نادراً ما تدخل شركة «أمازون» إلى سوق جديدة لم يتم اختبارها مسبقا من قبل الشركات الناشئة. وعندما أعلنت الشركة أخيراً أنها تخطط لإطلاق آلاف الأقمار الصناعية لإنشاء شبكة اتصالات الإنترنت للمستخدمين على الأرض، لم يكن صعباً أن نتوقع اسم الشركة التي شكلت مصدر الإلهام لـ«أمازون».
- اتصالات فضائية
تشغل شركة «إس إي إس نتووركس» SES Networks، عملاق الأقمار الصناعية ومقرها مدينة لوكسمبورغ، شبكتها الخاصة من الأقمار الصناعية «أو 3 بي». (O3b) منذ عام 2016، التي تضم اليوم 20 قمراً صناعياً للاتصالات. وقد تولى إطلاق الأقمار الأربعة الأخيرة منها شركة صناعة الصواريخ الأوروبية «أريانيسبيس» من مطار فضائي في غويانا الفرنسية، في اليوم نفسه الذي أعلنت فيه «أمازون» عن دخولها في هذا المجال.
يختصر اسم «أو 3 بي» عبارة «ثلاثة مليارات أخرى» (O3b=Other Three Billion) باللغة الإنجليزية. وهو يشير إلى عدد سكان العالم غير المتصلين بالإنترنت والذين استهدفتهم الشركة عند تأسيسها من قبل غريغ وايلر عام 2007، بدعم من «إس إي إس»، ومستثمرين آخرين.
تأتي معظم أقمار الاتصالات الصناعية في العادة، بحجم كبير وتعمل من مدارات شديدة الارتفاع تعرف باسم «المدار الجغرافي الثابت» (مدار دائري على ارتفاع 35.786 كيلومتر، أي 22.236 ميل فوق خط الاستواء)؛ لأن المعدات الفضائية عند ذلك الارتفاع تتحرك بنفس سرعة دوران الأرض، وتتعلق على نقطة واحدة.
- مدار منخفض
وقد تولت شبكة «أو 3 بي» استخدام الأقمار الصناعية في مدار «جغرافي غير ثابت»، لتوفير الخدمة نفسها وبمشاكل أقل في السرعة من خلال التحليق على ارتفاعات توصلها إلى مدارات الأرض المتوسطة، أي على نحو 8000 كيلومتر بدلاً من ارتفاعها لثلاثة أضعاف المسافة كما الأقمار الصناعية الأخرى.
أُطلق وايلر أول أقماره الصناعية عام 2013، وبحلول عام 2016، باع شركته بالكامل لـ«إس إي إس»... وأثبت النجاح التجاري والعلمي الذي حققته شبكة «أو 3 بي»، أن الأقمار الصناعية قادرة على منافسة كابلات لألياف البصرية (الفايبر أوبتيك) الأرضية في تأمين البنية التحتية اللازمة للشبكات العالمية.
في إطار حديث أجراه مع موقع «كوارتز» حول شبكة «أو 3 بي»، التي انضم إليها قبل الاستحواذ عليها من قبل الشركة الكبرى، قال جون بول هيمينغوي، الرئيس التنفيذي لشبكات «إس إي إس»: «لقد رأينا أنفسنا رواداً». وقد كان على الشركة أن تثبت قدرتها على شراء أكثر من عشرة أقمار صناعية منخفضة الكلفة في الوقت الذي تتميز فيه معظم المركبات الفضائية بتصميم فريد وكلفة باهظة وقدرة على تطوير تقنية للمستخدمين على الأرض للاتصال بأقمار صناعية متحركة كثيرة بدلاً من قمر واحد.
بعد تركه شبكة «أو 3 بي»، ذهب وايلر لتوقيع اتفاقية شراكة مع شركتي «غوغل» و«سبيس إكس» لصاحبها إيلون ماسك قبل أن يؤسس شركته الخاصة «وان ويب» لإطلاق نسخة جديدة وأكثر طموحاً من مقاربة «الأقمار الصناعية في المدار الجغرافي غير الثابت»، تضم آلاف الأقمار الصناعية الأصغر حجماً لتوفير الإنترنت، التي تحلق على ارتفاع آلاف الكيلومترات فوق الأرض وفي مدارها المنخفض.
وتعمل «سبيس إكس» اليوم على تطوير شبكة مشابهة تحمل اسم «ستارلينك» بالتزامن مع جهود مشابهة لمنافسيها، ومن بينها شركة «تيليديسيك» الكندية و«بوينغ» و«أمازون».
- مدارات متوسطة
لكن بدلاً من اللحاق بتلك الشركات المتنافسة المحتملة في إطلاق شبكات الأقمار الصناعية الكبرى القريبة من الأرض، تخطط شركة «إس إي إس»، لتوسيع شبكة «أو 3 بي» بأقمار أخرى في مدار الأرض المتوسط. وقد لا تملك هذه الأقمار ميزة القرب نفسها، لكن هيمينغوي يقول إن أقماره الصناعية موجودة في أفضل المواقع لجهة الكفاءة وفاعلية الكلفة.
وأضاف هيمينغوي: «اخترنا بوضوح ألا نذهب إلى مدار الأرض المنخفض (لتفادي) التعقيدات في الشبكات التي نقوم بإنشائها، وستعمل التقنية لإطلاق مئات أو ربما الآلاف من هذه الأقمار الصناعية».
وكما «أو 3 بي»، ركز عرض «أمازون» العلني الأول على توفير اتصال الإنترنت للمجتمعات المحرومة. لكن حقيقة سوق الاتصالات هي التالية: تخصص شركات كـ«أو 3 بي» القدر نفسه من الوقت نفسه للعمل مع مزودي الاتصالات المدنيين والمؤسسات العسكرية، إلى جانب زبائن آخرين، مثل الشركات الصانعة للسفن البحرية. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأخيرة شكلت مصدراً كبيراً لعائدات «أو 3 بي»، التي حققت عن طريقها ما يقارب 800 مليون يورو (897 مليون دولار) العام الماضي.
ويقول هيمينغوي الذي أجرى مقابلته مع «كوارتز» قبل إعلان «أمازون»، إن هدف شركته هو تعميم أقمار الاتصالات الصناعية قبل التبني العالمي لتقنية الجيل الخامس (5G)، شارحاً أن «الاستثمار في البرمجة والذكاء لصناعة نسخ مطابقة للشبكات الأرضية أو حتى التفوق عليها، هو النقطة التي يجب أن تصل إليه صناعتنا».
- «كوارتز»، خدمات «تريبيون ميديا»