روسيا تتبنى قانون «الأخبار الكاذبة» وتستعد لتطبيق «الإنترنت السيادي»

تحذيرات من تسبب الإجراءات بعزل الإنترنت والتضييق على الإعلام

جانب من الاحتجاجات على القوانين المفروضة على الإنترنت في روسيا
جانب من الاحتجاجات على القوانين المفروضة على الإنترنت في روسيا
TT

روسيا تتبنى قانون «الأخبار الكاذبة» وتستعد لتطبيق «الإنترنت السيادي»

جانب من الاحتجاجات على القوانين المفروضة على الإنترنت في روسيا
جانب من الاحتجاجات على القوانين المفروضة على الإنترنت في روسيا

تبنت السلطات الروسية منذ مطلع العام الجاري مجموعة قوانين في مجال المعلومات والإنترنت، قالت إن الهدف منها ضمان الأمن القومي، وأمن المعلومات. ورأى فيها خبراء وحقوقيون استمراراً لمحاولات فرض هيمنة الدولة على الإنترنت، لا سيما فيما يتصل بدوره كمنصة إعلامية - اجتماعية عامة. ورأى البعض في تلك القوانين تكراراً لتجارب دول أخرى، مثل سوريا وقانونها سيء السمعة الذي يعاقب عن «نشر أخبار توهن من عزيمة الأمة»، والصين التي فرضت سلطاتها سيطرة على مساحات واسعة من الإنترنت.
ودخلت وسائل الإعلام الروسية، والنشاط الإخباري - الإعلامي للمواطنين على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، مرحلة جديدة اعتباراً من 29 مارس (آذار) الماضي، بعد أن وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على قوانين تحظر نشر «الأخبار الكاذبة وإهانة السلطات ورموز الدولة». ويفرض القانون حظراً على «نشر معلومات عامة غير موثوقة في شبكات المعلومات والاتصالات، وتقديمها على أنها موثوقة، تخلق تهديداً يلحق الضرر أو يعرقل عمل المرافق الحيوية المهمة».
وعند ظهور «أخبار كاذبة»، يطلب المدعي العام، أو ممثلوه من هيئة الرقابة (روسكومنادزور)، حجب الموقع الذي نشرت عليه تلك الأخبار. ومن جانبها، تطلب الهيئة من إدارة الموقع حذف الخبر، وإن لم تفعل، تقوم الهيئة بحجبه. أما إذا كانت الأخبار على صفحات مواطنين، فإن الهيئة تقوم بحجب تلك الصفحة دون أي إشعار مسبق. وفضلاً عن ذلك، يفرض نص القانون غرامات مالية عقاباً على نشر أخبار كاذبة، تتراوح قيمة الغرامة من 30 حتى 500 ألف روبل (من 460 حتى 7750 دولاراً تقريباً)، حسب صفة المخالف.
ومنذ بداية النقاش في البرلمان حوله، واجه مشروع قانون «الأخبار الكاذبة وإهانة رموز الدولة والسلطات» موجة انتقادات واسعة، وحذر ممثلو وسائل الإعلام من مخاطر تبنيه. وقال غيورغي إيفانوف، كبير المحامين في مؤسسة «كوميرسانت» الإعلامية، إن القانون الجديد يخلق تهديداً ملموساً لعمل وسائل الإعلام المهنية التي تعتمد على «مصادر»، لافتاً إلى أنه من غير الواضح بعد أي معلومات ستصنفها النيابة العامة «كاذبة»، ولم يستبعد أن تقع تحت هذا التصنيف الأخبار «نقلاً عن مصادر»، لكنها غير مناسبة للسلطات.
وضمن حملة الانتقادات، برز بصورة خاصة موقف المجلس الرئاسي لحقوق الإنسان، الذي دعا المجلس الفيدرالي إلى رفض مشروع القانون، وأشار إلى أنه «مفرط» و«يفترض ضمناً أن هيئة الرقابة والنيابة العامة لديها معرفة بالحقيقة المطلقة»، بينما «الأخبار التي قد تبدو اليوم عارية عن الصحة، من الممكن أن تصبح في اليوم التالي دقيقة صحيحة».
إلا أن دفاع الغالبية في مجلسي البرلمان الروسي عن مشروع القانون، وإيجاد مبررات له، واعتماده، وبدء العمل به، لم يغير المزاجية العامة. وأظهر استطلاع للرأي أجراه مركز «ليفادا سنتر» أن 64 في المائة من المواطنين الروس يعتقدون أن «عدم السماح بتوجيه انتقادات للسلطة» هو الهدف الحقيقي من تبني قانون «الأخبار الكاذبة وإهانة رموز الدولة والسلطات»، بينما قال 23 في المائة إن الهدف منه ضمان مصداقية الأخبار في وسائل الإعلام والإنترنت.
إلى ذلك، يستمر الجدل حول مشروع قانون طرحه برلمانيون على مجلس الدوما نهاية العام الماضي، يُعرف باسم مشروع قانون «الإنترنت السيادي»، الهدف منه، وفق ما يقول مؤيدوه، توفير أرضية تقنية معلوماتية في روسيا تضمن استمرار عمل الإنترنت داخل البلاد، بحال قررت شركات التخديم العالمية فصل روسيا عن الشبكة العنكبوتية.
وسيتعين على مشغلي الاتصالات تثبيت وسائل تقنية، تقدمها لهم مؤسسة الرقابة مجاناً، لمواجهة التهديدات السيبرانية، شرط أن تكون هذه الوسائل التقنية قادرة على تقييد الوصول إلى الموارد بمعلومات محظورة، وليس فقط عن طريق عناوين الشبكة، ولكن أيضاً عن طريق حظر مرور البيانات. وتقوم مؤسسة الرقابة بمراقبة تشغيل الإنترنت، وتحديد التهديدات الأمنية، ويطالب مشغلي الإنترنت بضمان إمكانية التحكم المركزي بحركة مرور البيانات والمعلومات المتبادلة، في حال وجود تهديد أمني. وأخيراً، ينص مشروع القانون على إنشاء نظام أسماء نطاقات (DNS) وطني.
ومنذ طرحه في القراءة الأولى، حصل مشروع القانون على تأييد كتلة حزب «روسيا الموحدة» في البرلمان، وهو حزب السلطة، وتأييد الحكومة والرئاسة بالطبع. وعبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن دعمه مشروع القانون، في تصريحات أخيرة، لم يستبعد فيها فرضية «فصل الإنترنت عن روسيا». وقال في إشارة إلى الولايات المتحدة: «لا يمكنني الحديث بالنيابة عن شركائنا، وما يفكرون به»، وأكد أن روسيا لا تنوي فصل نفسها عن شبكة الإنترنت، وشدد في الوقت ذاته على أنه «كلما تعززت السيادة، بما في ذلك في المجال الرقمي، كان ذلك أفضل».
ويجمع المراقبون على أن فصل الإنترنت عن روسيا من الناحية النظرية أمر ممكن تقنياً، لكنهم يشيرون في الوقت ذاته إلى أن شركة «آيكان»، المسجلة رسمياً في الولايات المتحدة، المختصة بتوزيع وإدارة عناوين «آي بي» وأسماء المجال، المسؤولة عن إدارة الموارد الرئيسية للبنية التحتية للشبكة العنكبوتية، لم يسبق أن قامت بقطع الإنترنت عن أي دولة، ويستبعدون أن تقوم بخطوة كهذه تحت أي ظرف كان.
ورغم محاولة نواب كتلة «روسيا الموحدة» طمأنه أعضاء مجلس الدوما بأن مشروع القانون لا يرمي إلى عزل روسيا، وتحويل شبكتها العنكبوتية إلى شبكة معزولة عن العالمية، عبرت القوى الأخرى الممثلة في مجلس الدوما عن رفضها القانون. وقال أليكسي كورينني، النائب عن كتلة «الحزب الشيوعي»، إن «أي محاولات لوضع قيود في مجال الإنترنت خطيرة للغاية، من وجهة نظرنا، وغير مجدية، ونحن لن نصوت على مشروع القانون». كما رفضته كتلة حزب «روسيا العادلة»، لكن بسبب ضعف في فقراته الإجرائية التنفيذية. أما كتلة «الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي»، فقد قال زعيمها فلاديمير جيرينوفسكي عن مشروع القانون إنه «مادة فيها بذرة طيبة»، وأكد على ضرورة أن «تكون روسيا مستعدة لأي تأثير سلبي من الخارج على الشبكة». لكن رغم ذلك كله، لن يمنح الليبراليون أصواتهم لصالح مشروع القانون، وإنما سيستمعون إلى مواقف الناخبين، وفق جيرينوفسكي الذي قال عبر قناته على «تلغرام»: «نحن نعرف موقف عدد كبير من المواطنين، والمدونين، الذين ينظرون بألم لأي اعتداء على الحرية في الإنترنت».
أما مجلس الخبراء التابع للحكومة الروسية، فقد حذر في تقريره من أن مشروع القانون يحمل مخاطر التسبب بخلل في عمل الإنترنت، ويمنح هيئة الرقابة صلاحيات واسعة النطاق، وهو ما يتعارض جزئياً مع التشريعات المعمول بها. وأشار الخبراء إلى غياب الشفافية في الأهداف من مشروع القانون.
وتحفظت على مشروع قانون «الإنترنت السيادي» شركات حكومية عملاقة، تلعب دور أداة فعالة في السياسة الخارجية الروسية، وتوفر حصة كبيرة من دخل الميزانية، مثل شركة «غاز بروم» التي قالت وسائل إعلام إنها تحفظت على مشروع القانون، وطالبت بعدم تعميم شروطه على شبكاتها، محذرة من أن خطوة كهذه «تهدد عمل الشبكة التقنية للشركة، وقد تؤدي إلى حالات طارئة في عمل شبكة الوقود والطاقة». وقال مصدر آخر لصحيفة «كوميرسانت» إن الشركة العامة للسكك الحديدية عبرت عن موقف مماثل.
وعلى مستوى قوى المعارضة «غير الرسمية»، نظمت أحزاب معارضة احتجاجات في مدينة موسكو ضد مشروع قانون «الإنترنت السيادي»، شارك فيها أكثر من 15 ألف متظاهر. وقال بافل دوروف، مؤسس «تلغرام»، إن تلك الاحتجاجات، ورغم تضييق الخناق، كانت الأكبر في روسيا خلال السنوات الأخيرة. ورفع المتظاهرون شعارات يحذرون فيها من أن مشروع القانون سيؤدي إلى «عزل روسيا عن الإنترنت»، وأكدوا رفضهم له.
- قانون «وهن نفسية الأمة» السوري ... تنفس لكن «بصمت»
> استغل النظام السوري الاتهامات بـ«نشر أخبار من شأنها أن توهن نفسية الأمة» لإسكات المواطنين، وقمع معارضيه منذ عقود. ويقول حقوقيون إن تلك الاتهامات كانت أساسية في قرارات حكم بالإعدام صدرت عن «محكمة الإرهاب» بحق الآلاف من المتظاهرين السلميين الذين شاركوا في الاحتجاجات منذ مارس (آذار) 2011. ولا يحدد القانون السوري بدقة المعلومات أو العبارات التي «توهن نفسية الأمة»، ويتيح بذلك للأجهزة الأمنية اعتقال أي شخص، بسبب أي كلام قاله بصوت مرتفع، وسمعه آخرون لا علاقة لهم بما قال. وبموجب المادة (208)، يُعاقب من ينشر المعلومات المشار إليها، إن قام بفعلته هذه عبر «وسائل علنية»، تشمل وفق نص المادة ذاتها «الأعمال والحركات (...) والكلام أو الصراخ، سواء جهر بهما أو نقلاً بالوسائل الآلية (...) إذا حصلت في محل عام أو مكان مباح للجمهور»، فضلاً عن «الكتابة والرسوم والصور والأفلام والإشارات والتصاوير على اختلافها».
وكانت القاضية هبة الله محمد سيفو، رئيسة النيابة العامة المختصة بجرائم المعلوماتية والاتصالات في القصر العدلي بدمشق، قد أكدت أن القانون السوري يفرض عقوبات على كل من ينشر أخباراً كاذبة وإشاعات من شأنها أن «توهن نفسية الأمة». وقالت في لقاء أجرته معها إذاعة «نينار إف إم» إن من ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي إشاعات مثلاً عن التجنيد أو زيادة الرواتب، فإن «هذه الأنباء ما دام أنها تذاع في سوريا بزمن الحرب، وتثير قلقلة وذعراً بين الناس، فإنها تعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة، من 3 سنوات إلى 15 سنة، وفقاً لتقدير القاضي (إذا كان يعلم أنها كاذبة)»، وأضافت أنه إن لم يكن يعلم أنها كاذبة، فإن العقوبة تكون الحبس 3 أشهر على الأقل.
- الصين تقيم «جداراً سيبرانياً» يعزز قبضتها
> تُعد الصين الدولة الأولى في العالم التي أطلقت نهج «الإنترنت السيادي»، أي فرض سيطرة مطلقة من جانب الدولة على الشبكة العنكبوتية، والتحكم ومراقبة تبادل المعلومات عبرها، وحجب المواقع الخارجية «المضرة بالأمن القومي».
ويخضع عمل الإنترنت في الصين لما يُعرف باسم «جدار الحماية العظيم»، وهو عبارة عن مجموعة من الإجراءات القانونية والتقنية، تهدف إلى حجب عدد من مواقع الإنترنت الأجنبية محلياً، ومراقبة حركة البيانات من وإلى الإنترنت، وتعمل على الحدّ من الوصول إلى مصادر المعلومات الأجنبية، وحجب أدوات الإنترنت الأجنبية.
ويعود تاريخ أول قيود فرضتها الصين على الإنترنت إلى عام 1997. حينها أصدر الأمن العام جملة قرارات نصت على عدة أمور، منها منع الأفراد من استخدام شبكة الإنترنت لأغراض تضر بالأمن القومي. وفي عام 1998، بدأت الصين تنفيذ مشروع «جدار الحماية العظيم»، وأنجزت جميع مرحله بحلول عام 2008، واستخدمت فيه تقنيات غربية متقدمة، تشمل أمن الإنترنت ومراقبة الفيديو والتعرف على الوجوه.
ويقوم «جدار الحماية العظيم» بحجب المحتوى، ويتكون من عدد من جدران الحماية ومخدمات الوكلاء في البوابات التي تصل الصين مع شبكة الإنترنت، ويشارك بشكل انتقائي في عملية التحايل، باستعمال نظام أسماء النطاقات عند طلب مواقع محددة. وفي عام 2010، أعدت الحكومة الصينية لأول مرة تقريراً يتضمن مفهوم «السيادة السيبرانية»، الذي يعني وجوب السيطرة الحكومية الكاملة على الإنترنت. وفي عام 2013، تم تشكيل «مجموعة القيادة المركزية لأمن المعلومات» التي تعمل تحت إشراف مباشر من الرئيس الصيني، باعتباره القائد العام.
وقامت الصين بحجب مواقع التواصل الاجتماعي، ومحركات البحث الأجنبية، وأسست بديلاً وطنياً عنها، وفرضت على المستخدمين تقديم بياناتهم الحقيقية للتسجيل في تلك المواقع، كما فرضت على مقاهي الإنترنت تسجيل بيانات روادها، وتسليم تلك السجلات إلى مكتب الأمن العام.


مقالات ذات صلة

إصابة مصورَين صحافيَين بنيران إسرائيلية في جنوب لبنان

المشرق العربي جنود إسرائيليون يقودون مركباتهم في منطقة قريبة من الحدود الإسرائيلية اللبنانية كما شوهد من شمال إسرائيل الأربعاء 27 نوفمبر 2024 (أ.ب)

إصابة مصورَين صحافيَين بنيران إسرائيلية في جنوب لبنان

أصيب مصوران صحافيان بجروح بعد إطلاق جنود إسرائيليين النار عليهما في جنوب لبنان اليوم الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي نازحون في أثناء عودتهم إلى قراهم بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» الذي دخل حيز التنفيذ يوم الأربعاء 27 نوفمبر 2024... الصورة في أبلح شرقي لبنان (أ.ب)

«انتصار للبيت الأبيض»... صحف تحلل اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

رأى موقع «بوليتيكو» أن اتفاق وقف إطلاق النار «انتصار كبير للبيت الأبيض»، وقالت «نيويورك تايمز» إن بايدن يريد تذكّره بأنه وضع الشرق الأوسط على طريق تسوية دائمة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
آسيا خلال احتجاج نظمته حركة «طالبان» في أفغانستان (رويترز - أرشيفية)

إحصاء 336 اعتداءً ضد الصحافيين في 3 سنوات من حكم «طالبان» في أفغانستان

أفادت الأمم المتحدة، الثلاثاء، بأنها سجّلت 336 اعتداءً على صحافيين وعاملين في وسائل إعلام منذ عودة «طالبان» لحكم أفغانستان في أغسطس 2021.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا مبنى التلفزيون المصري في ماسبيرو (الهيئة الوطنية للإعلام)

تشكيلة جديدة للهيئات الإعلامية بمصر وسط ترقب لتغييرات

استقبلت الأوساط الإعلامية والصحافية المصرية، التشكيلة الجديدة للهيئات المنظمة لعملهم، آملين في أن تحمل معها تغييرات إيجابية.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
المشرق العربي المسؤول الإعلامي في «حزب الله» محمد عفيف خلال مؤتمر صحافي بالضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب) play-circle 00:40

محمد عفيف... صوت «حزب الله» وحائك سياسته الإعلامية

باغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» محمد عفيف تكون إسرائيل انتقلت من اغتيال القادة العسكريين في الحزب إلى المسؤولين والقياديين السياسيين والإعلاميين.

بولا أسطيح (بيروت)

المنتدى الروسي الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» لمواجهة هيمنة الغرب

أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)
أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)
TT

المنتدى الروسي الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» لمواجهة هيمنة الغرب

أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)
أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)

«إحدى الوظائف الرئيسية لوسائل الإعلام الجديدة تتمثّل في القدرة على توحيد الناس وكسر الحواجز الموجودة بين الثقافات» اختتم المنتدى الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» أخيراً أعماله في موسكو، مطلِقاً آليات لتعزيز التواصل مع المؤسسات الثقافية والإبداعية في عشرات البلدان، بهدف تحويل المنتدى -كما قال منظموه- إلى «منصة فريدة لتبادل الخبرات وتطوير أساليب الابتكار والإبداع في عالم متعدد لا تهيمن عليه الثقافة الغربية وحدها بأساليبها القديمة».

جمع المنتدى، عبر النقاشات التي دارت خلال ورشات العمل «قادة الصناعات الإبداعية من روسيا ودول أخرى، لمناقشة آفاق تطوير الصناعة والمخاطر والفرص التي أحدثها التقدم السريع للتكنولوجيا الجديدة في حياة الناس وإبداعهم».

عاصمة عالمية للإعلام والثقافة

ووفقاً لحكومة العاصمة الروسية موسكو، التي رعت تنظيم المنتدى، فإن من بين أهداف إطلاقه «تحويله إلى فعالية تُنظّم بشكل دوري وتكريس رؤية جديدة للتعاون الثقافي والإعلامي والإبداعي تقودها موسكو». ومن جهتها، رأت رئاسة المنتدى أن موسكو «عزّزت عبره مكانتها بين عواصم الثقافة في العالم، وباتت تجذب انتباه الخبراء في الصناعات الإبداعية والمتخصصين المشهورين من مختلف أنحاء العالم، من الولايات المتحدة وفرنسا إلى الهند والصين». وبهذا المعنى فإن روسيا «ما زالت تحتفظ بهويتها الثقافية، على الرغم من العقوبات والتحديات المعاصرة، بل تمضي قدماً أيضاً نحو تطوير أشكال جديدة من التفاعل في مجالات السينما ووسائل الإعلام الجديدة وغيرها من الصناعات الإبداعية».

وحقاً، جمع منتدى «الثقافة والإعلام والرقمنة» في دورته الأولى متخصصين في مجالات السينما، والألعاب، والإعلام، والتكنولوجيا، والصناعات الإبداعية؛ للبحث عن توازن جديد بين الأهداف التجارية والمصالح العامة، وإمكانيات الآلات وقدرات البشر.

ولمدة يومين، تواصل المشاركون من مختلف دول العالم في ورشات عمل لبحث المواضيع الرئيسة المطروحة التي توزّعت على عدة محاور؛ بينها: اقتصاد وسائل الإعلام الجديدة، والتأثير المتبادل بين وسائل الإعلام الجديدة والسينما، والاتصالات، وتقنيات الذكاء الاصطناعي، فضلاً عن تطوير ألعاب الفيديو، والمساحات الافتراضية، والرياضات الإلكترونية.

تقارب وأرضية مشتركة

رؤية المنتدى تقوم، بالدرجة الأولى، على محاولة تعزيز التقارب والتنسيق من أجل «إيجاد أرضية مشتركة وتطوير أساليب جديدة وفريدة للإبداع بين روسيا ودول مجموعة (بريكس+)» والدول العربية، لا سيما في مجال منصات الثقافات وتشابكها. وبذا لا يُخفي المنظمون الهدف الأساسي المتمثل في محاولة «كسر» الحصار الغربي، والعمل على تشكيل منصة فريدة تُسهم في تطوير حوار دولي بين روسيا وشركائها في الدول العربية والبلدان الأخرى التي تعمل مثل روسيا لإيجاد روابط جديدة للتعاون في ظل التغيّرات السريعة على بيئة المعلومات العالمية.

لذا، رأى المنتدى في جلسات الحوار أن إحدى الوظائف الرئيسة لوسائل الإعلام الجديدة تتمثّل «في القدرة على توحيد الناس، وكسر الحواجز الموجودة بين الثقافات واللغات المختلفة عبر استخدام الشبكات الاجتماعية، والمدوّنات، ومحتوى الفيديو». وعدّ أن تأثير مساحة الإعلام الجديدة يتمثّل أيضاً في إمكانية إنشاء مبادرات مشتركة - مشاريع مشتركة، وأحداث ثقافية، وبرامج تعليمية تهدف إلى تعزيز الروابط وتوسيع آفاق التعاون المتبادل.

برنامج اليوم الأول تضمّن جلسة رئيسة بعنوان «مستقبل التواصل والتواصل من أجل المستقبل»، شاركت فيها نخبة من كبار المخرجين العالميين؛ مثل: أمير كوستوريكا، وأوليفر ستون، استعرضوا خلالها دور السينما في تجاوز الحواجز الثقافية وتعزيز التفاهم بين الشعوب. وفي كلمته، شدّد كوستوريكا على أن «السينما لا تُقاس بقيمتها المالية بقدر ما تحمله من مضامين وأفكار عميقة»، مشيراً إلى تأثير أفلام المخرج أندريه تاركوفسكي التي على الرغم من محدودية مشاهدتها عند إصدارها، اكتسبت قاعدة جماهيرية واسعة على مر الزمن، بفضل طرحها أسئلة جوهرية عن الحياة.

أما ستون فأكد أن «السينما اليوم في مرحلة تطور مستمر، تتضمّن رؤى فنية جديدة وإمكانيات إبداعية متاحة حتى في المدن الصغيرة»، داعياً إلى احتضان هذا التغيير وتقدير الماضي في الوقت ذاته.

الحضور العربي

وفي الجلسات عن العالم العربي، شارك لوبو سيوس مقدم البرامج الحوارية في دبي، وعلي الزكري رئيس قسم التحرير الرقمي في صحيفة «البيان» في دبيّ، وعلا الشافعي رئيسة تحرير صحيفة «اليوم السابع» المصرية، والصحافي اللبناني نبيل الجبيلي. وأكد المنتدى تعزيز الروابط بين الشعوب، كونها تُسهم في خلق أرضية مشتركة وتقديم طرق مبتكرة للإبداع. ورأى المشاركون أن العلاقات بين روسيا ودول «بريكس» لا سيما الدول العربية تستند إلى التفاعل الثقافي وتشابك الثقافات؛ مما يفتح آفاقاً جديدة للتعاون والإبداع المشترك.

وعن دور السينما، بين وسائل هذا التعاون، فإنها عُدّت جسراً فعّالاً يربط بين العالمين الروسي والعربي. إذ إن الأفلام لا تكتفي بعرض جوانب من حياة شعوب معينة، بل تساعد أيضاً على تجاوز الحواجز اللغوية والثقافية؛ مما يخلق قصصاً عالمية قادرة على التأثير في قلوب المشاهدين في كل مكان.

ومن ثم، تناول المنتدى دور الذكاء الاصطناعي بوصفه أداة واعدة في عملية التأليف والإنتاج السينمائي، بجانب بحث الفرص التي توفرها المنصات الرقمية لتمكين المواهب الشابة.

جانب من الحضور يسجلون اللحظة بهواتفهم الجوّالة (الشرق الأوسط)

منصة مهمة لتبادل الخبرات

مع مشاركة أكثر من 70 متحدثاً من 10 دول، شكّل المنتدى منصة مهمة لتبادل الخبرات وتعزيز التواصل الثقافي بين روسيا والعالم، بما يُسهم في دفع عجلة الابتكار والتنوع في قطاعي الإعلام والسينما العالميين. وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط»، قال جورجي بروكوبوف، رئيس شركة موسكينو - مركز موسكو السينمائي، إن المنتدى -الأول من نوعه- يُنظّم «في لحظة محورية؛ إذ تعمل أدوات الذكاء الاصطناعي والابتكارات الرقمية على إعادة تشكيل الصناعات الإبداعية بشكل أساسي». وأردف أن «الملعب العالمي بات أكثر توازناً... وظهرت مناطق جديدة، أو عزّزت مناطق، كانت موجودة أصلاً في هذه الصناعة، مكانتها لتتحول إلى مراكز لإنتاج الأفلام والتلفزيون».

وأوضح بروكوبوف أن موسكو استثمرت، بمبادرة من رئيس بلديتها سيرغي سوبيانين، بكثافة في «بناء مجموعات إبداعية عالمية المستوى» في المدينة وإنشاء شبكات تعاون مع مراكز إبداعية مماثلة في جميع أنحاء العالم. ولقد انصب أحد البرامج الأساسية على تطوير صناعة السينما. وتابع أن «مجموعة صناعة الأفلام الروسية وصلت إلى حجم مماثل (من حيث مرافق الإنتاج ومعداتها المتطورة) لتلك الموجودة في كاليفورنيا أو مومباي (...) تتغيّر صناعة الأفلام العالمية بسرعة، ولم يعد الأمر يقتصر على (هوليوود)، النموذج القديم؛ حيث تُملى ثقافة واحدة، والأذواق العالمية تتلاشى». ثم كشف عن أن عدد الأفلام الروائية المنتجة في دول «بريكس» تضاعف أكثر من ثلاث مرات على مدى العقدين الماضيين، في حين ظل عدد الإنتاجات في الغرب ثابتاً إلى حد كبير.

داخل القاعة (الشرق الأوسط)

التطور في «بريكس» ودول الخليج العربي

ومن ثم، أفاد بأن تقنيات الذكاء الاصطناعي تسمح بتكييف المحتوى المتنوع مع السياقات المحلية بسلاسة. وبالنسبة إلى دول مجموعة «بريكس» فإنها، مثل روسيا، «تتطلّع إلى تعزيز التعاون مع القطاع الإبداعي المزدهر في الخليج العربي، بما يمثّل فرصة مثيرة لاستكشاف أسواق جديدة».

وزاد المسؤول أن الأوساط الروسية «تتابع باهتمام كبير ما يحدث في المملكة العربية السعودية. إن تفاني الحكومة في رعاية المواهب وجعل المملكة واحدة من المراكز الإبداعية الرائدة في العالم أمر رائع حقاً. ومن الملهم أن نرى كيف تتحوّل المملكة بسرعة إلى قوة إبداعية عالمية مع الحفاظ على تراثها الثقافي الغني».