من بين الدمار ورائحة الموت.. سكان غزة يستأنفون حياتهم مجددا

الأسواق والبنوك ووزارات تفتح أبوابها.. والآمال على رفع الحصار

على الرغم من الدمار ظهرت بوادر الحياة أمس في شوارع حي الشجاعية بعد يوم من إعلان وقف إطلاق النار (أ.ف.ب)
على الرغم من الدمار ظهرت بوادر الحياة أمس في شوارع حي الشجاعية بعد يوم من إعلان وقف إطلاق النار (أ.ف.ب)
TT

من بين الدمار ورائحة الموت.. سكان غزة يستأنفون حياتهم مجددا

على الرغم من الدمار ظهرت بوادر الحياة أمس في شوارع حي الشجاعية بعد يوم من إعلان وقف إطلاق النار (أ.ف.ب)
على الرغم من الدمار ظهرت بوادر الحياة أمس في شوارع حي الشجاعية بعد يوم من إعلان وقف إطلاق النار (أ.ف.ب)

قضى ناهض دلول (36 سنة) ليلته الأولى منذ 51 يوما دون سماع أي أصوات للانفجارات، بل كانت أفضل الليالي على الإطلاق التي يعيشها مع عائلته منذ نحو شهرين بعد أن كان الخوف والهلع ينتاب الجميع مع كل صوت انفجار أو صاروخ يطلق قرب منزله في حي الزيتون جنوب مدينة غزة والذي كان مسرحا للهجوم الإسرائيلي إلى جانب كل أحياء قطاع غزة التي طالها العدوان وقضى على كثير من عائلاتها ومنازلها.
استيقظ دلول باكرا في صباح اليوم الأول من التهدئة مبتسما، جلس مع أطفاله على مائدة الإفطار وتناولوا الأكلة الأكثر شعبية في غزة «الفول والفلافل» ثم احتسى الشاي ونهض ليقبل أطفاله مغادرا نحو حي الرمال حيث يمتلك محل صرافة لم يستطع أن يصله طوال فترة الحرب، وكان يخشى أن تطاله هو الآخر الصواريخ الإسرائيلية التي لم تستثن شيئا من المدينة.
شاهد دلول مئات الفلسطينيين ينتشرون في شوارع غزة مع صباح جميل أشرقت فيه الشمس على المدينة المحبة للحياة على الرغم من رائحة الموت والدمار.
عاجل الخطى إلى محله وارتسمت على شفتيه ابتسامة أكبر حين شاهد محله سليما لم تطله أي من الصواريخ الإسرائيلية التي أحدثت أضرارا في محل البقالة المجاور ومحلات أخرى في السوق.
يقول دلول بكثير من الأمل: «على الرغم من كل الألم الذي نشعر به وفقداننا كثير من الأقرباء والأحباء، لكن هذه الحياة. هنا في غزة كل شيء ينتهي في حينه والحياة تسير رغم كل ما أصابنا».
ويضيف دلول لـ«الشرق الأوسط»: «وصلت باكرا للمحل للاطمئنان على حالة. أريد أن أعود للعمل سريعا وأكسب رزقي وقوت أطفال. منذ بدء الحرب وأنا لم أفتح محلي سوى ساعات قلائل خلال فترات الهدن». وفتحت المحال والمصارف أبوابها أمس لاستعادة نشاطها وأرزاقها بعد أن عطلت قسريا بفعل الحرب، كما خرج الآلاف من منازلهم يتفقدون أحوالهم وبيوتهم وأقرباءهم، وخرج الصيادون بقواربهم إلى البحر.
وقف عمال من بلدية غزة لتنظيف الشوارع وإزالة الركام، وبدأت شركة الكهرباء بإصلاح خطوط الكهرباء الرئيسة بين قطاع غزة وإسرائيل التي دمرت خلال الحرب. كما عاد أفراد الشرطة إلى مزاولة مهامهم. ويقول أحد العاملين في أشهر المطاعم الشعبية التي يباع فيها الفول والحمص والفلافل وسط مدينة غزة، لـ«الشرق الأوسط» إن «الإقبال كبير من المواطنين على شراء الوجبات الشعبية وكما ترى فهناك العشرات الآن يرتادون المطعم لتناول إفطارهم كما قبل الحرب تماما». بينما أعرب محمد صالح عن أمله في أن يعم السلام والأمن في غزة وكل الأراضي الفلسطينية وأن يشرع سريعا بإعادة إعمار البيوت المدمرة وإعادة السكان إليها بعد أن نزحوا منها بعد تدميرها. وتوصلت الفصائل الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي برعاية مصر مساء أول من أمس إلى تهدئة وفقا لتفاهمات 2012. وخرج الآلاف من سكان القطاع إلى الشوارع ابتهاجا بوقف العدوان الإسرائيلي الذي أدى إلى مقتل 2137 فلسطينيا وإصابة أكثر من 11120 آخرين.
ويأمل كثير من الفلسطينيين أن يرفع الحصار عن القطاع وتحسن أحوالهم المعيشية، خرجت قوارب الصيد إلى البحر المتوسط بعد أن سمحت إسرائيل بالصيد على مسافة ستة أميال بحرية، حسب الاتفاق.
وقال نزار عياش نقيب الصيادين في غزة «لا يوجد أي تغيير ولا يوجد أي جديد (...) هي نفس المسافة التي كان مسموح لنا أن نصيد بها قبل الحرب ولكنا تلقينا وعودا بأنهم سيسمحون لنا بالصيد في مسافات أكبر من ستة أميال بحرية وصولا إلى 12 ميلا بحريا». وأضاف «خلال الحرب لم يسمحوا لأي صياد بالنزول إلى البحر حتى لمسافة مائة متر وكان الإسرائيليون يطلقون النار عليهم».
وبحسب عياش فإنه «بعد حجم الضحايا والدمار يجب فك الحصار بشكل كامل حتى لا تتحكم بنا إسرائيل كل يوم».
وأخذت هداية الأطرش أطفالها إلى البحر للترفيه عنهم بعد هذه الأيام الطويلة من الحرب والضغط النفسي الذي عاشته أسرتها. وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «من حقنا أن نعيش كما يعيش العالم، نحن شعب يحب الحياة ونريد أن نحياها بأمان وسلام رغم كل المحاولات الإسرائيلية لقتل أطفالنا وعائلاتنا». وتشير إلى أن أبناءها كانوا يتوقون الذهاب إلى البحر خلال الإجازة الصيفية لكن كل ذلك لم يحصل بسبب الحرب. وفتح عدد من الوزارات الحكومية التابعة لحكومة التوافق الوطني الفلسطيني، التي لم تدمر مقراتها، أبوابها أمام المسؤولين الكبار والإداريين فقط فيما بقي الموظفون العموميون دون دوام لحين تحديد موعد رسمي من قبل الحكومة لاستئنافه.



حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
TT

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)

فرضت الجماعة الحوثية خلال الأيام الماضية إتاوات جديدة على مُلاك مناجم الحجارة وسائقي ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة في العاصمة المختطفة صنعاء ومدن أخرى؛ ما تَسَبَّبَ أخيراً في ارتفاع أسعارها، وإلحاق أضرار في قطاع البناء والتشييد، وزيادة الأعباء على السكان.

وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن قيادات حوثية تُدير شؤون هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لسيطرة الجماعة، فرضت زيادة سعرية مفاجئة على ناقلات الحصى تتراوح ما بين 300 و330 دولاراً (ما بين 160 ألفاً و175 ألف ريال) لكل ناقلة.

ووصل إجمالي السعر الذي يُضطر مُلاك مناجم الحجارة وسائقو الناقلات إلى دفعه للجماعة إلى نحو 700 دولار (375 ألف ريال)، بعد أن كان يقدر سعرها سابقاً بنحو 375 دولاراً (200 ألف ريال)، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار بـ 530 ريالاً.

مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

وتذهب الزيادة المفروضة، وفقاً للمصادر، لمصلحة أحد المشرفين الحوثيين، الذي يُكنى بـ«الجمل»، ويواصل منذ أيام شن مزيد من الحملات التعسفية ضد مُلاك كسارات وسائقي ناقلات بصنعاء وضواحيها، لإرغامهم تحت الضغط والترهيب على الالتزام بتعليمات الجماعة، وتسديد ما تقره عليهم من إتاوات.

واشتكى مُلاك كسارات وسائقو ناقلات في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من حملات الابتزاز الحوثي لفرض الزيادة المفاجئة في أسعار بيع ونقل الخرسانة المستخدمة في البناء والتشييد، ما يزيد من أعبائهم ومعاناتهم.

وقال بعضهم إن الجماعة لم تكتفِ بذلك، لكنها فرضت إتاوات أخرى عليهم تحت أسماء متعددة منها تمويل تنظيم الفعاليات بما تسمى ذكرى قتلاها في الحرب، ورسوم نظافة وتنمية مجتمعية وأجور مشرفين في الجماعة بذريعة تنفيذ الرقابة والمتابعة والإشراف على السلامة البيئية.

وتحدث مالك كسارة، اشترط إخفاء اسمه، عن لجوئه وآخرين يعملون في ذلك القطاع، لتقديم عدة شكاوى لسلطة الانقلاب للمطالبة بوقف الإجراءات التعسفية المفروضة عليهم، لكن دون جدوى، وعدّ ذلك الاستهداف لهم ضمن مخطط حوثي تم الإعداد له مسبقاً.

الإتاوات الجديدة على الكسارة وناقلات الحصى تهدد بإلحاق أضرار جديدة بقطاع البناء (فيسبوك)

ويتهم مالك الكسارة، المشرف الحوثي (الجمل) بمواصلة ابتزازهم وتهديدهم بالتعسف والإغلاق، عبر إرسال عناصره برفقة سيارات محملة بالمسلحين لإجبارهم بالقوة على القبول بالتسعيرة الجديدة، كاشفاً عن تعرُّض عدد من سائقي الناقلات خلال الأيام الماضية للاختطاف، وإغلاق نحو 6 كسارات لإنتاج الحصى في صنعاء وضواحيها.

ويطالب مُلاك الكسارات الجهات الحقوقية المحلية والدولية بالتدخل لوقف التعسف الحوثي المفروض على العاملين بذلك القطاع الحيوي والذي يهدد بالقضاء على ما تبقى من قطاع البناء والتشييد الذي يحتضن عشرات الآلاف من العمال اليمنيين.

وسبق للجماعة الحوثية، أواخر العام قبل الفائت، فتح مكاتب جديدة تتبع هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لها، في أغلبية مناطق سيطرتها بغية التضييق على مُلاك الكسارات وسائقي ناقلات الحصى، ونهب أموالهم.

وأغلقت الجماعة الحوثية عبر حملة استهداف سابقة نحو 40 كسارة في محافظات صنعاء وعمران وحجة وإب والحديدة وذمار، بحجة مخالفة قانون المناجم، رغم أنها كانت تعمل منذ عقود وفق القوانين واللوائح المنظِّمة لهذا القطاع.

إتاوات جديدة فرضتها الجماعة الحوثية على ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة (فيسبوك)

وسبق أن فرضت الجماعة في ديسمبر (كانون الأول) من العام قبل الماضي، على مُلاك المناجم في صنعاء وبقية المناطق رسوماً تقدر بـ 17 دولاراً (8900 ريال) على المتر الواحد المستخرج من الحصى، والذي كان يباع سابقاً بـ5 دولارات ونصف الدولار (2900 ريال) فقط.

وتفيد المعلومات بإقدامها، أخيراً، على مضاعفة الرسوم المفروضة على سائقي ناقلات الحصى، إذ ارتفعت قيمة الرسوم على الناقلة بحجم 16 متراً، من 181 دولاراً (64 ألف ريال)، إلى 240 دولاراً (128 ألف ريال)، في حين ارتفع سعر الحمولة ليصل إلى 750 دولاراً، (400 ألف ريال).