اتهامات بالفساد لشركة برازيلية تُنهي المستقبل السياسي لخمسة رؤساء بيروفيين

الرئيس البيروفي الأسبق آلان غارسيا
الرئيس البيروفي الأسبق آلان غارسيا
TT

اتهامات بالفساد لشركة برازيلية تُنهي المستقبل السياسي لخمسة رؤساء بيروفيين

الرئيس البيروفي الأسبق آلان غارسيا
الرئيس البيروفي الأسبق آلان غارسيا

اتُّهمت شركة التشييد العملاقة «أوديبريشت»، بتقديم رشى في عدد من دول أميركا اللاتينية طالت عدداً من السياسيين فيها، خصوصاً في بلدها البرازيل. الأحداث الأخيرة في بيرو بيّنت أن اتهامات الشركة بتقديم رشى قوّضت الطبقة السياسية في بيرو بعد تورط مسؤولين وزعماء سياسيين خمسة منهم تولوا الرئاسة في فترات مختلفة.
وحسب وزارة العدل الأميركية، وزّعت «أوديبريشت» خلال أكثر من عقد 788 مليون دولار في نحو عشر دول في المنطقة للحصول على عقود. واعترفت المجموعة بأنها دفعت رشى بقيمة 29 مليون دولار في بيرو بين 2005 و2014.
وبعد يومين فقط من انتحار الرئيس البيروفي الأسبق آلان غارسيا، أحد المتهمين في قضية الفساد، أمر قاضٍ في ليما باستمرار احتجاز رئيس بيرو السابق بيدرو بابلو كوتشينسكي احتياطياً لمدة تصل إلى ثلاثة أعوام تتعلق باتهامات فساد مرتبطة بالفضيحة نفسها. كما يواجه ثلاثة رؤساء بيروفيين آخرين: أليخاندرو توليدو (2001 - 2006)، وأويانتا أومالا (2011 - 2016)، وبيدرو بابلو كوتشينسكي (2016 - 2018)، مشكلات مع القضاء في إطار القضية نفسها.
وينفي كوتشينسكي، 80 عاماً، المصرفي السابق في «وول ستريت» الذي يحمل الجنسية الأميركية، ارتكاب مخالفات. وقال كوتشينسكي إنه لم يحضر الجلسة أمام القاضي يوم الجمعة بسبب تلقيه علاجاً من مشكلات في القلب في مستشفى محلي. ونُقل كوتشينسكي (80 عاماً)، الأربعاء، إلى المستشفى بسبب مشكلة في ضغط الدم. وكان موقوفاً لعشرة أيام منذ 10 أبريل (نيسان).
وبعد أن قتل جارسيا نفسه يوم الأربعاء، طلب محامي كوتشينسكي من الادعاء بحث وضعه رهن الإقامة الجبرية في منزله بدلاً مما هو مقرر من اعتقاله قبل محاكمته. ولكنّ الادّعاء قال إنه يمكن علاج كوتشينسكي في السجن دون أي مشكلات، ووافق القاضي على طلبه بسجن كوتشينسكي 36 شهراً قبل محاكمته.
وجاء هذا الحكم في الوقت الذي كان يجري فيه دفن غارسيا. ومن المرجح أن يثير القرار انتقادات بشكل أكبر بأن التحقيق بشأن «أوديبريشت» أصبح أكثر شراسة، وأن ممثلي الادعاء والقضاة يسيئون استخدام ما يسمى «الحبس الاحتياطي». وبموجب القانون في بيرو يمكن حبس المشتبه بأنهم مجرمون فترة تصل إلى ثلاث سنوات قبل محاكمتهم إذا أثبت الادعاء أنه من المرجح إدانتهم وأنهم قد يحاولون الهروب أو عرقلة سير التحقيق إذا لم يتم سجنهم.
وتوفِّي جارسيا، الذي حكم بيرو لفترتين منفصلتين، من عام 1985 حتى عام 1990، ثم من عام 2006 حتى عام 2011، يوم الأربعاء الماضي في المستشفى عن 69 عاماً بعدما أطلق النار على رأسه في منزله عندما كانت الشرطة على وشك اعتقاله للتحقيق معه في تهم فساد. وأُقيمت مراسم جنازة غارسيا يوم الجمعة. ورفض أقاربه عرضاً من الدولة بإقامة جنازة رسمية.
وكتب غارسيا في رسالة وداع قرأتها إحدى بناته: «أترك جسدي كعلامة على ازدراء خصومي». رفض غارسيا اتهامات الفساد التي كانت موجهة إليه، مؤكداً أنه لم يتلقّ رشى ولم يعمل من أجل الإثراء الشخصي. وكتب في الرسالة الموجهة إلى أبنائه الستة وتلتها إحدى بناته خلال تشييعه «رأيت آخرين يتم توقيفهم بسبب وجودهم البائس، لكن ما كان يجب أن يتعرض آلان غارسيا لهذا الظلم وهذا السيرك».
ويضيف: «لم ولن يكون هناك حساب (غير مشروع) ورشى وإثراء. للتاريخ قيمة أكبر بكثير من أي ثروة مادية». وقال غارسيا في رسالته: «لست مضطراً إلى قبول الإهانات بعدما قمت بواجبي في السياسة وفي العمل من أجل شعبي وحققت أهدافاً لم تحققها شعوب أو حكومات أخرى». وأضاف: «أترك لأبنائي شرف القرارات التي اتخذتها، ولأصدقائي ما يفخرون به وستكون جثتي رمزاً لاحتقاري لخصومي لأنني قمت أساساً بالمهمة التي أوكلت إليّ».
وتسعى بيرو إلى تسليم أليخاندرو توليدو، الذي تولى الرئاسة في الفترة من 2001 إلى 2006، من الولايات المتحدة. وأطلقت السلطات سراح أولانتا هومالا، الذي تولى رئاسة البلاد في الفترة من 2011 إلى 2016، في مايو (أيار) الماضي، بعد قضاء عدة أشهر رهن الحبس الاحتياطي وهو ينتظر حالياً المحاكمة.



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.