بريطانيا تعيد الحدود الشرقية إلى قبضة الجيش اللبناني

عبر مشروع أبراج المراقبة والمراكز المتقدمة... وتجهيز وتدريب أفواج الحدود البرية

بريطانيا تعيد الحدود الشرقية إلى قبضة الجيش اللبناني
TT

بريطانيا تعيد الحدود الشرقية إلى قبضة الجيش اللبناني

بريطانيا تعيد الحدود الشرقية إلى قبضة الجيش اللبناني

مع تسليط الضوء أخيراً على حدود لبنان الجنوبية والشرقية، أحكم الجيش اللبناني قبضته على عشرات الكيلومترات من الحدود اللبنانية الشرقية مع سوريا، وسط استمرار الجدل الداخلي حول إعادة اللاجئين السوريين إلى الأراضي السورية، ولو قبل التسوية السياسية، وأيضاً بعد سنوات من التفلّت الحدودي نشطت خلالها عمليات التهريب بكل أنواعها من سوريا، وتسرب منها مقاتلون متطرفون وصلوا إلى بلدة عرسال الحدودية في عام 2014، وأقاموا في جرودها وجرود القاع ورأس بعلبك في مراحل أخرى. ولقد تمكّن الجيش من تنفيذ مهمته، بعد تمكينه بدعم بريطاني ساهم في تدريب آلاف العناصر والضباط. وتم بناء 39 برجاً للمراقبة وعشرات المراكز العسكرية المتقدمة، كما أخضع كامل الشريط الحدودي الممتد من نقطة المصنع جنوباً، وحتى جرود القاع في أقصى شمال شرقي لبنان، للمراقبة الدائمة، بينما يعمل الجيش على وصل مراكزه بشبكة طرقات تسهّل التعمق في الجرود والتحرك فيها.
وفي حين بات القسم الأكبر من الحدود الشرقية بقبضة الجيش، وتحديداً في المنطقة الواقعة شمال نقطة المصنع الحدودية مع سوريا، وتمتد على أكثر من 100 كيلومتر، بقيت المنطقة الواقعة في جنوب نقطة المصنع بمنطقة البقاع الغربي، متفلتةً، بحسب ما تقول مصادر ميدانية، علماً بأن هذه المنطقة لم تُثبَّت فيها أبراج المراقبة البريطانية بعد. وتُوصَف المنطقة بأنها «خط التهريب الفاعل في هذا الوقت»، حيث يُستخدم لتهريب الأشخاص والتبغ من سوريا، وهو ما تتقصاه القوى الأمنية والعسكرية اللبنانية وتلاحق المهربين وتوقفهم، وتعمل لإغلاق الحدود بشكل نهائي فيها.

مع تدحرج الكرة السورية نحو الحرب، وتوسّعها، بدأت التحذيرات الغربية من تمدد الحرب إلى الداخل اللبناني، وبدأ العمل جدياً على تمكين الجيش اللبناني من ضبط الحدود. وشهدت تلك الفترة ظهوراً لتنظيمات متطرفة، استطاعت في عام 2013 التقدُّم إلى بلدة رأس بعلبك، واختطاف مواطنين مدنيين فيها.
يومها، بدأ تنفيذ خطة عملية لضبط الحدود، تقوم على عمل مواءمة بين الإجراءات العسكرية والحرب الاستباقية التي يمكن أن تكشف عمليات التسلل قبل وصول المتطرفين إلى المناطق الحضرية، وتجسّدت في بناء 12 برجاً للمراقبة جهزتها الحكومة البريطانية، واستخدمها الجيش اللبناني للدفاع عن الحدود الشرقية، وبدأ تثبيتها في عام 2013. ويقول مواكبون لتلك الحقبة إن السفير البريطاني الأسبق في بيروت توم فليتشر كان راعي مشروع لحماية المناطق الحدودية من هجمات محتملة إلى الداخل اللبناني.
ولقد أعلن عن المشروع بعد تنفيذه، وساهمت الأبراج التي تمتد من شمال الحدود الشرقية بمحاذاة منطقة البقاع الشمالي وصولاً إلى بلدة عرسال، في وقف تقدم تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة» اللذين وصلا إلى بلدة عرسال في أغسطس (آب) 2014. وتوسع العمل بالأبراج لضبط كامل الحدود، بموازاة تدريبات وتجهيزات بريطانية قُدمت للجيش اللبناني، ومن ضمنها إنشاء أفواج الحدود البرية التي انتشرت وتكفلت بحماية المنطقة.
بعد الإعلان عن المشروع، تبيّن أن هناك التزاماً بريطانياً بضبط الحدود الشرقية، وتمكين الجيش اللبناني من بسط سيطرته على كامل المنطقة. وجرى التعبير عن هذا الالتزام، من خلال زيارات لمسؤولين بريطانيين تعاقبوا إلى لبنان لمتابعة مشروع تشييد الأبراج وضبط الحدود. وحضر وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية هيو روبرتسون إلى لبنان حيث اطلع على سير عمل بناء 12 برج مراقبة للحدود.
يُذكر أنه سبق تشييد الأبراج، دعم بريطاني للجيش عبر تقديم تجهيزات ومعدات عسكرية جرى تسليمها إلى ألوية الحدود البرية، من ضمنها آليات ودروع للأفراد وأجهزة لا سلكية وسواتر دفاعية وكاميرات مراقبة بعيدة المدى، وذلك بهدف منع ورصد وضرب كل العمليات غير الشرعية عبر الحدود.

10 سنوات من الدعم

منذ عام 2012، تقدّم بريطانيا برنامجاً «لتدريب وتجهيز وتوجيه» أفواج الحدود البرية الأربعة للجيش اللبناني ولتقديم التدريب على العمليات في المناطق المأهولة في قاعدتي حامات ورياق الجوية، كما تقول مصادر دبلوماسية بريطانية في بيروت لـ«الشرق الأوسط». وتلفت هذه المصادر إلى أن هذه الأفواج «تقوم بمراقبة أنشطة العناصر المسلحة غير الشرعية في المناطق الحدودية، وتحديدها وردعها ومنعها، مما يضع الحدود اللبنانية تحت سلطة الدولة». وتضيف موضحة: «يهدف المشروع إلى السماح للجيش اللبناني بالسيطرة الكاملة على حدوده مع سوريا، وهذا يعني أن الحدود ستكون تحت إشراف متزايد، مما يسمح للجيش اللبناني باكتشاف وردع وطرد النشاط غير المشروع عبر الحدود».
وبالفعل، أثبتت هذه المساعدات نجاحاً في تمكين قدرات الجيش، إذ قالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن دعم بريطانيا للقوات المسلحة اللبنانية جعل الحدود اللبنانية تحت سلطة الدولة لأول مرة، لافتة إلى أن نجاح المعركة ضد «داعش» في «فجر الجرود» والدور الإيجابي الذي تلعبه الأبراج على الحدود السورية اللبنانية «ساهم في نجاح سيطرة الدولة على حدودها مع سوريا». وأشارت إلى أن بريطانيا دعمت أفواج الحدود البرية بالمعدات والتدريب والمراقبة. ومعلوم أن هذه المنطقة كانت تعاني من فراغ أمني بسبب التهديدات المسلحة على السلسلة الشرقية للبنان، قبل أن ينفذ الجيش اللبناني عملية عسكرية في أغسطس 2017 طرد إثرها مسلحي «داعش» من المنطقة نهائياً، وأطلق يومذاك على العملية اسم «فجر الجرود». وبعد طرد مسلحي التنظيم منها، انتشر الجيش اللبناني وعزز حضوره فيها. ومن المتوقع استكمال مشروع الأبراج لإغلاق كامل الحدود الشمالية مع سوريا.

أفواج الحدود البرية

إلى جانب أبراج المراقبة، أطلقت بريطانيا برنامجاً بعنوان «تدريب وتجهيز» لإنشاء وتعزيز أفواج الحدود البريّة. وبدأت أفواج الحدود البرية في الجيش اللبناني العمل عام 2013، مولجة مهام رصد أي هجمات محتملة على الحدود اللبنانية وردعها وإحباطها. وحقاً، أوقفت تلك الأفواج، إلى حد كبير، القصف من سوريا أو التلال الحدودية مع لبنان، كما تصدت لهجمات تنظيم «داعش». ومن ثم، نجحت أيضاً في عام 2014، بالتعاون مع ألوية التدخل، في صد هجوم كبير في عرسال مُحبطة بذلك كل مزاعم داعش بأنه «لا أحد يوقفها». وكانت بريطانيا تصف هذه الأفواج بأنّها عيون الدولة اللبنانية وآذانها والمدافع الأول عن 75 في المائة من الحدود اللبنانية السورية. ولذا، مولت بريطانيا تأسيس هذه الأفواج بأكثر من 50 مليون دولار أميركي.
وفي مطلع عام 2015، كان فوج الحدود البرية الثالث قد أُنشئ وباشرت بريطانيا بتجهيزه، وما هي إلا أشهر قليلة، حتى أعلن عن تشكيل فوج الحدود البرية الرابع، عندما أعلن السفير البريطاني هيوغو شورتر رسميّاً عن دعم بريطاني جديد بقيمة عشرة ملايين دولار لإنشاء وتجهيز فوج الحدود البرية الرابع في إطار آخر مرحلة من برنامج الشراكة مع الجيش اللبناني، بعنوان «تدريب وتجهيز». وبالفعل، جرى تجهيز فوج الحدود البرية الرابع بأحدث أجهزة الاتصالات والكاميرات ومنصّات المراقبة المتحركة وأبراج مراقبة الحدود وآليات من نوع «رانج روفر»، للمساعدة على حماية الحدود.
المصادر الدبلوماسية في بيروت أوضحت أن بريطانيا ساهمت في تدريب نحو 11000 جندي على العمليات العسكرية في المناطق المأهولة ونحو 7000 في العمليات الحدودية، ثم إنها أنفقت أكثر من 60 مليون جنيه إسترليني على «تدريب وتجهيز» فوج الحدود البرية التابع للجيش اللبناني، ويشمل ذلك بناء 39 برج مراقبة على الحدود، و37 قاعدة عمليات متقدمة على طول الحدود.
وتشدد المصادر على أنه «منذ عام 2019، سيكون للبنان سلطة كاملة على حدوده مع سوريا... بالإضافة إلى مرافق التدريب الداخلي، يوجد مرفق تدريب متخصص على الحدود البرية في قاعدة رياق الجوية»، لافتة إلى أن الفرق العسكرية البريطانية تزور لبنان بشكل روتيني لدعم القوات المسلحة اللبنانية».

ارتياح شعبي

التجهيزات البريطانية أساهمت في إحكام الجيش اللبناني السيطرة على خط حدودي يتجاوز المائة كيلومتر يمتد من نقطة المصنع جنوباً، ويصل إلى أقصى شمال شرقي لبنان، كما أن هناك أبراجاً مراقبة أخرى في شمال لبنان، بينها برج للمراقبة أنشئ في عام 2015 بمنطقة شدرا. وتقول مصادر ميدانية إن الضبط يمتد من البقاع الشمالي عبر جرود القاع ورأس بعلبك وعرسال، ويصل إلى جرد نحلة وجرد معربون وصولاً إلى المصنع.
في هذا الأثناء، تثني المصادر الدبلوماسية البريطانية على قدرات الجيش اللبناني في المهام الموكلة إليه لضبط الحدود. وتقول: «قامت القوات المسلحة اللبنانية بتحسين قدراتها التي تم تطويرها وتحديثها على مدى السنوات العشر الماضية لتصبح جيشاً محترفاً أظهر أنه قادر على حماية لبنان من الإرهاب، سواء على الحدود أو داخل لبنان». وتنقل جهات عليمة عن المقيمين في البيئات الحدودية وجود مزيد من الأمن وراحة البال بسبب نشر الجيش، وإحكام السيطرة على المنطقة الحدودية بأكملها. ومن ذلك أنه بات بمقدور المزارعين العودة إلى أراضيهم وزراعة محاصيلهم التي تعد حيوية لتلك القرى والبلدات القريبة من الحدود اللبنانية - السورية.
المصادر الدبلوماسية نفسها تشدد على أن لندن تدعم القوات المسلحة اللبنانية بصفتها المدافع الشرعي الوحيد عن لبنان «الذي نجح وبشكل منفرد في صد غزو (داعش) في عام 2014 ومرة أخرى في عام 2017، والذي يُعد حجر الزاوية للسيادة اللبنانية». وهي تؤكد أن «التزام لندن المستمر تجاه لبنان كشريك موثوق به للقوات المسلحة اللبنانية سوف يستمر على المدى الطويل، ويوفر قدرات مستدامة، بما في ذلك على الحدود».
يُذكر أن السفير البريطاني لدى لبنان كريس رامبلينغ تعهّد في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بمواصلة دعم الجيش اللبناني الذي يشرف على الحدود مع سوريا، والجرود بين عرسال والحدود، كما أكد أن دعم المشاريع الإنمائية سيستمر ويتطور، وذلك إبان زيارته بلدة عرسال في البقاع الشمالي والمناطق المجاورة، للمرة الأولى، للتعرف إلى سبل استفادة المجتمعات التي تعيش بالقرب من الحدود من الشراكة الأمنية والتنموية البريطانية اللبنانية.
وفي يونيو (حزيران) الماضي، وضع وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط آليستر بيرت، حجر الأساس لمركز التدريب الحدودي الجديد للجيش اللبناني في بلدة رياق بمحافظة البقاع، الذي كان قد أعلن عن تمويله في «مؤتمر روما الثاني» في أبريل (نيسان) 2018، كما جال في الموقع واطلع على مرافق التدريب التي يجري إنشاؤها.

الدعم مستمر

أيضاً، قام رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش البريطاني، الجنرال السير نيكولاس كارتر، أخيراً، بزيارة إلى لبنان التقى خلالها عدداً من المسؤولين. وشكره الرئيس اللبناني ميشال عون على الدعم الذي تقدِّمه بلاده للجيش، مشيراً بالخصوص إلى أن الأبراج ساهمت في تمكين الجيش من مراقبة الحدود، وضبط عمليات التسلل، كما لعبت دوراً خلال معركة «فجر الجرود» التي انتهت بـ«القضاء على الإرهابيين الذين احتلوا بعضاً من أراضينا». وكان الجنرال كارتر قد أطلع عون على أهداف زيارته إلى لبنان، مؤكداً استمرار الدعم الذي تقدمه بلاده للجيش. كما زار الوفد البريطاني رئيس الحكومة سعد الحريري، وجرى بحث في المساعدات العسكرية البريطانية للبنان وسبل التعاون العسكري بين البلدين.

التمكين البريطاني يصل إلى جهود نزع الألغام

> تساهم بريطانيا في «المركز اللبناني للأعمال المتعلقة بالألغام» LMAC)) المجدد والمجهز في الخريف الماضي، بالتعاون مع الجيش اللبناني و«برنامج الأمم المتحدة الإنمائي» و«المجموعة الاستشارية في شأن الألغام» Mine Advisory Group، بتمويل يزيد على مليوني جنيه إسترليني لدعم جهود إزالة كيلومترات عدة من الذخائر العنقودية في الجنوب وجبل لبنان وسهل البقاع. ويعد «المشروع المموّل من بريطانيا بقيمة 194000 جنيه إسترليني، من خلال (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي) و(المجموعة الاستشارية في شأن الألغام)، جزءاً من برنامج مساعدة لبنان على تنسيق الاستجابة في شكل أفضل للأراضي الملوثة، والتوعية من مخاطر الألغام لسكان المنطقة».

الجيش يوسع عملياته باتجاه ملاحقة البضائع

> وسع الجيش اللبناني مهامه أخيراً باتجاه ملاحقة مهربي البضائع من سوريا إلى لبنان، حيث أوقفت وحدات الجيش في الفترة الأخيرة عشرات الشاحنات والمستوعبات المحمّلة بالخضراوات والفاكهة والآليات والإلكترونيات التي كانت تحاول العبور إلى لبنان في منافذ البقاع الشمالي وفي شمال لبنان. ووفق مصادر عسكرية لبنانية لـ«الشرق الأوسط»، فإن الإجراءات «متواصلة ودائماً ما يتخذها الجيش، وهي ليست إجراءات استثنائية». كذلك تؤكد أن الجيش يعتبر أن ضبط الحدود من مسؤوليته لجهة ضبط إحباط تهريب الأشخاص والبضائع، ولقد أسهمت الأبراج في تشديد المراقبة، بيد أنها لفتت إلى أنه بالنظر إلى أن الحدود طويلة لا يمكن تغطيتها بالكامل، فإنه يصار إلى تكثيف الدوريات ونصب الكمائن لإحباط عمليات التهريب بمختلف أنواعها.
وتتزامن الإجراءات مع تشديد أمني، خوفاً من تسرّب مقاتلين متشددين من سوريا إلى لبنان. وتشير المصادر إلى أن الجيش يشدد إجراءاته على المعابر، وتنفذ مديرية المخابرات جهوداً أمنية في الداخل لمنع وجود أي خلية نائمة والحفاظ على الاستقرار وتعزيز الأمن.

خطوط تهريب مفتوحة جنوب نقطة المصنع الحدودية

> تحولت المنطقة الجغرافية الواقعة جنوب نقطة المصنع اللبنانية الحدودية مع سوريا، إلى معابر التهريب المعتمدة، انطلاقاً من ريف دمشق الغربي باتجاه مناطق البقاع الغربي، وهي المنطقة التي لم تصل إليها أبراج المراقبة البريطانية بعد.
وتقول مصادر ميدانية إن المنطقة تشهد فلتاناً أمنياً، رغم جهود الجيش اللبناني لإقفالها وملاحقة المهربين وإغلاق معابر التهريب غير الشرعي. تشير هذه المصادر إلى أن «الطبيعة الجغرافية سمحت بأن تكون هذه المنطقة مركزاً للتهريب»، لا سيما أنها منطقة جبلية يجري فيها تهريب الأشخاص من سوريا إلى لبنان، بالإضافة إلى البضائع والسجائر المهربة من السوق الحرة في سوريا.
وفي الأسبوع الأول من شهر أبريل الحالي، أعلنت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي - شعبة العلاقات العامة عن توقيف 22 شخصاً في إطار مكافحة عمليات تهريب الأشخاص من سوريا إلى لبنان، في محافظة البقاع، بينهم 16 شخصاً جرى تهريبهم، وناشطون لبنانيون وسوريون، في إطار تهريب الأشخاص. وكانت هذه العملية واحدة من عشرات العمليات التي نفذتها «قوى الأمن الداخلي» و«الأمن العام» و«الجيش اللبناني».
وما تجدر الإشارة إليه أن ملف تهريب الأشخاص والبضائع كان بنداً أساسياً على اجتماع «المجلس الأعلى للدفاع» الذي انعقد أخيراً في بيروت، ولقد طلب «المجلس» الذي التأم برئاسة رئيس الجمهورية، من الوزارات المختصة اتخاذ تدابير وإجراءات لضبط مسألة تهريب الأشخاص والبضائع عبر الحدود البرية، واليد العاملة غير المرخّص لها، وهذا إلى جانب عرض الأوضاع الأمنية في البلاد.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».