العلاقات الصينية ـ العربية في ظل المتغيرات الدولية

TT

العلاقات الصينية ـ العربية في ظل المتغيرات الدولية

تمثل العلاقات الصينية - العربية ركناً مهماً من أركان العلاقات الدولية في هذه المرحلة من تاريخ البشرية. وترجع أهمية تلك العلاقات إلى ثلاثة عوامل رئيسية:
الأول: الصعود السلمي للصين بسرعة مذهلة منذ 1978؛ حيث بدأت سياسة الإصلاح والانفتاح بقيادة الزعيم الصيني الأسبق دنغ هسياوبنغ، الذي أطلق هذه السياسة التي حققت المعجزة، وحولتها من دولة عاشت في فوضى الثورة الثقافية وتعاني من التخلف والمجاعات، إلى دولة حديثة متقدمة اقتصادياً وتجارياً وثقافياً وتكنولوجياً؛ بحيث أصبحت الدولة الثانية في العالم من حيث حجم الاقتصاد؛ بل يتوقع أن تكون الدولة الأولى في عام 2030.
الثاني: أن العرب شيدوا حضارة عظيمة بانطلاق الدعوة الإسلامية، ثم تراجعوا عندما تفرقوا شعوباً وقبائل، وعندما تخلفوا لعدم تطويرهم الاقتصاد التجاري إلى اقتصاد صناعي. ولذلك عندما تحولت التجارة العالمية إلى طريق رأس الرجاء الصالح تراجع الاقتصاد العربي، وتراجع الدور العربي في التجارة العالمية، وزاد الأمر سوءاً عدم توفر الموارد الطبيعية، وبروز الظاهرة الاستعمارية وسيطرتها على المنطقة العربية، كما سيطرت على مناطق كثيرة أخرى. ثم جاء اكتشاف النفط ثم الغاز، وأيضاً سعي العالم العربي للتقدم والنهوض، فتحول العالم العربي عامة ومنطقة الخليج العربي خاصة إلى نهوض اقتصادي وتجاري وعلمي، وأصبحت منطقة الخليج العربي محوراً رئيساً من محاور الطاقة العالمية والاقتصاد في العالم، وطرق المواصلات التي تربطها بمناطق أخرى. وقد حققت منطقة الخليج العربي صعوداً سلمياً قريباً من الصعود الصيني.
الثالث: التغيرات في السياسة العالمية من الصناعة التقليدية لصناعة المعلومات والمعرفة، وبروز دور الطاقة في الاقتصاد العالمي، وتصاعد أهمية المنطقة العربية، وبروز ظاهرة العولمة نتيجة التداخل والترابط العالمي. ومن هنا استردت المنطقة العربية أهميتها، ولكنها لا تزال تواجه في هذه المرحلة تحديات أمنية واجتماعية أكبر خطورة. وهي تحديات واجهتها أيضاً الصين منذ صعودها، ولا تزال تتعامل معها.
وبموازاة ذلك، تبرز بعض الأفكار والآليات التي تعزز الاتجاه إلى تطوير تلك العلاقات، ومنها:
- نظرية المفكر الأكاديمي الأميركي صامويل هنتنغتون حول «صراع الحضارات»، التي أصبحت مرجعاً أساسياً للفكر الاستعماري الجديد، مما أدى لتقوية العلاقات العربية – الصينية، ومزيد من التقارب بين المنطقتين والحضارتين العربية الإسلامية والحضارة الصينية، لوجود «عدو» فكري وسياسي وأمني مشترك.
- طرحت الصين عدة نظريات فكرية واقتصادية وسياسية، منها نظرية التناغم الدولي (International Harmony) في عهد الرئيس السابق خوجنتاو، ثم نظريات ومبادرات الرئيس الحالي شي جينبينغ، لاستغلال الموارد الطبيعية في كثير من دول العالم، ومنها العربية والأفريقية لمصلحة الجميع، في إطار مفهوم الكسب للجميع (Win - Win Theory) ونظرية المصير المشترك، ونظرية ضرورة تعدد مراكز القوى الدولية، ونظرية التعاون السلمي، ومبادرة طريق الحرير البري والبحري، تحت عنوان «طريق واحد وحزام واحد»، لإحياء طريق الحرير القديم البري والبحري، للربط بين الصين والعالم من جديد، اقتصادياً وأمنياً وسياسياً وثقافياً؛ حيث انتشرت مراكز «كونفوشيوس» في كثير من دول العالم وجامعاته.
- كما طرحت الصين آليات للعمل المشترك، والتعاون المشترك، مثل منتدى التعاون الصيني – العربي، وبرامجه المتعددة، ودوراته المستمرة كل عامين؛ فضلاً عن اتفاقيات ثنائية مع كل دولة عربية.
وأدت العوامل السابقة لمزيد من التقارب الصيني – العربي، لوجود مصالح وتحديات مشتركة.
- إصدار القيادة الصينية في عهد شي جينبينغ لأول مرة وثيقة رسمية، تعبر عن سياسة الصين تجاه الدول العربية.
ومن تحليل نظرة الصين للعالم المعاصر، وخصوصاً العالم العربي، وممارساتها السياسية والأمنية، ينبغي أن نأخذ في الاعتبار العوامل التالية:
الأول: أن الصين تحولت إلى قوة كبرى وتتجه لتكون قوة عظمى، ومن ثم فإن بعض مصالحها تختلف عن اهتمامات ومصالح الدول العربية، ومن ذلك العلاقات مع كل من إيران وتركيا وإسرائيل، كدول مجاورة للمنطقة العربية، وهي دول ترتبط بمصالح مشتركة وعلاقات قوية مع الصين، التي لا تؤمن بسياسة معاداة أي دولة، ما عدا استثناءات تتعلق ببعض دول الجوار الصيني المباشر. ومن هنا، فإن من الضروري أن تدرك الدول العربية جميعاً هذا المبدأ في العلاقات الدولية، وأيضاً في علاقات الصين وسياستها بوجه خاص.
الثاني: أن الصين تعمل بسياسة التعاون والكسب المشترك، ولا تؤمن بسياسة التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، أو السعي لتغيير نظامها السياسي، أو طرح مفاهيم مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان.
الثالث: وهو مستمد من التراث الصيني العريق، وهو مبدأ التجارة العالمية كأداة لتحقيق ثلاثة أهداف، هي: نهضة الصين، وتفاعلها مع العالم الخارجي بالأخذ والعطاء، والسعي لتحويل العالم إلى التعاون والسلام، بدلاً من الصراع الدولي الذي كان ولا يزال محور العلاقات الدولية منذ عدة قرون.
من هنا برز الدور المستقبلي للصين، عندما استعادت ذاتيتها وحضارتها العريقة، وأحيت تراثها الفكري من منظور جديدـ ليخدم المستقبل، وليس للانكفاء على الماضي كما هو حادث في دول الشرق الأوسط المختلفة.
الرابع: تؤمن الصين بمبدأ التفاعل في العلاقات الدولية، بما في ذلك علاقاتها مع المنطقة العربية. فعلى سبيل المثال برز طريقا الحرير البري والبحري، اللذان ربطا الصين الجنوبية مع العالم العربي والحضارة الإسلامية برباط وثيق. ومع مبادرة طريق الحرير البحري وإنشاء بنك التنمية الآسيوي، وهو بنك ممول بنسبة كبيرة من الصين، ولمصلحة البنية الأساسية في الدول التي يمر بها الطريق، أصبحت الصين قوة بحرية.
والخلاصة أنه ينبغي على العرب إدراك الاعتبارات السابقة في سياساتهم تجاه الصين. فسلوك الصين القائم على مبادئها يفسر مواقفها من الأزمات السورية أو اليمنية أو الليبية، ولن يتغير ما لم يتم التأثير مباشرة على مصالحها، وهي تعتمد على المبادئ العامة دون السياسات التطبيقية تجاه كثير من الأزمات الدولية، ونموذج ذلك الموقف الصيني من قضية فلسطين والقدس والجولان.
* سفير مصر الأسبق لدى الصين وخبير في الشؤون الصينية



السيسي: الربط الكهربائي مع السعودية نموذج للتعاون الإقليمي

اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)
اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)
TT

السيسي: الربط الكهربائي مع السعودية نموذج للتعاون الإقليمي

اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)
اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)

أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن مشروع الربط الكهربائي مع المملكة العربية السعودية نموذج لتكامل التعاون في مجال الطاقة على المستوى الإقليمي، وبين مصر والمملكة خصيصاً. وأضاف: «كما يعد المشروع نموذجاً يحتذى به في تنفيذ مشروعات مماثلة مستقبلاً للربط الكهربائي»، موجهاً بإجراء متابعة دقيقة لكافة تفاصيل مشروع الربط الكهربائي مع السعودية.

جاءت تأكيدات السيسي خلال اجتماع مع رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، ووزيري الكهرباء والطاقة المتجددة، محمود عصمت، والبترول والثروة المعدنية، كريم بدوي. وحسب إفادة لـ«الرئاسة المصرية»، الأحد، تناول الاجتماع الموقف الخاص بمشروعات الربط الكهربائي بين مصر والسعودية، في ظل ما تكتسبه مثل تلك المشروعات من أهمية لتعزيز فاعلية الشبكات الكهربائية ودعم استقرارها، والاستفادة من قدرات التوليد المتاحة خلال فترات ذروة الأحمال الكهربائية.

وكانت مصر والسعودية قد وقعتا اتفاق تعاون لإنشاء مشروع الربط الكهربائي في عام 2012، بتكلفة مليار و800 مليون دولار، يخصّ الجانب المصري منها 600 مليون دولار (الدولار يساوي 49.65 جنيه في البنوك المصرية). وقال رئيس مجلس الوزراء المصري، خلال اجتماع للحكومة، منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إن خط الربط الكهربائي بين مصر والسعودية سيدخل الخدمة في مايو (أيار) أو يونيو (حزيران) المقبلين. وأضاف أنه من المقرر أن تكون قدرة المرحلة الأولى 1500 ميغاواط.

ويعد المشروع الأول من نوعه لتبادل تيار الجهد العالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من مدينة بدر في مصر إلى المدينة المنورة مروراً بمدينة تبوك في السعودية. كما أكد مدبولي، في تصريحات، نهاية الشهر الماضي، أن مشروع الربط الكهربائي مع السعودية، الذي يستهدف إنتاج 3000 ميغاواط من الكهرباء على مرحلتين، يعد أبرز ما توصلت إليه بلاده في مجال الطاقة.

وزير الطاقة السعودي يتوسط وزيري الكهرباء والبترول المصريين في الرياض يوليو الماضي (الشرق الأوسط)

فريق عمل

وفي يوليو (تموز) الماضي، قال وزير الكهرباء والطاقة المتجددة المصري، خلال لقائه وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، في الرياض، إن «هناك جهوداً كبيرة من جميع الأطراف للانتهاء من مشروع الربط الكهربائي المصري - السعودي، وبدء التشغيل والربط على الشبكة الموحدة قبل بداية فصل الصيف المقبل، وفي سبيل تحقيق ذلك فإن هناك فريق عمل تم تشكيله لإنهاء أي مشكلة أو عقبة قد تطرأ».

وأوضحت وزارة الكهرباء المصرية حينها أن اللقاء الذي حضره أيضاً وزير البترول المصري ناقش عدة جوانب، من بينها مشروع الربط الكهربائي بين شبكتي الكهرباء في البلدين بهدف التبادل المشترك للطاقة في إطار الاستفادة من اختلاف أوقات الذروة وزيادة الأحمال في الدولتين، وكذلك تعظيم العوائد وحسن إدارة واستخدام الفائض الكهربائي وزيادة استقرار الشبكة الكهربائية في مصر والسعودية.

ووفق المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، محمد الشناوي، الأحد، فإن اجتماع السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول تضمن متابعة مستجدات الموقف التنفيذي لمحطة «الضبعة النووية»، في ظل ما يمثله المشروع من أهمية قصوى لعملية التنمية الشاملة بمصر، خصوصاً مع تبنى الدولة استراتيجية متكاملة ومستدامة للطاقة تهدف إلى تنويع مصادرها من الطاقة المتجددة والجديدة، بما يسهم في تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.

وأكد السيسي أهمية العمل على ضمان سرعة التنفيذ الفعال لمشروعات الطاقة المختلفة باعتبارها ركيزة ومحركاً أساسياً للتنمية في مصر، مشدداً على أهمية الالتزام بتنفيذ الأعمال في محطة «الضبعة النووية» وفقاً للخطة الزمنية المُحددة، مع ضمان أعلى درجات الكفاءة في التنفيذ، فضلاً عن الالتزام بأفضل مستوى من التدريب وتأهيل الكوادر البشرية للتشغيل والصيانة.

وتضم محطة الضبعة، التي تقام شمال مصر، 4 مفاعلات نووية، بقدرة إجمالية تبلغ 4800 ميغاوات، بواقع 1200 ميغاوات لكل مفاعل. ومن المقرّر أن يبدأ تشغيل المفاعل النووي الأول عام 2028، ثم تشغيل المفاعلات الأخرى تباعاً.

جانب من اجتماع حكومي سابق برئاسة مصطفى مدبولي (مجلس الوزراء المصري)

تنويع مصادر الطاقة

وتعهدت الحكومة المصرية في وقت سابق بـ«تنفيذ التزاماتها الخاصة بالمشروع لإنجازه وفق مخططه الزمني»، وتستهدف مصر من المشروع تنويع مصادرها من الطاقة، وإنتاج الكهرباء، لسد العجز في الاستهلاك المحلي، وتوفير قيمة واردات الغاز والطاقة المستهلكة في تشغيل المحطات الكهربائية.

وعانت مصر من أزمة انقطاع للكهرباء خلال أشهر الصيف، توقفت في نهاية يوليو الماضي بعد توفير الوقود اللازم لتشغيل المحطات الكهربائية. واطلع السيسي خلال الاجتماع، الأحد، على خطة العمل الحكومية لضمان توفير احتياجات قطاع الكهرباء من المنتجات البترولية، وانتظام ضخ إمدادات الغاز للشبكة القومية للكهرباء، بما يحقق استدامة واستقرار التغذية الكهربائية على مستوى الجمهورية وخفض الفاقد.

ووجه بتكثيف الجهود الحكومية لتعزيز فرص جذب الاستثمارات لقطاع الطاقة، وتطوير منظومة إدارة وتشغيل الشبكة القومية للغاز، بما يضمن استدامة الإمدادات للشبكة القومية للكهرباء والقطاعات الصناعية والخدمية، وبتكثيف العمل بالمشروعات الجاري تنفيذها في مجال الطاقة المتجددة، بهدف تنويع مصادر إمدادات الطاقة، وإضافة قدرات جديدة للشبكة الكهربائية، بالإضافة إلى تطوير الشبكة من خلال العمل بأحدث التقنيات لاستيعاب ونقل الطاقة بأعلى كفاءة وأقل فقد.