أوكرانيا تدخل المرحلة الجديدة بعين على الغرب وأخرى على بوتين

بعد انتخاب زيلينسكي رئيساً

TT

أوكرانيا تدخل المرحلة الجديدة بعين على الغرب وأخرى على بوتين

دفعت صعوبة المهام المطروحة أمام الرئيس الأوكراني المنتَخَب فلاديمير (فولوديمير) زيلينسكي إلى مسارعته فور إعلان النتائج الأولية للإعلان عن تحضير خطة للتسوية في شرق أوكرانيا، متصدّياً بذلك لواحدٍ من أبرز التعقيدات التي تواجهه، والتي سعى إلى التهرب من الإجابة عن أسئلة بشأنها خلال الحملة الانتخابية؛ إذ كان السؤال المركزي في الحملة الانتخابية للرئيس المنتهية ولايته بيترو بوروشينكو لمنافسه: كيف ستواجه طموحات فلاديمير بوتين العدوانية في بلادنا؟
ظل السؤال من دون جواب مقنع، عند الرجل الذي حافظ على تأكيداته السابقة بأنه يقر بعدم معرفته الواسعة بالسياسة لكنه سيكون حريصاً على صون مصالح أوكرانيا. وقد يكون هذا السؤال مركزياً في المرحلة المقبلة، إذ سرعان ما واجه زيلينسكي، وهو الذي لم يقسِم بعد اليمين الدستورية رئيساً للجمهورية التي كانت ثاني أكبر جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق من حيث عدد السكان (بعد روسيا) تحدياً كبيراً من «الجار الأكبر» المتهم بالعدوان على أوكرانيا. إذ جاء توقيع بوتين مرسوماً يقضي بمنح تسهيلات لمواطني الشرق الأوكراني - الناطق بغالبيته بالروسية - للحصول على الجنسية الروسية، بمثابة صفعة مبكرة للرئيس الفائز.
وحتى تتضح الخطوات الأولى لزيلينسكي بدا الموقف الروسي مراقباً، برقة وحذر، كل ما يصدر في «الجار الأصغر» إلى الجنوب الغربي من تعليقات وتصريحات.
لا يبدو زيلينسكي قادراً على «الانقلاب» على سياسة بيترو بوروشينكو الذي اعتُبِر الخصم اللدود لروسيا، وقاد خطوات واسعة لتقليل الاعتماد على الموارد الروسية من النفط والغاز، كما تحدى موسكو بتعزيز علاقاته مع الغرب، وأطلق سلسلة قوانين تقوض كل أشكال التعاون مع موسكو. ولكن في الوقت ذاته يسعى الرئيس المنتخب إلى إطلاق آلية جديدة لإدارة الصراع مع روسيا، فيها جانب من الهدوء وتحاشي الاندفاع نحو توسيع المواجهة.

مطلبا زيلينسكي من موسكو

لذا تضمنت مطالب زيلينسكي الأولى من موسكو ليس الانسحاب من الشرق الأوكراني أو التراجع عن قرار ضم شبه جزيرة القرم، بل أولاً إطلاق سراح السجناء الأوكرانيين الذين تتهمهم موسكو بارتكاب أعمال تخريبية ضدها في القرم وفي الشرق، وثانياً العودة إلى الحوار لتثبيت قرار وقف النار في الشرق، والالتزام بـ«اتفاقات مينسك» للتهدئة. هذا المدخل، مع الاستباق الروسي عبر قانون الجنسية لمناطق الشرق الأوكراني، يبدو محاطاً بالغموض، وآفاق تطبيقه مستبعدة. وزيلينسكي الذي سعى إلى اللعب على وتر تخفيف معاناة الأوكرانيين الذين أرهقتهم الحرب، اضطر خلال الحملة الانتخابية للحديث أكثر من مرة عن «الأراضي الأوكرانية المحتلّة» في إشارة إلى شبه جزيرة القرم. وأشار إلى «تضحيات الأوكرانيين للدفاع عن أراضيهم في مناطق الشرق»، وهي إشارات رأت فيها موسكو التزاما مسبقاً من جانبه بالتزام النهج السياسي لسلفه في معالجة الأزمة بين موسكو وكييف. لذا كان التعليق الأول للكرملين هو «نحن ننتظر التصرّفات على الأرض، وليس الأقوال، لنحدد آلية تعاملنا مع الرئيس الجديد».
ومع التحديات الداخلية الكبرى، لجهة أن أيّ خطوة يقوم بها زيلينسكي للاقتراب من موسكو ستوظَّف ضده في المعركة الداخلية، فإن الرئيس المنتخب يدرك أن الغرب أيضاً لن يتركه مطلق اليدين. وهو وعد خلال حملته الانتخابية بمواصلة العمل لتحقيق الحلم الأوكراني بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو)، مع أنه فعل ذلك بلهجة مخفّفة بالمقارنة مع وعود سلفه بوروشينكو، فهو أكد عزمه تنظيم استفتاء على الأمر قبل الإقدام على أي خطوة.

المواجهة محتومة

ومهما كانت الخطوات الأولى للرئيس الجديد على المسرح السياسي، فإن المواجهة مع روسيا تبدو أمراً محتوماً، لا سيما أنه وفقاً لبعض التحليلات سيكون متحرِّراً من العلاقات القديمة مع الكرملين... فهو ابن جيل جديد من الساسة الشباب الذين لا تربطهم بالماضي السوفياتي وتبعاته أي علاقات.
أيضاً، سيكون زيلينسكي خصماً من طراز جديد لموسكو في أوكرانيا، فهو محارب من القوميين المتشددين ما يسحب من يد الكرملين ورقة أن السلطة في أوكرانيا «فاشية»، وهي الورقة التي حارب بها بوتين بوروشينكو طويلاً. ثم إنه من الناطقين بالروسية في أوكرانيا ما يعني أنه سيبتعد قليلاً عن سياسات بوروشينكو في محاربة اللغة والثقافة الروسية، وهذا أمر يسقط من يد الكرملين سلاحاً آخر ضده. عموماً، بالنسبة إلى روسيا، كما بالنسبة إلى الغرب، ما زال فلاديمير زيلينسكي شخصية غامضة، إذ لا يمكن التكهُّن بتوجهاته، إلا من خلال توقعات قد تصيب حيناً وتخطئ أحياناً. لكن، ثمة نقطة تبدو حساسة جداً بالنسبة إلى الكرملين، وقد تلعب دوراً في تحديد الموقف من الرئيس الجديد، إذا ما اتضح أنه يطرحها كرؤية سياسية يسعى إلى تعزيزها. إذ قال زيلينسكي بعد فوزه مباشرة: «ما دمتُ لستُ رئيساً رسمياً بعد، يمكنني أن أقول كمواطن أوكراني لجميع بلدان الاتحاد السوفياتي: انظروا إلينا - كل شيء ممكن».
هنا الإشارة الواضحة إلى القدرة على قلب المعادلات القائمة، من خلال صناديق الاقتراع والدعم الشعبي الواسع لمزاج التغيير. وهذا كابوس سيئ جداً بالنسبة إلى الكرملين.



حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
TT

حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)

طوال فترة الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة، حرص الرئيس المنتخب دونالد ترمب على تأكيد قدرته على كسر كل الحواجز، وإعادة تشغيل العلاقات مع موسكو عبر تفاهمات سريعة وفعالة لوقف القتال في أوكرانيا، ووضع خريطة طريق لمعالجة الملفات الخلافية المتراكمة مع الكرملين. وقبل أيام قليلة من تسلم صلاحياته رسمياً، برزت اندفاعة جديدة من الرئيس الجمهوري نحو روسيا، عندما أعلن استعداده لتنظيم لقاء عاجل مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين يرسم ملامح العلاقة المستقبلية ويضع خطط إنهاء الحرب وتخفيف التوتر على مسار التنفيذ. لكن اللافت أن هذه التصريحات لم تُقابَل بشكل حماسي في روسيا. بل فضَّل الكرملين التزام لهجة هادئة تؤكد الانفتاح على الحوار، مع التذكير في الوقت ذاته، بعنصرين ضروريين لنجاح أي محاولة لكسر الجليد بين البلدين، أولهما اتضاح الملامح الأولى لرؤية الرئيس الأميركي الجديد لتسوية الملفات الخلافية المتراكمة، والآخر التذكير بشروط الكرملين لإنهاء الحرب في أوكرانيا. وبالتوازي مع ذلك، بدت تعليقات الأوساط المقربة من الكرملين متشائمة للغاية، حيال فرص إحراز تقدم جدّي على أي مسار... لا في الحرب الأوكرانية ولا العلاقات مع «ناتو»، ولا ملفّات الأمن الاستراتيجي في أوروبا.

لا ينظر أحد في روسيا بجدية إلى إمكانية تحقيق قفزات سريعة تؤدّي إلى تحسّن العلاقات مع الولايات المتحدة، وتضع إطاراً واقعياً للحوار حول الملفات الخلافية. وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب صرّح مرّات عدة بأن موقف روسيا يمكن فهمه، وأن سبب الصراع كان إلى حد كبير السياسة المناهضة لروسيا التي تنتهجها «الدولة العميقة» الأميركية، فإن الأوساط الروسية تنظر بريبة إلى قدرة ترمب، العائد بقوة إلى البيت الأبيض، في تجاوز الكثير من «المطبّات» التي تعترض طريق إعادة تشغيل العلاقات بين موسكو وواشنطن.

رسائل روسية واضحة

في هذا الصدد، كان لافتاً أن موسكو تعمّدت توجيه رسائل واضحة إلى الإدارة الأميركية الجديدة، عبر إطلالتين إعلاميتين لشخصيتين تعدّان من أبرز المقربين لبوتين، هما وزير الخارجية سيرغي لافروف والمستشار الرئاسي وعضو مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف. وفي الحالتين كان التوقيت وشكل التعامل مع «اندفاعة ترمب» يحظيان بأهمية خاصة.

جوهر كلام المسؤولين ركّز على قناعة بأن العالم قد يكون أمام «فرصة حقيقية للسلام» في عهد ترمب، بيد أن الانفتاح الروسي على الحوار مرتبط باستناد هذا الحوار إلى أسس «مبادرات ملموسة وخطوات ذات معنى بشأن الاتصالات على أعلى مستوى»، والأهم من ذلك، أن تتوافر لدى ادارة ترمب «اقتراحات محددة» بشأن أوكرانيا، وفق تعبير لافروف.

والاقتراحات المحددة المطلوبة روسياً، ينبغي أن تنعكس - كما قال الوزير – بـ«جدية في الاستعداد لحل المشاكل المتراكمة عبر الحوار لا عبر الضغوط والتهديدات» التي لم ينجح سلف ترمب في معالجتها.

وفي إشارة ذات مغزى، قال لافروف إنه «من المفيد أن نرى ما هي الأساليب التي سيستخدمها ترمب لجعل أميركا أعظم». وهذه عبارة أكملها باتروشيف بقوله: «هل سيكون ترمب قادراً على ترجمة نواياه بالكامل؟ وكما أظهرت ولايته الأولى، فإن (الدولة العميقة) السيئة السمعة في الولايات المتحدة... قوية للغاية».

أوكرانيا «رأس الأولويات»

الموقف الذي أعرب عنه المسؤولان الروسيان ينطلق من «الاستعداد للمناقشة والاتفاق على أي شيء باستثناء شيء واحد - أوكرانيا. (...) لقد عبّرنا عن موقفنا مراراً وتكراراً، وهو موقف لا يمكن تغييره». وفي هذا الإطار، لوّح لافروف بأنه إذا توصّلت روسيا إلى استنتاج مفاده أن واشنطن ستواصل دعم «النظام النازي المعادي في كييف» فإنها (أي موسكو) ستضطر إلى اتخاذ قرارات صعبة. في حين قال باتروشيف إن أوكرانيا «قد تختفي عن الخريطة خلال هذا العام» إذا استمرت السياسات الغربية السابقة.

الرسالة الروسية الثانية لترمب كان فحواها أن أي تسوية أو ضمانات لأوكرانيا، يجب أن تكون مرتبطة باتفاقيات أوسع نطاقاً. وهنا قال لافروف إن «روسيا مستعدة لمناقشة الضمانات الأمنية لأوكرانيا، لكنها يجب أن تكون جزءاً من اتفاقيات أكبر». بينما أوضح باتروشيف أنه بالإضافة إلى التوصل إلى ترتيبات أمنية في القارة الأوروبية «يجب وقف التمييز ضد السكان الروس في عدد من البلدان، وبالطبع، في دول البلطيق ومولدوفا».

أما النقطة الثالثة التي تحدّد شروط الحوار، فتنطلق من ضرورة البدء بمنح روسيا ضمانات كاملة عبر ملفي: وقف مسار ضم أوكرانيا إلى حلف شمال الاطلسي (ناتو) وتأكيد حيادها لعشرات السنوات، وتقليص القدرات العسكرية لهذا البلد ومنع تسليحه مجدداً.

هكذا، ترى موسكو المدخل الصحيح للحوار، الذي يجب أن يتأسس - كما قال الرئيس الروسي سابقاً - على قاعدة الإقرار بالتغييرات الميدانية التي وقعت خلال سنتين، بما يضمن الاعتراف الغربي بضم شبه جزيرة القرم والمناطق الأربع التي ضمتها روسيا خلال عام 2022.

تشكل هذه القاعدة التي تنطلق منها موسكو سبباً وجيهاً للتوقعات المتشائمة حول فرص إحراز تقدم، تضاف إلى الشكوك المحيطة بقدرة ترمب الفعلية على تجاوز كل العقبات والضغوط الداخلية والانطلاق نحو تقديم تنازلات مهمّة للروس.

يرى خبراء روس أن ترمب لن ينجح في قلب الموازين الداخلية،

لصالح إطلاق تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الأميركية

التداعيات على أوكرانيا

كيف يتأثر الوضع في أوكرانيا؟

في هذا الإطار، وضع أحد أبرز خبراء السياسة في «المجلس الروسي للسياسة والأمن»، وهو مؤسسة مرموقة ومقربة من الكرملين، التصور التالي لشكل العلاقة مع ترمب في ملفات رئيسة:

بدايةً، في أوكرانيا ستفشل محاولة ترمب للتوصل إلى وقف إطلاق النار على طول خط التماس. وذلك لأن المخططات الأميركية لـ«وقف الحرب» تتجاهل تماماً المصالح الأمنية الروسية، كما تتجاهل الأسباب التي أدت أولاً إلى الأزمة ثم إلى الصراع العسكري واسع النطاق في أوكرانيا.

في المقابل، لن تقبل واشنطن الشروط الروسية لبدء المفاوضات ومعايير السلام التي أعلن عنها الرئيس فلاديمير بوتين في يونيو (حزيران) الماضي؛ لأنها تعني في الواقع استسلام كييف وهزيمة استراتيجية للغرب. وخلافاً لتوقعات التهدئة، فإن ترمب «المهان»، رداً على رفض خطته، سيعلن دعمه لأوكرانيا ويجمع حزمة أخرى من العقوبات على موسكو. لكنه في الوقت نفسه، سيمتنع عن التصعيد الجدي للصراع؛ كي لا يستفز روسيا ويدفعها إلى ضرب أراضي دول «ناتو»، بما في ذلك القواعد الأميركية الموجودة هناك. ومع هذا، ورغم غطاء الخطاب القاسي المعادي لروسيا، فإن المساعدات الأميركية لنظام كييف ستنخفض، وسيتعيّن على الأوروبيين تغطية العجز الناتج من ذلك. ومن حيث المبدأ، فإن الاتحاد الأوروبي مستعدٌ لذلك، وبالتالي لن يكون هناك خفض كبير في الدعم المادي لأوكرانيا من الغرب في العام الجديد على الأقل.

إلى جانب ذلك، قد تحاول واشنطن، وفقاً للخبير البارز، بدعم من بريطانيا وحلفاء آخرين، تعزيز الموقف السياسي الداخلي لنظام كييف من خلال المطالبة بإجراء انتخابات في أوكرانيا، وبالتالي استبدال فولوديمير زيلينسكي وفريقه المكروهين بشكل متزايد بمجموعة أخرى بقيادة رئيس الأركان السابق فاليري زالوجني. لكن التأثير السياسي المحلي لمثل هذا الاستبدال سيكون قصير الأجل.

العلاقة مع أوروبا

أيضاً، يرى خبراء روس أن ترمب لن ينجح في قلب الموازين الداخلية، لصالح إطلاق تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الأميركية. وهذا يعني أنه لن يحقق وعوده حيال علاقة الولايات المتحدة مع «ناتو»، وبدلاً من ذلك، سيرفع السعر الذي يتوجب على الأوروبيين دفعه للانضمام إلى التكتل.

ووفقاً لبعض الخبراء، سيكون لزاماً على الأوروبيين، الذين كانوا يخشون عودة ترمب، أن يقسموا يمين الولاء له. وبالتالي، «لن تكون هناك معارضة ضد ترمب بأي شكل من الأشكال؛ لأن دول الاتحاد الأوروبي تحتاج إلى أميركا زعيمةً: ليس فقط حاميةً عسكريةً، بل وأيضاً زعيمةً سياسيةً ــ لا تقل عن حاجتها إلى روسيا باعتبارها «تهديداً مباشراً على الأبواب».

بهذا المعنى، تتطابق آراء الخبراء في مسألة أن «العداء لروسيا سيظل العامل الحاسم في توحيد أوروبا في عام 2025».

ويضيف بعضهم القناعة بأنه خلافاً للفكرة الرائجة بأن الأوروبيين متردّدون في مواجهة روسيا، بشكل رئيس بسبب الضغوط الأميركية، فإن الحقيقة أن روسيا، باعتبارها عدواً، تشكل عاملاً قوياً في توحيد النخب الأوروبية ودولها. بمعنى أنه كان لا بد من «اختراع التهديد الروسي»، وتقديم الحرب في أوكرانيا باعتبارها المرحلة الأولى من «الاختطاف الروسي لأوروبا».

في السياق ذاته، ينظر إلى الانتخابات المقبلة في ألمانيا، بأنها ستحمل إلى السلطة ائتلافاً جديداً، سيعمل أيضاً على تشديد السياسة تجاه موسكو. ولكن في الوقت نفسه، من غير المرجح إرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا بناءً على دعوة من فرنسا، لأن أوروبا تنظر إلى خطر الصدام العسكري المباشر مع روسيا على أنه مفرط في المخاطرة.

وداخلياً، ينتظر أن تواصل أوروبا الاستعداد بنشاط للحرب مع روسيا - وفقاً لأنماط الحرب الباردة في النصف الثاني من القرن العشرين، لكن على حدود جديدة، تحولت بشكل كبير نحو الشرق. كذلك، سيزداد الإنفاق العسكري للدول، ويتوسع الإنتاج العسكري، وتتحسن البنية التحتية العسكرية، وبخاصة، على الجانب الشرقي لـ«ناتو». وبناءً عليه؛ سيصبح المناخ الاجتماعي والسياسي أكثر صعوبة أيضاً.

وهكذا، بشكل عام، يقول خبراء روس إن عام 2025 عموماً سيكون مليئاً بالصراعات، الممتدة من عهد ولاية الرئيس جو بايدن حول روسيا وفي أوروبا، كما سيكون محفوفاً بالمنعطفات غير المتوقعة والخطيرة.

ومع القناعة بأن الاضطراب الاستراتيجي يتزايد باطراد، فإن نتيجة المعركة من أجل النظام العالمي الجديد ليست مُحددة مسبقاً بأي حال من الأحوال. إذ إن نقطة التوازن الافتراضية في النظام العالمي لا تزال بعيدة كل البعد عن الأفق. وفي هذا الصدد، يرون أن روسيا ستواجه في عهد الإدارة الجديدة تحدّيات جديدة في العديد من المجالات... ولا بد أن تكون مستعدة لها.