احتجاجات الجزائريين في أسبوعها العاشر تركّز على انتقاد قائد الجيش

متظاهرون يعتزمون مقاضاة الحكومة بسبب «الحصار الأمني» المفروض على العاصمة

جانب من الاحتجاجات التي شهدتها شوارع العاصمة الجزائرية أمس (أ.ف.ب)
جانب من الاحتجاجات التي شهدتها شوارع العاصمة الجزائرية أمس (أ.ف.ب)
TT

احتجاجات الجزائريين في أسبوعها العاشر تركّز على انتقاد قائد الجيش

جانب من الاحتجاجات التي شهدتها شوارع العاصمة الجزائرية أمس (أ.ف.ب)
جانب من الاحتجاجات التي شهدتها شوارع العاصمة الجزائرية أمس (أ.ف.ب)

خرج الجزائريون أمس بأعداد كبيرة في «جمعة الحراك العاشرة»، تعبيرا عن إصرارهم وتشبثهم برفض استمرار رئيس الدولة في الحكم، وفي غضون ذلك، أعلن محامون وناشطون عن رفع دعوى قضائية ضد والي العاصمة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الوطني أمام المحكمة الإدارية «لانتهاكهم حرية تنقل الأشخاص»، بسبب منع الآلاف من دخول العاصمة للمشاركة في المظاهرات.
وكانت مظاهرات أمس في معظمها معادية لرئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، بسبب موقفه المعارض وغير المفهوم عند كثيرين، لمطالب الحراك، والمتمثلة في تنحي الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح، ورئيس الوزراء نور الدين بدوي. ورفع المحتجون في شوارع العاصمة لافتات كتب عليها «يا قايد لم توف بوعدك بخصوص تطبيق المادتين 7 و8 من الدستور»، اللتين تنصان على أن الشعب «هو صاحب السيادة»، وهو «مصدر السلطة التأسيسية».
وقال محمد بوزياني، وهو مزارع بمنطقة خميس الخشنة بضواحي العاصمة، الذي كان يضع على كتفيه العلم الوطني: «الشعب يريد رحيل بن صالح عن السلطة لأنه اشتغل مع الرئيس السابق بوتفيلقة، وهو من مخلفات نظام نشر الفساد. قايد صالح تعهد بتحقيق كل مطالب الحراك، فماذا ينتظر لإقالة بن صالح وبدوي، كما فعل مع بوتفليقة الذي طرده من الحكم؟».
بدورها، حاولت طالبة في كلية الطب أن تتفاعل مع محمد في الموضوع، فقالت بانفعال: «هذا الرجل (قائد الجيش) يراوغ ويريد أن يربح الوقت، وهو بذلك يراهن على ضعف الحراك، خاصة أن شهر رمضان على الأبواب. لكننا نقول له، إذا كنت لا تريد أن تتنحى بقايا العصابة، فذلك يعني أنك ضد الشعب، وما دام الأمر كذلك، فيجب أن ترحل أنت أيضا». فيما دوى في ساحات الحراك بالعاصمة شعار «يا قايد صالح... لسنا مغفلين... قلنا يرحلوا جميعا، يعني يرحلوا جميعا».
ويرى كريم بوزينة، وهو محام رافع لصالح متظاهرين معتقلين، أن الجيش «ليس على موقف واحد من مسألة تنحي رموز النظام. فالملاحظ أنه كلما تهجم قايد على الحراك، وأبدى رفضا لاستمرار المظاهرات، جاء بعده بيان لوزارة الدفاع ليقلل من حدة كلامه، ويتضمن ما يفهم بأن الجيش ينخرط في مطالب الشعب. وإني متأكد بأن قائد الجيش سيخضع لإرادتنا في النهاية».
وبمناسبة الأسبوع العاشر من الحراك، أثيرت أمس ظاهرة أزعجت الآلاف الذين لم يتمكنوا من دخول العاصمة بسبب غلق مداخلها من طرف «قوات الصاعقة»، وهي فصيل أمني قوي ينتمي لجهاز الدرك، ويتبع مباشرة للجيش. وذكر القاضي سابقا عبد الله هبول، الذي يشارك في المسيرات منذ بدايتها أن منع المواطنين من الدخول للعاصمة دون مبرر: «يعد انتهاكا لحريتهم في التنقل المكفولة بالمادة 55 من الدستور، ما يسمح باللجوء للقضاء الإداري». وقال إنه سيرفع دعوى قضائية ضد والي العاصمة، ووزير الداخلية ووزارة الدفاع، مشيرا إلى أن لائحة الدعوى مفتوحة لأي شخص يريد الانخراط في المسعى. ولم يتأخر الرد طويلا، إذ سرعان ما أبدى متظاهرون إرادة للانخراط في المسعى.
ونشر ناشطون بالمنصات الاجتماعية الرقمية صور معاناة المتظاهرين في حواجز أمنية بالمدخل الشرقي للعاصمة، حيث أغمي على متقدمين في السن ومرضى. وعبر غالبيتهم عن تذمرهم من هذا الوضع غير المفهوم بالنسبة إليهم.
وصرح عبد الله جاب الله، رئيس الحزب الإسلامي «جبهة العدالة والتنمية» أن المطلوب من الشباب، ومن بقية مكونات الهبة الشعبية «المحافظة على وحدة المطالب ووحدة الشعارات، ورفض كل الشعارات الفئوية أو الحزبية. فلا يقبل مثلا رفع علم آخر غير العلم الجزائري، ولا رفع مطالب أخرى غير المطالب الكبرى، التي خرج الشعب إلى الشوارع والساحات، ليطرحها ويدعو إلى تحقيقها. كما يجب الحذر من الصيحات التي قد ترتفع للدعوة لتوقيف الهبة الشعبية، والانخراط في الانتخابات الرئاسية (المقررة في الرابع من يوليو (تموز) المقبل والمرفوضة شعبيا)، وتأجيل الإصلاحات إلى مرحلة ما بعد الرئاسيات. وقد يتبنى المترشحون، أو بعضهم، مطالب الشعب ويعدون بتحقيقها بعد الانتخابات الرئاسية... كل ذلك حيل تساعد أولياء بوتفليقة على الاستمرار في السلطة بوجوه جديدة، وبذلك تضيع مطالب الشعب، ويجدد نظام بوتفليقة نفسه، ويجد الشعب نفسه أنه قد خدع وأن مأساته مستمرة».
أما أنور مالك، اللاجئ الجزائري بفرنسا، فله رأي آخر في العلاقة بين الجيش والحراك، حيث يقول: «المناضل الصادق هو من يريد النجاح للحراك الجزائري التاريخي، بالتدرج عبر تعاون الشعب مع الجيش، أما الناشط غير الصادق فهمه تحريض هذا ضد ذاك كي تسيل دماء الجزائريين، وحينها يجتر من الخارج عبر فضائيات العالم مزاعم التسعينات (فترة الحرب الأهلية)، التي جوهرها أن العسكر هم القتلة، وطبعاً يحيي مجددا نظرية «من يقتل من؟» التي صنعتها لوبيات معادية للدولة الجزائرية في فرنسا وغيرها... فحذار أيها الجزائريون من أبواق ناعقة تحرضكم من قصورها العاجية ضد جيشكم، والعكس أيضا، كي تحقق أهدافها التي فشلت في التسعينات، وستفشل مجددا بإذن الله، لأنه لا يمكن أبدا لجزائري مخلص تحرّك من أجل مستقبل وطنه أن يتبع خطوات مفسدين، يعيشون في أمان هم وأولادهم، ويعبثون بأمن الجزائر الذي إن وقع لا قدّر الله، فلن يضرهم في شيء، بل الثمن سيسدده عموم الجزائريين».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.