عرض روسي لدمشق: حل أزمة الوقود مقابل مرفأ طرطوس

موسكو تنافس طهران على البحر المتوسط

TT

عرض روسي لدمشق: حل أزمة الوقود مقابل مرفأ طرطوس

حملت نتائج الزيارة التي قام بها نائب رئيس الوزراء الروسي يوري بوريسوف، إلى دمشق أخيراً، تطوراً مفاجئاً على صعيد مساعي تعزيز المصالح الروسية في سوريا، وتوسيع خط المنافسة مع إيران على الفوز بعقود مجزية، ونقاط تمركز طويلة الأمد في البلاد. وبعد الإعلان عن الطلب الروسي باستئجار مرفأ طرطوس لمدة 49 سنة، أفادت مصادر روسية مطلعة بأن موسكو وجدت الفرصة سانحة لهذا التطور على خلفية أزمة الوقود الخانقة في سوريا بعد توقف إمدادات النفط الإيراني، ولفتت إلى أن الطلب الروسي حول مرفأ طرطوس مرتبط بتعهد روسي بالتدخل سريعاً لحل مشكلة الوقود.
وكان بوريسوف قد أعلن للصحافيين بعد عودته من دمشق أن «منابع النفط الرئيسية الآن بعيدة عن متناول الحكومة السورية. بالطبع نوقشت هذه المسألة. هناك مقترحات محددة. وعلى الجانب السوري التوصل إلى قرار».
وعكست هذه الكلمات المقايضة التي طرحتها موسكو على حكومة بشار الأسد. ووفقاً لمعطيات مصادر روسية، سوف يتم قريباً في حال وافقت دمشق على توسيع اتفاق استئجار قاعدة طرطوس البحرية لتشمل كل الميناء والأراضي المحيطة به، البدء بتسليم شحنات النفط الروسية إلى سوريا كبديل عن النفط الإيراني.
ووفقا لمعلومات وسائل إعلام روسية فإنه بعد الاجتماع بين رئيس الولايات المتحدة دونالد ترمب، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قبل أسبوعين، منعت القاهرة سراً مرور ناقلات النفط الإيرانية عبر قناة السويس. نتيجة لذلك، اندلعت أزمة البنزين في سوريا، وأن هذا شكّل السبب الرئيسي لزيارة بوريسوف المفاجئة لدمشق.
ومعلوم أن روسيا وقّعت في 2016 اتفاقاً لاستئجار القاعدة العسكرية البحرية في طرطوس لمدة 49 سنة قابلة للتجديد، ووفقاً للمصادر فإن بوريسوف طرح على الأسد توسيع هذا الاتفاق ليشكل كامل ميناء طرطوس السوري على أن يوظف الميناء للنقل والاستخدام الاقتصادي. وتشير المصادر إلى أنه تم تحقيق تقدم مهم في المحادثات و«تأمل موسكو أن يتم توقيع العقد في غضون أسبوع، وأن يبدأ ميناء طرطوس العمل الروسي لمدة 49 عاماً». المهم في الموضوع أنه لن تكون لدى الطرفين حاجة إلى توقيع اتفاق حكومي جديد وأنه ستتم فقط إضافة وثيقة للاتفاق السابق.
ولفتت أوساط روسية إلى أن الخطوة الروسية مع أنها توسّع الوجود والمصالح الروسية في سوريا فهي تشكل رداً في الوقت ذاته، على خطوة توقيع اتفاقية مماثلة بين إيران وسوريا لاستئجار ميناء بحري اللاذقية، وهي اتفاقية وُقِّعت قبل شهرين. وبعدها زار الأسد طهران. ووفقاً لمعطيات صحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا» فإن الاتفاق السوري الإيراني الذي يدخل حيز التنفيذ بداية أكتوبر (تشرين الأول)، «لم يقلق الولايات المتحدة وإسرائيل فقط، ولكن روسيا أيضاً. ومن الواضح أن هذا الموضوع كان موضوع مفاوضات خلال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لموسكو أخيراً».
وعزت مصادر الصحيفة القلق إلى أن دول التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لا تستطيع السيطرة تماماً على طرق النقل البري الرئيسية من إيران عبر العراق إلى سوريا. وأنه باتت لدى إيران الآن الفرصة لزيادة موقعها على الساحل السوري في البحر الأبيض المتوسط. لذلك تنطلق روسيا، وفقاً للمصادر، من أن توسيع وجودها في طرطوس سوف يحظى بقبول من كل الأطراف الإقليمية والدولية، انطلاقاً من أنه «بدلاً من اللاذقية (الإيرانية)، ستغدو طرطوس (الروسية) بوابة النفط الرئيسية إلى دمشق». وذكرت الصحيفة أن «ميناء طرطوس كان يعمل بشكل نشط قبل الحرب في سوريا في شحن النفط والمواد الهيدروكربونية الأخرى، والآن عادت محطات النفط في الميناء للعمل وسيتم تعزيز قدراتها لتوسيع حجم الاستيراد».
وبالنسبة إلى موسكو، فإن صيغة التعاون هذه مع دمشق ستكون فعالة خصوصاً أنها بعد أن ألغت صادرات النفط إلى أوكرانيا قادرة على تلبية احتياجات الصناعة السورية من النفط.
ومع أن الإيجار طويل الأجل لميناء طرطوس الروسي يعد مؤشراً، وفقاً لخبراء روس، على أن مصانع النفط الخاضعة لسيطرة نظام الأسد قد لا تتلقى أبداً نفطها السوري المنتج في الأراضي الخارجة عن سيطرته، لكن هذا الاتفاق مع موسكو يتيح للأسد فرصة لإعادة تنشيط صناعة الوقود. علماً بأنه توجد في سوريا مصفاتان كبيرتان في مدينتي حمص وبانياس. وتم أخيراً بدعم من روسيا إطلاق عمل واسع لإعادة تأهيلهما وزيادة قدراتهما الإنتاجية.
وفي مقابل المنافع الاقتصادية للطرفين وكون الخطوة توجه ضربة إلى جهود طهران في تعزيز تمركزها في سوريا، لكن ثمة مخاطر سياسية كبرى للاتفاق حول طرطوس، وفقاً لرأي الخبير العسكري الكولونيل فلاديمير بوبوف الذي قال لـ«نيزافيسيمايا غازيتا» إن «موسكو بخطوتها هذه تمنح ضوءاً أخضر بشكل غير مباشر لفكرة التقسيم الإقليمي للبلاد، إذ سيتم التحكم في شرق الفرات تقريباً بكل البنية التحتية المنتجة للنفط في سوريا من قبل دول التحالف بقيادة الولايات المتحدة، في مقابل إطلاق عمل النشاط النفطي وحل مشكلة الحكومة من نقص الوقود بالاعتماد على الموارد الروسية».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.