تطوير نظام يترجم إشارات المخ إلى كلمات

يمكنه العمل بالوتيرة الطبيعية للحديث

مجموعة الأقطاب التي تسجل نشاط المخ داخل الجمجمة (جامعة كاليفورنيا - سان فرانسيسكو)
مجموعة الأقطاب التي تسجل نشاط المخ داخل الجمجمة (جامعة كاليفورنيا - سان فرانسيسكو)
TT

تطوير نظام يترجم إشارات المخ إلى كلمات

مجموعة الأقطاب التي تسجل نشاط المخ داخل الجمجمة (جامعة كاليفورنيا - سان فرانسيسكو)
مجموعة الأقطاب التي تسجل نشاط المخ داخل الجمجمة (جامعة كاليفورنيا - سان فرانسيسكو)

كتب جان دومينيك بوبي في سيرته الذاتية التي حملت اسم «الجرس الغارق والفراشة» أنه: «داخل رأسي أكرر كل جملة عشر مرات، وأحذف كلمة، وأضيف صفة، وأحفظ النص عن ظهر قلب، فقرة فقرة». في ثنايا الكتاب، يستعرض بوبي، وهو صحافي ومحرر، حياته قبل وبعد إصابة تعرض لها في العمود الفقري أصابته بالشلل وتركته عاجزاً عن تحريك عضلة واحدة بجسده. وقد وضع هذا الكتاب حرفاً حرفاً عبر إجفال جفونه.
ويضطر الآلاف من الأشخاص إلى اللجوء لسبل تواصل مجهدة على هذا النحو جراء تعرضهم لإصابات خطيرة بسبب حوادث أو أثناء معارك أو إصابتهم بسكتات دماغية أو اضطرابات تسبب انتكاسة للأعصاب، مثل التصلب الجانبي الضموري الذي يعرف اختصاراً باسم «إيه إل إس» الذي يفقد المريض القدرة على النطق.
الآن، كشفت مجموعة من العلماء النقاب عن نجاحها في تطوير صوت افتراضي صناعي، وهو نظام قادر على فك شفرات النوايا الصوتية للمخ وترجمتها إلى أقرب كلمات مفهومة، دون الحاجة إلى تحريك عضلة واحدة، ولا حتى في الفم. (جدير بالذكر أن العالم الفيزيائي والكاتب ستيفين هوكينغ كان يستخدم عضلة في ذقنه لطباعة حروف على لوحة المفاتيح، كان الكومبيوتر يحوّلها إلى حديث).
وفي تعليقه على هذا الأمر، قال دكتور أنتوني ريتاتشو، عالم الأعصاب بمايو كلينيك في جاكسونفيل بفلوريدا الذي لم يشارك في البحث: «هذا عمل مذهل، وينقلنا إلى مستوى جديد تماماً على طريق استعادة القدرة على الحديث».
تجدر الإشارة إلى أن باحثين طوّروا أدوات أخرى تعين على الحديث الافتراضي، وتعتمد في عملها على فك شفرة إشارات المخ المسؤولة عن التعرف على الحروف والكلمات، والرموز الشفهية للكلمات، لكن هذه الأدوات تفتقر إلى السرعة والتدفق المميزين للحديث الطبيعي.
بالنسبة للنظام الجديد، الذي تعرضت له دورية «نيتشر»، الأربعاء، بالوصف فيعمل على فك شفرة الأوامر الصادرة عن المخ التي توجه الحركة الصوتية أثناء الكلام - الطرف الأمامي للسان وحركة ضم الشفتين - لينتج جملاً وعبارات يمكن فهمها تقترب من الإيقاع الطبيعي للمتحدث.
وقال خبراء إن العمل الجديد يعتبر بمثابة «إثبات للمفهوم»، بمعنى أنه عمل يكشف ما يمكن الوصول إليه بعد مزيد من التجارب والتنقيح. وقد جرى اختبار النظام الجديد على أشخاص يتحدثون بصورة طبيعية، لكنه لم يختبر بعد مع أشخاص يعانون مشكلات أو إصابات تتعلق بالأعصاب، مثل السكتات الدماغية العادية، التي ربما تجعل مسألة فك الشفرة صعبة أو ربما مستحيلة.
وفي إطار التجربة الجديدة، استعان علماء بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو و«يو سي بركلي» بخمسة أشخاص كانوا محتجزين داخل أحد المستشفيات لتقييم حالاتهم من أجل خوض جراحة تتعلق بمرض الصرع.
جدير بالذكر، أن الكثير من مرضى الصرع لا يستجيبون بصورة جيدة مع العقاقير ويختارون خوض خيار الجراحة. قبل إجراء العملية الجراحية، يجب أن يحدد الأطباء أولاً «النقطة الساخنة» داخل مخ كل مريض تنشأ منها نوبات الصرع. وينجز الأطباء المهمة بالاستعانة بأقطاب كهربية يجري وضعها داخل المخ، أو على سطحه الخارجي، والإنصات إلى العواصف الكهربائية.
وربما تستغرق عملية تحديد الموقع هذه أسابيع عدة. وفي تلك الأثناء، يقضي المرضى أيامهم مع وجود أقطاب كهربائية مزروعة داخل أو قريباً من مناطق المخ المعنية بإشارات الحركة والسمع. وغالباً ما يوافق هؤلاء المرضى على خوض مزيد من التجارب المعتمدة على هذه الأقطاب الكهربائية المزروعة.
وقد وافق خمسة من هذه الفئة من المرضى ممن يتعاونون مع جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو على اختبار جهاز مولد الصوت الافتراضي. وجرت زراعة مجموعة أو مجموعتين من الأقطاب الكهربية لدى كل منهم تتسم بحجم صغير وتحوي المئات من الأقطاب الكهربية شديدة الصغر التي جرى وضعها فوق سطح المخ.
ومع تكرار كل مريض مئات العبارات، سجلت الأقطاب الكهربية أنماط عمل الأعصاب داخل القشرة الحركية. وقد ربط الباحثون هذه الأنماط بحركات خفيفة للغاية من شفتي المريض ولسانه وحنجرته وفكه وقعت خلال الحديث الطبيعي. بعد ذلك، بدأ فريق الباحثين في ترجمة الحركات إلى عبارات منطوقة.
وطلب ممن تمثل الإنجليزية لغتهم الأم الإنصات إلى الجمل لاختبار مدى طلاقة الأصوات الافتراضية. وبلغت نسبة الجمل المفهومة التي أصدرها النظام الافتراضي 70 في المائة، حسبما خلصت الدراسة.
من جهته، قال دكتور إدوارد تشانغ، بروفسور جراحة الأعصاب لدى جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو والمسؤول عن الدراسة الجديدة: «لقد أظهرنا من خلال فك شفرات نشاط المخ الموجه لعملية النطق، أن بإمكاننا محاكة الحديث على نحو أكثر دقة وانسيابية عن الصوت الصناعي المعتمد على استخلاص رموز صوتية من المخ». تجدر الإشارة إلى أن كل من غوبالا كيه. أنومانشيبالي، من الجامعة ذاتها، وجوش تشارتير المتعاون مع الجامعة وكذلك بيركلي، شاركا في الدراسة.
ومن المعروف أن أنظمة اتصالات سابقة تعتمد على أجهزة تزرع في المخ نجحت في إنتاج نحو ثماني كلمات في الدقيقة. أما البرنامج الجديد فقادر على خلق 150 كلمة بالدقيقة، وهي الوتيرة الطبيعية للحديث.
كما توصل الباحثون إلى إمكانية استخدام نظام صوتي صناعي يعتمد على نشاط المخ لشخص ما وتعديله ليتناسب مع شخص آخر ـ في إشارة إلى إمكانية توافر أنظمة افتراضية جاهزة يوماً ما.
ويخطط فريق الباحثين للانتقال إلى التجارب السريرية لإجراء مزيد من الاختبارات للنظام الجديد. وربما يتمثل التحدي الأكبر أمام هذه الجهود في التوصل إلى مرضى مناسبين، وبخاصة أن السكتات الدماغية التي تفقد المرء القدرة على النطق غالباً ما تدمر أو تمحي مناطق من المخ تدعم التعبير بالكلام. ومع هذا، يشهد مجال تكنولوجيا أجهزة التفاعل مع المخ تطوراً سريعاً، مع اهتمام فرق بحثية بشتى أرجاء العالم بإضافة تعديلات وتنقيح مثل هذه الأجهزة بما يتوافق مع متطلبات إصابات بعينها.
من جانبهما، كتب شيتهان بانداريناث ويحيى إتش. علي، وهما مهندسان بمجال الطب الحيوي بجامعة إيموري ومعهد جورجيا للتكنولوجيا، في تعليق مشترك: «مع استمرار إحراز تقدم، يمكن أن نأمل في أن يستعيد المصابون بإعاقة في الكلام قدرتهم على الحديث بحرية عما يجول بصدورهم ومعاودة الاتصال بالعالم».

خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

كيف تحمي خصوصيتك أثناء استخدام تطبيقات اللياقة البدنية في 2025؟

تكنولوجيا تعد تطبيقات اللياقة البدنية أداة قوية لتتبع التقدم مع ضمان بقاء بياناتك آمنة (أدوبي)

كيف تحمي خصوصيتك أثناء استخدام تطبيقات اللياقة البدنية في 2025؟

إليك بعض النصائح لاستخدام تطبيقات اللياقة البدنية بأمان في العصر الرقمي.

نسيم رمضان (لندن)
الاقتصاد مقر هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية في الرياض (الموقع الإلكتروني)

بدء تطبيق المرحلة الإلزامية الأولى لتوحيد منافذ الشحن في السعودية

بدأ تطبيق المرحلة الإلزامية الأولى لتوحيد منافذ الشحن للهواتف المتنقلة والأجهزة الإلكترونية في السوق، لتكون من نوع «USB Type - C».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد جانب من اجتماع خلال منتدى حوكمة الإنترنت الذي عقد مؤخراً بالعاصمة الرياض (الشرق الأوسط)

تقرير دولي: منظومات ذكية ومجتمعات ممكّنة تشكل مستقبل الاقتصاد الرقمي

كشف تقرير دولي عن عدد من التحديات التي قد تواجه الاقتصاد الرقمي في العام المقبل 2025، والتي تتضمن الابتكار الأخلاقي، والوصول العادل إلى التكنولوجيا، والفجوة…

«الشرق الأوسط» (الرياض)
تكنولوجيا تتميز سمكة «موبولا راي» بهيكلها العظمي الغضروفي وأجنحتها الضخمة ما يسمح لها بالانزلاق بسهولة في الماء (أدوبي)

سمكة تلهم باحثين لتطوير نموذج مرشّح مياه صناعي!

طريقة تغذية سمكة «موبولا راي» تدفع باحثي معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا لتطوير أنظمة ترشيح فعالة.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا تعمل استراتيجيات مثل الأمن متعدد الطبقات واستخبارات التهديدات المتقدمة على تعزيز دفاعات الشركات السعودية (شاترستوك)

السعودية تسجل 44 % انخفاضاً في الهجمات الإلكترونية حتى نوفمبر مقارنة بـ2023

تواجه السعودية التحديات السيبرانية باستراتيجيات متقدمة مع معالجة حماية البيانات وأمن السحابة وفجوات مواهب الأمن السيبراني.

نسيم رمضان (لندن)

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم
TT

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم

حقق فيلم الرعب والإثارة «يوم 13» مفاجأة خلال الأيام الماضية في شباك التذاكر بمصر، حيث حصد أعلى إيراد يومي متفوقاً على فيلم «هارلي» لمحمد رمضان، الذي لا يزال محتفظاً بالمركز الأول في مجمل إيرادات أفلام موسم عيد الفطر محققاً ما يزيد على 30 مليون جنيه مصري حتى الآن (نحو مليون دولار أميركي)، بينما يطارده في سباق الإيرادات «يوم 13» الذي حقق إجمالي إيرادات تجاوزت 20 مليون جنيه حتى الآن.
ويعد «يوم 13» أول فيلم عربي بتقنية ثلاثية الأبعاد، وتدور أحداثه في إطار من الرعب والإثارة من خلال عز الدين (يؤدي دوره الفنان أحمد داود) الذي يعود من كندا بعد سنوات طويلة باحثاً عن أهله، ويفاجأ بعد عودته بالسمعة السيئة لقصر العائلة المهجور الذي تسكنه الأشباح، ومع إقامته في القصر يكتشف مغامرة غير متوقعة. الفيلم من تأليف وإخراج وائل عبد الله، وإنتاج وتوزيع شركته وشقيقه لؤي عبد الله «أوسكار»، ويؤدي بطولته إلى جانب أحمد داود كل من دينا الشربيني، وشريف منير، وأروى جودة، كما يضم عدداً من نجوم الشرف من بينهم محمود عبد المغني، وفرح، وأحمد زاهر، ومحمود حافظ، وجومانا مراد، ووضع موسيقاه هشام خرما.
وقال مخرج الفيلم وائل عبد الله في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنه ليس متفاجئاً بالإيرادات التي حققها الفيلم، ولكنه كان متخوفاً من الموسم نفسه ألا يكون جيداً، قائلاً إن «إقبال الجمهور حطم مقولة إن جمهور العيد لا يقبل إلا على الأفلام الكوميدية، وإنه يسعى للتنوع ولوجود أفلام أخرى غير كوميدية، وإن الفيصل في ذلك جودة الفيلم، مؤكداً أن الفيلم احتل المركز الأول في الإيرادات اليومية منذ انتهاء أسبوع العيد».
وكشف عبد الله أن الفيلم استغرق عامين، خلاف فترات التوقف بسبب جائحة كورونا، وأنه تضمن أعمال غرافيك كبيرة، ثم بعد ذلك بدأ العمل على التقنية ثلاثية الأبعاد التي استغرق العمل عليها عشرة أشهر كاملة، مؤكداً أنه درس طويلاً هذه التقنية وأدرك عيوبها ومميزاتها، وسعى لتلافي الأخطاء التي ظهرت في أفلام أجنبية والاستفادة من تجارب سابقة فيها.
وواصل المخرج أنه كان يراهن على تقديم الفيلم بهذه التقنية، لا سيما أن أحداً في السينما العربية لم يقدم عليها رغم ظهورها بالسينما العالمية قبل أكثر من عشرين عاماً، موضحاً أسباب ذلك، ومن بينها ارتفاع تكلفتها والوقت الذي تتطلبه، لذا رأى أنه لن يقدم على هذه الخطوة سوى أحد صناع السينما إنتاجياً وتوزيعياً، مشيراً إلى أن «ميزانية الفيلم وصلت إلى 50 مليون جنيه، وأنه حقق حتى الآن إيرادات وصلت إلى 20 مليون جنيه».
ورغم عدم جاهزية بعض السينمات في مصر لاستقبال الأفلام ثلاثية الأبعاد، فقد قام المخرج بعمل نسخ «2 دي» لبعض دور العرض غير المجهزة، مؤكداً أن استقبال الجمهور في القاهرة وبعض المحافظات للفيلم لم يختلف، منوهاً إلى أن ذلك سيشجع كثيراً على تقديم أفلام بتقنية ثلاثية الأبعاد في السينما العربية.