خسائر «داعش» قد تدفعه إلى «إنهاك الدول»

بث فيديوهات قديمة وأخباراً كاذبة لرفع المعنويات

لقطة من الإصدار المرئي الأخير لـ«داعش - سيناء»
لقطة من الإصدار المرئي الأخير لـ«داعش - سيناء»
TT

خسائر «داعش» قد تدفعه إلى «إنهاك الدول»

لقطة من الإصدار المرئي الأخير لـ«داعش - سيناء»
لقطة من الإصدار المرئي الأخير لـ«داعش - سيناء»

هل خسائر تنظيم «داعش» الإرهابي سوف تدفعه للرهان على «إنهاك الدول» من جديد عبر عمليات خاطفة هنا وهناك؟. سؤال يتبادر في ذهن الجميع خاصة مع فقدان التنظيم للأرض في سوريا والعراق وغيرها من الدول، وفرار عناصره، ومقتل أغلب قياداته. الإجابة عن السؤال باتت ملامحها تظهر خلال الفترة الماضية، عقب قيام التنظيم ببث أخبار كاذبة، وفيديوهات لاستهدافات قديمة، لرفع معنويات عناصره الباقية ومناصريه.
مختصون رجحوا أن «هزائم تنظيم (داعش) الأخيرة، سوف تدفعه إلى اللجوء لكتاب (إدارة التوحش) من جديد، لإحياء دستور إنهاك العالم، عبر ضربات خاطفة قد تكون غير مؤثرة على الصدى العالمي؛ لكنها ستؤكد أن التنظيم باقٍ وموجود». المختصون أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن خطاب كتاب «إدارة التوحش» هو أداة قتال رئيسية كان يعتمد عليها «داعش» بشكل كبير منذ ظهوره اللافت عام 2014. تزامن كلام المختصين مع تحذيرات أطلقتها دار الإفتاء المصرية أخيراً من خطورة تداول كتاب «إدارة التوحش» المرجع الرسمي لـ«داعش» بين الشباب.
ويرى مراقبون أن «الكتاب لعب دوراً محورياً في تشكيل وعي الجماعات المتشددة طيلة السنوات الماضية، وفي مقدمتهم (الدواعش)، وكان عبارة عن مجموعة مقالات نشرت على مواقع الإنترنت».

مشاهد الدماء
ووفق المراقبين «فإن كتاب (إدارة التوحش) يعتبره كثيرون دستور التنظيمات المتطرفة التي تمارس الإرهاب، عُثر عليه في عام 2008 ضمن وثائق ورسائل موجهة من وإلى زعيم تنظيم (القاعدة) السابق أسامة بن لادن... وجميع التنظيمات الإرهابية تداولت هذا الكتاب فيما بينهم بكثير من الاحترام والقدسية، ويقع الكتاب في 113 صفحة لمؤلف مجهول يُدعى أبو بكر ناجي».
ناجي قال في كتابه: «نحتاج إلى القتل، ولا بد من اتباع سياسة الشدة، بحيث إذا لم يتم تنفيذ المطالب، يتم تصفية الرهائن بصورة مروعة تقذف الرعب، في إشارة إلى قتل المخالفين معهم في العقيدة»... «وهو ما سارت عليه تنظيمات العنف بالفعل خلال الفترة الماضية بقتل المختلفين معهم في الرأي والتوجهات» - بحسب المراقبين.
خطاب الجماعات المتطرفة من العناصر الرئيسية التي تحدث عنها الكتاب، فيقول: إنها «تركز على فئتين، فئة الشعوب لدفع أكبر عدد منهم للانضمام للجهاد باسم الدين، وكسب التعاطف السلبي لمن لا يلتحق بصف الجماعات... والفئة الثانية أصحاب الرواتب الدنيا (المُعدمين) لدفعهم للانضمام باسم الجهاد».
وتابع الكتاب - بحسب مؤلفه المزعوم - أن التنظيمات المتطرفة تهدف إقامة خطة تستهدف في كل مراحلها تبريراً عقلياً وشرعياً للعمليات (أي القتال) خاصة لفئة الشعوب... وأن قيادات هذه التنظيمات يرون ضرورة إظهار مشاهد الأشلاء والدماء في وسائل الإعلام، لبث الرعب والخوف في نفوس العالم».
وقال رسمي عجلان، المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة، إن «داعش» سيعيد ما أخذه «داعش» من الكتاب، «هو بث الرعب في الطرف الآخر، وإحداث نوع من الحرب النفسية ببث بعض الأخبار الكاذبة، فضلاً عن الفيديوهات القديمة، لتصوير أنه تنظيم لا يُقهر رغم الخسائر»، مضيفاً: أن «لجوء التنظيم إلى كتاب (إدارة التوحش) من جديد، هدفه إحياء دستور إنهاك العالم، عبر ضربات خاطفة، قد تكون غير مؤثرة عالمياً؛ لكنها سوف تعزز لدى عناصره أنه باقٍ وموجود».

ادعاء الثبات
أخيراً بث تنظيم «ولاية سيناء» الفرع المصري لتنظيم داعش إصداراً مرئياً، عرض فيه لقطات مصورة - قال عنها: «إنها حديثة - لاستهداف عربات ومدرعات وكمائن أمنية في شمال سيناء»؛ إلا أن عمرو عبد المنعم، المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية، أشار إلى أن «الإصدار يريد تأكيد فكرة أن التنظيم متماسك وثابت، وأن خسائر (داعش) في سوريا والعراق ليست فادحة»، لافتاً إلى أن «أعداد عناصر التنظيم التي ظهرت في الإصدار قليلة جداً على غير المعتاد، ووجوههم مكشوفة، وهو ما لم يعتَد عليه التنظيم في إصدارته السابقة، من إخفاء وجوه عناصره التي يخاف عليها، فضلاً عن قيامه بعمل مؤثرات صوتية على كلماتهم في أي إصدار، والاستهدافات التي تحدث عنها الإصدار لعمليات قديمة أعلن التنظيم تبنيها في أوقات سابقة».
كما بث الفرع اليمني لـ«داعش» مطلع أبريل (نيسان) الجاري، إصداراً مرئياً بعنوان «اثاقلتم إلى الأرض»، ضم عدداً من اللقطات القديمة، التي نشرتها المكاتب الإعلامية للتنظيم في سوريا والعراق، لما سمته تطبيق الأحكام الشرعية داخل معاقل التنظيم، معتبراً أن الإقامة في الأراضي التي لا يسيطر عليها التنظيم «حرام» - على حد وصف الإصدار - ووجه «داعش» في إصداره دعوة لأصحاب التخصصات الطبية، والقيادات الإدارية، ومن وصفهم بـ«الدعاة» للالتحاق به. مطالباً إياهم بالمساهمة في إقامة الدولة «المزعومة» باليمن. وهو «ما كشف حاجة التنظيم لهذه الكوادر تحديداً في الفترة الحالية» - بحسب المراقبين.
«إدارة التوحش» ليس الكتاب الوحيد الذي حذرت منه «دار الإفتاء»؛ لكنها أصدرت قائمة ضمت كُتباً أخرى هي، «مسائل في فقه الجهاد» لأبى عبد الله المهاجر، الذي قال فيه إن «قطع الرؤوس بوحشية أمر مقصود؛ بل مُحبب إلى الله»، و«معالم على الطريق» لسيد قطب (منظر تنظيم «الإخوان»)، و«الفريضة الغائبة»، ويعتبر الأساس الفكري الأول لتنظيم الجهاد لمحمد عبد السلام فرج، و«ملة إبراهيم» لأبو محمد المقدسي، و«الجهاد والاجتهاد» لأبو قتادة الفلسطيني، و«دعوة المقاومة الإسلامية العالمية» لأبو مصعب السوري، و«العمدة في إعداد العدة»، و«الإرهاب من الإسلام» لسيد إمام، أحد أكثر المؤثرين في الحركة الإسلامية، و«الولاء والبراء» لأيمن الظواهري زعيم «القاعدة»، و«الشريعة الإسلامية شريعة كاملة» لعمر عبد الرحمن، و«آيات الرحمن في جهاد الأفغان» لعبد الله عزام، و«إعلام الأنام بميلاد دولة الإسلام» للمسؤول الشرعي السابق في «داعش» عثمان بن عبد الرحمن التميمي.
تحذير «دار الإفتاء» من تداول هذه الكتب، لأنها «تحرض بشكل مباشر على استخدام العنف والإرهاب، وتؤسس لجماعات دينية متطرفة لا تعترف بقانون الدول، ولا هي من الدين في شيء، لأن الإسلام لم يُبح القتل أو استخدام العنف والتطرف».

انهيار التنظيم
«الإصدار المرئي الأخير لـ(ولاية سيناء) كشف عن انهيار آلة التنظيم الإعلامية، فلم تعد تلك الآلة التي اشتهر بها في السنوات الأخيرة. وقال المراقبون إن «تقنيات التصوير غائبة تماماً عن الإصدار، الأمر الذي يرسخ لدى الجميع أن التنظيم فقد قادته وكوادره الكبرى في مختلف التخصصات، ولم يبق سوى عناصر قليلة غير مؤهلة ولا مدربة على تنفيذ ما يطلب منها».
وأكد خالد الزعفراني، المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية، أن «خطاب (داعش)» الذي استوحاه من «إدارة التوحش» يُعد أداة قتال رئيسية، والتنظيم سوف يضخم من الفيديوهات التي يبثها خلال الفترة المقبلة، لإقناع البسطاء في العالم أن «داعش» ما زال يملك كياناً. ونشر «داعش» نهاية الشهر الماضي مقطعاً مصوراً لعناصره بالباغوز في سوريا، حيث «ظهر استخدام للنساء والأطفال كدروع بشرية ومقاتلين».
في حين أكد سيث جونز، مستشار مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، مؤلف دراسة أصدرها المركز أخيراً لتقييم القوة العسكرية لـ«داعش»، أنه «عندما تخسر الجماعات الذكية أرضاً، فإنها تنتقل إلى استراتيجية وتكتيكات «حرب العصابات»، بما في ذلك الاغتيالات المستهدفة، والكمائن والغارات والتفجيرات، وبهذه الطريقة ترهق العدو - من وجهة نظرهم -».
وأضاف جونز في تصريحات له، «حتى فيما يتعلق بالتكتيك الإعلامي للتنظيم (الجهادي)، فقد غير (داعش) من استراتيجيته المعهودة بنشر بياناته عبر تطبيق «تليغرام»، وتحول لشبكة «زيرو نت» الإلكترونية، التي تتيح للتنظيم إبقاء مواده دائماً على الإنترنت دون حذفها».
ويوضح كتاب «إدارة التوحش» في فصله السابع، بحسب المؤلف، أنه «في مرحلة شوكة (النكاية والإنهاك) نحتاج لاستقطاب الشباب، وأفضل وسيلة هي العمليات المبررة شرعاً وعقلاً... وأعلى درجات التبرير، هو تبرير العملية نفسها بنفسها؛ لكن لوجود الإعلام المضاد، يصعب إيجاد العملية التي تبرر نفسها بنفسها، وإن كان من الممكن أن يحدث ذلك، عندما نصل لمرحلة عالية من الإعلام، وعندها يعجز الإعلام المضاد عن متابعتنا وتشويهنا».
وقال باحثون في «دار الإفتاء المصرية» إن «داعش» سعى بشكل حثيث لتشتيت جهود التحالف الدولي بفتح بؤر صراع جديدة في مناطق متباعدة وفي قارات مختلفة، تنفيذاً لاستراتيجية النكاية والإنهاك. وأوضحوا أن «النكاية والإنهاك تعتمد على توسيع ساحة الصراع وفتح بؤر جديدة، وتحويل أنظار التحالفات الدولية الموجهة ضده إلى أماكن مختلفة من العالم، وقد زاد اعتماد التنظيم على تلك الاستراتيجية في آونة سابقة، حيث نفذ التنظيم العديد من العمليات في عدد من البلدان العربية والأفريقية والأوروبية والآسيوية، وبشكل متزامن ومتوالٍ، وسعى لإنشاء كيانات جديدة محلية في تلك البلدان تابعة له».


مقالات ذات صلة

تركيا تستبعد أي دور لفرنسا في ملف الأكراد بشمال شرقي سوريا

آسيا وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في إسطنبول (رويترز)

تركيا تستبعد أي دور لفرنسا في ملف الأكراد بشمال شرقي سوريا

استبعد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أي دور للقوات الفرنسية في سوريا عادّاً أن الولايات المتحدة هي المحاور الوحيد لبلاده.

«الشرق الأوسط» (إسطنبول)
المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي والحشد الشعبي بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

القوات العراقية تعلن مقتل نائب والي كركوك في تنظيم «داعش»

أعلنت القوات العراقية عن إطلاق عملية عسكرية لإنهاء وجود بقايا خلايا داعش في وادي زغيتون بين محافظتي كركوك وصلاح الدين.

حمزة مصطفى (بغداد)
أفريقيا وحدة خاصة من قوة عسكرية شكلتها نيجيريا وتشاد والكاميرون والنيجر وبنين لمواجهة «بوكو حرام» (القوة العسكرية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام»)

نيجيريا تتحدث عن «دول» تمول الإرهاب وتدعو إلى «تحقيق» أممي

أعلنت دول حوض بحيرة تشاد القضاء على المئات من مقاتلي جماعة «بوكو حرام» الموالية لتنظيم «داعش»، ورغم ذلك لم تتوقف الهجمات الإرهابية في المنطقة.

الشيخ محمد (نواكشوط)
الولايات المتحدة​  وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في قاعدة رامشتاين الجوية في ألمانيا (أ.ف.ب)

وزير الدفاع الأميركي: نحتاج لإبقاء قواتنا في سوريا لمواجهة تنظيم داعش

قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن لوكالة أسوشيتد برس إن الولايات المتحدة بحاجة إلى إبقاء قواتها في سوريا لمنع تنظيم داعش من إعادة تشكيل تهديد كبير.

«الشرق الأوسط» (قاعدة رامشتاين الجوية (ألمانيا))
المشرق العربي وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (الخارجية التركية)

تركيا تكشف عن 4 مطالب دولية في سوريا

كشفت تركيا عن إجماع دولي على 4 شروط يجب أن تتحقق في سوريا في مرحلة ما بعد بشار الأسد وهددت بتنفيذ عملية عسكرية ضد القوات الكردية في شمال سوريا وسط دعم من ترمب

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».