«لوبيانكا»... مبنى حولته الثورة البلشفية إلى مركز «كي جي بي»

صورة قديمة للمبنيين على ساحة لوبيانكا قبل تأميمهما وتحويلهما إلى مقر للاستخبارات
صورة قديمة للمبنيين على ساحة لوبيانكا قبل تأميمهما وتحويلهما إلى مقر للاستخبارات
TT

«لوبيانكا»... مبنى حولته الثورة البلشفية إلى مركز «كي جي بي»

صورة قديمة للمبنيين على ساحة لوبيانكا قبل تأميمهما وتحويلهما إلى مقر للاستخبارات
صورة قديمة للمبنيين على ساحة لوبيانكا قبل تأميمهما وتحويلهما إلى مقر للاستخبارات

يقف مبنى الـ«كي جي بي»، في واحدة من الساحات الرئيسية في العاصمة الروسية موسكو. مبنى يحظى بشهرة عالمية، تُخطط فيه أحداث تصلح لتكون حبكة لأفلام بوليسية أو خيالية وحتى لأفلام رعب. ويسود اعتقاد بأن الحظ حليف كل من يدخله بصفة «من أهله» أو أحد «المقيمين» فيه، ما التزم بصرامة قواعد «الإقامة»، وعلى العكس فإن التعاسة تكون من نصيب من يدخله بـ«دعوة» إليه من «قاطنيه». والأمر دوما يُقاس بمبررات «الدعوة - الاستدعاء» وطبيعتها. يتميز بواجهة خارجية جميلة، منذ تشييده منذ أكثر من 100 عام، أما ما يجري في داخله، فإنه يمثل رمزا من رموز «هيبة الدولة»، ولدى العامة من الناس فإن مجرد ذكر اسمه يسبب الذعر.
يُطل على ساحة «لوبيانكا»، التي حملت طيلة 70 عاماً اسم فيلكس إدموندوفيتش دزيرجينسكي، الأب المؤسس لجهاز الاستخبارات السوفياتية. ويخطئ كثيرون بخلط هذا المبنى بواجهته الحجرية بنية اللون بـ«المبنى الرمادي»، الذي شُيد في الثمانينات، وتغطي واجهته أحجار من الرخام رمادية اللون، وأصبح منذ بنائه المقر المركزي للاستخبارات الروسية، مع بقاء مهام قيادية لهذا الجهاز في المبنى القديم.
رغم معرفة الكثيرين بجهاز الـ«كي جي بي»، ووريثه الحالي جهاز الاستخبارات الروسية، الذي يطلق عليه اسم «هيئة الأمن الفيدرالي»، فإن قلة ربما يعرفون أن المبنى على ساحة لوبيانكا، لم يشيد بداية ليكون مقرا للاستخبارات، وأن الثورة البلشفية عام 1917 هي التي حكمت عليه بذلك.
تبدأ قصة المبنى مع نهاية القرن التاسع عشر، في عهد روسيا القيصرية، وتحديداً في عام 1894. حين قامت شركة تأمين ضخمة تحمل اسم «روسيا»، ومقرها العاصمة الروسية بطرسبورغ حينها، بشراء قطعة أرض مساحتها 1110 أمتار مربعة وسط موسكو، مقابل 475 ألف روبل فضي. وسمحت سلطات موسكو لشركة التأمين بالتخلص من جميع المباني القديمة.
في البداية فكرت شركة «روسيا» في تشييد فندق ضخم. وبالفعل بدأت في عام 1897 محادثات مع شركة فرنسية لبناء فندق من تصميم المهندس الباريسي جان شيدان، وفي الوقت ذاته أعلنت الشركة عن مسابقة لأفضل تصميم يشارك فيها خيرة خبراء الهندسة المعمارية الروس. وفي النهاية وقع الاختيار على تصميم قدمه المهندسون الروس، لكن سرعان ما تراجعت شركة التأمين عن خيارها واتفقت مع الفرنسين على اعتماد التصميم الذي قدمه الفرنسي شيدان، على أن يتم التنفيذ بمراقبة المهندسين الروس. إلا أن خلافات نشبت بين الفرنسيين والروس بسبب بعض التعديلات، ما أدى في العام ذاته لإكمال المشروع من قبل المهندس الروسي ألكسندر إيفانوف. وبعد الانتهاء من تشييد المبنى الأول، قررت شركة «روسيا» الاستفادة من قطعة الأرض المتبقية على الجانب الآخر من شارع «ماليا لوبيانكا» وتشييد مبنى آخر، من تصميم المهندس إيفانوف أيضاً، الذي اعتمد في المخطط الجديد نمط «النيوكلاسيكية» مع بعض التفاصيل من نمط «زخرفة الباروك».
مع انتهاء أعمال تشييد المبنيين، عدلت شركة «روسيا» خطتها الأولية ولم تفتتح فيهما فندفا، وقررت على ما يبدو الاستفادة منهما للحصول على دخل أكبر ومستقر، لذلك صنفت العقارات فيهما ضمن فئات (شقق سكينة) من 4 إلى 9 غرف، ومحال تجارية. وعوضا عن بيعها قامت بتأجيرها للراغبين؛ حيث كان إيجار الشقة الواحدة أعلى بكثير من إيجار الشقق في المنطقة، وكذلك الأمر بالنسبة للمحال التجارية. وافتتحت هناك مكتبة ومخزنا لبيع «ماكينات الخياطة»، وآخر لبيع الأثاث المنزلي، والكثير غيرها. وكان المبنيان يدران على شركة التأمين دخلا سنويا زاد على 160 ألف روبل، وهو مبلغ ضخم وفق معايير الاقتصاد الروسي في تلك السنوات.
أحداث الثورة في روسيا عام 1917 قلبت الأوضاع؛ حيث قررت السلطات في عام 1919 حل كل شركات التأمين الخاصة وتأميم أملاكها، وهكذا أصبح المبنيان «ملكا عاما» للدولة. في مايو (أيار) من العام ذاته صدر قرار بمنح المبنى على عنوان «لوبيانكا 2» لمجلس اتحاد النقابات في موسكو، لكن بعد أيام انتقل إلى المبنى ما أطلق عليه إبان تلك الأحداث «لجنة الطوارئ لمكافحة الثورة المضادة» وهو جهاز أمني كان يلاحق أعداء الثورة، أسسه وترأسه فيلكس دزيرجينسكي: «الأب المؤسس» لمؤسسة الاستخبارات السوفياتية. لذلك أطلقت السلطات السوفياتية عام 1926 اسم «ساحة دزيرجينسكي» على ساحة لوبيانكا، كان يتوسطها نصب تذكاري له.
ومنذ عام 1919 تعاقبت الأجهزة الأمنية السوفياتية على المبنى بأسماء مختلفة، إلى أن استقر الأمر في الستينيات على تسمية «لجنة أمن الدولة»، واختصارها من الروسية «كي جي بي»، الجهاز الاستخباراتي التجسسي ذائع الصيت عالمياً.
وفي سنوات تفكك الدولة السوفياتية، أزيل تمثال دزيرجينسكي من الساحة، واستعادت اسمها السابق «ساحة لوبيانكا». تغير كذلك اسم جهاز الاستخبارات الروسية، وأصبح «هيئة الأمن الفيدرالي»، اختصارا من الروسية «في إس بي»، الذي ورث المبنى عن أجهزة الاستخبارات السوفياتية.
ورغم انتقال المهام المركزية للاستخبارات إلى «المبنى الرمادي» الذي شُيد في الثمانينات وتحول إلى رمز للمؤسسة الأمنية السوفياتية، فإن المبنى القديم على الطرف الآخر من الشارع، لا يزال مقراً مركزياً لهيئة الأمن حتى يومنا هذا، ويشكل معلما سياحيا يتعرف فيه السياح من الدليل السياحي على الأحداث التي شهدها المبنى ومحيطه، لا سيما عمليات التنكيل وحملات القمع والاعتقالات، فضلا عن الاحتجاجات الشعبية في التسعينات وإزالة تمثال دزيرجينسكي من الساحة، الحدث الذي يرمز إلى تحرر روسيا من القبضة الأمنية للدولة السوفياتية.



«متحف الجريمة» في لندن... لأصحاب القلوب القوية

من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)
من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)
TT

«متحف الجريمة» في لندن... لأصحاب القلوب القوية

من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)
من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)

من براميل الأسيد التي استخدمها القاتل جون جورج هاي لتذويب ضحاياه والتي تعرف باسم Acid Bath «مغطس الأسيد»، إلى الملابس الداخلية لـ«روز ويست»، يحتوي متحف بريطاني يعرض حيثيات أشهر الجرائم الأكثر إثارة للرعب على بعض من أكثر القطع الأثرية إزعاجاً والتي تعيد عقارب الساعة إلى الوراء وتشعرك بأحلك اللحظات في التاريخ.

ويعتبر «متحف الجريمة» (المتحف الأسود سابقاً) عبارة عن مجموعة من التذكارات المناطة بالجرائم المحفوظة في (نيو سكوتلاند يارد)، المقر الرئيسي لشرطة العاصمة في لندن، بإنجلترا.

مقتنيات استحوذ عليها المتحف من المزادات والتبرعات (متحف الجريمة)

وكان المتحف معروفاً باسم «المتحف الأسود» حتى أوائل القرن الحادي والعشرين، وقد ظهر المتحف إلى حيز الوجود في سكوتلاند يارد في عام 1874. نتيجة لحفظ ممتلكات السجناء التي تم جمعها بعد إقرار قانون المصادرة لعام 1870 وكان المقصود منه مساعدة عناصر الشرطة في دراستهم للجريمة والمجرمين. كما كان المتحف في البداية غير رسمي، لكنه أصبح متحفاً رسمياً خاصاً بحلول عام 1875. لم يكن مفتوحاً أمام الزوار والعموم، واقتصر استخدامه كأداة تعليمية لمجندي الشرطة، ولم يكن متاحاً الوصول إليه إلا من قبل المشاركين في المسائل القانونية وأفراد العائلة المالكة وغيرهم من كبار الشخصيات، حسب موقع المتحف.

جانب من القاعة التي تعرض فيها أدوات القتل الحقيقية (متحف الجريمة)

ويعرض المتحف الآن أكثر من 500 قطعة معروضة، كل منها في درجة حرارة ثابتة تبلغ 17 درجة مئوية. وتشمل هذه المجموعات التاريخية والمصنوعات اليدوية الحديثة، بما في ذلك مجموعة كبيرة من الأسلحة (بعضها علني، وبعضها مخفي، وجميعها استخدمت في جرائم القتل أو الاعتداءات الخطيرة في لندن)، وبنادق على شكل مظلات والعديد من السيوف والعصي.

مبنى سكوتلاند يارد في لندن (متحف الجريمة)

يحتوي المتحف أيضاً على مجموعة مختارة من المشانق بما في ذلك تلك المستخدمة لتنفيذ آخر عملية إعدام على الإطلاق في المملكة المتحدة، وأقنعة الموت المصنوعة للمجرمين الذين تم إعدامهم في سجن «نيوغيت» وتم الحصول عليها في عام 1902 عند إغلاق السجن.

وهناك أيضاً معروضات من الحالات الشهيرة التي تتضمن متعلقات تشارلي بيس ورسائل يُزعم أن جاك السفاح كتبها، رغم أن رسالة من الجحيم سيئة السمعة ليست جزءاً من المجموعة. وفي الداخل، يمكن للزوار رؤية الحمام الذي استخدمه القاتل المأجور جون تشايلدز لتمزيق أوصال ضحاياه، وجمجمة القاتل والمغتصب «لويس ليفيفر»، والحبل الذي استخدم لشنق المجرمين. وقال جويل غريغز مدير المتحف لـ«الشرق الأوسط» إن المتحف هو بمثابة واقع وجزء من التاريخ، مضيفاً: «لا أعتقد أنه يمكنك التغاضي عن الأمر والتظاهر بأن مثل هذه الأشياء لا تحدث. هناك أشخاص سيئون للغاية».

وقال جويل إنه لا يريد الاستخفاف بالرعب، وقال إنهم حاولوا تقديم المعروضات بطريقة لطيفة، وأضاف: «عندما أنظر إلى مجلات الجريمة في المحلات التجارية، فإنها تبدو مثل مجلات المسلسلات ومجلات المشاهير، لذلك يُنظر إليها على أنها نوع من الترفيه بطريقة مماثلة».

وتُعرض البراميل الحمضية الأسيدية المستخدمة من قبل جون جورج هاي، والمعروف باسم قاتل الحمامات الحمضية، في كهف خافت الإضاءة. وهو قاتل إنجليزي أدين بقتل 6 أشخاص، رغم أنه ادعى أنه قتل 9. وفي مكان آخر، يمكن للزوار مشاهدة رسائل حب كان قد أرسلها القاتل الأميركي ريتشارد راميريز إلى مؤلفة بريطانية تدعى ريكي توماس، وكان يعرف راميريز باسم «المطارد الليلي»، لسكان كاليفورنيا بين عامي 1984 و1985 وأدين بـ13 جريمة قتل وسلسلة من اقتحام المنازل والتشويه والاغتصاب. وكشفت ريكي، التي كتبت عدداً من الكتب الأكثر مبيعاً عن القتلة المحترفين، أنها اتصلت بالقاتل في مرحلة صعبة من حياتها وشعرت بجاذبية جسدية قوية ناحيته. ووصفت رسالتها الأولى إلى راميريز بأنها «لحظة جنون». وقالت في حديثها إلى صحيفة «سوسكس بريس» المحلية: «كان رجلاً جيد المظهر، لكنني لم أشعر قط بأنني واحدة من معجباته». وقررت المؤلفة التبرع بالرسائل للمتحف عام 2017 لإعطاء فكرة عن عقلية الوحش.

من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)

وفي الوقت نفسه، يعرض متحف الجريمة أيضاً السراويل البيضاء التي كانت ترتديها القاتلة روز ويست، والتي تم شراؤها بمبلغ 2500 جنيه إسترليني في المزاد. وحصل على تلك السراويل ضابط سجن سابق كان يعمل في برونزفيلد، حيث سجنت ويست لمدة 4 سنوات حتى عام 2008. وقامت روزماري ويست وزوجها فريد بتعذيب وقتل ما لا يقل عن 10 فتيات بريطانيات بين عامي 1967 و1987 في غلوسترشير. واتهم فريد بارتكاب 12 جريمة قتل، لكنه انتحر في السجن عام 1995 عن عمر 53 عاماً قبل محاكمته. وقد أدينت روز بارتكاب 10 جرائم قتل في نوفمبر (تشرين الثاني) 1995 وهي تقضي عقوبة بالسجن مدى الحياة.

يعرض المتحف الآن أكثر من 500 قطعة (متحف الجريمة)

تم التبرع بمعظم القطع الأثرية للمتحف، وقام أيضاً جويل بشراء الكثير منها في مزادات علنية.

في مكان آخر في المتحف المخيف يمكن للزوار رؤية السرير الحقيقي للموت بالحقنة القاتلة والقراءة عن الضحايا والمشتبه بهم الذين لهم صلة بجاك السفاح بين عامي 1878 إلى 1898.

الأسلحة التي استخدمت في الجريمة (متحف الجريمة)

وفي الوقت نفسه، يضم المتحف قفازات الملاكمة التي تحمل توقيع رونالد وريجينالد كراي، والمعروفين أيضاً باسم «التوأم كراي». كان روني وريجي المخيفان يديران الجريمة المنظمة في منطقة إيست إند في لندن خلال الخمسينات والستينات قبل أن يسجن كل منهما على حدة في عام 1969 ثم انتقل كلاهما إلى سجن باركهرست شديد الحراسة في أوائل السبعينات. وتوفي روني في نهاية المطاف في برودمور عام 1995، عن عمر 62 عاماً. في أغسطس (آب) 2000. تم تشخيص ريجي بسرطان المثانة غير القابل للجراحة، وتوفي عن 66 عاماً بعد وقت قصير من الإفراج عنه من السجن لأسباب إنسانية.