ضحايا النزاع في دارفور يطالبون بمحاكمة البشير كأولوية

TT

ضحايا النزاع في دارفور يطالبون بمحاكمة البشير كأولوية

لا تزال تطارد السودانية حواء يوسف ذكريات اليوم الذي هاجم فيه مسلحون على الخيل والجمال قريتها في إقليم دارفور المضطرب حيث قتلوا عشرات السكان وضمنهم ابنها عام 2004.
وأطلق الرئيس السابق عمر البشير العنان آنذاك لميليشيات «الجنجويد» التي اقتحم عناصرها قرى تقطنها أقليات عرقية كتلك التي تنتمي إليها حوّاء في إطار سياسة الأرض المحروقة التي اتبعتها الخرطوم للقضاء على الدعم للمتمردين الذين حملوا السلاح ضد الحكومة السودانية عام 2003. وفي وقت يقبع البشير خلف القضبان في الخرطوم الآن عقب إطاحة الجيش به الأسبوع الماضي، تبدو حوّاء عازمة على رؤيته يمثل أمام المحكمة.
وقالت المرأة البالغة من العمر 70 عاما وتعيش في مخيم «كلمة» للنازحين قرب نيالا، كبرى مدن ولاية جنوب دارفور: «هاجمتنا ميليشيا النظام عندما كانت النسوة يتزودن بالمياه». وأضافت لوكالة الصحافة الفرنسية، في المخيم: «عندما حاول الرجال الدفاع عنّا، قتلوا ثمانية أشخاص بينهم ابني موسى الحاج الذي ترك خلفه ثلاثة أطفال».
وأكدت: «أريد أن يمثل البشير أمام المحكمة. إنه مجرم».
وبعد مرور عقد ونصف، لا يزال مئات الآلاف من أهالي دارفور الذين فقدوا أحباءهم ومنازلهم خلال الحملة الشرسة التي أمر بها البشير ومعاونوه يعيشون في أوضاع بائسة في المخيمات. وتفيد أرقام الأمم المتحدة التي نشرت الآلاف من جنود حفظ السلام في إطار بعثة مشتركة مع الاتحاد الأفريقي في دارفور، بمقتل نحو 300 ألف شخص، بينما تفيد شهادات بأن عناصر الميليشيا الذين اجتاحوا مناطق واسعة على الخيل أو الجمال قضوا على أي شخص يشتبه بأنه قدّم الدعم للمتمردين.
وتكدس نحو 2.5 مليون شخص في مخيمات مؤقتة بينما هُجّر سكان أجزاء واسعة من دارفور، الإقليم الذي تساوي مساحته فرنسا، بعد أن أحرقت القرى والمحاصيل وسرقت أو قتلت الماشية، وفق شهادات جمعتها منظمات غير حكومية.
وبينما يركّز قادة الاحتجاجات في الخرطوم على تشكيل مجلس مدني يتسلّم السلطة مكان المجلس العسكري الانتقالي، تشكل محاكمة البشير وأتباعه أبرز المطالب في دارفور. وفي هذا السياق، قالت خديجة ابنة حوّاء: «إذا أرادت الحكومة الجديدة سلاما حقيقيا فعليها أن تجلب البشير إلى المحكمة». وأضافت: «من المشاهد التي لن أنساها هي عندما أطلق رجال الميليشيا المسلحون النار على امرأة حامل وماتت هي وجنينها».
ويواجه البشير (75 عاما) اتهامات من المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة ردا على التمرد في دارفور. لكنه نفى الاتهامات مرارا. من جهته، أكّد المجلس العسكري أنه يفضّل أن تتم محاكمة البشير وأي مواطن آخر في السودان، لكنه أشار إلى أن قرار تسليم البشير للمحكمة الجنائية الدولية عائد للحكومة المدنية المستقبلية التي تعهد بتشكيلها.
وبينما تختلف وجهات النظر في أوساط أهالي دارفور بشأن المكان الذي يجب أن يحاكم فيه البشير، فإنهم يتفقون على وجوب مقاضاته. وقالت عائشة محمد حامد (50 عاما) التي تعيش مع أبنائها الخمسة في مخيم «السلام» للنازحين جنوب مدينة نيالا وتعمل حاليا في مصنع للطوب: «فقدت زوجي وابني عندما هاجمت ميليشيا النظام قريتنا أبو جابره».
وأضافت: «البشير ارتكب جرائم إبادة جماعية ضد شعبنا. يجب أن يؤخذ إلى المحكمة. لكنني أفضل أن تتم محاكمته محليا حتى يأخذ الضحايا حقوقهم». عُلقت صور لمنازل مدمرة وقرى محروقة ونساء تعرضن للاغتصاب في دارفور خارج مقر القيادة العامة للجيش في الخرطوم، حيث أقام المتظاهرون ساحة اعتصام في إطار الاحتجاجات التي اجتاحت البلاد منذ ديسمبر (كانون الأول) وأدت للإطاحة بالبشير.
لكن كثيرين من أهالي دارفور يشعرون أن على قادة الحركة الاحتجاجية أن يولوا مطلبهم بالحصول على العدالة أهمية أكبر. وشكلت شخصيتان بارزتان في نظام البشير هما موسى هلال ومحمد حمدان دقلو الملقب «حميدتي» ميليشيا «الجنجاويد»، وقاداها. وفق منظمات حقوقية. وبينما يقبع هلال في السجن حاليا، فإن «حميدتي» تولّى منصب نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي.
وتتحرك «قوات الدعم السريع» التابعة له بأوامر من الجيش السوداني بينما يشاهد عناصرها مرارا في أنحاء العاصمة يحرسون المنشآت الأساسية. ويتولون كذلك مهمة تأمين الحدود الشرقية مع إثيوبيا وإريتريا. وذكرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» في 2015 أن «قوات الدعم السريع ارتكبت تجاوزات كثيرة ورهيبة بما فيها الترحيل القسري لقرى بأكملها وهدم آبار الماء ومتاجر الأغذية وغيرها من المرافق الضرورية لاستمرار الحياة في بيئة صحراوية صعبة».
وقالت عواطف عبد الرحمن التي تقيم في مخيم «سكلي» قرب نيالا: «لدي قناعة بأنه ليس البشير وحده ولكن كل من ارتكب جريمة يجب أن يواجه العدالة. نحن ننتظر منذ 16 عاما في هذه المخيمات إحقاق العدالة». ودعت «آلاف المعتصمين أمام (مقر) القيادة العامة (للجيش) إلى ألا يغادروا أماكنهم حتى يتحقق مطلبنا».



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.