ريبة في دمشق من مآلات الأملاك العامة إلى «رجال أعمال جدد»

مسؤولة محلية قالت إن 19 % من الحي القديم عائد للدولة

TT

ريبة في دمشق من مآلات الأملاك العامة إلى «رجال أعمال جدد»

كشفت مديرة دمشق القديمة، حياة الحسن، عن أن ما يقارب 19 في المائة من مساحة دمشق القديمة مستملكة من الجهات العامة منذ عشرات السنين مع وقف التنفيذ، في وقت طرحت أسئلة عن استحواذ «رجال أعمال جدد» على مشروعات اقتصادية وتجارية في العاصمة وجوارها.
ونقلت صحيفة «الوطن» في دمشق، أن 5 في المائة من مساحة منطقة ساروجة وسط دمشق مستملكة لجهات عامة. مع وجود عدد من العقارات القديمة الآيلة للسقوط، منها نحو 50 بيتاً، تشكل كتلة واحدة خلف سينما السفراء، تقدر مساحتها بنحو 7 آلاف متر مربع، وذلك بسبب قرار صدر عن محافظ دمشق عام 1978 يسمح بالبناء فيها؛ لكن دخول المنطقة ضمن الشريحة الأثرية عام 1979 أوقف عمليات الهدم والبناء.
وأثارت المعلومات الشكوك بما تنوي فعله السلطات لحل مشكلات العقارات «الواقفة» منذ عقود طويلة، أي المستملكة وغير المنفذة، والعقارات التي يغيب أصحابها ومهددة بالسقوط؛ حيث يتيح قانون الاستملاك 1982، للجهة المستملكة حق التصرف في تلك العقارات «وفق ما تراه صالحاً للنفع العام».
ولم تستبعد مصادر متابعة القيام بتلزيم استثمار تلك العقارات لشركات الإعمار السورية المسيطرة على الساحة، بزعم إزالة خطورة وإصلاح طارئ، اللذين تم بموجبهما العام الماضي منح 38 موافقة إعادة بناء وتوظيف، ناهيك عن منح 115 ترخيصاً لإزالة الخطورة، و10 تراخيص للإصلاح الطارئ، و87 موافقة للترميم البسيط في دمشق القديمة، بحسب ما ذكرته حياة الحسن التي تحدثت بإسهاب عن «العقبات الكثيرة» الناتجة عن عدم تنفيذ الاستملاك وعدم إلغائه، إضافة إلى إدراج مدينة دمشق منذ عام 1979 على قائمة التراث العالمي، وانعكاس ذلك على البيوت المبنية من الطين والخشب، وتعرضها للإهمال الطويل، لا سيما عقارات «اليهود الغائبين» التي تدار من مجلس إدارة أملاك اليهود، وعجز المحافظة عن التدخل لإصلاحها نظراً لخصوصيتها!
وقالت مصادر: «لعل أكثر ما يثير دهشة سكان دمشق، هو الشروع في هدم أماكن تجارية وسياحية وسط العاصمة، منها ما يعتبر جزءاً من هويتها المعاصرة، وبينها ما هو حديث البناء، بزعم إعادة إعمارها بمواصفات عالمية، وذلك بينما لا تزال المناطق المدمرة بأحياء أطراف العاصمة وغوطتيها الشرقية والغربية في مهب المجهول، لينتهز الفرصة تجار العقارات، لشرائها بأبخس الأسعار».
خلال أقل من عام منذ استعادة النظام لسيطرته على الغوطة الشرقية، افتتحت عشرات المكاتب العقارية وسط الدمار، التي تروج عروضها ضمن تصنيفين: إما داخل مخطط تنظيمي يتوقع صدوره وله السعر الأعلى، وإما خارج المخطط من أراضٍ زراعية بعيدة عن الطرق الرئيسية، ولها سعر أقل؛ حيث يتراوح سعر الدونم الواحد ما بين عشرة ملايين وثلاثين مليون ليرة سورية (الدولار يساوي 600 ليرة)، وذلك على أمل مضاعفة أسعارها بمجرد بداية إعادة الإعمار.
ويشار إلى أن النظام منع البيع في أربع مناطق بمحيط دمشق، هي: الحجر الأسود، والقابون، وجوبر، وداريا، بحجة العمل على إصدار مخططات تنظيمية لها، التي من المتوقع أنها ستضع الصيغة النهائية للخريطة الجغرافية والديموغرافية، علما بأن دستور 1973 أجاز مصادرة الملكية الخاصة بقانون لقاء تعويض «عادل» وما تبعه من قوانين منظمة للاستملاك، منها قانون 60 لعام 1979، الذي أجاز للجهات العامة في الدولة استملاك العقارات لإنشاء مساكن شعبية وتجمعات سكنية عسكرية، واستملاك العقارات لإنشاء المناطق الصناعية، وبيع المقاسم الناتجة عنها.
وجاء قانون الاستملاك رقم 20 لعام 1983، ليجيز للجهة الإدارية الاستملاك لحساب الجهات العامة الأخرى، ولحساب مؤسسات حزب «البعث» ومنظماته الشعبية. والأخطر أن قانون 20 لعام 1983 شل القدرة على حسم مصير العقارات المستملكة لصالح مشروعات لم تنفذ، ولن تنفذ لفقدان الجدوى منها بتقادم الزمن. وبذلك يفقد أصحاب العقارات حق استرجاعها دون أن يستفاد منها للنفع العام، لتبقى ملكياتها معلقة بكل ما يعنيه ذلك من تراكم لمشكلات، تحولت مع مرور الزمن إلى قضايا عصية على الحل.
وأوضحت المصادر أن «قوانين الاستملاك الجائرة في سوريا، كانت من أهم العوامل التي أدت إلى تفجر الأوضاع في سوريا عام 2011. وقد دفعت آلاف السوريين إلى الشوارع ليعلنوا الثورة على النظام». وزادت: «بدل أن يجد النظام حلاً لمشكلات الاستملاك المزمنة، أصدر القانون رقم 10 لعام 2018، بغية الاستيلاء على ملكيات من غيّبتهم الحرب عن مناطقهم المدمرة».
ولفتت المصادر إلى «إقبال مريب» من رجال أعمال سوريين ظهروا زمن الحرب، على شراء العقارات والمواقع المهمة في دمشق، والدخول في استثمارات وعمليات إعمار بالشراكة مع المحافظة، من خلال شركة «شام القابضة» التي أسستها المحافظة عام 2017.
وبدأت شركة قابضة مطلع العام الجاري بهدم المجمع التجاري في منطقة التجهيز وسط دمشق، التابع لفندق «فوسيزن»، بعد شرائها العام الماضي 65 في المائة منه. إضافة لشرائها «نادي الشرق» في المنطقة ذاتها.
وفي سياق موازٍ، تقوم الجهات العامة بتلزيم منشآت بنتها على أراض مستملكة وسط دمشق، لرجال أعمال ومستثمرين ليعيدوا هدمها وبناءها؛ حيث باشرت شركة «المنزل المثالي» هدم فندق مدينة الجلاء الرياضية، في المزة، التي فازت بعقد استثماره وتسلمه الشهر الجاري، بموجب عقد مبرم مع الاتحاد الرياضي العام ووزارة السياحة، مقابل بدل سنوي يبلغ مليارين و200 مليون ليرة. وتقول الشركة إنها تنوي بناء فندق خمس نجوم، ومجموعة من المنشآت السياحية والترفيهية (مول تجاري، وصالات أفراح، ومراكز لألعاب وأنشطة الأطفال).
وكان صاحب «المنزل المثالي» قد حصل على عقد استثمار «مول قاسيون» في حي برزة، مقابل مليار و200 مليون ليرة سورية. وتوسعته، وأثار حينها ضجيجاً كبيراً؛ لأن المحافظة دمشق انتزعت عقد استثمار «مول قاسيون» من مستثمره السابق قبل انتهاء المدة، وأعطته لصاحب الشركة. وكذلك فعلت بعد نحو عام، عندما فسخت عقد استثمار «مول ماسة بلازا» في حي المالكي مع شركة «حكيم إخوان»، قبل انتهاء العقد بعشر سنوات، ومنحته لصاحب «المنزل المثالي» مقابل مليار و290 مليون ليرة سورية، ليقوم بهدمه وإعادة بنائه، ما عزز الشكوك بأن قطان هو ذراع رجل أعمال نافذ في الاستيلاء على أهم المواقع التجارية والسياحية التي تعود ملكيتها للدولة.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».