«حماس» تعمل على تجنيد عناصر في أجهزة أمن السلطة

الإعلام الإسرائيلي كشف عن شبكة اعتُقلت بالكامل... والأجهزة الأمنية تتحدث عن اعتقال 2

فلسطينيون يحتجون على إغلاق اسرائيل قرية قرب بيت لحم امس (إ ب أ)
فلسطينيون يحتجون على إغلاق اسرائيل قرية قرب بيت لحم امس (إ ب أ)
TT

«حماس» تعمل على تجنيد عناصر في أجهزة أمن السلطة

فلسطينيون يحتجون على إغلاق اسرائيل قرية قرب بيت لحم امس (إ ب أ)
فلسطينيون يحتجون على إغلاق اسرائيل قرية قرب بيت لحم امس (إ ب أ)

قالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية إن حركة «حماس» نجحت قبل نحو عام في تجنيد متعاونين معها من بين عناصر الأجهزة الأمنية الفلسطينية، قبل أن تعتقلهم السلطة الفلسطينية، التي قلل الناطق باسم أجهزتها الأمنية من أهمية التقرير الإسرائيلي وشكّك في توقيته، قائلاً إن الأمر يقتصر على اعتقال عنصرين فقط.
وأكدت مصادر فلسطينية رفيعة للصحيفة الإسرائيلية أنه «في عملية تجسس معقدة نجحت (حماس) في تجنيد العشرات من الضباط في قوات الأمن الفلسطيني الذين عملوا عملاء لها، ومهمتهم كانت جمع معلومات عن عمليات كانت السلطة تنوي القيام بها ضد أفراد (حماس) و(الجهاد الإسلامي) في الضفة، وبث معلومات كاذبة لتشويش معلومات استخبارية وتعميق صراعات القوى داخل الأجهزة الأمنية». لكن في نهاية الأمر «الخطة التي أدارتها قيادة حركة (حماس) في قطاع غزة والخارج كُشفت، وكل المتهمين في السجن».
وأكدت المصادر الفلسطينية أنه تم كشف خطة حركة «حماس» عن طريق المخابرات العسكرية الفلسطينية، وبعد الكشف عن الخطة تم إبلاغ قادة الأجهزة الأمنية الفلسطينية كافة، وتم فتح تحقيق سري للوصول لعناصر الأجهزة الأمنية الفلسطينية الذين تم تجنيدهم من قِبل «حماس».
واتضح بعد التحقيق أن حركة «حماس» تمكنت من التسلل إلى عدد من الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية، في مواقع حساسة وأقل حساسية.
وقد طلبت الحركة من المجندين نقل معلومات حساسة عن خطط الأجهزة الأمنية الفلسطينية إلى حركة «حماس» في قطاع غزة، وعن العمليات ضد البنية التحتية لحركة «حماس» في الضفة الغربية، ومنهم من طلب منه بث معلومات كاذبة للتشويش على المعلومات الاستخبارية، وتعميق وبث معلومات واستغلال صراعات قائمة بين كبار المسؤولين في الأجهزة الأمنية الفلسطينية.
لكن المفوض السياسي العام، الناطق الرسمي باسم المؤسسة الأمنية عدنان الضميري، رد على التقرير الإسرائيلي، بقوله إن «هناك معتقلَين اثنين من الأجهزة الأمنية منذ سنتين بتهمة تسريب معلومات لحركة (حماس)». مضيفاً للوكالة الرسمية: «إن مثل هذه التصريحات التي يشنها الإعلام العبري على الأجهزة الأمنية تثير لدينا بعض الشكوك حول الأهداف من وراء ذلك».
ويعزز تصريح الضميري وجود محاولات سابقة من «حماس» لتجنيد رجال أمن والتجسس على السلطة، لكنه لا يكشف إذا ما كانت نجحت أو مسّت بالأمن فعلاً. وجاء في التقرير أن من بين الذين تم تجنيدهم، ضباطاً في المخابرات العامة والأمن الوقائي، وهذان الجهازان يعدان أكثر الأجهزة الأمنية أهمية في السلطة الفلسطينية، كما كان هناك مجندان في قوات الأمن الوطني، والاستخبارات الفلسطينية والشرطة، وفي الدفاع المدني الفلسطيني. واتبعت «حماس» طرقاً متعددة للتجنيد، إذ تم تجنيد البعض من خلال استغلال وجود عائلاتهم في قطاع غزة، ومارست «حماس» ضغوطاً عليهم من خلال اعتقال أفراد من عائلاتهم، أما الآخرون فجُنِّدوا من خلال الرشوة عبر لقاءات مباشرة مع عناصر «حماس» في الضفة.
وقالت «يديعوت أحرونوت» إنه تم خلال مجريات التحقيق اعتقال عدد من الضباط الذين اعترفوا بتجنيدهم لصالح حركة «حماس»، وزُج بجميعهم في سجون السلطة الفلسطينية، وأُحيط اعتقالهم بالسرية الكاملة، وكان أبو مازن والقيادة الرفيعة في السلطة على اطلاع على مجريات ذلك أولاً بأول.
وتابعت الصحيفة بأنه بقدر ما هو معروف استطاعت السلطة الفلسطينية إفشال مخطط حركة «حماس»، لكن الحركة تحاول الآن استغلال الوضع الاقتصادي الناتج عن تلقي موظفي السلطة الفلسطينية، بمن فيهم الأجهزة الأمنية 50% من رواتبهم فقط، بسبب الأزمة المالية بعدما توقفت السلطة عن تسلم أموال العوائد الضريبية من إسرائيل.
وقالت المصادر الفلسطينية للصحيفة إن حركة «حماس» تحاول إغراء عناصر الأجهزة الأمنية الفلسطينية من خلال تقديم مئات الدولارات لهم كل شهر، على أمل أن يتجاوب البعض منهم مع طلبات الحركة.
وترى «يديعوت أحرونوت» أن هذه المبالغ أصبحت أكثر أهمية الآن، خصوصاً قبل شهر رمضان، الذي تتزايد فيه نفقات الأسرة الفلسطينية بشكل كبير، وهو ما يجعل الخوف من نجاح حركة «حماس» يتزايد، مستغلةً الضيق الحالي لتحقيق أهدافها. معلوم كذلك أن «حماس» تعاني من ضائقة مالية.
ونقلت الصحيفة الإسرائيلية عن قيادات في السلطة الفلسطينية قولهم في أحاديث مغلقة، أنهم محبطون بسبب أن إسرائيل تعاقب السلطة الفلسطينية التي تحافظ على الهدوء في الضفة الغربية، وفي المقابل تقدم لحركة «حماس» تسهيلات جدية مقابل أن توقف المظاهرات وإطلاق الصواريخ من قطاع غزة.
وحذّر مصدر فلسطيني رفيع من أن هذه السياسة ستقود إلى خلق خط مقاومة داخل الأجهزة الأمنية الفلسطينية ضد العلاقات والعمل الفعال القائم بينهم وبين الأجهزة الأمنية الإسرائيلية (أي التنسيق الأمني).



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.