الانتخابات الأوروبية... صعود اليمين الراديكالي يدقّ ناقوس الخطر

ماتيو سالفيني الطامح إلى زعامة اليمين الراديكالي الأوروبي (أ. ب)
ماتيو سالفيني الطامح إلى زعامة اليمين الراديكالي الأوروبي (أ. ب)
TT

الانتخابات الأوروبية... صعود اليمين الراديكالي يدقّ ناقوس الخطر

ماتيو سالفيني الطامح إلى زعامة اليمين الراديكالي الأوروبي (أ. ب)
ماتيو سالفيني الطامح إلى زعامة اليمين الراديكالي الأوروبي (أ. ب)

لطالما كانت "القارة القديمة" أوروبا القلب النابض للعالم الحديث بالمعنيين الإيجابي والسلبي. فهي منبع أفكار قادت إلى ثورات أطاحت الحكم الأوتوقراطي وأرست أسس الديمقراطية، ومختبر ابتكارات غيّرت وجه العالم ووفرت للإنسان رفاهية وازدهاراً. لكنها كانت أيضاً حتى أمس قريب مسرح حروب طاحنة كبّدت البشرية الكثير من الخسائر، ومصدراً لأفكار هدّامة ذات اليمين وذات اليسار، سبّبت ما سبّبت من انقسامات وشرذمة وقلاقل واضطرابات.
في 23 مايو (أيار) تنطلق انتخابات البرلمان الأوروبي التي تستمر أربعة أيام، ويختار فيها الناخبون من 27 دولة منتمية إلى الاتحاد الأوروبي – وربما 28 اعتماداً على بقاء بريطانيا أو خروجها – 705 نوّاب يمثلون 450 مليون نسمة لمدة خمس سنوات.
وترتدي الانتخابات المقبلة أهمية خاصة في ظل صعود موجة شعبوية يمينية متطرفة، تغذّيها مشاعر عدائية نحو المهاجرين لم تعرف مثلها أوروبا منذ وقت طويل. وهي بالتالي ستشكل مؤشراً بالغ الدلالة لما ستكون عليه الخريطة السياسة للقارة، ولما يمكن أن تفضي إليه الانتخابات على مختلف مستوياتها في كل دولة على حدة، ولو أن نسبة الإقبال على التصويت لا تصل عادة إلى 50 في المائة من الناخبين.
في هذا السياق، تبيّن استطلاعات الرأي صعوداً لافتاً - وإن ليس صاروخياً - لليمين المتطرّف، فالتجمع الوطني في فرنسا الذي تتزعمه مارين لوبن يؤيده 21 في المائة من الناخبين، فيما رابطة الشمال في إيطاليا بزعامة أمينها العام وزير الداخلية ماتيو سالفيني تملك 30 في المائة، مما يفترض أن يعطي الحزبين في البرلمان الأوروبي 51 مقعداً تحت اسم مجموعة "اوروبا الأمم والحريات" المرشّحة للتوسّع لتضم أحزاباً أخرى. ويتوقع أن تحصل مجموعة "أوروبا الحرية والديموقراطية" على 50 مقعداً، وهي تضم أحزاباً مثل حزب الاستقلال البريطاني وحركة خمس نجوم الإيطالية.
وقد حاول سالفيني أخيراً الإمساك بزمام المبادرة عندما أعلن من ميلانو، حيث ولد، تشكيل تحالف أوروبي جديد من الأحزاب الشعبوية واليمينية المتطرفة قبل انتخابات البرلمان الأوروبي، يضمّ حتى الآن حلفاء من فنلندا والدنمارك وألمانيا. ولئن غابت لوبن عن إعلان هذا التحالف، فإنها سارعت إلى الإعراب عن تأييدها له، قبل أن تعلن الانضمام إليه في 19 أبريل (نيسان).
وفي 25 أبريل قالت السيدة الفرنسية الشقراء من العاصمة التشيكية براغ: "ما نراه هنا أمام أعيننا هو بروز انسجام أوروبي جديد يجعل الأحزاب القومية تتجمع لتقدم الى 450 مليون أوروبي إطارا جديدا للتعاون، ومشروعاً جديداً وزخماً جديداً". وكرّرت التحذير من موجات الهجرة واتّهمت الاتحاد الأوروبي بـ "تمويل هجرة جماعية منظّمة ومطلوبة".
ولا بد من الإشارة "بين قوسين" هنا إلى أن صعود القومية والشعبوية لا يقتصر على أوروبا، بل يمتدّ إلى أنحاء عدة من الكرة الأرضية، ليس أقلها دلالةً البرازيل حيث فاز الزعيم القومي اليميني جايير بولسونارو بالرئاسة. ويفسّر الخبراء والمحلّلون الظاهرة بأن مجتمعات ومجموعات كثيرة تشعر بأن دورها وحضورها ورفاهيتها تراجعت بسبب العولمة وطغيان التكنولوجيا وتراجع الصناعة بمفهومها القديم وتقدّم أدوار المؤسسات الأممية العابرة للقوميات والأوطان... لذا يحصل الابتعاد عن القوى السياسية النخبوية التقليدية، مقابل الاتجاه إلى سياسيين شعبويين أصحاب براعة خطابية ووعود برّاقة باستعادة "العظَمة".

*جذور ومحطات
بالعودة إلى أوروبا، يجدر القول إن التيارات اليمينية المتطرفة ليست حديثة الولادة، بل عرفتها القارة منذ وقت طويل. لكنّ مصطلحَي "اليمين المتطرف" و"اليمين الشعبوي" استُخدما للدلالة على مجموعة الأحزاب الأوروبية اليمينية المتطرفة التي حشدت مزيداً من الدعم منذ أواخر سبعينات القرن الماضي. وهي كلها تملك أفكاراً عريضة مشتركة تتلخّص اليوم في معارضة العولمة، ورفض استقبال المهاجرين، والخوف من التعددية الثقافية، ومعارضة الاتحاد الأوروبي. ويمكن التحدّث هنا عن شعبوية يمينية وقومية عنصرية بيضاء وفاشية جديدة.
ولعل المنتمين إلى هذه التيارات يتشاطرون النظر بإعجاب إلى الفوهرر النازي أدولف هتلر والدوتشي الفاشي بنيتو موسوليني والكاوديّو الإسباني الجنرال فرانكو، وزعيمَي الفاشية في بريطانيا الأرستقراطي أوزوالد موزلي وساعده الأيمن نيل فرانسيس هاوكنز، والسياسي الفرنسي بيار بوداج وسواهم...
ومعلوم أن الموجة اليمينية المتطرفة تراجعت إلى حافة الاضمحلال بعد الحرب العالمية الثانية، حين راحت أوروبا تبحث عن سياسة تلملم الحطام وتدمل الجروح وترمّم ما يمكن ترميمه. ومن هنا نشأت فكرة التقارب والتعاون ولاحقاً التوحيد، وفي هذه التربة زُرعت بذور الاتحاد الأوروبي، تلك البوتقة الكبيرة التي يفترض بها أن تنشئ قارة موحّدة، مزدهرة، مستقرّة.
لكننا اليوم، وعلى عتبة انقضاء العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، صرنا نرى أوروبا تعصف بها الاضطرابات التي بدأت جدياً مع حروب البلقان أواسط تسعينات القرن العشرين، وتضرب استقرارها أزمات اقتصادية متلاحقة، وتهددها حروب صغيرة وكبيرة تشتعل إلى شرقها وجنوبها، من غير أن ننسى موجات الهجرة عبر أمواج البحار التي ينخرط فيها بائسون هاربون من النار والجوع نحو حياة أفضل. وجاءت أحدث الضربات من الجناح الغربي للقارة عندما قرر البريطانيون فسخ الزواج مع الاتحاد الأوروبي بالطلاق الذي لا يُعرف بعد هل سيكون ودياً أم فظّاً...

*توقعات وحسابات
لا يختلف اثنان على أن أوروبا المضطربة هي أرض خصبة للأفكار المتطرفة. وقد وجد اليمين الراديكالي الفرصة سانحة ليوجّه خطابه إلى الناس القلقين، ويقول لهم إن لديه كل الحلول لمشاكلهم فيما الأحزاب التقليدية ضعيفة ومتخاذلة.
هكذا رأينا فيكتور أوربان زعيم حزب "فيدس" اليميني الشعبوي على رأس الحكومة في المجر منذ العام 2010، ومارين لوبن زعيمة التجمع الوطني – الجبهة الوطنية سابقاً – تخوض الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2017 بوجه إيمانويل ماكرون وتنال 33.9 في المائة من أصوات الناخبين. وفي النمسا، دخل حزب الحرية الشعبوي الائتلاف الحكومي اليميني مع حزب الشعب بزعامة المستشار سيباستيان كورتس، ونال ست حقائب من بينها الدفاع والداخلية والخارجية.
ولعل إيطاليا هي كبرى الساحات الأوروبية التي "يحلّق" فيها الشعبويون، فعلى يمين رئيس الوزراء المستقلّ جوزيبي كونتي نائبه لويجي دي مايو زعيم حركة الخمس نجوم المناهضة لمؤسسات الدولة، وعلى يمين يمينه نائبه الآخر والرجل القوي في البلاد ماتيو سالفيني زعيم رابطة الشمال الذي يطمح إلى قيادة اليمين الأوروبي الراديكالي. ويكفي القول إن حركة الخمس نجوم تحتل 220 مقعدا من أصل 630 في مجلس النواب، فيما تحتل الرابطة 123 مقعداً.
وفي ألمانيا التي عانت ما عانته من النازية، تقدّم حزب البديل من أجل ألمانيا المناهض للهجرة بزعامة يورغ مويتن وألكسندر غاولاند من قوة هامشية إلى موقع بارز في المسرح السياسي، وحصل في انتخابات سبتمبر (أيلول) 2017 على 92 مقعداً في البرلمان من أصل 598، فصار قوة رئيسية في المعارضة.
وحقق حزب "منتدى من أجل الديمقراطية" الشعبوي بقيادة تييري بوديه مفاجأة كبيرة في هولندا باحتلاله المركز الثاني في مجلس الشيوخ بعد انتخابات مارس (آذار)، مستفيداً خصوصاً من خطابه ضد الهجرة بعد مقتل ثلاثة أشخاص في مدينة أوتريخت برصاص مهاجر تركي.
وفي اسبانيا، تمكن الحزب الشعبوي "فوكس" (ويُلفظ بوكس)، الذي أسسه عام 2013 منشقّون عن حزب الشعب اليميني الليبرالي، من دخول مجلس النواب بعدما حصل على عشرة في المائة من الأصوات و24 مقعدا من أصل 350، علماً أنه كان شبه غائب عن الساحة السياسية حتى ستة أشهر خلت وفجأة أصبح خامس قوة في البلاد.
المهم قبل الاستحقاق الانتخابي الأوروبي، أن الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تنتظم راهناً ضمن ثلاث مجموعات منفصلة، قد تصبح قوة وازنة إذا استجابت لدعوات ماتيو سالفيني إلى الاتحاد وتشكيل مجموعة متراصّة. غير أن الزعيم الإيطالي لم ينجح حتى الآن إلا في جذب حزب الحرية النمساوي وحزب البديل ن أجل ألمانيا وحزب الشعب الدنماركي وحزب الفنلنديين وحزب الشعب المحافظ في استونيا، بالإضافة إلى التجمع الوطني الفرنسي.
ويبدو مستبعداً أن يوافق رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان على تسليم زمام القيادة للإيطالي، وكذلك الإيطالي الآخر لويجي دي مايو "الحليف اللدود" لسالفيني في روما. وينظر المراقبون باهتمام كبير إلى لقاء جامع دعا إليه سالفيني يوم 18 مايو في ميلانو، باعتباره مقياساً لمدى قدرته على حشد القوى اليمينية الراديكالية الأوروبية خلفه.
ولا بدّ من الإشارة إلى الدور الذي يضطلع به ستيف بانون، المهندس السابق للاستراتيجيات السياسية في فريق الرئيس الأميركي دونالد ترمب. فالرجل انتقل إلى أوروبا وأنشأ منظمة باسم "الحركة" مقرّها بروكسل، تعمل على توفير الدعم للأحزاب الشعبوية التي تؤيد سياسة مناهضة الهجرة، وسيادة وطنية أكبر في وجه الاتحاد الأوروبي ومؤسساته. وقد اعتبر نفسه عرّاب اليمين الراديكالي في العالم، مروّجاً لسياسات قومية مناهضة للعولمة بكل أشكالها.
إلا أن دور بانون قد يضرّ بالأحزاب اليمينية الشعبوية الأوروبية، فكيف سيقبل جمهور يرفض في قرارة النفس أن يسلّم بقيادة الاتحاد الأوروبي من بروكسل لشؤونه، ويقبل بأن يكون "زعيم" هذه الحركة أميركياً آتياً من الضفة البعيدة للمحيط الأطلسي...
مائة نائب أو أكثر بقليل أو أقل بقليل من أصل 705 نواب... ماذا سيعني هذا الرقم؟
لا يمكن القول إن اليمين الراديكالي أصبح أكبر قوة في أوروبا، ولا يمكن في الوقت نفسه تجاهل حضوره وتوسُّع انتشاره. وفي المقابل يمكن الجزم بأن اليمين التقليدي واليسار التقليدي ترهّلا، وبأن على أحزاب الجانبين البحث عن خطاب جديد ودور جديد. وختاماً يمكن بكل تأكيد اعتبار المسار السياسي والاقتصادي لأوروبا وصعود الراديكالية والشعبوية ناقوس خطر يعلو صوت دقّاته في قارة ظنّها كثيرون خطأً في أمان لا يهتزّ.



أكثر من 800 مجموعة مالية أوروبية تتعامل مع شركات مرتبطة بمستوطنات إسرائيلية

وسعت إسرائيل نشاطها الاستيطاني بوتيرة لم يسبق لها مثيل (رويترز)
وسعت إسرائيل نشاطها الاستيطاني بوتيرة لم يسبق لها مثيل (رويترز)
TT

أكثر من 800 مجموعة مالية أوروبية تتعامل مع شركات مرتبطة بمستوطنات إسرائيلية

وسعت إسرائيل نشاطها الاستيطاني بوتيرة لم يسبق لها مثيل (رويترز)
وسعت إسرائيل نشاطها الاستيطاني بوتيرة لم يسبق لها مثيل (رويترز)

أظهرت دراسة أجرتها منظمات للمجتمع المدني، اليوم الثلاثاء، أن أكثر من 800 مؤسسة مالية أوروبية لها علاقات تجارية بشركات مرتبطة بالمستوطنات الإسرائيلية.

ووفقاً لـ«رويترز»، وسعت إسرائيل نشاطها الاستيطاني بوتيرة لم يسبق لها مثيل، ويأمل بعض المستوطنين أن يساعدهم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب في تحقيق حلم فرض السيادة على الضفة الغربية التي يعدها الفلسطينيون محور دولة لهم في المستقبل.

وأدى العنف المتزايد للمستوطنين إلى فرض عقوبات أميركية، وقالت بعض الشركات إنها ستوقف أعمالها في الضفة الغربية المحتلة.

وأفاد تقرير تحالف منظمات «لا تشتري من الاحتلال» بأن 822 مؤسسة مالية في المجمل أقامت علاقات هذا العام مع 58 شركة «ضالعة بنشاط» في المستوطنات الإسرائيلية ارتفاعاً من 776 مؤسسة في 2023.

ودعت منظمات المجتمع المدني إلى تشديد التدقيق وسحب الاستثمارات إذا لزم الأمر.

وقال أندرو بريستون، من منظمة المساعدات الشعبية النرويجية، وهي واحدة من 25 منظمة مجتمع مدني أوروبية وفلسطينية أجرت البحث: «المؤشر هو أن الأمور تسير في الاتجاه الخطأ».

وقال لنادي جنيف للصحافة حيث قُدم التقرير: «نرى أنه يجب على المؤسسات المالية الأوروبية معاودة تقييم نهجها بشكل عاجل تجاه الشركات الضالعة في الاحتلال غير القانوني».

ولم ترد وزارة المالية الإسرائيلية بعد على طلب للتعليق.

ويبلغ طول الضفة الغربية نحو 100 كيلومتر وعرضها 50، وتقع في لب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني منذ استيلاء إسرائيل عليها في حرب عام 1967.

وتعد معظم الدول الضفة الغربية أرضاً محتلة، وأن المستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي، وهو الموقف الذي أيدته أعلى محكمة تابعة للأمم المتحدة في يوليو (تموز).

وأفاد التقرير بأن بنوكاً كبرى منها «بي إن بي باريبا» و«إتش إس بي سي» من بين الشركات الأوروبية المدرجة على القائمة. ولم ترد البنوك بعد على طلب للتعليق.

وأفاد التقرير بأن الشركات الضالعة بنشاط في المستوطنات وعددها 58 تشمل شركة كاتربيلر لصناعة الآلات الثقيلة، بالإضافة إلى موقعي السفر «بوكينغ» و«إكسبيديا». ولم ترد أي من هذه الشركات بعد على طلب للتعليق.

وقالت «بوكينغ» في وقت سابق إنها حدثت إرشاداتها لمنح العملاء مزيداً من المعلومات لاتخاذ قرارات مستنيرة بشأن المناطق المتنازع عليها والمتأثرة بالصراع. وقالت «إكسبيديا» إن أماكن الإقامة الخاصة بها محددة بوضوح على أنها مستوطنات إسرائيلية تقع في الأراضي الفلسطينية.

وكثير من الشركات المذكورة في التقرير، ولكن ليس كلها، مدرج أيضاً في قاعدة بيانات الأمم المتحدة للشركات التي تتعامل مع المستوطنات الإسرائيلية.

وذكر التقرير أن بعض المؤسسات المالية سحبت استثماراتها من شركات مرتبطة بالمستوطنات الإسرائيلية في السنوات القليلة الماضية، بما في ذلك صندوق التقاعد النرويجي (كيه إل بي).