احتفالات التنازل عن العرش الثلاثاء، استغل اليابانيون الطقس المشمس للتدفق إلى ضريح ميجي في قلب العاصمة؛ حيث قدم عناصر فرق الرماية عرضا على ظهر الخيول.
وكان الإمبراطور الجديد وصل إلى القصر الإمبراطوري في طوكيو على متن سيارة سوداء، ملوّحاً بيده للحشد الصغير من المواطنين الذين تجمّعوا لتحيّته على طول الطريق. وحرص البعض على السفر لمسافات طويلة لمشاهدة المراسم وخطاب الإمبراطور الجديد، التي نظمت خلف أبواب مغلقة في القصر الإمبراطوري، على شاشات كبيرة خارج شينزوكو، وهي إحدى أكثر محطات العالم ازدحاما.
وسيظهر ناروهيتو على الملأ للمرة الأولى السبت المقبل، حين يخاطب الشعب الياباني مجددا. لكن مراسم التنصيب الرسمية ستنظم في 22 أكتوبر (تشرين الأول)، حين سيظهر رفقة قرينته ماساكو في الملابس التقليدية في احتفال رسمي في القصر الإمبراطوري قبل أن يخرج في موكب في شوارع طوكيو لتلقي تهنئة قادة العالم.
وسيلتقي ناروهيتو أول رئيس دولة أجنبية كإمبراطور للبلاد، حين يزور الرئيس الأميركي دونالد ترمب اليابان للقاء الإمبراطور الجديد.
وسيغادر والده القصر في وقت لاحق من هذا العام، وهو لا يزال يحتفظ بالمهام الفخرية لإمبراطور البلاد. ويواجه ناروهيتو الذي تلقّى تعليمه في جامعة «أكسفورد» تحديا خاصا للموازنة بين إرث والده الذي قرّب القصر من الشعب، وبين الاحتفاظ بتقاليد العرش الياباني العتيقة. ومثل والده، حذّر ناروهيتو من الحاجة لتذكر الحرب العالمية الثانية «بشكل صحيح»، دون التقليل من النزعة العسكرية لليابان في مطلع القرن العشرين.
وكافحت زوجة الإمبراطور ماساكو مع حياة القصر، بما في ذلك تعرضها لضغط هائل لإنجاب وريث ذكر، إذ عانت من «اضطراب التكيف» الناجم عن التوتر الذي تعاني منه خلال فترة زواجها. وأنجب ناروهيتو وماساكو طفلا واحدا، وهي ابنة تبلغ من العمر 17 عاماً تدعى إيكو، لكنها لا يمكنها وراثة العرش لأنها أنثى.
وفي بيان أصدرته بمناسبة عيد ميلادها في ديسمبر (كانون الأول)، تعهدت ماساكو ببذل قصارى جهدها على الرغم من شعورها «بعدم الأمان» من خطوة أن تصبح إمبراطورة. وفي بيانها الذي اتسم بالصراحة، قالت إنها تتعافى ويمكن أن «تؤدي واجبات أكثر من ذي قبل»، مشيرة إلى «الدعم القوي» الذي تتلقاه من الشعب.
ويصل ناروهيتو لعرش اليابان في ظروف مختلفة تماما عن الظروف التي تولى فيها والده حكم البلاد، عندما أصبح إمبراطوراً في العام 1989، ففي ذلك الوقت، كانت اليابان متفوقة اقتصاديا، وكانت منتجاتها التقنية موضع حسد كل الدول الصناعية، فيما كانت سوق الأوراق المالية اليابانية في ذروتها في شكل من غير المرجح أن يعود مرة أخرى. لكن البلاد تخوض الآن معركة ضد الانكماش الاقتصادي والنمو البطيء، بينما يتقدم عمر السكان بشكل سريع.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟