مقترحات خليل لموازنة متقشّفة تلقى تجاوباً والقيادات العسكرية تتعامل معها بإيجابية

تقليص تكلفة الرواتب للعاملين في القطاع العام

من اجتماع بين وزير المال علي حسن خليل والوزير السابق حسين الحاج حسن (حزب الله) والنائبين إبراهيم موسوي وغازي زعيتر(الوكالة الوطنية)
من اجتماع بين وزير المال علي حسن خليل والوزير السابق حسين الحاج حسن (حزب الله) والنائبين إبراهيم موسوي وغازي زعيتر(الوكالة الوطنية)
TT

مقترحات خليل لموازنة متقشّفة تلقى تجاوباً والقيادات العسكرية تتعامل معها بإيجابية

من اجتماع بين وزير المال علي حسن خليل والوزير السابق حسين الحاج حسن (حزب الله) والنائبين إبراهيم موسوي وغازي زعيتر(الوكالة الوطنية)
من اجتماع بين وزير المال علي حسن خليل والوزير السابق حسين الحاج حسن (حزب الله) والنائبين إبراهيم موسوي وغازي زعيتر(الوكالة الوطنية)

قالت مصادر وزارية لبنانية، إن المقترحات التي طرحها وزير المال علي حسن خليل، ستؤدي حتماً إلى نقل النقاش الدائر حول خفض العجز في مشروع الموازنة للعام الحالي من المزايدات الشعبوية إلى وضع الإطار العام للاجتماعات التي سيعقدها رئيس الحكومة سعد الحريري، فور عودته من المملكة العربية السعودية، تحضيراً لإقرار المشروع في مجلس الوزراء، وإحالته على البرلمان لمناقشته ووضعه في صيغته النهائية.
وكشفت المصادر الوزارية لـ«الشرق الأوسط»، أن معظم الأفكار التي طرحها الوزير خليل جاءت حصيلة المداولات التي عقدها الرئيس الحريري مع ممثلين للمكوّنات الرئيسية في الحكومة، وقالت إنها لقيت تأييداً من جميع الذين شاركوا فيها باستثناء ممثل «حزب الله» الذي لم يسجّل اعتراضه عليها، وإنما طلب إمهاله بعض الوقت للتشاور في شأنها مع قيادة الحزب.
وأبدت المصادر ارتياحها لموقف رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل، وزميله في تكتل «لبنان القوي» رئيس لجنة المال والموازنة النيابية إبراهيم كنعان، وقالت إن موقفهما أكثر تقدّماً من موقف زميلهما وزير الدفاع النائب إلياس بو صعب الذي يحيل على غيره إدخال بعض التعديلات على التدبير رقم 3، الذي ينص على إعطاء العاملين في الأسلاك الأمنية والعسكرية راتب 3 أشهر عن كل سنة في الخدمة.
ورأت أن ما طرحه الوزير خليل حول التدبير رقم 3 لم يفاجئ القيادات العسكرية، وأنه تداول فيه مع وفد من قيادة الجيش، وقالت إن رئيس المجلس النيابي نبيه بري تطرّق إليه لدى استقباله قائد الجيش العماد جوزف عون. وأكدت أن اللقاءات مع هذه القيادات لقيت تجاوباً على قاعدة تطبيق القانون الذي ينص على إفادة الوحدات العسكرية الموجودة في جنوب لبنان في مواجهة إسرائيل، أو تلك الموجودة في البقاعين الشرقي والشمالي على طول الحدود اللبنانية مع سوريا من هذا التدبير. ونفت المصادر ما أُشيع عن استهداف العسكريين من تطبيقه، وقالت إن من يضحّي بدمه على استعداد للتضحية ببعض الوقت لإنقاذ البلد، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن هناك ضرورة لإيجاد حل للتضخُّم في الرتب العسكرية، خصوصاً من هم برتبة عميد بعد أن تجاوز عددهم بنسبة كبيرة عدد العمداء في الجيش الأميركي، إضافة إلى وقف إعطاء الحوافز للعمداء للاستقالة قبل فترة زمنية من إحالتهم على التقاعد.
ورأت أن هناك ضرورة لوضع معايير جديدة لترقية الضباط بدلاً من أن تكون ترقية بعضهم حتمية، بعد أن يمضي هؤلاء 4 سنوات في رتبهم العسكرية. وشدّدت على ضرورة تعديل بعض القوانين لجهة تمديد المهل للتقاعد المبكر للعسكريين، لأنه من غير الجائز لمن يود من هؤلاء أن يطلبوا الموافقة على تسريحهم من الخدمة بعد انقضاء 20 سنة على تطويعهم في الأسلاك الأمنية والعسكرية. وعزت السبب إلى أن هؤلاء لا يزالون في عز عطاءاتهم، وبالتالي سيحصلون على تعويضات نهاية الخدمة، وأيضاً على راتب تقاعدي، إضافة إلى أن تسريحهم يتطلب فتح باب التطوّع لسد الفراغ الناجم عن تسريحهم.
وقالت المصادر نفسها إن هناك مجموعة من المقترحات يراد منها «ترشيق» رواتب العاملين في القطاع العام أو المتقاعدين منهم، وأوردت أبرزها:
- لا يجوز للضباط المتقاعدين ممن انتخبوا نواباً تقاضي راتبين، الأول تقاعدي والثاني من البرلمان، وهناك ضرورة لتعديل القانون الذي يسمح لهم بأن يتقاضوا الراتب الأعلى طالما أنهم أعضاء في المجلس النيابي.
- لا توجد نية للمسّ برواتب ذوي الدخل المحدود أو متوسّطي الحال في القطاع الوظيفي، لكن لا بد من الالتفات للموظفين الذين تتجاوز رواتبهم أكثر من مليون ليرة، من خلال وضع مجموعة من الشطور تسمح بتجميد دفع جزء من الزيادة التي أُعطيت لهم بإقرار سلسلة الرتب والرواتب لمدة 3 سنوات على أن يعاد إليهم المبلغ المقتطع بعد انقضاء هذه المهلة، وبفائدة تتراوح بين 4 و5 في المائة.
- ضرورة إعادة النظر بالرواتب المنتفخة لكبار العاملين في الدولة من خلال وقف العمل خارج الدوام، أو إفادتهم من بدل مالي تعويضاً عن مشاركتهم في اللجان، وهذا يسري على رؤساء وأعضاء مجالس الإدارات وبعض المديرين العامين ونواب حاكم المصرف المركزي، خصوصاً أن رواتب وتعويضات بعض هؤلاء تفوق رواتب الرؤساء.
- وضع معايير جديدة للتعويضات التي تُصرف لرؤساء الجمهورية والمجالس النيابية السابقين، وأيضاً النواب السابقين.
- التشدُّد في التصدي للتهرُّب الضريبي وبعض الإعفاءات الجمركية، وفي مكافحة الفساد، وهدر المال العام، وتحقيق الإصلاحات المالية والإدارية، استجابة لمتطلّبات مؤتمر «سيدر»، إضافة إلى وقف التهريب ومراقبة التطبيق الفعلي لتحصيل الضريبة على القيمة المضافة، وخفض نفقات السفارات اللبنانية في الخارج.
- إعادة النظر في النظام المعمول فيه بالنسبة إلى تقديم المساعدات للجمعيات والأندية، إضافة إلى التعويضات التي تُعطى للمدارس المجانية أو نصف المجانية.
- توحيد التقديمات الصحية والمدرسية للعاملين في القطاع العام بلا تمييز بين هذا القطاع أو ذاك.
- خفض نسبة من الدعم المالي لمؤسسة كهرباء لبنان، لأنه من غير الجائز أن يبقى العجز تحت سقف نحو ألف و800 مليار ليرة، وذلك بزيادة ساعات التقنين والتعويض عنها بالمولّدات إلى حين وضع خطة متكاملة لهذا القطاع تربط الحل الموقّت بالدائم من خلال إشراك القطاع الخاص في إنتاج الكهرباء.
- اقتراح برفع الضريبة على الفوائد من 7 إلى 10 في المائة على أن يُترك للمصارف، وبمبادرة طوعية منها، خفض الفوائد على سندات الخزينة التي تستدين الدولة بواسطتها من المصارف.
لذلك، فإن البديل لبعض هذه الإجراءات والتدابير قد يكون بزيادة 5 آلاف ليرة كحد أدنى على صفيحة البنزين وبعض المشتقات النفطية. لكن المصادر الوزارية تؤكد لـ«الشرق الأوسط»، أن لا نيّة لهذه الزيادة، وبالتالي فإن البدائل المطروحة تؤمّن خفض الموازنة خطوة في طريق إقرارها شرط أن يغلب عليها التقشّف.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.