خسائر «داعش» قد تدفعه إلى «إنهاك الدول»

بث فيديوهات قديمة وأخباراً كاذبة لرفع المعنويات

لقطة من الإصدار المرئي الأخير لـ«داعش - سيناء»
لقطة من الإصدار المرئي الأخير لـ«داعش - سيناء»
TT

خسائر «داعش» قد تدفعه إلى «إنهاك الدول»

لقطة من الإصدار المرئي الأخير لـ«داعش - سيناء»
لقطة من الإصدار المرئي الأخير لـ«داعش - سيناء»

هل خسائر تنظيم «داعش» الإرهابي سوف تدفعه للرهان على «إنهاك الدول» من جديد عبر عمليات خاطفة هنا وهناك؟. سؤال يتبادر في ذهن الجميع خاصة مع فقدان التنظيم للأرض في سوريا والعراق وغيرها من الدول، وفرار عناصره، ومقتل أغلب قياداته. الإجابة عن السؤال باتت ملامحها تظهر خلال الفترة الماضية، عقب قيام التنظيم ببث أخبار كاذبة، وفيديوهات لاستهدافات قديمة، لرفع معنويات عناصره الباقية ومناصريه.
مختصون رجحوا أن «هزائم تنظيم (داعش) الأخيرة، سوف تدفعه إلى اللجوء لكتاب (إدارة التوحش) من جديد، لإحياء دستور إنهاك العالم، عبر ضربات خاطفة قد تكون غير مؤثرة على الصدى العالمي؛ لكنها ستؤكد أن التنظيم باقٍ وموجود». المختصون أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن خطاب كتاب «إدارة التوحش» هو أداة قتال رئيسية كان يعتمد عليها «داعش» بشكل كبير منذ ظهوره اللافت عام 2014. تزامن كلام المختصين مع تحذيرات أطلقتها دار الإفتاء المصرية أخيراً من خطورة تداول كتاب «إدارة التوحش» المرجع الرسمي لـ«داعش» بين الشباب.
ويرى مراقبون أن «الكتاب لعب دوراً محورياً في تشكيل وعي الجماعات المتشددة طيلة السنوات الماضية، وفي مقدمتهم (الدواعش)، وكان عبارة عن مجموعة مقالات نشرت على مواقع الإنترنت».

مشاهد الدماء
ووفق المراقبين «فإن كتاب (إدارة التوحش) يعتبره كثيرون دستور التنظيمات المتطرفة التي تمارس الإرهاب، عُثر عليه في عام 2008 ضمن وثائق ورسائل موجهة من وإلى زعيم تنظيم (القاعدة) السابق أسامة بن لادن... وجميع التنظيمات الإرهابية تداولت هذا الكتاب فيما بينهم بكثير من الاحترام والقدسية، ويقع الكتاب في 113 صفحة لمؤلف مجهول يُدعى أبو بكر ناجي».
ناجي قال في كتابه: «نحتاج إلى القتل، ولا بد من اتباع سياسة الشدة، بحيث إذا لم يتم تنفيذ المطالب، يتم تصفية الرهائن بصورة مروعة تقذف الرعب، في إشارة إلى قتل المخالفين معهم في العقيدة»... «وهو ما سارت عليه تنظيمات العنف بالفعل خلال الفترة الماضية بقتل المختلفين معهم في الرأي والتوجهات» - بحسب المراقبين.
خطاب الجماعات المتطرفة من العناصر الرئيسية التي تحدث عنها الكتاب، فيقول: إنها «تركز على فئتين، فئة الشعوب لدفع أكبر عدد منهم للانضمام للجهاد باسم الدين، وكسب التعاطف السلبي لمن لا يلتحق بصف الجماعات... والفئة الثانية أصحاب الرواتب الدنيا (المُعدمين) لدفعهم للانضمام باسم الجهاد».
وتابع الكتاب - بحسب مؤلفه المزعوم - أن التنظيمات المتطرفة تهدف إقامة خطة تستهدف في كل مراحلها تبريراً عقلياً وشرعياً للعمليات (أي القتال) خاصة لفئة الشعوب... وأن قيادات هذه التنظيمات يرون ضرورة إظهار مشاهد الأشلاء والدماء في وسائل الإعلام، لبث الرعب والخوف في نفوس العالم».
وقال رسمي عجلان، المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة، إن «داعش» سيعيد ما أخذه «داعش» من الكتاب، «هو بث الرعب في الطرف الآخر، وإحداث نوع من الحرب النفسية ببث بعض الأخبار الكاذبة، فضلاً عن الفيديوهات القديمة، لتصوير أنه تنظيم لا يُقهر رغم الخسائر»، مضيفاً: أن «لجوء التنظيم إلى كتاب (إدارة التوحش) من جديد، هدفه إحياء دستور إنهاك العالم، عبر ضربات خاطفة، قد تكون غير مؤثرة عالمياً؛ لكنها سوف تعزز لدى عناصره أنه باقٍ وموجود».

ادعاء الثبات
أخيراً بث تنظيم «ولاية سيناء» الفرع المصري لتنظيم داعش إصداراً مرئياً، عرض فيه لقطات مصورة - قال عنها: «إنها حديثة - لاستهداف عربات ومدرعات وكمائن أمنية في شمال سيناء»؛ إلا أن عمرو عبد المنعم، المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية، أشار إلى أن «الإصدار يريد تأكيد فكرة أن التنظيم متماسك وثابت، وأن خسائر (داعش) في سوريا والعراق ليست فادحة»، لافتاً إلى أن «أعداد عناصر التنظيم التي ظهرت في الإصدار قليلة جداً على غير المعتاد، ووجوههم مكشوفة، وهو ما لم يعتَد عليه التنظيم في إصدارته السابقة، من إخفاء وجوه عناصره التي يخاف عليها، فضلاً عن قيامه بعمل مؤثرات صوتية على كلماتهم في أي إصدار، والاستهدافات التي تحدث عنها الإصدار لعمليات قديمة أعلن التنظيم تبنيها في أوقات سابقة».
كما بث الفرع اليمني لـ«داعش» مطلع أبريل (نيسان) الجاري، إصداراً مرئياً بعنوان «اثاقلتم إلى الأرض»، ضم عدداً من اللقطات القديمة، التي نشرتها المكاتب الإعلامية للتنظيم في سوريا والعراق، لما سمته تطبيق الأحكام الشرعية داخل معاقل التنظيم، معتبراً أن الإقامة في الأراضي التي لا يسيطر عليها التنظيم «حرام» - على حد وصف الإصدار - ووجه «داعش» في إصداره دعوة لأصحاب التخصصات الطبية، والقيادات الإدارية، ومن وصفهم بـ«الدعاة» للالتحاق به. مطالباً إياهم بالمساهمة في إقامة الدولة «المزعومة» باليمن. وهو «ما كشف حاجة التنظيم لهذه الكوادر تحديداً في الفترة الحالية» - بحسب المراقبين.
«إدارة التوحش» ليس الكتاب الوحيد الذي حذرت منه «دار الإفتاء»؛ لكنها أصدرت قائمة ضمت كُتباً أخرى هي، «مسائل في فقه الجهاد» لأبى عبد الله المهاجر، الذي قال فيه إن «قطع الرؤوس بوحشية أمر مقصود؛ بل مُحبب إلى الله»، و«معالم على الطريق» لسيد قطب (منظر تنظيم «الإخوان»)، و«الفريضة الغائبة»، ويعتبر الأساس الفكري الأول لتنظيم الجهاد لمحمد عبد السلام فرج، و«ملة إبراهيم» لأبو محمد المقدسي، و«الجهاد والاجتهاد» لأبو قتادة الفلسطيني، و«دعوة المقاومة الإسلامية العالمية» لأبو مصعب السوري، و«العمدة في إعداد العدة»، و«الإرهاب من الإسلام» لسيد إمام، أحد أكثر المؤثرين في الحركة الإسلامية، و«الولاء والبراء» لأيمن الظواهري زعيم «القاعدة»، و«الشريعة الإسلامية شريعة كاملة» لعمر عبد الرحمن، و«آيات الرحمن في جهاد الأفغان» لعبد الله عزام، و«إعلام الأنام بميلاد دولة الإسلام» للمسؤول الشرعي السابق في «داعش» عثمان بن عبد الرحمن التميمي.
تحذير «دار الإفتاء» من تداول هذه الكتب، لأنها «تحرض بشكل مباشر على استخدام العنف والإرهاب، وتؤسس لجماعات دينية متطرفة لا تعترف بقانون الدول، ولا هي من الدين في شيء، لأن الإسلام لم يُبح القتل أو استخدام العنف والتطرف».

انهيار التنظيم
«الإصدار المرئي الأخير لـ(ولاية سيناء) كشف عن انهيار آلة التنظيم الإعلامية، فلم تعد تلك الآلة التي اشتهر بها في السنوات الأخيرة. وقال المراقبون إن «تقنيات التصوير غائبة تماماً عن الإصدار، الأمر الذي يرسخ لدى الجميع أن التنظيم فقد قادته وكوادره الكبرى في مختلف التخصصات، ولم يبق سوى عناصر قليلة غير مؤهلة ولا مدربة على تنفيذ ما يطلب منها».
وأكد خالد الزعفراني، المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية، أن «خطاب (داعش)» الذي استوحاه من «إدارة التوحش» يُعد أداة قتال رئيسية، والتنظيم سوف يضخم من الفيديوهات التي يبثها خلال الفترة المقبلة، لإقناع البسطاء في العالم أن «داعش» ما زال يملك كياناً. ونشر «داعش» نهاية الشهر الماضي مقطعاً مصوراً لعناصره بالباغوز في سوريا، حيث «ظهر استخدام للنساء والأطفال كدروع بشرية ومقاتلين».
في حين أكد سيث جونز، مستشار مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، مؤلف دراسة أصدرها المركز أخيراً لتقييم القوة العسكرية لـ«داعش»، أنه «عندما تخسر الجماعات الذكية أرضاً، فإنها تنتقل إلى استراتيجية وتكتيكات «حرب العصابات»، بما في ذلك الاغتيالات المستهدفة، والكمائن والغارات والتفجيرات، وبهذه الطريقة ترهق العدو - من وجهة نظرهم -».
وأضاف جونز في تصريحات له، «حتى فيما يتعلق بالتكتيك الإعلامي للتنظيم (الجهادي)، فقد غير (داعش) من استراتيجيته المعهودة بنشر بياناته عبر تطبيق «تليغرام»، وتحول لشبكة «زيرو نت» الإلكترونية، التي تتيح للتنظيم إبقاء مواده دائماً على الإنترنت دون حذفها».
ويوضح كتاب «إدارة التوحش» في فصله السابع، بحسب المؤلف، أنه «في مرحلة شوكة (النكاية والإنهاك) نحتاج لاستقطاب الشباب، وأفضل وسيلة هي العمليات المبررة شرعاً وعقلاً... وأعلى درجات التبرير، هو تبرير العملية نفسها بنفسها؛ لكن لوجود الإعلام المضاد، يصعب إيجاد العملية التي تبرر نفسها بنفسها، وإن كان من الممكن أن يحدث ذلك، عندما نصل لمرحلة عالية من الإعلام، وعندها يعجز الإعلام المضاد عن متابعتنا وتشويهنا».
وقال باحثون في «دار الإفتاء المصرية» إن «داعش» سعى بشكل حثيث لتشتيت جهود التحالف الدولي بفتح بؤر صراع جديدة في مناطق متباعدة وفي قارات مختلفة، تنفيذاً لاستراتيجية النكاية والإنهاك. وأوضحوا أن «النكاية والإنهاك تعتمد على توسيع ساحة الصراع وفتح بؤر جديدة، وتحويل أنظار التحالفات الدولية الموجهة ضده إلى أماكن مختلفة من العالم، وقد زاد اعتماد التنظيم على تلك الاستراتيجية في آونة سابقة، حيث نفذ التنظيم العديد من العمليات في عدد من البلدان العربية والأفريقية والأوروبية والآسيوية، وبشكل متزامن ومتوالٍ، وسعى لإنشاء كيانات جديدة محلية في تلك البلدان تابعة له».


مقالات ذات صلة

مقتل 6 أشخاص جرَّاء هجوم انتحاري جنوب غربي باكستان

آسيا سائقو الشاحنات يتجمعون بجوار شاحنات إمدادات المساعدات المتوقفة على جانب الطريق في هانجو يوم 4 يناير 2025 بعد أن نصب مسلحون كميناً لقافلة مساعدات باكستانية (أ.ف.ب)

مقتل 6 أشخاص جرَّاء هجوم انتحاري جنوب غربي باكستان

لقي 6 أشخاص مصرعهم، وأصيب أكثر من أربعين بجروح، جراء هجوم انتحاري استهدف موكباً لقوات الأمن في منطقة تُربت، بإقليم بلوشستان، جنوب غربي باكستان.

الولايات المتحدة​ حاكم ولاية لويزيانا جيف لاندري (الثاني من اليمين) يتفقد شارع بوربون في الحي الفرنسي بنيو أورليانز بعد هجوم إرهابي في 1 يناير (أ.ف.ب)

منفذ هجوم الدهس في نيو أورليانز امتلك مواد تستخدم لصنع قنابل

أفاد مسؤولون في أجهزة الأمن بأن الرجل الذي صدم حشدا من المحتفلين برأس السنة في نيو أورليانز كان يمتلك في منزله مواد يشتبه في استخدامها لصنع قنابل.

«الشرق الأوسط» (نيو أورليانز)
أفريقيا وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي بجلسة عمل مع ممثل البنتاغون في سياق التنسيق الأمني والعسكري بين سلطات البلدين (من موقع وزارة الدفاع التونسية)

تونس: إيقاف متهمين بالانتماء إلى «تنظيم إرهابي»

كشفت مصادر أمنية رسمية تونسية عن أن قوات مكافحة الإرهاب والحرس الوطني أوقفت مؤخراً مجموعة من المتهمين بالانتماء إلى «تنظيم إرهابي» في محافظات تونسية عدة.

كمال بن يونس (تونس)
الولايات المتحدة​ وقع الهجوم بعد الساعة الثالثة صباحاً بقليل في أحد أكثر الأحياء ازدحاماً في نيو أورليانز (نيويورك تايمز)

كيف يعكس هجوم نيو أورليانز نمطاً عالمياً لاستخدام السيارات أسلحةً إرهابيةً؟

قال خبراء لموقع «أكسيوس» إن الهجوم الذي شهدته مدينة نيو أورليانز الأميركية في ليلة رأس السنة الجديدة يعد جزءاً من اتجاه عالمي لاستخدام السيارات أسلحةً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي بايدن في البيت الأبيض يتحدث عن هجوم نيو أورليانز الإرهابي الخميس (د.ب.أ)

بايدن: منفّذ هجوم نيو أورليانز كان يحمل جهاز تفجير عن بُعد

قال الرئيس الأميركي جو بايدن، الخميس، إن المهاجم في حادثة دهس السيارات في نيو أورليانز كان يحمل جهاز تفجير عن بعد في سيارته.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».