واشنطن تتمسك بـهزيمة «داعش» غداة تهديد البغدادي

جددت واشنطن تمسكها بتقديم الدعم لشركائها في المنطقة لتحقيق هدف هزيمة «داعش»، ذلك غداة أول ظهور في خمس سنوات لزعيم هذا التنظيم الإرهابي أبو بكر البغدادي الذي هدد في شريط فيديو، أول من أمس، بـ«الثأر» لخسائره في سوريا والعراق.
وفي وقت تركّزت أنظار المحللين ومسؤولي أجهزة الاستخبارات على محاولة رصد الطريقة التي سيرد فيها «داعش» وفروعه حول العالم على دعوة البغدادي إلى «الثأر»، قال مسؤول أميركي كبير إن عناصر التنظيم الذين كانوا ناشطين لفترة طويلة في سوريا والعراق، اختاروا أفغانستان ملجأ لهم ومن هناك قد يحاولون التخطيط لاعتداءات «نوعية» ضد الولايات المتحدة، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
وقال مسؤولون في وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) إن مكتب الاستخبارات الوطنية يقوم بتحليل فيديو البغدادي ومدته 18 دقيقة. وقال الكولونيل سكون رولنسون، من مجموعة التحالف الدولي لمكافحة «داعش» في «البنتاغون»، إن أخصائيين يدرسون الفيديو لإثبات صحته بشكل مستقل. وقال: «نحن نواصل دعم القوات الشريكة في مهمتنا المتمثلة في هزيمة (داعش) بشكل حاسم والتي تشمل قطع قدرته على تمويل عملياته وتجنيد أعضاء جدد ومحاولة شن هجمات متطرفة». أما الجنرال تشاد فرنكس، نائب قائد العمليات بقوات التحالف الدولي لمكافحة «داعش»، فقال إنه على الرغم من أن الأراضي التي كانت تحت سيطرة التنظيم قد تم تحريرها بالكامل فإن مقاتلي «داعش» ما زالوا يريدون إظهار نيتهم «في ممارسة النفوذ واستعادته».
وإذ قلل مسؤولون أميركيون من أهمية الفيديو الذي ظهر فيه البغدادي بعد فترة غياب دامت خمس سنوات، قال محللون إن الفيديو يبدو كمحاولة «يائسة» من زعيم «داعش» لإثبات وجود التنظيم وقدرته على تنفيذ هجمات واسعة النطاق في أنحاء العالم.
وفي الإطار ذاته، نقلت وكالة «رويترز» عن وزارة الدفاع الفرنسية أن التسجيل المصور للبغدادي يجب أن يؤخذ في عين الحذر وأن أجهزة الاستخبارات «لا تزال تحلله».
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية أمس عن مسؤول أميركي كبير أن عناصر «داعش» اختاروا أفغانستان ملجأ لهم. وقال المسؤول في مقابلة مع الوكالة: «نعلم أن أفرادا عادوا إلى هنا ويحاولون نقل الخبرات والقدرات التي اكتسبوها هناك»، في إشارة إلى سوريا والعراق. وأعلن طالبا عدم كشف اسمه: «في حال لم نبق على الضغوط لمكافحة الإرهاب ضد فرع (داعش) في أفغانستان سيقع هجوم على أمتنا. هجوم نوعي خلال عام على الأرجح».
وبحسب تقرير أخير للأمم المتحدة قد يضم «تنظيم داعش» بين 2500 و4000 عنصر في أفغانستان أي أنه رقم يوازي ما أعلنه البنتاغون قبل عامين رغم تكبد خسائر فادحة.
واعتبر السيناتور الأميركي الديمقراطي جاك ريد العضو في لجنة في مجلس الشيوخ مكلف القضايا العسكرية بعد زيارة لأفغانستان أن قدرات الفرع المحلي لـ«تنظيم داعش» (ولاية خراسان) ازدادت. وفي العام 2017 أبدى البنتاغون تفاؤلاً بتأكيده أنه من الممكن القضاء على تنظيم «ولاية خراسان» بحلول نهاية 2019، لكن بعثة حلف شمال الأطلسي في أفغانستان قللت من شأن ذلك.

وقال المسؤول الأميركي لوكالة الصحافة الفرنسية: «تبين للبعثة أن الأمر كان أكثر من مشكلة صغيرة في جنوب (ولاية) ننغرهار وأننا نحتاج إلى أكثر لتسويتها»، في إشارة إلى معقل «داعش» شرق البلاد.
والمسؤول الكبير موجود كما فريق خبراء في كابل لمساعدة الجنرال سكوت ميلر قائد القوات الأميركية وحلف شمال الأطلسي (ناتو) على التصدي لتهديد «تنظيم داعش». وأكد وجود أوروبيين بينهم فرنسيون وبريطانيون من المجندين دون أن يقدم أرقاماً.
وفي إطار مرتبط، قال مسؤولون أفغان، أمس الثلاثاء، إن قوات الحكومة الأفغانية شنت هجمات في محاولة لطرد متشددين يتقاتلون للسيطرة على أراض قرب الحدود مع باكستان في معارك أجبرت الآلاف من سكان القرى على الفرار من منازلهم، بحسب ما أشارت وكالة «رويترز» في تقرير من كابل.
وتدور معارك منذ أكثر من أسبوع بين حركة «طالبان» وتنظيم «داعش» في إقليم ننغرهار الحدودي الشرقي منذ أن سيطر مقاتلو «داعش» على ست قرى في المنطقة. ولم يصدر تعليق من «داعش» أو معلومات عن خسائره البشرية في الاشتباكات التي كانت ضمن أعنف المواجهات بين الجماعتين المتنافستين خلال العام الماضي.
وقالت «طالبان» في بيان أمس الثلاثاء، إن قوات أفغانية مدعومة بقوات أميركية قتلت سبعة مدنيين في مداهمات بننغرهار ونددت بما وصفتها «بوحشيتهم التي لا ترحم».
وقال مسؤولون إن قوات الحكومة شنت مساء الاثنين هجمات شملت ضربات جوية لطرد المتشددين من المنطقة. وقالت إدارة الأمن الوطني، وكالة المخابرات الرئيسية في البلاد، في بيان، إن 22 من مقاتلي «داعش» قتلوا كما جرى تدمير مستودعين للذخيرة تابعين للتنظيم.
وقال عطاء الله خوجياني المتحدث باسم حاكم الإقليم، إنه على الرغم من أن هجمات الليلة قبل الماضية كانت تستهدف «القضاء» على «داعش» في المنطقة، فإن الحكومة تريد أيضا طرد «طالبان» منها.
في غضون ذلك، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن خبراء، في تقرير من بيروت، أن بث شريط فيديو البغدادي يمكن أن يشكل مرحلة جديدة في عمل لـ«داعش» بعد سقوط مناطقه التي أعلن السيطرة عليها بدءاً من 2014، وأتى بث الشريط بعد أكثر من شهر على هزيمة التنظيم المتطرف في الباغوز، آخر معاقله بشرق سوريا. ويقول تشارلز ليستر، من «ميدل إيست إنستيتيوت»، إنه «شريط الفيديو الأول للبغدادي منذ نحو خمس سنوات، ويأتي في وقت حرج بالنسبة لمنظمة إرهابية خرجت لتوها من هزيمة». وأضاف أن التنظيم يسعى إلى «إعادة توطيد نفسه كحركة دولية قادرة على تنفيذ هجمات واسعة النطاق في جميع أنحاء العالم».
من جهته، يقول المحلل بيتر نانينجا إن الهدف من ذلك هو «رفع معنويات مؤيديه من خلال إظهار أن التنظيم ما زال قوياً وأنه لا يزال زعيما لديه القوة».
ويرسخ الفيديو عودة التنظيم مجدداً إلى الانكفاء، وبداية مرحلة جديدة.
بدوره، يقول إمارناث إماراسينغام الباحث في «إنستيتوت فور استراتيجيك ديالوغ» إن الغرض من كلمة البغدادي هو إظهار أن المجموعة تمر «بفترة انتقالية».
خلال هذه الفترة، ستتركز الجهود «على أماكن خارج سوريا والعراق» حسب قوله للوكالة الفرنسية، رغم وجود «خلايا نائمة» في هاتين الدولتين ما زالت تشن هجمات دامية.
وقد أعلن التنظيم مسؤوليته عن سلسلة اعتداءات استهدفت كنائس وفنادق فخمة في سريلانكا يوم عيد الفصح في 21 أبريل (نيسان) ما أدى إلى مقتل أكثر من 253 شخصا.
أما تشارلي وينتر، الباحث في «كينغز كوليدج» في لندن، فقال إن «البغدادي يريد أن يؤكد أن الآيديولوجية تعولمت بشكل غير مسبوق رغم خسارة الأرض». واعتبر ليستر في هذا السياق أن شريط الفيديو «ليس فقط بمثابة تذكير بأن مشروع (داعش) ما زال حياً، بل إنه من المهم الآن أكثر من أي وقت مضى إبراز التنظيم من خلال أعمال العنف».
وفي نهاية شريط الفيديو، يمكن رؤية البغدادي جالساً في اجتماع ينظر في ملفات سلمها له رجل كتب عليها «ولاية اليمن»: «ولاية الصومال»: «ولاية القوقاز» و«ولاية تركيا».