مئات القتلى والجرحى بسلسلة اعتداءات استهدفت كنائس وفنادق بسريلانكا

قتل 207 أشخاص على الأقل، وجُرح أكثر من 450، بينهم 35 أجنبياً، أمس، في 8 اعتداءات استهدفت فنادق وكنائس، حيث أقيمت قداديس بمناسبة عيد الفصح في سريلانكا، مما أثار إدانات شتى عبر العالم.
وأوقف 8 أشخاص على صلة بالتفجيرات، وفق ما أعلنه رئيس الوزراء رانيل ويكريميسينغي الذي قال في كلمة عبر التلفزيون أمس: «حتى الآن، الأسماء التي لدينا محلية، لكن المحققين يسعون إلى معرفة ما إذا كانت لديهم (علاقات مع الخارج)»، من دون إعطاء تفاصيل إضافية. وقبل ساعات من ذلك، قال الناطق باسم الشرطة إنه «لا يمكن أن نؤكد أنها هجمات انتحارية»، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.
ومباشرة بعد الاعتداءات الإرهابية، أعلنت السلطات السريلانكية منعاً للتجول، وتعطيل شبكات التواصل الاجتماعي لمنع نشر «أنباء غير صحيحة وكاذبة» بعد التفجيرات. وهذه الاعتداءات التي لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عنها حتى وقت كتابة هذه السطور، هي الأعنف في البلاد منذ انتهاء الحرب الأهلية قبل 10 سنوات.
وفي تسجيل فيديو في واحدة من الكنائس التي استهدفت، يظهر كثير من الجثث، بينما يغطي الأرض حطام وبقع دماء. وأدى الانفجار إلى انهيار أجزاء من السقف. ووقعت 8 انفجارات في هذه الجزيرة التي تعد وجهة مهمة للسياح الأجانب، 6 منها في الصباح، وانفجاران بعد الظهر.
وأدان رئيس الوزراء السريلانكي رانيل ويكريميسينغي «الهجمات الجبانة»، ودعا البلاد إلى «الوحدة»، فيما دعا أسقف كولومبو من جهته إلى معاقبة المسؤولين عن الهجمات «بلا شفقة». وقال الأسقف مالكولم رانجيت: «أريد أن أطلب من الحكومة أن تجري تحقيقاً متيناً موضوعياً لتحديد من هو المسؤول عن هذا العمل، ومعاقبتهم بلا شفقة، لأن الحيوانات فقط يمكن أن تتصرف بهذا الشكل».
وسارعت دول العالم إلى إدانة الهجوم الدامي، وأصدرت دعوات إلى التسامح والحرية الدينية، وتعزيز جهود مكافحة الإرهاب. وبدوره، عبّر البابا فرنسيس عن «حزنه» بعد الاعتداءات، مؤكداً أنه «قريب من كل ضحايا هذا العنف الوحشي». وقال في رسالة إلى الحشود، بعد كلمته إلى المدينة والعالم: «علمت بحزن بهذه الاعتداءات الخطيرة التي حملت اليوم بالتحديد، يوم عيد الفصح، الحزن والألم إلى كثير من الكنائس وأماكن التجمعات في سريلانكا»، وأضاف: «أريد أن أعبر عن تعاطفي مع المسيحيين الذين أصيبوا بينما كانوا يتأملون ويصلون، وكل ضحايا مثل هذا العنف الوحشي».
وفي كولومبو، استهدفت التفجيرات 3 فنادق فخمة مطلة على البحر وكنيسة، مما أدى إلى مقتل 64 شخصاً على الأقل، وفق ما ذكره مصدر في الشرطة. وفي بلدة نيغومبو، الواقعة في شمال كولومبو، قتل 67 شخصاً في كنيسة سان سيباستيان، و25 آخرون في كنيسة باتيكالوا، المدينة الواقعة بشرق البلاد، بحسب المصدر.
وبعد ساعات، وقع انفجاران آخران في ضاحيتي ديهيوالا، حيث قتل شخصان على الأقل في انفجار في فندق رابع، وفي أوروغوداواتا، حيث قام انتحاري بتفجير نفسه، مما أدى إلى مقتل 3 شرطيين خلال عملية بحث في منزل. وبين القتلى 35 أجنبياً على الأقل، من الجنسيات البرتغالية والبريطانية والأميركية والدنماركية والتركية والهندية، وفق تقارير.
وسقط في الهجمات «عدة أميركيين»، إذ قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إن «عدة مواطنين أميركيين كانوا من بين القتلى»، كما نقلت عنه وكالة «رويترز». وفي كوبنهاغن، قالت وزارة الخارجية الدنماركية إن ثلاثة مواطنين دنماركيين كانوا من بين قتلى التفجيرات في سريلانكا.
فيما ذكرت وكالة «برس أسوسييشن» البريطانية نقلاً عن وزارة الخارجية السريلانكية، إن ثلاثة بريطانيين وشخصين يحملان الجنسيتين الأميركية والبريطانية كانوا كذلك بين الضحايا.
من جانبه، أعلن عبد الناصر الحارثي، سفير السعودية لدى سريلانكا، أن مواطنين سعوديين من ضمن المفقودين في التفجيرات، مبيناً أن السفارة قامت على الفور بتشكيل فرق للبحث عنهما في الفنادق المستهدفة، شملت كذلك المستشفيات، بالتعاون مع السلطات السريلانكية، مضيفاً أن سفارة بلاده تعمل بالتنسيق مع السلطات السريلانكية في تحديد الهويات للمصابين. وذكر السفير الحارثي أن مضيفة تعمل لدى الخطوط الجوية السعودية تعرضت لإصابة طفيفة خلال وجودها في فندق «سينامون غراند»، وأنها غادرت المستشفى بعد علاجها من إصابتها.
وكان قائد الشرطة الوطنية، بوجوث جاياسوندارا، قد حذّر قبل 10 أيام من أن حركة تدعى «جماعة التوحيد الوطني» تخطط «لهجمات انتحارية على كنائس مهمة، وعلى المفوضية العليا الهندية». وكانت هذه الجماعة قد عُرفت العام الماضي بسبب أعمال تخريب طالت تماثيل بوذية. وقال وزير المال مانغالا ساماراويرا، في تغريدة على «تويتر»، إن الهجمات تبدو «محاولة منسقة لإحداث القتل والفوضى».
ووقعت الهجمات الأولى التي أعلن عنها في كنيسة القديس أنطونيوس في كولومبو، وفي كنيسة نيغومبو. وكتبت كنيسة سان سيباستيان، في نيغومبو، على صفحتها على «فيسبوك»: «اعتداء على كنيستنا، نرجوكم أن تساعدونا. ندعوكم إلى المجيء لمساعدتنا، إذا كان أفراد من عائلتكم هنا».
وفي فندق «سينمامون غراند» الفخم، فجّر انتحاري نفسه بين نزلاء كانوا مصطفين لدخول مطعم في المبنى في عيد الفصح. وقال موظف لوكالة الصحافة الفرنسية إن الانتحاري «ذهب إلى أول الصف، وقام بتفجير نفسه».
وأضاف أن «بين الذين قتلوا على الفور مديراً (في الفندق) كان يستقبل الزبائن»، ووصف الوضع بأنه «فوضى كاملة»، بينما ذكر مسؤولون آخرون في الفندق أن الانتحاري مواطن سريلانكي استأجر غرفة منذ أول من أمس (السبت). وفي فندق شانغري-لا القريب، كانت الأضرار كبيرة في مطعم في الطابق الثاني، فقد كسر زجاج نوافذه، بينما تدلت أسلاك الكهرباء من سقفه، كما ذكرت الوكالة الفرنسية.
ومن جهته، كتب وزير الإصلاحات الاقتصادية هارشا دي سيلفا، في تغريدة: «اجتماع طارئ خلال دقائق، وعمليات الإنقاذ جارية». وتحدث عن «مشاهد رعب» في كنيسة القديس أنطونيوس وفندقين استهدفا وقام بتفقدهما. وكتب على «تويتر»: «رأيت أشلاء مبعثرة في كل مكان»، مشيراً إلى سقوط «كثير من الضحايا، بينهم أجانب». وناشد المواطنين: «أرجوكم، حافظوا على هدوئكم، وابقوا في الداخل».
وتضمّ سريلانكا، ذات الغالبية البوذية، أقلية كاثوليكية من 1.2 مليون شخص، من أصل عدد إجمالي للسكان يصل إلى 21 مليون نسمة. ويشكل البوذيون 70 في المائة من سكان سريلانكا، إلى جانب 12 في المائة من الهندوس، و10 في المائة من المسلمين، و7 في المائة من المسيحيين.
ويعتبر الكاثوليك بمثابة قوة موحدة في هذا البلد، إذ يتوزعون بين التاميل والغالبية السنهالية، غير أن بعض المسيحيين يواجهون عداء لدعمهم تحقيقات خارجية حول الجرائم التي ارتكبها الجيش السريلانكي بحق التاميل خلال الحرب الأهلية التي انتهت عام 2009. وأوقع النزاع الذي استمر بين 1972 و2009 ما بين 80 ألفاً ومائة ألف قتيل، حسب الأمم المتحدة.