كشف الجيش اليمني أن الميليشيات الانقلابية أدخلت خلال الأيام الماضية العشرات من المقاتلين الأجانب من القارة الأفريقية إلى مدينة الحديدة من الجهة الشمالية للمدينة، وذلك بهدف تكثيف تعزيزاتها العسكرية والقيام بأعمال قتالية في المدينة، في حين رصد الجيش موقعين سريين داخل مناطق سكنية لتصنيع وتجميع الطائرات المسيرة.
ولم يتم التحرك صوب تلك المواقع التي رصدها الجيش نظرا لصعوبة التعامل معها في هذه المرحلة عسكرية لقربها من مناطق مأهولة، إلا أنه يدرس جميع الخيارات المتاحة للتعامل مع تلك المواقع بما يتوافق مع قواعد الاشتباك.
وقال العميد ركن عبده عبد الله مجلي، المتحدث الرسمي للقوات المسلحة اليمنية لـ«الشرق الأوسط»، إن الميليشيات الانقلابية أجبرت عددا كبيرا من اللاجئين والمهاجرين القادمين من القرن الأفريقي للانخراط في معسكراتهم، ومن ثم الزج بهم في المواجهات العسكرية، ومن ذلك ما قامت به مؤخرا بدفع العشرات منه إلى مدينة الحديدة لتنفيذ مهام عسكرية صرفة.
الميليشيات باتت تستخدم القوة المفرطة في الترهيب بعد نفاد ورقة الترغيب المتمثلة بالموارد المالية التي كانت تقوم بها في السنوات الماضية، وأصبحت تنزع الرجال والأطفال، وفي الآونة الأخيرة، اللاجئين من جنسيات مختلفة بالقوة وتحت تهديد السلاح للانخراط في صفوفها، الأمر الذي يتطلب معه تحركا دوليا لوقف هذه التجاوزات بحق اللاجئين والأطفال.
وأكد متحدث الجيش أن إدخال الميليشيات لهؤلاء المقاتلين في هذه المرحلة يعود لما تقوم به الميليشيات من تحضير لعمليات عسكرية ضد المدنيين ومن يخالفها في الحديدة، كذلك الانقضاض على مواقع الجيش الوطني، إضافة إلى إعادة تموضعها في ظل انحصارها كي تثبت أنها ما زالت موجودة على الأرض.
- الوضع الراهن
يقول الجيش اليمني إن الوضع على الجبهات يسير وفق ما خطط له من قبل القيادة العليا، وهناك تقدم كبير في مختلف الجبهات القتالية، وتحديدا الرئيسية «صعدة، ونهم» لقربها من العاصمة اليمنية صنعاء، ونجح الجيش في بسط نفوذه على مساحات شاسعة خلال الشهرين الماضيين، الأمر الذي يتيح للجيش للانقضاض على ما تبقى من وجود للميليشيات في عمران وبعض المديريات في الساحل الغربي من البلاد، وهو ما يؤكده الجيش في تصريحاته الدائمة بأن هناك تراجعا كبيرا وملحوظا في صفوف الميليشيات، خاصة أنها تكبدت خسائر كبير في المعدات والأرواح في الفترة الماضية، وسقط كثير من قيادات الصف الثاني في قبضة الجيش.
وأفصح الجيش صراحة، أن سقوط الميليشيات أصبح قاب قوسين أو أدنى، مرجعا ذلك إلى عوامل عدة، من أبرزها تضييق الخناق على الميليشيات في الجبهات، وقطع وصول الإمدادات العسكرية سواء من الداخل أو تلك القادمة من إيران عبر عمليات التهريب، كما أن الصورة الذهنية لمن كان يعتقد في الميليشيات خيرا تغيرت بشكل واضح وخاصة بعد انعقاد مجلس النواب الأسبوع الماضي، ورفضها تنفيذ ما جرى التوقيع عليه من اتفاقات، وهو ما ساعد كثيرا في لفظ بعض المديريات التي كانت شبه حاضنة لهذه الجماعة في فترة سابقة، وتدريجيا بدأت بحسب العميد مجلي، تنحسر في الشق الغربي من البلاد وبدأت تفقد كل يوم موقعا في المواجهات المباشرة.
- مواقع تصنيع الطائرات
بحسب المواجهات العسكرية والمتعارف عليها دوليا، استخدام الطائرات المسيرة من أحد أطراف المواجهة مؤشر على ضعف هذا الطرف على المواجهات المباشرة، كما يقول خبراء عسكريون، لذا عمدت الميليشيات في الآونة الأخيرة إلى استخدامها وبشكل كبير بعد أن تمكنت من إدخالها عبر عمليات التهريب، أو تصنيعها في الداخل من قبل خبراء إيرانيين والذين بلغ عددهم بحسب الجيش اليمني قرابة 150 خبيرا موزعين على 3 مدن رئيسية «الحديدة، وصعدة، وصنعاء».
وتعتقد الميليشيات أن استخدامها بهذا الشكل في ظل ما تعيشه من عجز عسكري في المواجهات المباشرة، سيساعدها على كسب مساحة من الوقت، وهو ما استبعده العميد مجلي، الذي لفت إلى أن تأثير مثل هذه الطائرات لا يكون فعالا في الحروب، قد تكون له نتائج على مساحة لا تتعدى 300 متر مربع، إلا أن الميليشيات تستخدمها بهدف استهداف شخصيات أو مواقع حيوية تعتقد من خلالها تعطيل تقدم الجيش ووقف زحفه.
مؤخرا وقبل أيام عدة، رصد الجيش اليمني من خلال عمل استخباراتي موقعين كبيرين لتخزين وتجميع الطائرات المسيرة، وكانت الميليشيات تعتقد أن إخفاءها ووضعها بالقرب من المناطق السكنية لا يمكن رصده أو تتبعه، إلا أن الجيش تمكن من تحديد الموقعين، ويعتقد أن هذين الموقعين هما المغذيان لجميع العمليات التي نفذتها الميليشيات في الآونة الأخيرة ومنها محاولة استهدافها لموقع عقد مجلس النواب في محافظة «سيئون» والتي تمكن التحالف من اعتراضها قبل وصولها إلى الأهداف.
وهنا يؤكد العميد مجلي أنه جرى تحديد الموقعين ويصعب الإفصاح عنهما الآن لقربهما أولا من المناطق الآهلة بالسكان «ويصعب استهدافهما الآن ولكن نعمل على الوصول إليهما بشكل أو بآخر»، كذلك تحسبا من تحرك الميليشيات ونقل جميع محتويات هذين الموقعين إلى مواقع أخرى، لافتا إلى أن الحوثيين ومنذ أشهر عدة، عمدوا إلى نقل أسلحتهم الثقيلة إلى مواقع سكنية حتى يصعب استهدافها بشكل مباشر، خاصة بعد أن نجح طيران التحالف العربي وطيران الأباتشي في استهداف كثير من المواقع، التي كان آخرها استهداف 3 مواقع لتجميع الطائرات المسيرة والأسلحة المتوسطة في قاعدة الديليمي الجوية، ومقر الفرقة الأولى مدرع، وبيت عدنان، وهي حالات تتناسب مع قواعد الاشتباك.
ويأتي تحرك الميليشيات بهذه السرعة لنقل معداتها لمواقع سكنية وخاصة تصنيع وتجميع الطائرات المسيرة، بعد أقل من شهرين وتحديدا من مطلع فبراير (شباط) من إحباط تهريب كميات من الصواريخ، وطائرات من دون طيار، محملة على شاحنات متوسطة كانت في طريقها إلى صنعاء، والتي جاءت نتيجة عملية بحث وتحرٍ للمعلومات الواردة التي تعاملت معها أجهزة وزارة الداخلية اليمنية، عن كميات من الأسلحة وصلت عبر السواحل الشرقية التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية، والتي تستوردها الميليشيات الانقلابية من خلال تجار الحروب الذي يقومون بنقلها وإيصالها إلى مواقع سيطرتهم.
- الحوثيون يتكتلون في الحديدة
لا ترغب الميليشيات الانقلابية في التفريط بمدينة وميناء الحديدة، حتى وإن كلفها ذلك الشيء الكثير، فهي المصدر الحقيقي لها بعد تضييق الخناق المالي ونقل البنك المركزي إلى العاصمة المؤقتة «عدن»، والعسكري بعد نشر الجيش وسيطرته على جميع المواقع، والسياسي الذي نجحت فيه الخارجية اليمنية في تصحيح كثير من المغالطات خاصة في الاتحاد الأوروبي، لذا فهي تلعب على كل المسارات بالموافقة تارة والرفض تارة، ولكن الأهم ما يحدث داخل المدينة من أعمال تؤكد أن الميليشيات لن تترك المدينة رغبة بل كرها.
الدفع بالتعزيزات العسكرية، كما يقول العميد مجلي، تأكيد أن الميليشيات لن تسلم المدينة طوعا، فهي قامت خلال الأيام الماضي بإرسال أسلحة ثقيلة ومتوسطة إلى الحديدة، كذلك دفعت بالمئات من المقاتلين، وسحبت بحسب ما جرى رصدها عناصر من جبهات مختلفة إلى الحديدة بهدف تقوية الموقف العسكري لهم في الداخل، مدللا على ذلك بأن الميليشيات الانقلابية قامت قبل يومين بزيادة حفر الخنادق ونقاط التفتيش ونشر العشرات من القناصة على المباني السكنية، قبل زيارة المبعوث الخاص لليمن.
ولفت متحدث القوات المسلحة إلى أن هذا يأتي بالتزامن مع إدخالها قبل شهر صواريخ باليستية ومعدات عسكرية ثقيلة إلى مدينة الحديدة من الجهة الشمالية للمدينة، محملة في شاحنات مخصصة لنقل قطع غيار المركبات والآليات، هذه الكميات من الصواريخ والمعدات الثقيلة دخلت عبر ميناءي الصليف ورأس عيسى قادمة من إيران، موضحا أن هذه الأعمال تبرهن للعامل أن هذه الميليشيات لا تلتزم ببنود وقف إطلاق النار وتسليم المدينة.
- الصمت الدولي
وضح الجيش اليمني أن الميليشيات الانقلابية أغراها صمت الأمم المتحدة التي لم تحدد المعرقل في تنفيذ بنود اتفاق السويد، وجعلها تزيد من أفعالها الإجرامية دون حساب، وهذا ما لا يقبله الجيش اليمني، الذي يحمل الأمم المتحدة كل المشاكل التي تحدث على الأرض من انتهاكات وضرب للبنية التحتية، مطالبين بأن يكون هناك إيضاح للعالم وللإعلام عن معطل العملية السلمية. ويبدو أن الجيش يتوافق مع العمل الدبلوماسي للخارجية اليمنية، التي تبذل مساعي لإصدار بيان من مجلس الأمن يفصح للمرة الأولى بأن الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران هي الطرف المعرقل لكل المساعي الرامية إلى دفع جهود السلام، وهنا قال العميد مجلي، إن الجيش الوطني لن يقف مكتوف الأيدي أمام تجاوز الميليشيات الحوثية، وما أخذ بالقوة فلن يسترد إلا بالقوة، إن لم يكن هناك حراك من المجتمع الدولي.
وقال إن الجيش دفع بتعزيزات عسكرية إلى 4 جبهات رئيسية، أبرزها محورا باقم وكتاف، إلا أنه لم يفصح عن حجم التعزيزات العسكرية، مؤكدا أن هذه التعزيزات تعد كبيرة ومجهزة بأحدث وسائل التسليح، وبها قوات خاصة لديها القدرة على تنفيذ مهام عسكرية محددة وتسلق الجبال وعمليات الاقتحام المباشر.