مهرجان «البحر الأزرق» السينمائي يختتم دورته الأولى في لبنان مع فيلم «هنا والآن»

اختتم المهرجان السينمائي «البحر الأزرق» (Blue bahr festival) دورته الأولى في لبنان، بعرض فيلم «هنا والآن» لمخرجه تايلور ستيل. يحكي الفيلم الذي سبقه عروضا سينمائية على مدى يومين متتاليين في صالات «سينما سيتي» وسط بيروت، عن رياضة ركوب الأمواج (surfing)، مشجعا على ممارستها من خلال أبطال عالميين برعوا فيها أمثال كيلي سلايتر وستيفاني جيلمور. وكان قد سبقه في اليوم نفسه، عرض لفيلمين آخرين يدوران في الإطار نفسه، ويتناولان أهمية وجود شواطئ البحر في حياتنا اليومية، وهما «ريفولوشن» و«ذا التيمايت وايف 3 دي».
هدف المهرجان الذي يقام للمرة الأولى في لبنان والعالم العربي (يقام عادة في ولاية سان دييغو في الولايات الأميركية)، هو تحفيز اللبناني على الاهتمام بمياه بحره والحفاظ على نظافته وعلى الثروة الحيوانية التي يحتويها، وذلك من خلال نوعية الأفلام التي يعرضها، إضافة إلى دعوته لخبراء لبنانيين وعالميين تحدثوا قبيل موعد عرض الأفلام أو بعده عن البحار والمحيطات بشكل عام، وعن شواطئ لبنان بشكل خاص.
تضمن اليوم الأول من المهرجان، الذي حمل عنوان «لنحتفل ببحرنا»، فيلمين سينمائيين، أحدهما بعنوان «Sharkwater» من تأليف وإخراج الكندي روب ستيوارت، وقد حاز على عدة جوائز عالمية، وثانيا بعنوان «بلانيت أوشن»، من إخراج يان ارتوس برتران ومايكل بيتيوت، الذي يُعدّ أحد أهم الأفلام السينمائية التي تناولت موضوع عالم المحيطات وخفاياه. وسبق عرض الفيلم الثاني قصة غرق السفينة البريطانية «فيكتوريا» عام 1893 في البحر المتوسط وبالتحديد على شاطئ مدينة طرابلس (شمال لبنان)، التي أدى غرقها إلى وفاة 358 بحارا كانوا على متنها، وفي مقدمهم قبطانها التابع للبحرية الملكية الأدميرال جورج ترايون.
وتناول هذا الفيلم الوثائقي القصير شغف أحد الغواصين الفرنسيين (كريستيان فرنسيس) بهذه القصة، فقرر البحث عن أسباب غرق هذه السفينة، والتفتيش عنها على الشاطئ اللبناني بعد مرور أكثر من مائة عام على الحادثة. وقد تمكن في النهاية من إيجادها، بعدما كانت آثارها قد فقدت إثر الحادثة، لا سيما أنها غرقت بشكل عمودي، فانغرست مقدمتها في الرمال على عمق 110 أمتار. ويختتم الفيلم بتدوين الغواص الفرنسي تاريخ اكتشافه ركام «فيكتوريا» عام 2003. ولكنه لم يستطع فك رموز غرقها التي بقيت مجهولة أسبابها حتى الساعة.
جوستين شميت المسؤولة عن تنظيم هذا المهرجان، أكدت في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بتفاعل اللبنانيين وإقبالهم بالمئات إلى هذا المهرجان الذي يقام للمرة الأولى في العالم العربي. وقالت: «لقد رغبنا في أن نقوم بحملة توعية مغايرة لتلك المتبعة عادة في لبنان حول كيفية الحفاظ على عالم البحر بكل تفاصيله، بدءا بالحيوانات التي تعيش فيه، والتي تصل أنواعها إلى أكثر من 50 صنفا، مرورا بنظافته، من خلال عدم تحويله إلى مكب للنفايات، ووصولا إلى الحفاظ على مساحاته كما هي، حتى لا تتدنى أكثر فأكثر بفعل الطمر، ونخسر أحد أهم عناصر المتعة في حياتنا».
ورأت في سياق حديثها أن هذا البلد الذي شهد تاريخه الشعب الفينيقي، لا يمكن إلا أن يكون متعلقا بالبحر الذي يمثل له «أكسجين» الحياة، ولذلك كان على منظمي هذا المهرجان العودة إلى الجذور، أي إلى لبنان بالتحديد.
وكان في اليوم الثاني للمهرجان الذي شهد عروضا سينمائية لثلاثة أفلام متتالية ظهرت في أحدها «ذا ريفولوشن»، الناشطة الاجتماعية اللبنانية في الأمم المتحدة ميرنا حيدر، وكونها موجودة خارج لبنان (في الولايات الأميركية)، فقد أرسلت كلمة مؤثرة خاصة بالمهرجان، عبرت فيها عن حزنها العميق لما يحصل في بحر لبنان وعن مدى تعلقها في بلدها الذي لا يعرف قيمته إلا من افترق عنه، داعية اللبنانيين للتكاتف والوحدة للحفاظ على كنز اسمه لبنان، ولا سيما على بحره الذي تجاوزت نسبة تلوث مياهه المعقول في بعض المناطق، مشيرة إلى أن البحار في عام 2028، وحسب دراسة بيئية للأمم المتحدة، ستخسر ثروتها الحيوانية بأكملها بشكل عام، بسبب التلوث الذي يصيبها.
ولوحظ تفاعل المشاهدين لأفلام المهرجان وتأثرهم بالمواضيع التي تناولتها. فاللبنانية لينا التي عاشت في فرنسا لفترة طويلة، وقررت بعدها العودة إلى بلدها لبنان، خرجت من صالة عرض فيلم «sharqwater»، الذي تناول مغامرات بحرية قام بها مخرجها مع هذا النوع من الحيوانات (سمك القرش)، وهي تجهش في البكاء، إذ إنها لم تستطع أن تتمالك نفسها عند رؤيتها لمشهد يتضمن ذبح سمكة قرش من قبل أحد الصيادين في مدينة غواتيمالا، فقالت لـ«الشرق الأوسط»: «لقد كان المشهد قاسيا وعنيفا، فالصيادون هناك يذبحون هذا الحيوان البحري الآيل للانقراض، من أجل استخراج قطع (السفين) منه لبيعه ولاستخدامه في صناعة الحساء هناك، ثم يرمون ما تبقى من لحمه في البحر، وهذا عمل غير إنساني».
ورأى مروان خوري وهو شاب جامعي أن هذه الأفلام زودته بفكرة عميقة عن عالم البحار، الذي يعشقه.
أما منال نادر مدير قسم البيئة في جامعة البلمند الذي شارك في المهرجان، من خلال كلمة ألقاها في المناسبة تحدث فيها عن علم البحار عامة، فقال لـ«الشرق الأوسط»: «هناك نحو 11000 سمكة قرش تُقتل على مدار الساعة في العالم، من أجل أن يتمتع الإنسان بلحمها، ومن يشاهد فيلم (sharqwater) الذي يحكي عن سمك القرش سيلاحظ أن هذا الحيوان، بعكس ما نعتقده، مسالم، ولا يهتم لنهم الإنسان بهذه الكثرة كما يخيل لنا، فمقابل مئات الحوادث التي تؤدي إلى قتل الإنسان بحوادث تتسبب بها الكهرباء مثلا 750 حالة وفاة في السنة، هناك تسعة فقط يتسبب بها سمك القرش. ويهمني القول إن في البحر المتوسط وجودا أيضا لسمك القرش، فعلى الأرض هناك أودية وتلال وجبال قد تمنع حيوانات معينة من الوصول إلينا، ولكن في البحر لا حدود ولا عوائق تساهم في منع وصول أي حيوان بحر إلى مياهنا، فيما لو حافظنا على بيئة صالحة لعيشه فيها».
وأشار منال نادر إلى أن عمر تلك الحيوانات يعود إلى ملايين السنين، مما جعلها متطورة أكثر من الإنسان، سواء من حيث هيكليتها وتركيبتها الجسدية أو من ناحية عظامها.
انتهى مهرجان «البحر الأزرق» (Blue bahr festival)، وتمنى اللبنانيون لو أن هذه النقاوة التي شاهدوها في بحور العالم ومحيطاتها تنتقل إلى مياه بحرهم، بدلا من النفايات والحيوانات النافقة التي صارت مياههم ملاذا لها.