المعارضة المصرية تستبعد المقاطعة وتعّول على حشد الرافضين

TT

المعارضة المصرية تستبعد المقاطعة وتعّول على حشد الرافضين

حسمت غالبية القوى السياسية المعارضة في مصر، جدلاً يتجدد مع كل استحقاق سياسي، رافضة خيار المقاطعة، ومفضلة المشاركة في الاستفتاء على التعديلات الدستورية، والتصويت بـ«لا». وقال قياديون لـ«الشرق الأوسط»: «قررنا المشاركة الإيجابية، على أمل حشد أعداد كبيرة من الرافضين وإحراج السلطات».
وباستثناء جماعة «الإخوان المسلمين»، التي تصنفها السلطات رسمياً «تنظيماً إرهابياً»، والتي دعت أنصارها للمقاطعة، اعتبرت قوى المعارضة الرئيسية المصرية، أن المشاركة والتصويت برفض التعديلات هو أحد وسائل المقاومة السلمية الديمقراطية، لما وصفته بـ«العدوان على الدستور».
وقاطعت معظم قوى المعارضة، آخر انتخابات رئاسية جرت في أبريل (نيسان) 2018، وفاز بها الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، دون منافسة تذكر. لكنها اتخذت موقفاً مغياراً في الاستفتاء الحالي.
وأعلنت «الحركة المدنية الديمقراطية»، وهي تحالف ليبرالي يضم عدداً من الأحزاب والشخصيات المعارضة، منها «الدستور، الكرامة، التحالف الشعبي الاشتراكي، المصري الديمقراطي الاجتماعي»، رفضها التعديلات واعتبرتها «غير دستورية»، ودعت المواطنين لـ«التعبير عن موقفهم بحرية وشجاعة بجميع الطرق، وفي مقدمتها النزول في الاستفتاء والتصويت بلا».
واعتبرت الحركة، في بيان أصدرته عشية عملية الاستفتاء، أن «هذه التعديلات تنسف أسس الدولة الدستورية الحديثة، ولن تمر بسهولة كما يعتقد البعض»، مؤكدة أن «رفض المساس بالدستور حماية لمستقبل ولاستقرار البلاد وللتأسيس الحقيقي لدولة الحرية والديمقراطية».
وتسمح التعديلات بالتمديد لحكم الرئيس السيسي حتى عام 2030. وتستحدث غرفة ثانية للبرلمان باسم «مجلس الشيوخ»، فضلاً عن تغييرات أخرى تتعلق بتمثيل المرأة البرلماني والمؤسسات القضائية ودور القوات المسلحة.
وقال مجدي عبد الحميد، المتحدث الرسمي باسم الحركة المدنية الديمقراطية لـ«الشرق الأوسط»، إن «المشاركة الإيجابية عبر النزول والتصويت برفض التعديلات، هي الأجدى من وجهة نظرنا، لمنع تزوير إرادة المواطنين، وادعاء السلطة بموافقة أغلبية الشعب على التعديلات».
وفي السياق، قال الدكتور ياسر حسان، مساعد رئيس حزب الوفد السابق، والرافض لموقف الحزب بالموافقة على التعديلات: «تجربة المقاطعة السلبية فشلت في أكثر من مناسبة، ولم تؤتِ أي ثمار، بينما المشاركة الإيجابية والرفض سوف تظهر للسلطة حجم الرافضين للتعديلات وقوتهم، وهم كُثر».
وأوضح حسان لـ«الشرق الأوسط» أن «ربما يدرك كثيرون أن النتيجة في النهاية سوف تصب في صالح تأييد التعديلات، لكن على الأقل إذا نزل المعارضون بكثافة وصوتوا بالرفض ستقل نسبة التأييد بشكل لافت، ما يسبب حرجاً للسلطة الحالية، ويمنع أي محاولات قد يقوم بها البعض للتزوير». وتابع: «صحيح أن المعارضة لا تمتلك أدوات كافية للتعبير عن موقفها، في مواجهة الدعاية الضخمة للمؤيدين، لكن أعتقد أن الرافضين بين المواطنين عدد كبير لا يستهان به، ربما يخشون فقط التعبير عن آرائهم».
بدوره، أعلن حزب «الإصلاح والتنمية» الليبرالي الذي يترأسه السياسي البارز محمد أنور السادات «رفضه القاطع» للتعديلات، داعياً المصريين إلى النزول والمشاركة بكثافة في الاستفتاء والتصويت بـ«لا»، مناشداً المصريين بـ«عدم المقاطعة لكونها ستساعد في تمرير التعديلات من خلال حشد المؤيدين».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.