خسائر «داعش» قد تدفعه إلى «إنهاك الدول»

بث فيديوهات قديمة وأخباراً كاذبة لرفع المعنويات

لقطة من الإصدار المرئي الأخير لـ«داعش - سيناء»
لقطة من الإصدار المرئي الأخير لـ«داعش - سيناء»
TT

خسائر «داعش» قد تدفعه إلى «إنهاك الدول»

لقطة من الإصدار المرئي الأخير لـ«داعش - سيناء»
لقطة من الإصدار المرئي الأخير لـ«داعش - سيناء»

هل خسائر تنظيم «داعش» الإرهابي سوف تدفعه للرهان على «إنهاك الدول» من جديد عبر عمليات خاطفة هنا وهناك؟. سؤال يتبادر في ذهن الجميع خاصة مع فقدان التنظيم للأرض في سوريا والعراق وغيرها من الدول، وفرار عناصره، ومقتل أغلب قياداته. الإجابة عن السؤال باتت ملامحها تظهر خلال الفترة الماضية، عقب قيام التنظيم ببث أخبار كاذبة، وفيديوهات لاستهدافات قديمة، لرفع معنويات عناصره الباقية ومناصريه.
مختصون رجحوا أن «هزائم تنظيم (داعش) الأخيرة، سوف تدفعه إلى اللجوء لكتاب (إدارة التوحش) من جديد، لإحياء دستور إنهاك العالم، عبر ضربات خاطفة قد تكون غير مؤثرة على الصدى العالمي؛ لكنها ستؤكد أن التنظيم باقٍ وموجود». المختصون أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن خطاب كتاب «إدارة التوحش» هو أداة قتال رئيسية كان يعتمد عليها «داعش» بشكل كبير منذ ظهوره اللافت عام 2014. تزامن كلام المختصين مع تحذيرات أطلقتها دار الإفتاء المصرية أخيراً من خطورة تداول كتاب «إدارة التوحش» المرجع الرسمي لـ«داعش» بين الشباب.
ويرى مراقبون أن «الكتاب لعب دوراً محورياً في تشكيل وعي الجماعات المتشددة طيلة السنوات الماضية، وفي مقدمتهم (الدواعش)، وكان عبارة عن مجموعة مقالات نشرت على مواقع الإنترنت».

مشاهد الدماء
ووفق المراقبين «فإن كتاب (إدارة التوحش) يعتبره كثيرون دستور التنظيمات المتطرفة التي تمارس الإرهاب، عُثر عليه في عام 2008 ضمن وثائق ورسائل موجهة من وإلى زعيم تنظيم (القاعدة) السابق أسامة بن لادن... وجميع التنظيمات الإرهابية تداولت هذا الكتاب فيما بينهم بكثير من الاحترام والقدسية، ويقع الكتاب في 113 صفحة لمؤلف مجهول يُدعى أبو بكر ناجي».
ناجي قال في كتابه: «نحتاج إلى القتل، ولا بد من اتباع سياسة الشدة، بحيث إذا لم يتم تنفيذ المطالب، يتم تصفية الرهائن بصورة مروعة تقذف الرعب، في إشارة إلى قتل المخالفين معهم في العقيدة»... «وهو ما سارت عليه تنظيمات العنف بالفعل خلال الفترة الماضية بقتل المختلفين معهم في الرأي والتوجهات» - بحسب المراقبين.
خطاب الجماعات المتطرفة من العناصر الرئيسية التي تحدث عنها الكتاب، فيقول: إنها «تركز على فئتين، فئة الشعوب لدفع أكبر عدد منهم للانضمام للجهاد باسم الدين، وكسب التعاطف السلبي لمن لا يلتحق بصف الجماعات... والفئة الثانية أصحاب الرواتب الدنيا (المُعدمين) لدفعهم للانضمام باسم الجهاد».
وتابع الكتاب - بحسب مؤلفه المزعوم - أن التنظيمات المتطرفة تهدف إقامة خطة تستهدف في كل مراحلها تبريراً عقلياً وشرعياً للعمليات (أي القتال) خاصة لفئة الشعوب... وأن قيادات هذه التنظيمات يرون ضرورة إظهار مشاهد الأشلاء والدماء في وسائل الإعلام، لبث الرعب والخوف في نفوس العالم».
وقال رسمي عجلان، المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة، إن «داعش» سيعيد ما أخذه «داعش» من الكتاب، «هو بث الرعب في الطرف الآخر، وإحداث نوع من الحرب النفسية ببث بعض الأخبار الكاذبة، فضلاً عن الفيديوهات القديمة، لتصوير أنه تنظيم لا يُقهر رغم الخسائر»، مضيفاً: أن «لجوء التنظيم إلى كتاب (إدارة التوحش) من جديد، هدفه إحياء دستور إنهاك العالم، عبر ضربات خاطفة، قد تكون غير مؤثرة عالمياً؛ لكنها سوف تعزز لدى عناصره أنه باقٍ وموجود».

ادعاء الثبات
أخيراً بث تنظيم «ولاية سيناء» الفرع المصري لتنظيم داعش إصداراً مرئياً، عرض فيه لقطات مصورة - قال عنها: «إنها حديثة - لاستهداف عربات ومدرعات وكمائن أمنية في شمال سيناء»؛ إلا أن عمرو عبد المنعم، المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية، أشار إلى أن «الإصدار يريد تأكيد فكرة أن التنظيم متماسك وثابت، وأن خسائر (داعش) في سوريا والعراق ليست فادحة»، لافتاً إلى أن «أعداد عناصر التنظيم التي ظهرت في الإصدار قليلة جداً على غير المعتاد، ووجوههم مكشوفة، وهو ما لم يعتَد عليه التنظيم في إصدارته السابقة، من إخفاء وجوه عناصره التي يخاف عليها، فضلاً عن قيامه بعمل مؤثرات صوتية على كلماتهم في أي إصدار، والاستهدافات التي تحدث عنها الإصدار لعمليات قديمة أعلن التنظيم تبنيها في أوقات سابقة».
كما بث الفرع اليمني لـ«داعش» مطلع أبريل (نيسان) الجاري، إصداراً مرئياً بعنوان «اثاقلتم إلى الأرض»، ضم عدداً من اللقطات القديمة، التي نشرتها المكاتب الإعلامية للتنظيم في سوريا والعراق، لما سمته تطبيق الأحكام الشرعية داخل معاقل التنظيم، معتبراً أن الإقامة في الأراضي التي لا يسيطر عليها التنظيم «حرام» - على حد وصف الإصدار - ووجه «داعش» في إصداره دعوة لأصحاب التخصصات الطبية، والقيادات الإدارية، ومن وصفهم بـ«الدعاة» للالتحاق به. مطالباً إياهم بالمساهمة في إقامة الدولة «المزعومة» باليمن. وهو «ما كشف حاجة التنظيم لهذه الكوادر تحديداً في الفترة الحالية» - بحسب المراقبين.
«إدارة التوحش» ليس الكتاب الوحيد الذي حذرت منه «دار الإفتاء»؛ لكنها أصدرت قائمة ضمت كُتباً أخرى هي، «مسائل في فقه الجهاد» لأبى عبد الله المهاجر، الذي قال فيه إن «قطع الرؤوس بوحشية أمر مقصود؛ بل مُحبب إلى الله»، و«معالم على الطريق» لسيد قطب (منظر تنظيم «الإخوان»)، و«الفريضة الغائبة»، ويعتبر الأساس الفكري الأول لتنظيم الجهاد لمحمد عبد السلام فرج، و«ملة إبراهيم» لأبو محمد المقدسي، و«الجهاد والاجتهاد» لأبو قتادة الفلسطيني، و«دعوة المقاومة الإسلامية العالمية» لأبو مصعب السوري، و«العمدة في إعداد العدة»، و«الإرهاب من الإسلام» لسيد إمام، أحد أكثر المؤثرين في الحركة الإسلامية، و«الولاء والبراء» لأيمن الظواهري زعيم «القاعدة»، و«الشريعة الإسلامية شريعة كاملة» لعمر عبد الرحمن، و«آيات الرحمن في جهاد الأفغان» لعبد الله عزام، و«إعلام الأنام بميلاد دولة الإسلام» للمسؤول الشرعي السابق في «داعش» عثمان بن عبد الرحمن التميمي.
تحذير «دار الإفتاء» من تداول هذه الكتب، لأنها «تحرض بشكل مباشر على استخدام العنف والإرهاب، وتؤسس لجماعات دينية متطرفة لا تعترف بقانون الدول، ولا هي من الدين في شيء، لأن الإسلام لم يُبح القتل أو استخدام العنف والتطرف».

انهيار التنظيم
«الإصدار المرئي الأخير لـ(ولاية سيناء) كشف عن انهيار آلة التنظيم الإعلامية، فلم تعد تلك الآلة التي اشتهر بها في السنوات الأخيرة. وقال المراقبون إن «تقنيات التصوير غائبة تماماً عن الإصدار، الأمر الذي يرسخ لدى الجميع أن التنظيم فقد قادته وكوادره الكبرى في مختلف التخصصات، ولم يبق سوى عناصر قليلة غير مؤهلة ولا مدربة على تنفيذ ما يطلب منها».
وأكد خالد الزعفراني، المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية، أن «خطاب (داعش)» الذي استوحاه من «إدارة التوحش» يُعد أداة قتال رئيسية، والتنظيم سوف يضخم من الفيديوهات التي يبثها خلال الفترة المقبلة، لإقناع البسطاء في العالم أن «داعش» ما زال يملك كياناً. ونشر «داعش» نهاية الشهر الماضي مقطعاً مصوراً لعناصره بالباغوز في سوريا، حيث «ظهر استخدام للنساء والأطفال كدروع بشرية ومقاتلين».
في حين أكد سيث جونز، مستشار مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، مؤلف دراسة أصدرها المركز أخيراً لتقييم القوة العسكرية لـ«داعش»، أنه «عندما تخسر الجماعات الذكية أرضاً، فإنها تنتقل إلى استراتيجية وتكتيكات «حرب العصابات»، بما في ذلك الاغتيالات المستهدفة، والكمائن والغارات والتفجيرات، وبهذه الطريقة ترهق العدو - من وجهة نظرهم -».
وأضاف جونز في تصريحات له، «حتى فيما يتعلق بالتكتيك الإعلامي للتنظيم (الجهادي)، فقد غير (داعش) من استراتيجيته المعهودة بنشر بياناته عبر تطبيق «تليغرام»، وتحول لشبكة «زيرو نت» الإلكترونية، التي تتيح للتنظيم إبقاء مواده دائماً على الإنترنت دون حذفها».
ويوضح كتاب «إدارة التوحش» في فصله السابع، بحسب المؤلف، أنه «في مرحلة شوكة (النكاية والإنهاك) نحتاج لاستقطاب الشباب، وأفضل وسيلة هي العمليات المبررة شرعاً وعقلاً... وأعلى درجات التبرير، هو تبرير العملية نفسها بنفسها؛ لكن لوجود الإعلام المضاد، يصعب إيجاد العملية التي تبرر نفسها بنفسها، وإن كان من الممكن أن يحدث ذلك، عندما نصل لمرحلة عالية من الإعلام، وعندها يعجز الإعلام المضاد عن متابعتنا وتشويهنا».
وقال باحثون في «دار الإفتاء المصرية» إن «داعش» سعى بشكل حثيث لتشتيت جهود التحالف الدولي بفتح بؤر صراع جديدة في مناطق متباعدة وفي قارات مختلفة، تنفيذاً لاستراتيجية النكاية والإنهاك. وأوضحوا أن «النكاية والإنهاك تعتمد على توسيع ساحة الصراع وفتح بؤر جديدة، وتحويل أنظار التحالفات الدولية الموجهة ضده إلى أماكن مختلفة من العالم، وقد زاد اعتماد التنظيم على تلك الاستراتيجية في آونة سابقة، حيث نفذ التنظيم العديد من العمليات في عدد من البلدان العربية والأفريقية والأوروبية والآسيوية، وبشكل متزامن ومتوالٍ، وسعى لإنشاء كيانات جديدة محلية في تلك البلدان تابعة له».


مقالات ذات صلة

بين أنقرة ودمشق… مساع أردنية لإعادة بناء قدرات «سوريا الجديدة»

المشرق العربي قائد الجيش الأردني اللواء يوسف الحنيطي مستقبلاً وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة (التلفزيون الأردني)

بين أنقرة ودمشق… مساع أردنية لإعادة بناء قدرات «سوريا الجديدة»

هناك رأي داخل مركز القرار الأردني ينادي بدور عربي وإقليمي لتخفيف العقوبات على الشعب السوري و«دعم وإسناد المرحلة الجديدة والانتقالية».

محمد خير الرواشدة (عمّان)
المشرق العربي فيدان والصفدي خلال المؤتمر الصحافي في أنقرة (الخارجية التركية)

تنسيق تركي - أردني حول دعم المرحلة الانتقالية في سوريا... وعودة اللاجئين

أبدت تركيا توافقاً مع الأردن على العمل لضمان وحدة وسيادة سوريا ودعم إدارتها الجديدة في استعادة الاستقرار وبناء مستقبل يشارك فيه جميع السوريين من دون تفرقة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي عبد القادر مؤمن

كيف أصبح ممول صومالي غامض الرجل الأقوى في تنظيم «داعش»؟

يرجّح بأن الزعيم الصومالي لتنظيم «داعش» عبد القادر مؤمن صاحب اللحية برتقالية اللون المصبوغة بالحناء بات الرجل الأقوى في التنظيم

«الشرق الأوسط» (باريس)
آسيا سائقو الشاحنات يتجمعون بجوار شاحنات إمدادات المساعدات المتوقفة على جانب الطريق في هانجو يوم 4 يناير 2025 بعد أن نصب مسلحون كميناً لقافلة مساعدات باكستانية (أ.ف.ب)

مقتل 6 أشخاص جرَّاء هجوم انتحاري جنوب غربي باكستان

لقي 6 أشخاص مصرعهم، وأصيب أكثر من أربعين بجروح، جراء هجوم انتحاري استهدف موكباً لقوات الأمن في منطقة تُربت، بإقليم بلوشستان، جنوب غربي باكستان.

الولايات المتحدة​ حاكم ولاية لويزيانا جيف لاندري (الثاني من اليمين) يتفقد شارع بوربون في الحي الفرنسي بنيو أورليانز بعد هجوم إرهابي في 1 يناير (أ.ف.ب)

منفذ هجوم الدهس في نيو أورليانز امتلك مواد تستخدم لصنع قنابل

أفاد مسؤولون في أجهزة الأمن بأن الرجل الذي صدم حشدا من المحتفلين برأس السنة في نيو أورليانز كان يمتلك في منزله مواد يشتبه في استخدامها لصنع قنابل.

«الشرق الأوسط» (نيو أورليانز)

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.