تفسيرات متباينة في العراق لظهور البغدادي

خبير أمني: حديثه عن حرب الاستنزاف ينم عن عجز

لقطة للبغدادي من الفيديو (أ.ف.ب)
لقطة للبغدادي من الفيديو (أ.ف.ب)
TT

تفسيرات متباينة في العراق لظهور البغدادي

لقطة للبغدادي من الفيديو (أ.ف.ب)
لقطة للبغدادي من الفيديو (أ.ف.ب)

حتى وقت قريب كانت غالبية التكهنات تشير إلى وجود زعيم «تنظيم داعش» أبو بكر البغدادي في محافظة الأنبار غرب العراق وتحديدا بين جزيرة راوة أو غرب الثرثار. لكن ظهوره المفاجئ والمعلن مساء أول من أمس في فيديو دعائي، للمرة الأولى منذ آخر ظهور له في الموصل عام 2014 أنعش سوق التفسيرات المتباينة حد التناقض.
رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي علق بالفيديو بالتحذير من أن «تنظيم داعش» لا يزال يشكل خطرا كامنا في جميع أنحاء العالم رغم تضاؤل قدراته، مضيفا أن الفيديو تم تصويره في منطقة نائية، لم يحدد في أي بلد تقع. ونقلت عنه وكالة «رويترز» أن مقطع الفيديو هو محاولة لدعم أنصار التنظيم الذي قال إنه سيحاول تنفيذ مزيد من الهجمات.
المصادر الأمنية والعسكرية العراقية لم تعلن، بدورها، موقفا واضحا من الفيديو برغم التصريحات هنا وهناك لمصادر ومحللين أمنيين مقربين من صناع القرار. صورة البغدادي بين الظهورين بدت مختلفة تماما. في «إطلالة» البغدادي الأخيرة اختفت ساعة روليكس التي كان يرتديها وهو يخطب في جامع النوري قبل 5 سنوات، كما بدا مرتبكا وهو يعلن خسارة معاركه بما فيها آخر المعاقل «الباغوز» مع الإشارة إلى استمرار حرب الاستنزاف.
مسؤول أمني عراقي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «كل ما تحدث عنه البغدادي هو الماضي حيث خص معركة الباغوز بنحو ثماني دقائق»، مبينا أن «طريقة جلوسه وبمعيته مجموعة شبابية إرهابية وكذلك ظهور رجل بلباس عربي يقدم له ملفات عن (الولايات) تبين أن المراد منها هي رسائل لمناصريه». وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم الإشارة إلى اسمه، أن «حقيقة الأمر مختلفة حيث تم تدمير قدراته وبالتالي فإن العودة إلى حرب الاستنزاف هي مجرد عبث». وأوضح أن «البغدادي يريد أن يبين أنه موجود وأنه يريد توجيه رسائل ببيعات جديدة وربما خارج العراق».
من جهته، يرى محافظ نينوى الأسبق أثيل النجيفي، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «تأثير البغدادي انتهى في مناطقنا ولم يعد لأتباعه قدرة، خصوصا في الموصل، على العودة لإرهاب الناس وتخويفهم». وحول الصورة التي ظهر بها البغدادي الآن بالقياس إلى صورته بالأمس، يقول النجيفي: «صورته تبدو لي يائسة ولا تزيد على ورقة للتلويح بها أمام هذه الجهة أو تلك»، لكنه يستدرك قائلا: «لا يجب الاستهانة تماما لأن أمثاله من الجماعات الإرهابية يعيشون ويستقوون في ظل الفوضى». ولفت النجيفي إلى أنه «في حال استطعنا منع الفوضى في بلادنا فلا أمل له ولا لأي جماعة إرهابية أخرى، أما إذا انتشرت الفوضى فهناك أكثر من جهة قد تجد لها طريقا مفتوحة».
الخبير المتخصص بشؤون الجماعات المسلحة الدكتور هشام الهاشمي أكد، بدوره، لـ«الشرق الأوسط» أن «ظهور البغدادي في هذا الوقت جاء من باب الضغط داخل التنظيم وهذا واضح من سياق ضعف الاستعدادات بالقياس إلى ما هو معروف في مؤسسة الفرقان التابعة للتنظيم». وأضاف أن «عملية مراقبة للبغدادي بتنسيق عراقي - أميركي منذ شهر سبتمبر (أيلول) عام 2018 نجحت إلى حد كبير في تقليص عملية البحث عنه بعد إسقاط نحو 13 احتمالا عن أماكن وجوده من أصل 17 احتمالا، حيث باتوا قريبين جدا من حصر احتمالات وجوده وهي على الأرجح بين منطقة وادي حوران العراقية وبادية حمص السورية».
وأوضح الهاشمي أن «البغدادي استخدم عبارة حرب الاستنزاف في خطابه الأخير وهي إشارة تنم عن عجز التنظيم عن السيطرة على أي منطقة من مناطق صراعه، لكن من جانب آخر ما زال مصرا على إعادة التكوين فضلا عن حديثه عن عمليات الثأر التي قام بها في سريلانكا».
وحول ما إذا كان خطاب البغدادي سيترك أثرا ما على الجماعات الإرهابية، يقول الهاشمي إن «مجرد ظهوره يمكن أن يعطي شحنة أمل لأنصاره وذلك لجهة استجابتهم له كما يمكن أن يقلص عمليات الانشقاق والتمرد التي عاناها التنظيم، كما يمثل ردا على الشائعات بشأن خروجه بعيدا عن جغرافيا العراق وسوريا».
من جانبه، يرى القيادي في التيار الصدري ورئيس لجنة الأمن والدفاع السابق في البرلمان العراقي حاكم الزاملي أن ظهور البغدادي هو «محاولة من الوكالات الاستخباراتية العالمية للتلويح بالإرهاب لتمرير مخططاتها». وقال في بيان إن «الظهور الأخير للإرهابي أبو بكر البغدادي وهو يوجه خطابه لمجموعة من تابعيه وولاته تم تحت رعاية ودراية الوكالات الاستخبارية العالمية»، مبيناً أنه «يحاول إرسال رسائل اطمئنان لمن تبقى من أتباعه بعد هزائمه في العراق وسوريا».
وأضاف أن «الإرهابي البغدادي يحاول إثبات وجوده من خلال استذكار بطولات قتلاه وتبنيه لتفجيرات سيرلانكا وأحداث ليبيا وتأسيس الولايات في مالي وغيرها من الدول»، لافتاً إلى أن «خطابه تم بحرية تامة بعد أن تضاربت الأخبار عن مقتله». واستبعد الزاملي «إمكانية استمالة بعض العراقيين لتشكيل خلايا أو حواضن جديدة، فضلاً عن استحالة رعايتهم أو إيوائهم أو إبداء المساعدة لهم»، عازياً ذلك إلى «مرارة الحرب والتهجير والقتل والدمار ونهب الأموال وسرقة الآثار وسبي النساء في المناطق التي سيطرت عليها عصابات (داعش) الإرهابية». ودعا القيادي في التيار الصدري الحكومة العراقية إلى «مسك الحدود مع سوريا بشكل جيد وملاحقة الخلايا الإرهابية في المناطق التي يختبئ بها الدواعش»، لافتاً إلى «أهمية إعادة النازحين والمشردين وإعادة الإعمار وتقديم الخدمات».


مقالات ذات صلة

عملية للمخابرات التركية في القامشلي... وتدخل أميركي لوقف نار في منبج

المشرق العربي فصائل الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا تدخل منبج (إعلام تركي)

عملية للمخابرات التركية في القامشلي... وتدخل أميركي لوقف نار في منبج

يبحث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في تركيا الجمعة التطورات في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا اللفتنانت جنرال فيض حميد (منصة إكس)

بدء محاكمة الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الباكستانية

بدأ الجيش الباكستاني محاكمة الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الباكستانية، في خطوة من المحتمل أن تؤدي إلى تفاقم التحديات القانونية ضد رئيس الوزراء السابق المسجون.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)
أوروبا أمرت النيابة العامة الفيدرالية بألمانيا باعتقال رجل يشتبه في كونه عضواً بجماعة «حزب الله» اللبنانية بهانوفر حيث يُعتقد أنه يعمل لصالحها داخل ألمانيا (د.ب.أ)

ألمانيا: إيداع سوري مشتبه في تعاطفه مع «داعش» بالحبس الاحتياطي

بعد عملية واسعة النطاق نفذتها الشرطة البافارية الأحد تم إيداع شخص يشتبه في أنه من المتعاطفين مع «تنظيم داعش» قيد الحبس الاحتياطي.

«الشرق الأوسط» (ميونيخ - شتوتغارت )
آسيا شرطي يراقب أفراداً من الأقلية المسيحية الباكستانية وهم يستعرضون مهاراتهم في الاحتفال بأعياد الميلاد على أحد الطرق في كراتشي بباكستان 8 ديسمبر 2024 (إ.ب.أ)

باكستان: مقتل شخصين يحملان متفجرات بانفجار قرب مركز للشرطة

انفجرت عبوة ناسفة كان يحملها مسلحان مشتبه بهما على دراجة نارية في جنوب غربي باكستان، بالقرب من مركز للشرطة، الاثنين.

«الشرق الأوسط» (كويتا (باكستان))
أفريقيا وزير الدفاع الجديد تعهّد بالقضاء على الإرهاب في وقت قريب (وكالة أنباء بوركينا فاسو)

بوركينا فاسو: حكومة جديدة شعارها «الحرب على الإرهاب»

أعلن العسكريون الذين يحكمون بوركينا فاسو عن حكومة جديدة، مهمتها الأولى «القضاء على الإرهاب»، وأسندوا قيادتها إلى وزير أول شاب كان إلى وقت قريب مجرد صحافي.

الشيخ محمد (نواكشوط)

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.