«القاعدة» تفشل في وراثة «داعش» بتونس

فشلت في تقديم خطاب يجتذب المجتمعات المحلية

حراس مسلحون يقومون بدورية على شاطئ مرحباً في سوسة التونسية حيث قتل 38 شخصاً (غيتي)
حراس مسلحون يقومون بدورية على شاطئ مرحباً في سوسة التونسية حيث قتل 38 شخصاً (غيتي)
TT

«القاعدة» تفشل في وراثة «داعش» بتونس

حراس مسلحون يقومون بدورية على شاطئ مرحباً في سوسة التونسية حيث قتل 38 شخصاً (غيتي)
حراس مسلحون يقومون بدورية على شاطئ مرحباً في سوسة التونسية حيث قتل 38 شخصاً (غيتي)

حين بدأ تنظيم داعش يخسر أراضيه في العراق وسوريا في ربيع عام 2015، كانت واحدة من المخاوف الكبرى للقائمين على شأن تحليل شؤون المتطرفين حول العالم، أن يقوم تنظيم «القاعدة» وكوادره، بل وحواضنه البشرية في شمال شرقي أفريقيا بنوع خاص بملء الفراغات التي خلفها أولئك، لكن سؤالا طرحه هارون ي. زيلين الباحث والمؤسس لموقع «دراسات الجهاد» خلال الأيام القليلة الماضية، في ورقة بحثية مطولة له، صادرة ضمن أوراق معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، تبين أن ذلك ليس كذلك بالضرورة، والدليل ما جرى في تونس مؤخرا، إذ إن الفرع التونسي لتنظيم «القاعدة» هناك المسمى «كتيبة عقبة بن نافع»، لم يتمكن من التغلب على شبكة «داعش» في تونس ليصبح حامل راية الحركة في تونس، ويبقى السؤال الرئيسي والجوهري عن أسباب ذلك الفشل.
لمعرفة أبعاد تنظيم «القاعدة» في تلك المنطقة الجغرافية ربما يلزمنا العودة إلى منتصف عام 1995، عندما حاول تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب»، ومجموعاته السابقة، إنشاء شبكة أكبر في تونس، وبعد أن تعهدت «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» بمبايعة أسامة بن لادن زعيم القاعدة في سبتمبر (أيلول) 2006، وغيرت اسمها لاحقا إلى «القاعدة في بلاد المغرب» في يناير (كانون الثاني) 2007، أعادت هيكلة تخصيصها للموارد، التي كانت موزعة في السابق على تسع مناطق فقط في الجزائر. وقررت الجماعة تقسيم عملياتها إلى أربع مناطق: الوسط حيث الجزائر، وتونس حيث الشرق، إضافة إلى الجنوب أي الساحل، وأخيرا الغرب في إشارة إلى موريتانيا، الأمر الذي يوضح أهمية الدور الذي ستلعبه تونس وأعضاء التنظيم هناك.
منذ ذلك الوقت اعتبرت «كتيبة عقبة بن نافع» الغطاء الرئيسي لتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب»، وقد ظهرت بشكل رسمي على هذا النحو كنتيجة لعملية «سيرفال» الفرنسية في مالي.
وبالقفز إلى السنوات الخمس الأخيرة حيث بدأ تنظيم «داعش» يتبلور، وبخاصة في الفترة التي سبقت إعلان خلافة «داعش»، وبعدها في أواخر يونيو (حزيران) 2014، شجع المشهد التونسيين المتطرفين على مبايعة زعيم تنظيم «داعش» أبو بكر البغدادي ودعمه بالإضافة إلى المشروع الأوسع نطاقا لإحياء الشكل التاريخي للحكومة الإسلامية.
فعلى سبيل المثال في أواخر مارس 2014، أعلنت المنطقة الوسطى لـ«القاعدة في بلاد المغرب» عن تأييدها لـ«داعش»، وشكلت هذه الجماعة الأساس لما سيصبح في النهاية «ولاية» لتنظيم داعش تحت اسم «ولاية الجزائر»، وذلك عقب خطاب أبو بكر البغدادي في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2014، الذي أعلن فيه توسيع ولاية «داعش» لتخرج عن نطاقها في العراق وسوريا. إلا أن الورقة البحثية التي بأيدينا تضعنا أمام خلاف عميق في الرؤى بين «داعش» و«القاعدة» في تونس، لا سيما من جهة التوجه الاستراتيجي لكل منهما، فـ«القاعدة» في تونس تسعى إلى كسب ود الشارع التونسي، فعلى سبيل المثال ونتيجة لتدهور أوضاع «كتيبة عقبة بن نافع» أصدرت المنظمة بيانا في أواخر أغسطس (آب) 2015، مع شعار رسمي جديد للمساعدة في إعادة تصنيفها وتعزيز جهودها، في نواح كثيرة، وقد كان ذلك أيضا من أجل إعادة تقديم الجماعة للشعب التونسي، وفي البيان بعثت «الكتيبة» برسالة لجهات كثيرة في تونس منها الحكومة والشعب.
وعلى الرغم من خطب الود هذا لجماهير الشعب التونسي، لا سيما أن «داعش» لا يهمه إبداء مودات تجاه أي شعوب المنطقة، وعدم إشارته أبدا إلى معركة كسب القلوب والعقول، فإن ما جعل «القاعدة» تخفق في كسب أفئدة المتطرفين الجدد، أو استقطاب المزيد من الإرهابيين إلى صفوفها، هو أنها لم تتمكن من الوفاء بشكل كامل بادعائها بعدم «سفك دماء المسلمين الأبرياء».
وتؤكد الورقة البحثية التي بين أيدينا أن «كتيبة عقبة بن نافع» غير متصلة بنبض الحركة المتطرفة التونسية، وليست مبتكرة في أسلوب عملها، وتبعد السكان المحليين الذين تحاول كسب ودهم، وقد يجادل البعض بأن هذا هو الحال بالنسبة لـ«داعش» في تونس أيضا، لكن تنظيم «داعش» على عكس تنظيم «القاعدة»، لم يهتم يوما بالحواضن الشعبية من منطلقات عاطفية ولم يقم لمسألة كسب الرأي العام اهتماما.
وعلاوة على ذلك فإنه عند النظر إلى السجناء من المتطرفين التونسيين، يتبين أن معظمهم من أنصار «داعش»، الأمر الذي يسلط الضوء على نقص الدعم الأوسع في البلاد، حتى لو بدا أن كلتا المجموعتين تتمتع بسرعة عملية متشابهة نسبيا في السنوات القليلة الماضية، ويرجع ذلك إلى عدم ترابط شبكة «الكتيبة»، وإلى التجارب المتغيرة للمتطرفين التونسيين منذ الانتفاضات العربية المزعومة، وعدم قدرة «الكتيبة على «مواءمة الدعاية مع الأفعال، وبالتالي خسارة قلوب السكان المحليين وعقولهم».
تاريخيا كانت معظم الجماعات المتطرفة داخل العالم العربي إما متورطة في حوادث إرهابية، أو في مستوى معين من أنشطة التمرد العسكرية. ونتيجة لذلك كانت الأدوات التي يمكن أن يستخدمها المتطرفون في محاولة لتعزيز رسالتهم أو لتنفيذ رؤيتهم للمجتمع مع مرور الوقت محدودة جدا، ومن نواح كثيرة كانت هذه المجموعات تحمل في طياتها بذور الفشل لأنها تعمل سرا وخلسة.
هنا يمكننا فهم لماذا لم تقترب تلك «الجماعات المتطرفة» من السكان المحليين، مما جعل تجاوزها مرحلة أعمال العنف البحتة صعبا، غير أنه ومع أزمنة ما أطلق عليه الربيع العربي، تغيرت هذه الديناميكية التي سمحت للجماعات الجهادية بتوسيع مجموعة إجراءاتها، بسبب فتح الميادين العامة أو الملاذات الآمنة التي تسيطر عليها المنظمات الجهادية، وقد أدى ذلك إلى نمو أنشطة الدعوة بشقيها التوعوي والتبشيري، بالإضافة إلى توفير الخدمات الاجتماعية.
هذه التحولات التي يتوجب على أي باحث في مجال الحركات الأصولية التنبه لها، أدت إلى جذب مجموعة أكبر من الأفراد إلى عدد من المنظمات المتطرفة التي ربما ما كانوا سينضمون إليها لو كانت حركة عنيفة وسرية بحتة.
هنا يضحي التساؤل المثير: ما النقاط التي سببت إخفاقا لـ«كتيبة عقبة بن نافع»، وجعلت هناك مسافة بينه وبين السكان والمواطنين، ولهذا بات عاجزا عن تلقي الإرث الذي خلفه تنظيم «داعش»؟
الشاهد أيضا أن الكتيبة والقائمين عليها فشلوا في تقديم رسائل تتجاوز الحراك الاجتماعي، الذي جاءت به الثورة التونسية، التي كانت المحرك الرئيسي في المنطقة العربية، فلم تعد مسألة مساءلة الحكومات، والتطلع إلى العدالة والحرية والعيش والكرامة الاجتماعية شعارات يسعى الأصوليون إليها، بل باتت توجهات حاسمة وحازمة من قبل «الجماهير الغفيرة»، من العلمانيين أو اليسار، وكذا جماعات الإسلام السياسي. كما أن مجالات العمل الرسمي وفوق الأرض بالنسبة للتيار الأصولي أو الإخواني أضحت متاحة ومباحة للجميع، ما يعني أن ورقة التميز السرية وتحت الأرضية، التي كانت تستغلها الجماعات المتطرفة لم يعد لها موقع أو موضع، وبالتالي فقدت زخمها عند جماهير التيارات الإسلامية العريضة في الداخل التونسي.
إضافة إلى ما تقدم فقد أظهرت الأعوام القليلة الماضية وخصوصا من 2015 وحتى اليوم عدم قدرة «كتيبة عقبة بن ناقع» على التأثير على السكان المحليين واستعطافهم، كما أن كل النيات الطيبة التي حاولت الكتيبة إظهارها للمواطنين قد ذهبت هدرا بل هباء منثورا، فقد تضررت سمعة التنظيم من جراء انحراف الكتيبة نحو سرقة المؤن من منازل السكان المحليين، واقتحام الشركات المحلية للحصول على الإمدادات، وقتلها كثيرا من السكان المحليين بقنابل كان من المفترض أن تكون موجهة ضد قوات الأمن التونسية.
أما الجزئية الكارثية التي تجعل «القاعدة» من دون مستقبل في تونس، وتفشل حتى في الاستيلاء على إرث «داعش» بالقول أو بالفعل، هو أنها ترفع رسالة ضد الحكومة التونسية الحالية، وضد أولئك الذين يؤمنون بالعملية الديمقراطية، إلا أنها لا تقدم في المقابل ما هو خارج إطار ترويع المجتمع المحلي وتنفيره، وهو مجتمع لم يقترب منه عناصر هذين التنظيمين (داعش والقاعدة سويا) أساسا لكونهم مختبئين في الجبال والمغاور وشقوق الأرض.
ولن يكون مستقبل «القاعدة» في تونس بحال أفضل من حال تنظيم داعش، فقد انقطعت صلة شبكتها بالأهالي، وخسرت قلوبهم من جراء إراقة دماء الأبرياء بأفعالها، وفشل الاستعطاف السابق واللاحق في جعل الشعوب تنسى أفعالهم الكارثية، كما أن العناوين البراقة التي تقوم «كتيبة عقبة بن نافع» ببثها بين الحين والآخر، سواء كان ذلك يتعلق بعدم المساواة الاقتصادية أو الإمبريالية التي يمكن أن تجذب المنتمين إلى اليسار العلماني، أو الرسائل التي تتضمن نقاطا اجتماعية معتدلة متعلقة بقضايا المساواة في الميراث بين الجنسين التي قد تغري الإسلامويين، كل ذلك يزول عندما يعزل العنصر نفسه عن الأفراد الذين يحاول كسب دعمهم. الخلاصة لن ترث «القاعدة» تنظيم «داعش» في الحال أو المستقبل.


مقالات ذات صلة

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الخليج يضطلع «اعتدال» بمهام منها رصد وتحليل المحتوى المتعاطف مع الفكر المتطرف (الشرق الأوسط)

«اعتدال» يرصد أسباب مهاجمة «الفكر المتطرف» الدول المستقرّة

أوضح «المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرّف (اعتدال)» أن استقرار الدول «يفيد التفرغ والتركيز على التنمية؛ خدمة لمصالح الناس الواقعية».

غازي الحارثي (الرياض)
أفريقيا جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)

​نيجيريا... مقتل 5 جنود وأكثر من 50 إرهابياً

سبق أن أعلن عدد من كبار قادة الجيش بنيجيريا انتصارات كاسحة في مواجهة خطر «بوكو حرام»

الشيخ محمد (نواكشوط)
أوروبا القاتل النرويجي أندرس بيرينغ بريفيك (إ.ب.أ)

«سفاح النرويج» يطلب الإفراج المشروط للمرة الثانية

مَثُل القاتل النرويجي، أندرس بيرينغ بريفيك، الذي قتل 77 شخصاً في حادث تفجير وإطلاق نار عشوائي عام 2011، أمام المحكمة، الثلاثاء، لحضور جلسة استماع بشأن إطلاق

«الشرق الأوسط» (أوسلو)

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».