الحركة البيئية تنقل احتجاجاتها إلى مطار هيثرو... والشرطة تعتقل 500 شخص

رئيس المفوضية الأوروبية ينتقد سياسة ألمانيا في حماية المناخ

المحتجون يغلقون حركة المرور في شارع أكسفورد لليوم الخامس على التوالي (أ.ف.ب)
المحتجون يغلقون حركة المرور في شارع أكسفورد لليوم الخامس على التوالي (أ.ف.ب)
TT

الحركة البيئية تنقل احتجاجاتها إلى مطار هيثرو... والشرطة تعتقل 500 شخص

المحتجون يغلقون حركة المرور في شارع أكسفورد لليوم الخامس على التوالي (أ.ف.ب)
المحتجون يغلقون حركة المرور في شارع أكسفورد لليوم الخامس على التوالي (أ.ف.ب)

حمل محتجون بعضهم لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره لافتات كتب عليها «هل نحن الجيل الأخير؟». وتدعو الجماعة البيئية إلى العصيان المدني بلا عنف لدفع الحكومات الأوروبية لمنع أي انبعاث للغازات المسببة للاحتباس الحراري بحلول عام 2025 وإيقاف ما تصفه الجماعة بأنه أزمة مناخ عالمية. ووقف المحتجون المنتمون لجماعة «التمرد ضد الانقراض» (إكستينكشن ريبيليون) وهم يبكون ويغنون في وقفة سلمية على جانب الطريق على بعد أقل من كيلومتر من صالات مطار هيثرو اللندني رقم 2 و3. احتجاجا على عدم التحرك السياسي لوقف التغير المناخي، في يوم جديد من أيام احتجاجات تسببت في اختناق حركة النقل في العاصمة البريطانية.
وقالت سلطات المطار بأنها قامت باستعداداتها لأي اضطرابات يمكن أن يسببها ناشطو حماية المناخ الذين يهدفون إلى إغلاق المطار في يوم الجمعة العظيمة، الذي يشهد ازدحاما في السفر بسبب العطلة الرسمية. ويعتزم منظمو الاحتجاجات الاحتشاد بالمطار بعد أيام من المظاهرات في وسط لندن والتي تسببت في تعطيل واسع لحركة المرور في العاصمة. ودعت شرطة لندن المجموعة إلى «إعادة النظر» في الاحتجاج وقالت إن لديها خططا دخلت حيز التنفيذ من أجل الحيلولة دون تأثر العمليات داخل المطار من احتجاجات الطرق.
وسدت الجماعة طرقا في عدة مواقع بوسط لندن في الأيام الأخيرة بعد أن نظمت احتجاجا شارك فيه أشباه عراة في البرلمان أوائل هذا الشهر. وذكرت تغريدة في حساب المطار على موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي قبيل الاحتجاجات أنه «في الوقت الذي نحترم فيه حق الاحتجاج السلمي ونؤيد الدعوة إلى القيام بعمل ضد التغير المناخي، لا نؤيد تعطيل إقامة احتفالات مستحقة بعيد القيامة، يرغب الركاب في حضورها وسط العائلة والأصدقاء».
وبالأمس نقلت المجموعة احتجاجها قرب طريق مزدحم بالحركة المرورية في عطلة عيد الفصح. واقترب منهم أفراد من الشرطة يفوقونهم عددا بكثير محذرين من تخطي الحدود المسموح بها.
وقالت الشرطة الخميس إنها ألقت القبض على أكثر من 500 شخص هذا الأسبوع وتم توجيه اتهامات لعشرة حتى الآن. وقال أوسكار آيدل (17 عاما) لـ«رويترز» «أخاف على مستقبلي... وهذا الخوف يعطيني الشجاعة كي أتحرك». وأضاف «أريد أن أعيش في مجتمع لا يعج بالكوارث ولا يوجد به نقص في الغذاء ولا حرائق برية ولا أعاصير... مجتمع يمكن العيش فيه».
وأمس الجمعة هو الخامس على التوالي لاحتجاجات «اكستنكشن ريبليون». وبدأت المجموعة في التظاهر يوم الاثنين الماضي في مواقع بوسط لندن خصوصا في شارع أوكسفورد الشهير حيث تمدد أفرادها رقودا على الطرق والجسور. ووردت تقارير حول وقوع حوادث تتعلق بقيام المتظاهرين بلصق أنفسهم بقطارات، وقالت شرطة لندن (اسكوتلنديارد) لوكالة الأنباء الألمانية إنه جرى إلقاء القبض على نحو 500 شخص خلال الأسبوع الجاري.
وفي سياق متصل انتقد رئيس المفوضية الأوروبية جان - كلود يونكر سياسة ألمانيا في حماية المناخ. وقال في تصريحات لصحف مجموعة «فونكه» الألمانية الإعلامية الصادرة
أمس الجمعة: «أتعجب من عدم تطبيق ألمانيا على نحو كاف لأهداف حماية المناخ المتفق عليها»، مخففا في المقابل من حدة انتقاده بالإشارة إلى تشكيل الحكومة الألمانية للجنة وزارية مختصة بشؤون حماية المناخ. وأضاف يونكر: «أعتقد أن ألمانيا ستسعى بجد إلى الاقتراب لتحقيق أهداف (حماية المناخ) بسرعة مناسبة».
وكانت الحكومة الألمانية تعتزم خفض الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري بحلول عام 2020 بنسبة 40 في المائة على الأقل، إلا أن تحقيق هذا الهدف يُعتبر غير ممكن حاليا.
وهناك أهداف خفض أخرى تسعى الحكومة الألمانية لتحقيقها، والتي تصل إلى 55 في المائة على الأقل بحلول عام 2030 ومن 80 في المائة إلى 95 في المائة بحلول عام 2050. وأبدى يونكر تحفظا في التعليق على مراعاة محتملة من جانب الحكومة
الألمانية لقطاع صناعة السيارات فيما يتعلق بإجراءات حماية المناخ، وقال: «أنا لست من أنصار هذه الحملة المناهضة للسيارات على الإطلاق، لكننا بحاجة إلى تغيير في سياسة النقل ويتعين علينا الاعتماد على وسائل نقل أخرى بصورة أكبر من الاعتماد على السيارات»، مشيرا في الوقت نفسه إلى أنه لا يريد تجاهل قضية فرص العمل المرتبطة بقطاع السيارات.
وتعتزم الحكومة الألمانية سن قانون هذا العام بشأن كيفية تنفيذ أهداف حماية المناخ بحلول عام 2030. وهو ما تنص عليه معاهدة الائتلاف الحاكم. وذكرت الحكومة الألمانية في ردها على طلب إحاطة من الكتلة البرلمانية لحزب الخضر، كما نقلت عنه وكالة الأنباء الألمانية، أن اللجنة الوزارية الجديدة لحماية المناخ، التي انعقدت للمرة الأولى الأسبوع الماضي، ستلعب «دورا حاسما في ذلك». وقالت خبيرة سياسة المناخ في الكتلة البرلمانية للخضر، ليزا بادوم، إن الحكومة تبدو غير طموحة إلى حد كبير في ظل الاحترار المستمر للأرض، وقالت: «الحكومة لم تقدم شيئا في ردها على طلب الإحاطة الذي قدمته فيما يتعلق بجدوى وهدف اللجنة الوزارية لحماية المناخ». وذكرت بادوم أن الحكومة لم تقدم أي رد على السؤال بشأن سبب الاحتياج إلى لجنة وزارية لشؤون المناخ، وماذا سيغير ذلك في الواقع، وقالت: «هذه إجراءات غير جادة. الواقع يتطلب تصرفا فوريا». يُذكر أن خلافا دار بين طرفي الائتلاف الحاكم، المكون من التحالف المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي، بشأن إجراءات حماية المناخ المطلوبة وسرعة تنفيذها في بعض القطاعات مثل النقل وتوليد الطاقة والزراعة.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟