المخرج الليبي أسامة رزق: واقع الحركة الفنية في بلادي حزين

رسم المخرج الليبي أسامة رزق، صورة للواقع الفني في بلاده، ووصفه بالحزين، منذ إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011، وما قبله، وقال إن عملية الإنتاج في ظل ظروف الحرب المعقدة والأجواء المتوترة منذ نحو ثماني سنوات: «عمل استثنائي».
وتحدث رزق إلى «الشرق الأوسط» عن أن «بعض الأعمال الفنية في ليبيا نجحت في نقل ما يجري في الشارع إلى الشاشة، من خلال تجارب كوميدية أو (بلاك كوميدية)»، «وإن كانت ليست بالشكل الذي يرضينا، نظراً لوجود صعوبات ومخاطر في التنفيذ».
ورزق الذي انتهى مؤخراً من إخراج مسلسل «زنقة الريح»، سبق تكريمه في مهرجانات أفريقية وعربية عدة. ويتناول العمل المقرر عرضه في شهر رمضان، وألفه الكاتب الليبي عبد الرحمن حقيقي، ومن إنتاج وليد اللافي، فترة الاستعمار الإيطالي والبريطاني لليبيا، مشيراً إلى أن المسلسل بالرغم من أنه يتناول فترة تاريخية مضت، فإنه مُحمل بالإسقاطات الكبيرة على الوضع الحاصل في البلاد حالياً.
ورأى أن «الليبيين سطروا بواسطة شخصيات وطنية كثيرة ملاحم بطولية، من أجل تحرير واستقلال البلاد، عندما كانت تحت وصاية دول أخرى. وهذا يماثل ما يحدث الآن، ما يستدعي حضور الشخصيات الوطنية العاقلة لتوحيد الوطن، والبحث عن حلول تجنبه إراقة الدماء».
وتطرق رزق إلى الرمزية التي يتضمنها «زنقة الريح»، وقال إن «جانباً كبيراً من الإسقاطات تناول كيف كان الوطن يحتوي الجميع، بعيداً عن دياناتهم، فليبيا كانت تضم المسلمين بجانب اليهود، فضلاً عن المسيحيين من الجنسيتين الإيطالية واليونانية، وهذا ما نفتقده الآن»، مستكملاً: «حدث شرخ كبير في بلادي، وبات النسيج الاجتماعي معرضاً للخطر، وهذا ما يعبر عنه (زنقة الريح)».
ورغم أن السنوات التي تلت إسقاط نظام القذافي شهدت إنتاج عدة أعمال فنية مميزة، فإن رزق رأى أن الواقع الفني في ليبيا «حزين»، وأرجع ذلك إلى توتر الأوضاع بسبب اندلاع اشتباكات دامية، وهو ما ينعكس على الممثل والمتلقي معاً.
واستكمل: «من ينتج أعمالاً فنية في هذه الفترة فهو يقوم بعمل جبار واستثنائي، في ظروف حرب صعبة جداً ومعقدة على جميع المستويات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية».
وحمّل رزق، الذي سبق وأخرج ست مسلسلات بداية من عام 2010، نظام القذافي جانباً من تردي أوضاع الحركة الفنية في البلاد، وقال: «لم تكن لديه ميول لدعم الفن بالشكل الحقيقي، بقدر ما كان يهتم بالشعر الشعبي وأغاني المنطقة الوسطى، ممثلة في الفنان الكبير الراحل محمد حسن»، متابعاً: «عمره ما كان يتكلم عن الفن، كل ما كان يهتم به مطالبة بعض الفنانين بتمجيد مقولاته وأفكاره، بعيداً عن وجود أعمال فنية محترمة، أو إنشاء كليات أو معاهد تهتم بالفن».
وذهب رزق إلى أنه بعد عام 2011، كانت هناك جرأة أكبر، وحرية مطلقة دون رقيب، مما أسهم في إنتاج بعض الأعمال المهمة، حتى وإن بدت قليلة، كما زادت القنوات الفضائية، واستبشرنا خيراً بوجود أعمال قوية، مع ازدهار التسويق واتساع سوق الإعلانات بشكل ملحوظ؛ لكن بعد عام 2014 اندلعت معارك في أغلب المدن الليبية، وحدثت انتكاسة في العامين التاليين؛ لكن مع بداية عام 2017 شهدت الأمور تحسناً من جديد، وظهرت أعمال فنية كثيرة؛ لكن ظلت المعضلة هي المحافظة على الجودة والمحتوى.
ولفت المخرج الليبي إلى إشكالية جانبية تتعلق بتوجهات صاحب رأس المال، وتدخله في كل شيء يتعلق بالإنتاج. وقال إن أصحاب القنوات لا يهتمون بالمنافسة، «إما لأن أفكارهم غريبة، وإما لأن الجهات الداعمة لهم لا يهمها الفن».
وزاد رزق من حديثه عن تداعيات الحرب في بلاده على نفسية الفنان، وقال: «الاقتتال والنزوح والوضع الأمني غير المستقر أثر علينا جميعاً، مما جعل أكثر الأعمال تنتج خارج ليبيا، وهذا لأسباب كثيرة، من بينها أن الظروف لا تمكنك من استكمال عملك»، وتساءل: «كيف تنجز عملاً فنياً وأنت تسمع دوي القصف والتفجير، وأن هذه الجهة هاجمت تلك؟! لكن يظل إنتاج أي عمل فني في هذه الظروف القاهرة، هو التحدي الحقيقي، ولا يقارن بالأوضاع الطبيعية».
واستدرك: «لكن أن يتم إنجاز عمل فني في هذه الظروف فهذا جهد مضاعف، وهذا ما يمكن أن يحتسب لك كفنان في زمن آخر، فمجموعة من أفضل الأعمال الغنائية والفنية سواء سينما أو دراما أُنتجت في لبنان خلال فترة الحرب الأهلية... وعلى قدر ما تكون الأوضاع صعبة على قدر ما يكون الإبداع أفضل».
يؤمن المخرج الليبي بأن الإبداع الحقيقي يخرج من قلب المعاناة، ويُلهم الفنان، وهذا ما حدث خلال إنتاج مسلسل «فوبيا» عام 2013. وهو من نوع «بلاك كوميدي»، أو المضحك المبكي، «فقد استطعنا تجسيد كل الأحداث على الأرض في حلقات بطريقة ساخرة، كما تناولنا أحداثاً مماثلة في مسلسل (دراجنوف) الذي أنتج عام 2014، وتحدثنا عن العصابات وأصحاب النفوذ، وكيف يسيطرون على القرار السياسي والاقتصادي على الأرض في (روبيك) الذي عرض في عام 2017».
وتحدث عن تأثيرات الأوضاع السياسية، وكيف استقطبت بعض الفنانين آيديولوجياً وجهوياً، وترجموا ذلك في أعمال اتُّهمت بالانحياز المناطقي والعنصري، ما عدّه «عملاً خطيراً كبيراً»؛ «لأن الفن لا بد أن يبتعد عن الرأي الشخصي، ولا يتم التعبير عن التوجه السياسي في العمل الفني من أجل انتقاد جهة معينة».
وانتهى المخرج الليبي أسامة رزق، إلى أن هذا «الانحياز الذي يتبناه بعض الفنانين على شبكات التواصل الاجتماعي يجرح نزاهتهم، في وقت كان يجب أن يكونوا محايدين ومرآة لمجتمعهم، بعيداً عن شماتتهم في مدينة ما أو أشخاص معينين»، محذراً من «خطورة ذلك لضرورة إبقاء الأعمال الفنية والإبداعية بمنأى عن الرأي السياسي الموجه».