تشكيلي سوداني يراوغ التعبيرية بالتجريد في معرض فني قاهري

لوحاته تحتفي بـ«روح النيل»

الفنان الطيب الحضيري أمام إحدى لوحاته
الفنان الطيب الحضيري أمام إحدى لوحاته
TT

تشكيلي سوداني يراوغ التعبيرية بالتجريد في معرض فني قاهري

الفنان الطيب الحضيري أمام إحدى لوحاته
الفنان الطيب الحضيري أمام إحدى لوحاته

بالزي الشعبي السوداني، وقف الفنان الطيب الحضيري وسط معرضه المميز في «أتيليه القاهرة للفنانين والكتاب» بقلب العاصمة المصرية، مستقبلاً أصدقاءه ورواد المعرض، إذ يلامس هذا الزي المميز أفكار وجماليات لوحات المعرض. وبتلقائية الفنان، وحس الأكاديمي وفي معرضه الفردي الأول بمصر، يأخذنا الطيب الحضيري عبر 51 لوحة، متعددة الأحجام ومتباينة في غناها اللوني إلى قلب السودان وأسواقها وبين منازلها وحواريها. تتراوح اللوحات ما بين التجريدية التعبيرية، والتجريدية التشخيصية فيما نجد بصمة فنية في رسم البورتريه تعبر عن سمات السودان الإثنوجرافية.
ضربات فرشاة الطيب الحضيري تدهش المتلقي بإيقاع موسيقي منغم خطوطاً ونقوشاً وبقعاً لونية مرقطة تأخذه إلى عالم اللون الغني، الذي يحرر النفس البشرية من العطب وهموم الحياة اليومية.
يقول د. الطيب الحضيري لـ«الشرق الأوسط» عن سبب تسمية معرضه: «قصدت بروح النيل المشاعر الوجدانية بالفطرة والطبيعة ما بين السودان ومصر، التي لا يمكن إغفالها أو تناسيها، وفي الوقت ذاته كل الأعمال تعبر عن البيئة الأفريقية بصفة عامة والسودانية بصفة خاصة». ويشير إلى أن «التشابه يصل لحد التماهي الذي قد يجعل المتلقي في حيرة وقد يصعب عليه التفريق بين المناظر الطبيعية ما إذا كانت سودانية أم مصرية سواءً على مستوى المشهد أو المباني أو البيوت».
تضم اللوحات شخوصاً ارتسمت ملامحها بالروح السودانية، لكنها تبدو متقمصة شخوص الفنان الإيطالي أماديو مودلياني ذات الأبعاد الطولية والسمت الساكن كأنما ينتظر التغيير. كما ضم المعرض أيضاً لوحات «لاند سكيب» و«تاون سكيب» للمناظر الطبيعية والمرتفعات السودانية، التي تتميز بجمال طبيعتها. إذ يكشف الفنان عن سر ميله لها قائلاً: «ميزتها أنها تكشف أطول مسافة ممكنة من ناحية المنظور الفني وتعطيني الفرصة لتكوين عائلة لونية أكبر في فضاء اللوحة».
لا يستخدم الحضيري التجريد بشكل مباشر وصريح، لكنه يستخدمه بشكل جزئي ويعتبر ذلك «تطوراً طبيعياً بحكم الممارسة. أولاً بدأت أحاكي الواقع من ثم دخلت لعالم التجريد الجزئي، لم أصل بعد للتجريد الكامل. وبالاستمرارية يحدث التجريد الكامل. ولكن تظل بصمة الفنان تفرض نفسها بوضوح عبر المعاني وعبر تلخيصه للمشهد ورؤيته الفنية».
«المرأة هي كل شيء... هي روح الحياة»، هكذا يعبر الحضيري عن المكانة الخاصة للمرأة لديه، إذ إن المرأة السودانية تحتل جزءاً مهماً من المعرض. ويتابع: «هي الملهمة من دون تخفٍ أو مواراة في أي مجال إبداعي وأي مجال من مجالات الفنون، فهي الزوجة والحبيبة والأخت والبنت». ويضيف: «هي عمود فقري تتشكل حوله هالة من دوائر الإبداع».
بالألوان المائية وألوان أكريليك، تحتفي اللوحات بالهوية السودانية خاصة الملابس التقليدية السودانية، فاهتم الحضيري بإبراز العمائم بخطوطها الانسيابية والزي التراثي للمرأة السودانية، الذي يعود إلى أكثر من أربعة آلاف عام، حين كانت ترتديه «الكانداكات»، ويقول الحضيري: «الزي السوداني النسائي غني بالألوان والتفاصيل والنقوش مما يعطيه التباين والغنى اللوني فهو لوحة تشكيلية بحد ذاته».
«ثورتي الداخلية صدقتها الثورة السودانية»، يعبر الفنان السوداني الطيب الحضيري عن الحالة الإبداعية التي رافقته أثناء رسم لوحات المعرض، قائلاً: «أعتبر الرسم أحد محطات الحرية، كما أعبر بالفرشاة لعوالم لونية تخفق بالطاقة الإبداعية». يمثل «روح النيل» أعمالاً أنتجها الفنان خلال عام 2018. تتسم بالوهج الثوري الذي يعكس طبيعته الذاتية، فيما يشير إلى أن «قطعة واحدة من المعرض هي التي عاصرت الثورة السودانية، وهي لوحة متوسطة الحجم تشع بالطاقة عبر تعددية ألوانها».
تجمع أعمال الحضيري الوهم بالغرابة، والحلم بإيقاع الواقع المتماهي مع الخيال، مما يجعل مشاهدة البقع اللونية والشقوق والبروزات والتجاويف منابع تأمل في لوحاته تجعل المتلقي متعطشاً لتتبعها والإبحار معها لعوالم سحرية.
يروي الفنان الحضيري بدايات تفجر موهبته الإبداعية قائلاً: «بدأت تجربتي الإبداعية قبل المرحلة الدراسية، حينما أدهشتني الطبيعة الريفية السودانية: السواقي والغابات والزراعات، وألهمتني حركة السواقي وانهمار المياه في حركة إيقاعية بديعة، وكنت أصنع من الطين أشكالاً ومنحوتات فتملكني حب النحت، لكن ما إن توفرت لي فرصة اللعب بالألوان وجدت شغفي في الرسم». ويتابع: «من ثم نمت الموهبة بوجود معلمين للفنون منهم الوديع علي الوديع، وعلي الشيخ النور التلب، وقد بثوا في جميعاً روح الفن ورسالته، إضافة إلى الفنان الفاتح آدم، شقيق الشاعر الهادي آدم. ومن بعد هذه الخبرات الحياتية والتعليمية التحقت بكلية الفنون الجميلة والتطبيقية في جامعة الخرطوم، إلى أن أصبحت رئيس قسم التصوير في كلية الفنون الجميلة والتصميم بجامعة النيلين، وتخصصت في تنمية مهارات الرسم والتلوين. ويؤكد الحضيري أن الحياة الأكاديمية لم تسرق منه شغفه بالفن قائلاً: إن «روحي وراحتي في الرسم والتلوين».



احتفاء مصري بالذكرى الـ113 لميلاد «أديب نوبل» نجيب محفوظ

فعاليات متعددة في الاحتفال بذكرى ميلاد محفوظ (متحف محفوظ على فيسبوك)
فعاليات متعددة في الاحتفال بذكرى ميلاد محفوظ (متحف محفوظ على فيسبوك)
TT

احتفاء مصري بالذكرى الـ113 لميلاد «أديب نوبل» نجيب محفوظ

فعاليات متعددة في الاحتفال بذكرى ميلاد محفوظ (متحف محفوظ على فيسبوك)
فعاليات متعددة في الاحتفال بذكرى ميلاد محفوظ (متحف محفوظ على فيسبوك)

احتفت مصر بالذكرى الـ113 لميلاد «أديب نوبل» نجيب محفوظ، عبر فعاليات متنوعة في متحفه وسط القاهرة التاريخية، تضمّنت ندوات وقراءات في أعماله وسيرتيه الأدبية والذاتية، واستعادة لأعماله الروائية وأصدائها في السينما والدراما.

وأعلن «متحف نجيب محفوظ» التابع لصندوق التنمية الثقافية في وزارة الثقافة، أن الاحتفال بـ«أديب نوبل» يتضمّن ندوة عن إبداعاته ومسيرته، يُشارك فيها النّقاد، إبراهيم عبد العزيز، ومحمد الشاذلي، والدكتور محمود الشنواني، والدكتور تامر فايز، ويديرها الدكتور مصطفى القزاز. بالإضافة إلى افتتاح معرض كاريكاتير عن نجيب محفوظ، وشاعر الهند الشهير رابندراناث طاغور، ومعرض لبيع كتب نجيب محفوظ.

وأوضح الكاتب الصحافي والناقد محمد الشاذلي أن «الاحتفالية التي أقامها (متحف نجيب محفوظ) في ذكرى ميلاده الـ113 كانت ممتازة، وحضرها عددٌ كبير من المهتمين بأدبه، وضمّت كثيراً من المحاور المهمة، وكان التركيز فيها على السيرة الذاتية لنجيب محفوظ».

«متحف نجيب محفوظ» احتفل بذكرى ميلاده (صفحة المتحف على فيسبوك)

ولد نجيب محفوظ في حيّ الجمالية بالقاهرة التاريخية في 11 ديسمبر (كانون الأول) عام 1911، وقدم عشرات الأعمال الروائية والقصصية، بالإضافة إلى سيناريوهات للسينما، وحصل على جوائز عدة أهمها جائزة «نوبل في الأدب» عام 1988، ورحل عن عالمنا عام 2006.

حضر الاحتفالية بعض ممن كتبوا عن سيرة نجيب محفوظ، من بينهم إبراهيم عبد العزيز، الذي له أكثر من كتاب عن «أديب نوبل»، بالإضافة إلى الطبيب الدكتور محمود الشنواني الذي رافق الأديب لمدة 30 سنة تقريباً، وفق الشاذلي، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «تَحدّث كلُّ شخص عن الكتاب الذي أصدره عن نجيب محفوظ. وإبراهيم عبد العزيز كان مرافقاً له في ندواته، وتحدّث عن كتاب (أنا نجيب محفوظ)، الذي تضمّن ما قاله محفوظ عن نفسه، بيد أني أرى أن كتابه الأهم هو (ليالي نجيب محفوظ في شيبرد) لأنه كان عبارة عن كناسة الدكان، فقد رصد السنوات الأخيرة لنجيب محفوظ».

وعن كتاب الشاذلي حول نجيب محفوظ يقول: «تعرّفت عليه بصفتي صحافياً منذ بداية الثمانينات، وقد تحدّثت عن موضوعين تناولتهما في كتابي عنه (أيام مع نجيب محفوظ ذكريات وحوارات)، وهو ما أُشيع عن هجومه على العهد الناصري، خصوصاً في روايته (الكرنك)، وهذا ليس صحيحاً، وفي الحقيقة كان محفوظ يُركّز على حقوق الإنسان والحريات أكثر من أي شيء آخر، وقد أنصف عبد الناصر في كثيرٍ من كتاباته، خصوصاً شهاداته عن هذا العصر، والنقطة الثانية ما أُشيع حول الاتهامات التي وجّهها بعضهم لنجيب محفوظ بحصوله على (نوبل) بدعم إسرائيل، وهذا ليس صحيحاً بالمرّة، وكانت تُهمة جاهزة لمن أراد إهانة الجائزة أو النّيل ممّن حصل عليها».

وأشار الشاذلي إلى أن محفوظ كان له رأيُّ مهم في السينما، وقد ترأس مؤسسة السينما في إحدى الفترات، وكان يرى أنه أصبح كاتباً شعبياً ليس بفضل القراءات ولكن بفضل السينما، فكان يحترم كلّ ما له علاقة بهذه المهنة، ويعدّها مجاورة للأدب.

محفوظ وطاغور في معرض كاريكاتير (منسق المعرض)

وتحوّلت روايات نجيب محفوظ إلى أعمال سينمائية ودرامية، من بينها أفلام «بداية ونهاية»، و«الكرنك»، و«ميرامار»، و«ثرثرة فوق النيل»، وثلاثية «بين القصرين»، و«قصر الشوق»، و«السكرية»، وأيضاً «زقاق المدق»، و«اللص والكلاب»، بالإضافة إلى مسلسلات «الحرافيش - السيرة العاشورية»، و«أفراح القبة»، و«حديث الصباح والمساء».

وضمّ المعرض الذي أقيم بالتعاون بين سفارة الهند في القاهرة، ومتحف الكاريكاتير بالفيوم، ومنصة «إيجيبت كارتون»، 38 لوحة لفنانين من 12 دولة من بينها مصر والهند والسعودية وصربيا والصين ورومانيا وروسيا وفنزويلا.

وأشار الفنان فوزي مرسي، أمين عام «الجمعية المصرية للكاريكاتير» ومنسِّق المعرض إلى أن هذا المعرض اقتُرح ليُعرض في الاحتفال بذكرى طاغور في مايو (أيار) الماضي، إذ عُرض في المركز الثقافي الهندي، وكذلك في يوم الاحتفال بعيد ميلاد «أديب نوبل» المصري نجيب محفوظ.

وقال مرسي لـ«الشرق الأوسط»: «يُعدّ المعرض جزءاً من الاحتفالية التي نظّمتها وزارة الثقافة (لأديب نوبل) الكبير، واهتمّ معظم الفنانين برسم البورتريه بشكلٍ تخيُّلي، في محاولة لعقد الصلة بين طاغور ومحفوظ».

فنانون من 12 دولة رسموا الأديبين طاغور ومحفوظ (منسق المعرض)

وفي السياق، أعلنت «دار المعارف» عن إصدار كتابٍ جديدٍ عن نجيب محفوظ في الذكرى الـ113 لميلاده، وكتب إيهاب الملاح، المُشرف العام على النشر والمحتوى في «دار المعارف» على صفحته بـ«فيسبوك»: «في عيد ميلاد الأستاذ نُقدّم هدية للقراء ولكل محبي نجيب محفوظ وهي عبارة عن كتاب (سردية نجيب محفوظ) للناقد الدكتور محمد بدوي».