مصور مصري يحتفي بوجوه قبائل «وادي أومو» في إثيوبيا

عمر هيكل
عمر هيكل
TT

مصور مصري يحتفي بوجوه قبائل «وادي أومو» في إثيوبيا

عمر هيكل
عمر هيكل

قطع مسافات طويلة، وعبر أنهاراً ومخيمات، وتنقل بسيارات مجهزة للطرق الوعرة، في مغامرة تعرض خلالها للحظات صعبة في أجواء غريبة وفريدة. إنه الفوتوغرافي المصري عمر هيكل الذي خاض رحلة استكشافية محفوفة بالمخاطر في قلب إثيوبيا، وتحديداً في «وادي أومو» الذي صُنّف موقعاً للتراث العالمي لليونيسكو في عام 1980. حيث العديد من القبائل التي لاتزال تحتفظ بحياتها البدائية منذ آلاف السنين.
سجل عمر الكثير من تفاصيل هذه الحياة التي قد نظنّ أنّها اندثرت، ولم يعد لها وجود في عصرنا الحالي، ليخرج بتجربة جديدة ومجموعة كبيرة من الصور الاحترافية النّادرة التي توثّق عادات وتقاليد وطقوس تلك القبائل، من ثمّ استبعد كل تلك الصور في معرضه المقام حالياً بغاليري «ArtTalks» «أرت توكس» في حي الزمالك بالقاهرة، تحت عنوان «رحلة إلى قلب وادي أومو في أفريقيا»، ليقدم لنا صوراً تتماهى مع رؤيته الفلسفية للعالم وشعوبه.
فقد انتقى عمر بعناية وعن عمد من بين كل الصور التي التقطها مجموعة تعكس روح أبناء هذه القبائل ومشاعرها، وتؤكد أنّه مهما بلغ اتساع مساحة الاختلاف والخلافات بين شعوب العالم فإنّ ثمة رابط قوي وأبدي يجمعها، وهذا الرابط هو إنسانيتها، ثم قرر أن يشارك الجمهور الإحساس الجميل بهذه الإنسانية عبر معرضه المستمر حتى 5 مايو (أيار) المقبل، بعنوان «رحلة إلى قلب وادي أومو في أفريقيا».
يصف الفنان رحلته إلى منطقة نهر أومو الملتوي كالثعبان من فوق مرتفع مسطح محاط بوادٍ ضخم يحمل الاسم ذاته، وتحيط به من جميع الجهات أراض شاسعة ذات مناظر طبيعية خلابة، بأنّها «ليست أقل من رحلة سحرية إلى الماضي في الوقت المناسب».
ويوضح في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «يقع الوادي في جنوب غربي إثيوبيا، وأثبتت الأبحاث العلمية أنّه يساهم بشكل كبير في الدراسات الأثرية والجيولوجية، والأنثروبولوجية، والبيولوجية والبيئية، وأهميته في دراسة التطور البشري».
ويتابع: «تقطنه مجموعة قبائل، عندما عشت بينها لمدة 12 يوماً، شعرت من فرط بدائية الحياة عندهم وخلوها من ملامح الحضارة، وكأنّني عدت إلى الوراء آلاف السنين»، ويقول: «خلال الزيارة تأكّد لي، أنّ الوقت كان ملائماً تماماً للزيارة، لأنّ هناك مخاوف من اندثار هذه الحياة حيث يتعرض الوادي لتهديد عمليات الاستيلاء على الأراضي الضخمة، ومخاطر بناء 3 سدود جديدة على النهر».
لا ينكر عمر خبير التسويق وإدارة الأعمال الذي عشق التصوير الفوتوغرافي، وحصل على دورات متخصّصة إلى جانب دراسته الأكاديمية في جامعة بوسطن الأميركية، تأثره بالطقوس والتقاليد المذهلة في المنطقة، من أبرزها طقوس البلوغ والقفز، إذ يقوم الفتى الذي يستعد لمرحلة توديع الطفولة والدّخول لعالم الرجال بالقفز على أكثر من 15 إلى 20 ثوراً أو جاموساً، وعندما ينجح في قفزته تقوم الفتيات بإعطائه أعواداً من الخيزران، ليضربهن بها حتى الإدماء، بينما تتوافد حوله فتيات القبيلة الرّاغبات في الزواج منه، فيضرب من تستهويه منهن على ظهرها ليبين حبه لها أو رغبته في الزواج منها».
لكن رغم غرابة هذه الطّقوس وغيرها، وتحفيزه على التقاطها كفوتوغرافي، فإنّ اهتمامه الأكبر بقي للوجوه وأصحابها، فعبر الصور التي يضمها المعرض نلتقي بوجوه تنطق بنظرات ذات نفحات غنية لأفراد ينتمون إلى قبائل مختلفة، منها «كارو» «وهامر» و«أربور»، و«المورسي».
لا تخرج صور المعرض عن «الشق الإنساني» الذي يحرص عمر على إظهاره في أعماله، فهي تأتي لتؤكد رؤيته بأنّ كل البشر يشبهون بعضهم بعضاً. يقول: «في أي منطقة في العالم لدى النّاس كلها المشاعر نفسها... الصدق والسعادة والحزن والسيطرة والحب والحنان، والأمل واليأس، وغير ذلك، كما أنّ هناك الأب والأم والأبناء والأصدقاء والجيران، ويضيف: «نعم هناك الكثير من التعدد بين الشّعوب في العادات والتقاليد والثقافات، لكن في النهاية هناك شيء يربطنا جميعاً، وهذا الشيء هو إنسانيتنا، وهو ما أردت أن أعبّر عنه من خلال الصور الفوتوغرافية». ولذلك تستدعي الصور تلك التعابير الإنسانية المختلفة مثل الكرامة والكبرياء والرضا والتحدي والرّفض، وأحياناً يصلك من خلالها صدق مقولة الأديب الأميركي ويليام هنري «العيون قد تهتف بما تخشى الشّفاه أن تتفوه به».
وتستوقفك لدى غالبية الشّخصيات المصورة، نظراتهم فائقة التركيز، ومن الواضح أنّ الفنان تعمّد أن يوقف الأشخاص في وضعية التصوير التقليدية، في تقليد فني عتيق يعتمد على التصوير بشكل مواجهٍ للكاميرا، كجزء من التقاليد الكلاسيكية لفن البورتريه، وكنوع من التقدير والتكريم الاحتفالي للشّخوص، فرغم اختلافهم الشّاسع عن سائر الشّعوب فإنهم يستحقون الاحترام ذاته.
يقول عمر: «عندما تصور شخصاً وجهاً لوجه وينظر إلى عينيك عن قرب، تستطيع أن تشعر به وبإنسانيته، وكان ذلك هدفي منذ البداية». ويتابع: «أردت أن أنقل ذلك، وأن أحقّق الاتصال بيني وبين الأفراد، لأنقل ذلك كله إلى المتلقي، ليشعر بروحهم الحاضرة بقوة في الصور رغم بعد المسافات».
وإلى جانب المشاعر الدفينة تقدم الصور خلسة ما يشبه الأرشيف المرئي والعوالم الجمالية للقبائل، التي يخشى عليها الفنان من الاختفاء، مثل طلاء أبناء قبيلة المورسي أجسادهم بألوان تستخرج من الطين والمواد الطبشورية المستخرجة من الجبال، وقص شعر رؤوسهم بطرق غير مألوفة، كما تشتهر نساؤهم بوضع قرص دائري في الشفة السفلية، والتزين بقلائد حديد ثقيلة يعلقنها في الأذن، بينما يقوم المنتمون لقبيلة «الكارو» بتزيين وجوههم وأجسادهم ببعض التصاميم المعقدة بالطبشور الأبيض، وبعض المواد ذات اللون كنوع من التجمل للنساء، وليشعر أيضاً أبناء القبائل المعادية بالخوف والرهبة تجاه الرجال، بينما تظهر أجساد شخوص قبيلة «الهامر» باللون الأحمر القاني المستمد من الطين الطبيعي الممتزج بشحوم ودهون نباتية وحيوانية ومواد طبيعية أخرى.



موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
TT

موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)

تأتي موسوعة الفنان سعيد العدوي (1938-1973) لترصد مسيرة مؤسس جماعة التجريبيين المصريين وأحد أبرز فناني الحفر والجرافيك في النصف الثاني من القرن العشرين.

وتتضمن الموسوعة، حسب قول المشرف عليها والباحث في شؤون الحركة الفنية المصرية الدكتور حسام رشوان، المئات من أعمال العدوي ويومياته ومذكراته واسكتشاته، مدعومة بعدد كبير من الدراسات التي تم إعداد بعضها خصوصاً من أجل هذه الموسوعة، ومعها دراسات أخرى نشرها أصحابها في صحف ومجلات ومطبوعات خاصة بالفن في مصر والوطن العربي.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن مقدمة الدكتورة أمل نصر تتناول جميع المقالات، والزاوية التي نظر منها الناقد لأعمال العدوي موضع الدراسة، كما تقوم بقراءتها وتحليلها وبسط عناصرها أمام الباحثين ومحبي فنه».

موسوعة العدوي تضمنت اسكتشاته ورسوماته (الشرق الأوسط)

وتأتي موسوعة العدوي التي نشرتها مؤسسة «إيه آر جروب» التي يديرها الفنان أشرف رضا، في صورة مونوغراف جامع لكل أعماله، التي تعبق برائحة الماضي، وعالم الموشحات، وحلقات الذكر والمشعوذين، وعربات الكارو والحنطور، وتجمعات الموالد والأسواق والأضرحة، فضلاً عن لوحة «الجنازة» بعد رحيل عبد الناصر. وجمعت الموسوعة كل كراساته واسكتشاته بالكامل، ومذكراته الخاصة التي كتبها وتعتبر دراسات نفسية قام بكتابتها، وقد ساعدت هذه المذكرات النقاد والباحثين في فن العدوي على تناول أعماله بصورة مختلفة عن سابقيهم الذين تصدوا لفنه قبل ظهورها، وفق رشوان.

ولأعمال العدوي طابع خاص من الحروفيات والزخارف والرموز ابتكرها في إبداعاته وهي تخصه وحده، وتخرّج العدوي ضمن الدفعة الأولى في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 1962، وأسس مع زميليه محمود عبد الله ومصطفى عبد المعطي جماعة التجريبيين. وتأتي الموسوعة باللغة العربية في قطع كبير بالألوان، تزيد على 600 صفحة، من تصميم وتجهيز وإنتاج طباعي «إيه آر جروب» للتصميم والطباعة والنشر.

الموسوعة ضمت العديد من الأعمال الفنية ودراسات عنها (الشرق الأوسط)

وتتضمن الموسوعة، وفق رشوان، دراستين جديدتين للدكتور مصطفى عيسى، ودراسة لكل من الدكتورة ريم حسن، وريم الرفاعي، والدكتورة أمل نصر، ودراسة للدكتورة ماري تيريز عبد المسيح باللغة الإنجليزية، وجميعها تم إعدادها خصوصاً للموسوعة، وهناك دراسات كانت موجودة بالفعل للدكتور أحمد مصطفى، وكان قد جهّزها للموسوعة لكن عندما أصدرت مجلة فنون عدداً خاصاً عن فن العدوي قام بنشرها ضمن الملف، وإلى جانب ذلك هناك بحث عن أعمال العدوي للراحلين الدكتور شاكر عبد الحميد والفنان عز الدين نجيب وأحمد فؤاد سليم ومعهم عدد كبير من النقاد والفنانين الذي اهتموا برائد التجريبيين المصري وأعماله.

والتحق سعيد العدوي بمدرسة الفنون بالإسكندرية سنة 1957، وقبلها بعام كان في كلية الفنون بالزمالك، وقضى خمس سنوات لدراسة الفن في عروس البحر المتوسط، أما الأعمال التي تتضمنها الموسوعة وتوثق لها فتغطي حتى عام 1973؛ تاريخ وفاته. وهناك عدد من رسوم الكاريكاتير كان قد رسمها وقت عمله بالصحافة، وهذه الأعمال اهتمت بها الموسوعة ولم تتجاهلها لأنها تكشف عن قدرات كبيرة للعدوي وسعيه للدخول في مجالات عديدة من الفنون التشكيلية، وفق كلام رشوان.

من أعمال العدوي (الشرق الأوسط)

ولفت إلى أن «تراث العدوي بكامله بات متاحاً من خلال الموسوعة للباحثين في فنه والمهتمين بأعماله وتاريخ الفن التشكيلي المصري، وقد توفر لدى كتّاب الموسوعة عدد مهول بالمئات من اللوحات الكراسات والاسكتشات، فأي ورقة كان يرسم عليها اعتبرناها وثيقة وعملاً فنياً تساعد في الكشف عن رؤية العدوي التشكيلية وعالمه الخَلَّاق».

ولا تعتمد الموسوعة فكرة التسلسل الزمني، لكنها توثق عبر المقالات كل الأعمال التي تناولتها، من هنا بنى رشوان رؤيته وهو يرسم الخطوط الرئيسية لفن العدوي على الدراسات البانورامية التي تشتغل بحرية كاملة على الأعمال دون التقيد بتاريخها.

وسبق أن أصدر الدكتور حسام رشوان، بالاشتراك مع الباحثة والناقدة الفرنسية فاليري هيس، موسوعة فنية عن رائد التصوير المصري محمود سعيد عن دار «سكيرا» الإيطالية عام 2017 بمناسبة مرور 120 عاماً على ميلاد محمود سعيد، وتضمنت الموسوعة في جزئها الأول أكثر من 500 لوحة و11 مقالاً ودراسة نقدية.