تأثيرات العولمة المعاصرة على الدول الوطنية

أحدثت تغيرات ملموسة على مضامين الفكر السياسي الناظم لحركة اليمين المتطرف

تأثيرات العولمة المعاصرة على الدول الوطنية
TT

تأثيرات العولمة المعاصرة على الدول الوطنية

تأثيرات العولمة المعاصرة على الدول الوطنية

هناك كثرة من الكتابات والدراسات التي تتحدث عن السلبيات الاقتصادية للعولمة بصيغتها الرأسمالية على الدولة الوطنية في البلدان العربية، وكثيراً ما تهمل هذه الدراسات التأثيرات السياسية التي غالباً ما تعتبرها تأثيرات إيجابية، باعتبارها تعطي أهمية لليبرالية السياسية التي يحاول مفكروها الترويج لها، لما تحمله من أفكار ديمقراطية يؤدي تطبيقها إلى تعزيز كفاح القوى السياسية التي تسعى إلى تفتيت الأنظمة الاستبدادية عبر الاستعانة بالقوى الخارجية.
إن الوقائع الفعلية لا تعطي مصداقية لهذا التحليل، وهذا ما يحاول الباحث لطفي حاتم تناوله في كتابة الجديد، المعنون بـ«العولمة الرأسمالية والكفاح الوطني الديمقراطي». ومن أجل عطاء ملموسية لرؤيته، قسم الباحث كتابه إلى محورين: الأول، يبحث فيه التأثيرات السياسية والاجتماعية للعولمة المعاصرة على البلدان الرأسمالية الكبرى؛ والثاني، نتائج تطبيق توجهات العولمة على الدول الوطنية.
ويبدأ الباحث المحور الأول بتحديد سمات المرحلة التاريخية للرأسمالية المعاصرة بنقاط عدة: الأولى منها سيادة الليبرالية الجديدة، كفكر سياسي اقتصادي يجري الترويج له لخدمة المصالح الأساسية للشركات الاحتكارية والدول الرأسمالية الكبرى، والثانية تنامي حدة المنافسة الرأسمالية بين الدول الكولونيالية والدول الرأسمالية الناهضة (كالصين وروسيا والهند)، والثالثة تركز الليبرالية الجديدة، باعتبارها آيديولوجية الرأسمال المعولم، على إلغاء الوظائف الاقتصادية والخدمية والإنتاجية للدولة الوطنية، وعرقلة انتقالها إلى هيئة سياسية قادرة على تطوير بلدانها اقتصادياً.
وبخصوص التأثيرات الفكرية للطور المعولم من الرأسمالية، يرى الباحث أن ظهور اليمين المتطرف في العالم كان من أبرز هذه التأثيرات، الذي يعرفه «بأنه منظمة سياسية اجتماعية تعتمد الوطنية المترابطة، وروح عنصرية توسعية، وفكراً أيديولوجياً محركاً لفعاليتها السياسية، تتشكل قاعدته الاجتماعية من شرائح طبقية متعددة، يشدها الإحباط الناتج عن الأزمات الاقتصادية الملازمة لتنازع مسار تطور بنية الاقتصاد الرأسمالي».
ويشير الباحث إلى أن التطور الرأسمالي في عصر العولمة أدى إلى إحداث تغيرات ملموسة على مضامين الفكر السياسي الناظم لحركة اليمين المتطرف، حيث جرى إغناء تلك المضامين بسمات جديدة، منها خشية الرساميل الوطنية من تحجيم فعاليتها الاقتصادية بسبب هيمنة الشركات الكبرى على مصادر القرارات الاقتصادية والسياسية الوطنية. وأدى تعزيز الميول الأممية للعولمة الناتجة عن حركة بين الشركات الاحتكارية الكبرى إلى تراجع موقع الدولة الوطنية، الأمر الذي يتناقض ومفهوم إعلاء شأن الدولة الوطنية في العلاقات الدولية في فكر اليمين المتطرف.
وبخصوص وسائل العولمة الرأسمالية لتحقيق أهدافها، يشير الباحث إلى أن قادة اليمين المتطرف يصرحون بها علناً؛ على سبيل المثال، يذكرها رامسفيلد، وزير الدفاع الأميركي الأسبق، في مقالته الموسومة «ما بعد هذه الحرب على الإرهاب»، التي تضمنت كثيراً من المبادئ، منها تأكيد الولايات المتحدة الأميركية للحلفاء والأصدقاء على الالتزام بتعهداتها الأمنية، وحمل الخصوم المحتملين على التخلي عن برامج أو عمليات قد تهدد المصالح الأميركية، ومصالح حلفائها وأصدقائها، وردع العدوان بواسطة تطوير القدرات المتعلقة بالتصدي الحازم للهجمات، وبفرض عقوبات شديدة على الذين يهددون المصالح الأميركية (ص 28).
أما المحور الثاني من الكتاب، فخصصه الباحث لتناول تأثيرات العولمة المعاصرة على الدول العربية، خصوصاً فيما يتعلق بنمو اليمين العربي المتطرف، مستشهداً بما حدث خلال العقدين الأخيرين، حيث اقترنت سياسية الدولة الغربية تجاه الدول الوطنية باستخدام القوة، سواء بالتدخل العسكري أو الغزو، كوسيلة للتدخل في النزاعات الوطنية، وتوجيهها بما يخدم استراتيجية الدولة الغربية في منطقة الشرق الأوسط. وهذا حصل في عدد من البلدان العربية والإسلامية، كأفغانستان والعراق وليبيا وسوريا واليمن. وقد ساعدت هذه السياسة على تصاعد نشاط اليمين العربي - الإسلامي المتطرف، بشقيه «تيار الليبرالية الجديدة» والسلفية الجهادية. فالتيار الأول، تيار الليبرالية الجديدة، الذي يدعي أنه يعبر عن أهداف القوى الجديدة التي ترفض الأنظمة الاستبدادية، في حين سياسته تلتقي مع توجهات العولمة الهادفة إلى نقل البلدان العربية من التبعية السياسية - الاقتصادية إلى الاندماج بصيغة الإلحاق، تمشياً والمصالح الاستراتيجية للدول الكبرى. أما تيار السلفية الجهادية الإرهابي، فإنه يلتقي مع التيار الأول في قبول الحماية الدولية، باعتبارها إحدى وسائل الدول الكبرى للتدخل في الدول الوطنية، تحت ذريعة حماية حقوق الإنسان وتحقيق الديمقراطية. فقد أيد التياران، الليبرالية العربية الجديدة والسلفية الجهادية، التدخل العسكري الغربي في عدد من البلدان العربية التي شهدت احتجاجات شعبية في الفترة الأخيرة. ورغم اتفاق التيارين بخصوص الحماية الدولية، فإنهما يختلفان من حيث المرتكزات الفكرية، ونهجهما السياسي، فتيار الليبرالية الجديدة يعتمد الأسلوب السلمي لتحقيق أهدافه ونهجه الفكري، وهو يرتكز على فكر الليبرالية الجديدة الغربي. أما تيار السلفية الجهادية، فإنه نهجه السياسي يقوم على العنف الإرهابي، حيث شكل فكر «الخلافة الإسلامية»، والبناء السياسي المرتكز على تعدد الإمارات الإسلامية، مرجعية للمنظمات السلفية الإرهابية في نشاطها المسلح.
وبخصوص هيمنة قوى أحزاب الإسلام السياسي الطائفي على الحياة السياسية، يرى الباحث أنها تقود إلى نتائج سياسية واجتماعية واقتصادية ضارة بتطور الدول العربية، ويجملها الباحث بثلاث نقاط: الأولى، يؤدي غياب الرؤية السياسية لدى أحزاب الإسلام السياسي لموضوع الشرعية الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة إلى صراعات اجتماعية سياسية؛ والثانية، تفضي سيادة أحزاب الإسلام السياسي الطائفي في الحياة السياسية إلى إعاقة تطور النزاعات الاجتماعية، بعد تحولها من صراعات طبقية إلى صراعات طائفية، وحصرها بآليات ضبط آيديولوجية طائفية؛ والثالثة، إن ارتكاز النشاط الاقتصادي لمؤسسات أحزاب الإسلام السياسي الطائفي على التجارة، بشقيها العيني والمالي، وتركيزها على قطاعي الخدمات والعقار، يؤدي إلى التجاوب مع أهداف المرحلة الجديدة من التوسع الرأسمالي، التي تتسم بتحويل القوى الاقتصادية المتنفذة في البلدان العربية إلى قوى وكيلة للشركات الرأسمالية الدولية.
إن سياسة قوى اليمين المتطرف، الرسمي والشعبي، في الدولة الرأسمالية الكبرى، تجاه البلدان الدول العربية والإسلامية، لم تكن السبب الوحيد لنمو اليمين العربي المتطرف الذي أصبح أكثر نشاطاً في العقود الثلاثة الأخيرة، بل هناك أسباب رئيسة أخرى: منها، أدى انهيار خيار التطور الاشتراكي، وسيادة وحدانية التطور الرأسمالي، إلى عدد من الإشكاليات السياسية والاقتصادية، واختلال النظم الفكرية المتحكمة في نشاط وفعالية الحركات اليسارية - الديمقراطية والقومية. ومنها، استمرار التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للدول الوطنية بعد تكوينها. ومنها، سيادة البرامج الفكرية المثالية لدى النخب السياسية، التي لا تعبر عن الحاجات الفعلية للبنية الاجتماعية للدولة الوطنية. ومنها، تمتع منظمات المجتمع الأهلي بهيبة اجتماعية كبيرة، على الرغم من تبلور الحياة السياسية، وارتكازها على أحزاب سياسية. وأخيراً، عززت الصراعات الإيديولوجية والسياسية الحادة بين الأحزاب السياسية الروح الانقلابية لدى النخب الحاكمة، وكذلك دور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية.
إن عجز التغيرات التي أحدثها التطور في البلدان العربية خلال العقود الأخيرة، خصوصاً غياب الشرعية الوطنية للدولة الوطنية، وانتشار الفقر والتهميش، وانهيار الفكر الوطني الديمقراطي، بسبب انحسار التيار الليبرالي الناتج عن ضعف المكانة الاجتماعية للبرجوازية الوطنية، أدت إلى عجز الدولة الوطنية في البلدان العربية، وعبر مراحل تطورها، عن إنتاج مرجعية وطنية لضبط مسار تطورها، الأمر الذي أدى إلى الصراع الحاد بين التيارين الرئيسين في البنية السياسية العربية: التيار القومي والتيار اليساري. وفي الختام، يتطرق الباحث إلى بعض الاستنتاجات التي يمكن أن تشكل مساهمة فكرية لمنع الدول الوطنية من التفكك، منها:
1- الحفاظ على الدولة الوطنية، باعتبارها الرافعة الأساسية للتحولات الاجتماعية، وصيانة حقوق الإنسان، وتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي.
2- بناء الدولة الوطنية على قاعدة الديمقراطية، وما يتطلبه ذلك من رسم نهوج وطنية من قبل الأحزاب الوطنية، تتضمن الكفاح من أجل تطور البلاد الاقتصادي والسياسي.
3- تعزيز الوحدة الوطنية، من خلال التفاهمات الطبقية والاجتماعية التي تقوم على الاستجابة للحقوق القومية والمذهبية لمكونات التشكيلة الاجتماعية كافة، إضافة إلى تحقيق قدر معقول من العدالة في توزيع الثروات الوطنية.
4- ينبغي أن تستند التوازنات الاجتماعية إلى التعاون الوطني بين الطبقات الاجتماعية الوطنية المنتجة، عبر إلغاء مبدأ الأقصاء والتهميش بعضها لبعض.
5- التعامل مع الظروف التي تخلقها العولمة الرأسمالية، من خلال إقامة العلاقات الدولية على أساس الاحترام المتبادل والمساواة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.



أسامة مسلم وسارة ريفنس وبيت الطاعة الأدبي!

توافد  العشرات في معرض الجزائر للحصول على  نسخة موقعة من رواية" خوف" لأسامة مسلم
توافد العشرات في معرض الجزائر للحصول على نسخة موقعة من رواية" خوف" لأسامة مسلم
TT

أسامة مسلم وسارة ريفنس وبيت الطاعة الأدبي!

توافد  العشرات في معرض الجزائر للحصول على  نسخة موقعة من رواية" خوف" لأسامة مسلم
توافد العشرات في معرض الجزائر للحصول على نسخة موقعة من رواية" خوف" لأسامة مسلم

أراقب باهتمام كبير عالمنا المتغير هذا. لعلك أنت أيضاً تفعل ذلك. تتمعن فيه وهو يعيد تشكيل ذاته مثل وحش أسطوري، في زمن إيلون ماسك ومارك زوكربيرغ وما لهما وما عليهما... في زمن الروبوتات المؤنسنة والعقول الذكية الاصطناعية وما لها وما عليها، تحدُث من حين لآخر هزات عنيفة تحلج بعض العقول الهانئة، ذات القناعات القانعة، فتستيقظ بغتة على أسئلة طارئة. مدوِّخة بلْ مكهرِبة.

- ما هذا الذي يحدث؟

تماماً كما حدث في المعرض الدولي للكتاب في الجزائر، حدث ذلك منذ طبعتين في الصالون الدولي للكتاب في باريس، إذ حضر كتاب كبار ذوو شهرة عالمية، كل واحد منهم يركب أعلى ما في خيله، وحطّت رحالَها دورُ نشرٍ لا يشقّ لها غبار. لكن المنظمين والمشاركين والملاحظين والمراقبين والذين يعجبهم العجب، والذين لا يعجبهم العجب، على حين غرة وفي غفلة من أمرهم، فوجئوا بآلاف القادمين من الزوار شباباً وبالغين، كلهم يتجهون صوب طاولة، تجلس خلفها كاتبة في العشرينات، لا تعرفها السجلات العتيقة للجوائز، ولا مصاطب نقاش المؤلفين في الجامعات، أو في القنوات الشهيرة المرئية منها والمسموعة. الكاتبة تلك شابة جزائرية تفضّل أن تظلَّ حياتها الخاصة في الظِّل، اسمها سارة ريفنس، وتُعد مبيعات نسخ رواياتها بعشرات الملايين، أما عدد قرائها فبعدد كتّاب العالم أجمعين.

وكالعادة، وكما حدث منذ سنوات مع الروائية الجزائرية الشابة سارة ريفنس، أثار القدوم الضاج للكاتب السعودي أسامة مسلم ذهول جل المهتمين بالشأن الثقافي والأدبي، حين حضر إلى المعرض الدولي للكتاب في الجزائر 2024. وقبله معرض الكتاب بالمغرب ومعارض كتب عربية أخرى، وفاجأ المنظمين والزوار والكتاب فيضانُ نهر هادر من الجموع الغفيرة الشابة من «قرائه وقارئاته». اكتظ بهم المكان. جاءوا من العاصمة ومن مدن أخرى أبعد. أتوا خصيصاً للقائه هو... هو وحده من بين الكتاب الآخرين الكثر المدعوين للمعرض، الذين يجلسون خلف طاولاتهم أمام مؤلفاتهم، في انتظار أصدقاء ومعارف وربما قراء، للتوقيع لهم بقلم سائل براق حبرُه، بسعادة وتأنٍّ وتؤدة. بخط جميل مستقيم، وجمل مجنّحة منتقاة من تلافيف الذاكرة، ومما تحفظه من شذرات ذهبية لجبران خليل جبران، أو المنفلوطي أو بودلير، أو كلمة مستقاة من بيت جميل من المعلقات السبع، ظلّ عالقاً تحت اللسان منذ قرون.

لا لا... إنهم جاءوا من أجله هو... لم تأتِ تلك الجموع الغفيرة من أجل أحد منهم، بل ربما لم ترَ أحداً منهم، وأكاد أجزم أنها لم تتعرف على أحد منهم... تلك الجموع الشابة التي ملأت على حين غرة أجنحة المعرض، ومسالكَه، وسلالمَه، وبواباتِه، ومدارجَه، واكتظت بهم مساحاته الخارجية، وامتدت حتى مداخله البعيدة الشاسعة. يتدافعون ويهتفون باسم كاتبهم ومعشوقهم، هتافات مضفورة بصرخات الفرح:

- أووو... أووو... أووو أسامة...!!

يحلمون بالظفر برؤيته أخيراً عن قرب، وبلقائه هذه المرة بلحمه وعظمه، وليس شبحاً وصورة وصوتاً وإشارات خلف الشاشات الباردة لأجهزتهم الإلكترونية. يأملون بتوقيعه على الصفحة الأولى من إحدى رواياته، ولتكن روايته «خوف» مثلاً.

هكذا إذن... الأدبُ بدوْره، أضحى يرفض بيت الطاعة، بل يهدمه ويِؤسس قلعته الخاصة، التي تتماهى مع هندسة ذائقة العصر الجديدة، القابلة للنقاش. إنها الإشارة مرة أخرى ومنذ ظهور الكائن البشري من نحو ثلاثة مليارات سنة، على أن الزمن يعدو بالبشر بسرعة مدوخة، بينما هم يشاهدون - بأسف غالباً - حتف الأشياء التي تعوّدوا عليها، وهي تتلاشى نحو الخلف.

من البديهي أن الكتابة على الصخور لم تعد تستهوي أحداً منذ أمد بعيد، سوى علماء الأركيولوجيا الذين لهم الصبر والأناة، وقدرة السِّحر على إنطاقها، وقد أثبتوا ذلك بمنحنا نص جلجامش، أول نص بشري كتب على الأرض، وأما نظام الكتابة فقد تجاوز معطى الشفهية إلى الطباعة، ثم إلى الرقمية، وتكنولوجيا المعلومات، والذكاء الاصطناعي و...!

على ذِكر الذكاء، فليس من الذكاء ولا الفطنة التغاضي عن الواقع المستجد، أو التعنت أمام فكرة أن العالم في تغير مدوّ وسريع، وقد مسّ سحره كل جوانبه ومنها سوق الأدب، ولا بد من الاعتراف أن المنتِج للأدب كما المستهلك له، لم يعودا خاضعين في العرض والطلب لشروط أسواقه القديمة، وإن لم تنقرض جميعها، في ظل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وتوفر الـ«بلاتفورم» و«يوتيوب» و«إنستغرام» و«تيك توك» و«فيسبوك» وهاشتاغ وما جاورها.

لكن الأمر الذي لا بد من توضيحه والتأكيد عليه، أن دمغة الأدب الجيد وسمة خلود الإبداع، لا تكْمنا دوماً وبالضرورة في انتشاره السريع، مثل النار في الهشيم، وقت صدوره مباشرة، وإلا لما امتد شغف القراء عبر العالم، بالبحث عن روايات وملاحم وقصص عبرت الأزمنة، بينما لم تحظَ في وقتها باهتمام كبير، والأمثلة على ذلك عديدة ومثيرة للتساؤل. أسامة مسلم، وسارة ريفنس وآخرون، كتّاب بوهج ونفَس جديدين، على علاقة دائمة ووطيدة وحميمية ومباشرة مع قرائهم عبر وسائط التواصل الاجتماعي، فلا يحتاجون إلى وسيط. مؤلفون وأدباء شباب كثر عبر العالم، من فرنسا وأميركا وإنجلترا وكندا وغيرها مثل Mélissa Da Costa - Guillaume Musso - Laura Swan - Morgane Moncomble - Collen Hoover - Ana Huang وآخرين وأخريات ينتمون إلى عالم رقمي، تسيطر فيه عناصر جديدة تشكل صلصال الكتابة وجسر الشهرة... لم يمروا كما مر الذين من قبلهم على معابر الأدب، وتراتبية مدارسه المختلفة التي وسمت مراحل أدبية متوهجة سابقة لهم، ولم يهتموا كثيراً بالنّسَب الجيني لأجدادهم من الروائيين من القارات الخمس بمختلف لغاتهم، ولم يتخذوا منهم ملهمين، ولا مِن مقامهم هوى. كتابٌ شباب، أضحت مبيعات رواياتهم تتصدر أرقام السوق، فتسجل عشرات الملايين من النسخ، وتجتاح الترجمات عشرات اللغات العالمية، ودون سعي منهم ترصد ذلك متابعات صحافية وإعلامية جادة، وتدبج عنهم مقالات على صفحات أكبر الجرائد والمجلات العالمية، وتوجه لهم دعوات إلى معارض الكتب الدولية. كتاب لم يلجئوا في بداية طريقهم ومغامرتهم الإبداعية إلى دور النشر، كما فعلت الأجيال السابقة من الأدباء، بل إن دور النشر الكبيرة الشهيرة لجأت بنفسها إليهم، طالبة منهم نشر أعمالهم في طباعة ورقية، بعد أن تحقق نجاحهم من خلال منصات النشر العالمية وانجذب إليهم ملايين القراء. فرص سانحة في سياق طبيعي يتماهى مع أدوات العصر مثل: Wattpad - After Dark - nouvelle app - Creative Commons وغيرها.

ولأن التفاؤل الفكري يرى فرصة في كل عقبة، وليس في كل فرصة عقبة كما جاء على لسان وينستون تشرشل، ولأن الوعي بالحداثة يأتي متأخراً زمنياً، فإن ما يحدثه الكتّاب الروائيون الشباب Bests eller البستسيللر في العالم، من هزات مؤْذنة بالتغيير، ومن توهج استثنائي في عالم الكتابة، ومن حضور مُربك في معارض الكتاب، تجعلنا نطرح السؤال الوجودي التالي: هل ستتغير شروط الكتابة وتتبدل مقاييسها التقليدية، وهل ستنتفي معارض الكتاب أم تتغير. وكيف ستكون عليه إذن في الأزمنة المقبلة؟