أوباما.. {إجازة} في وسط العواصف

أحداث فيرغسون.. ومقتل فولي.. وفشل جهوده في ملفات أوكرانيا وسوريا وفلسطين ينذر حظوظ حزبه في الاستحقاقات المقبلة

أوباما.. {إجازة} في وسط العواصف
TT

أوباما.. {إجازة} في وسط العواصف

أوباما.. {إجازة} في وسط العواصف

اكتفى الرئيس الأميركي باراك أوباما بإرسال 3 مساعدين إلى جنازة مايكل براون الشاب الأسود الذي قتل في حادث إطلاق نار من قبل ضابط شرطة أبيض في مدينة فيرغسون بولاية ميسوري منذ أسبوعين.
ورغم موجة الغضب والعنف والاضطرابات التي شهدتها المدينة على مدى الأسبوعين الماضيين، فقد فشل الرئيس أوباما في التعامل مع هذه الاضطرابات، التي أظهرت نوعا من التفرقة العنصرية داخل المجتمع الأميركي، وقضت على آمال أولئك الذين اعتقدوا بسذاجة أن انتخاب أول رئيس أسود للولايات المتحدة سيعني القضاء على العنصرية. اتهم المحللون والمراقبون الرئيس أوباما باللامبالاة في تقييمه للأحداث في فيرغسون، والاكتفاء بتصريحات جوفاء حول مراجعة البرامج الاتحادية والقوانين التي مكنت شرطة ولاية ميسوري من امتلاك أسلحة ومعدات ودروع - يستخدمها الجيوش في الحروب - في قمع تلك المظاهرات. بل إنه لم يكلف نفسه عناء قطع إجازته في جزيرة مارثا فينيارد ليتابع تلك الاضطرابات.
يقول النشطاء في تجمعات الأميركيين السود إن طريقة تعامل أوباما مع اضطرابات فيرغسون تظهر أنه متردد في معالجة القضايا العنصرية، وكل القضايا التي تتعلق بالسود، مثل معدلات البطالة المرتفعة، وتدني المستويات المعيشية والخدمات، وأشاروا إلى مواقف مترددة مماثلة للرئيس أوباما في أعقاب قضية مقتل الشاب الأسود مارتن ترايفون وتبرئة قاتله الأبيض جورج زيمرمان.
لم يتوقف الأمر على اضطرابات فيرغسون وفشل أوباما في احتوائها، بل جاء مقتل الصحافي الأميركي جيمس فولي على يد مسلح تابع لتنظيم داعش في العراق، ليلقي مزيدا من الوقود على نار الانتقادات المشتعلة ضد أوباما. فقد بدا أوباما حزينا ومتأثرا من الفيديو الوحشي لقطع رأس الصحافي الأميركي، وتحدث لمدة ثلاث دقائق من مقر إجازته بجزيرة مارثا فينيارد بولاية ماساشوستس ليدين الحادث. وبعد تصريحاته المقتضبة خرج أوباما مباشرة لممارسة رياضة الغولف وسط أصدقائه. وظهر أوباما في الصور مبتسما وسعيدا وهو يمضي أكثر من أربع ساعات في ممارسة رياضته المفضلة.
مشهد الرئيس الأميركي وهو يستمتع بإجازته وممارسة رياضة الغولف بعد مقتل الصحافي الأميركي على يد مسلحي «داعش» أثار عاصفة من الانتقادات والهجوم الشرس، وأثار حفيظة عدد كبير من الأميركيين الذين تساءلوا: كيف يقضي رئيس الولايات المتحدة عطلته للاستجمام في الوقت الذي تواجه فيه أميركا فاجعة مقتل الصحافي بشكل دموي بشع على يد إرهابي «داعش»؟ وقد خرجت جريدة «ديلي نيوز» بصورة في الصفحة الأولى للرئيس أوباما مبتسما في عربة الغولف مقابل صورة والدة الصحافي جيمس فولي وهي تبكي ألما لمقتله.
ورغم عودته من إجازته مساء الأحد إلى واشنطن وممارسته لعمله من البيت الأبيض، فإن الانتقادات استمرت وامتدت من حادث مقتل الصحافي الأميركي وطريقة تعامل أوباما مع تهديدات «داعش»، وموقفه من الاضطرابات العنصرية في فيرغسون، إلى كل القضايا المتعلقة بالسياسة الخارجية من أزمة غزة، إلى الوضع في سوريا والعراق، إلى تعامله مع روسيا والأزمة الأوكرانية. وامتدت الانتقادات إلى الأوضاع الداخلية من تعامله مع اضطرابات فيرغسون إلى وضع الاقتصاد الأميركي المتذبذب، وقانون أوباما للرعاية الصحية، وموقفه من إصلاح نظام الهجرة، وفشل أوباما في إغلاق معتقل غوانتانامو.
وألقت وسائل الإعلام الأميركية الضوء على أنشطة أوباما خلال الأسبوعين اللذين قضاهما في جزيرة مارثا فينيارد بينما تشتعل الاضطرابات داخليا في فيرغسون، وتتسارع التهديدات ضد الولايات المتحدة بعد مقتل فولي خارجيا.
وأشارت التقارير الصحافية إلى أن النشاط الأبرز للرئيس أوباما هو ممارسة 9 جولات من رياضة الغولف (أمضى أكثر من خمس ساعات في كل جولة من تلك الجولات التسع)، وإصدار ثلاثة تصريحات صحافية حول الوضع في العراق واضطرابات فيرغسون ثم تعليقه على مقتل فولي، ومن أبرز الأنشطة الذهاب إلى شاطئ البحر في مدينة ادغرتوون وركوب الدراجة، وحضور عرض للألعاب النارية.
ورأى محللون أنه كان أجدر بالرئيس أوباما إنفاق تلك الساعات التي أمضاها في ممارسة رياضة الغولف في التشاور مع المستشارين حول كيفية مواجهة تهديدات «داعش»، خاصة أنه ليس واضحا أن إدارته تملك استراتيجية واسعة النطاق لمواجهة الجماعات المتشددة. وقال المحللون إن المشكلة ليست في أن الرئيس أوباما يمارس رياضة الغولف بعد مقتل فولي، وإنما المشكلة في كيفية تعامل أوباما مع مختلف قضايا السياسة الخارجية.
وأشارت صحيفة «واشنطن بوست» في عددها يوم الاثنين إلى أن نظرة متعمقة إلى طريقة تعامل أوباما مع الأحداث من العراق إلى أوكرانيا تفرض التساؤل عما إذا كانت سياسات أوباما الخارجية تتعارض مع تعهده بمواجهة العالم كما هو وليس بالطريقة التي يأمل (أوباما) أن يكون عليها العالم.
وقالت الصحيفة إن سياسته الخارجية التي تقوم على تراجع دور الولايات المتحدة في العالم أحيت الانتقادات حول قيامه بسحب القوات الأميركية من العراق منذ ثلاث سنوات وتردده في القيام بعمل مباشر في سوريا بعد رسم خط أحمر للنظام السوري إذا أقدم على استخدام السلاح الكيماوي، إضافة إلى ضعف الرد الأميركي على روسيا بعد استيلائها على شبه جزيرة القرم من أوكرانيا.
وتقول الصحيفة إنه بعد سحب القوات الأميركية من العراق، يشرف أوباما الآن على عملية عسكرية لحماية العراقيين من تهديدات «داعش» وتأمين الموظفين الأميركيين وتقديم المشورة للجيش العراقي.
وقد أمر أوباما بالفعل بشن غارات جوية محدودة ضد المتشددين من «داعش» داخل العراق، وعليه الآن أن يقرر ما سيفعله في مواجهة تهديدات «داعش»، وتقرير توسيع نطاق المعركة والضربات الجوية لتشمل سوريا، وهي خطوة تردد طويلا في اتخاذها.
أشرس الانتقادات ضد سياسات أوباما الخارجية جاءت من نائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني، الذي يعد أحد أقوى الصقور في الحزب الجمهوري. وصف تشيني الرئيس أوباما في مقابلة مع شبكة «فوكس نيوز» بأنه أضعف رئيس أميركي، مشيرا إلى أنه يفضل ممارسة رياضة الغولف بدلا من التعامل مع التطورات المتسارعة في منطقة الشرق الأوسط في مقابل رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الذي قطع إجازته وعاد إلى لندن بعد اكتشاف أن القاتل في فيديو الصحافي الأميركي لكنته بريطانية.
ووصف تشيني طريقة تعامل أوباما مع التهديدات الإرهابية من قبل «داعش» والجماعات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط بالساذجة والضعيفة، وقال «إنني أصارع لأجد إجابة عن هذا السؤال، فهل أوباما يفتقد إلى الخبرة أم أنه ساذج، أم أن هذه هي الطريقة التي يريد التعامل بها مع المشاكل في العالم؟». وأشار تشيني إلى أن قتل الصحافي فولي يعد تطورا خطيرا في تهديدات «داعش»، وقال «ما يحدث في العراق وسوريا وتهديدات (داعش) تشكل خطرا على الولايات المتحدة والأصدقاء والحلفاء، ليس فقط في الشرق الأوسط، بل أيضا في أوروبا». وأضاف «السؤال هو: هل سنتركهم يحققون هدفهم في إقامة الخلافة وتنفيذ آيديولوجية تهدف إلى تدمير الغرب والولايات المتحدة أم سنقوم بتدميرهم»؟.
وأشار نائب الرئيس الأميركي السابق إلى زيادة عدد الجماعات الجهادية، متشككا في إدراك الرئيس أوباما لخطر تلك الجماعات. وقال «لا أعتقد أن أوباما يدرك خطر تلك الجماعات المتشددة، ولا شك في أن الرئيس أوباما ومن حوله يرفضون الاعتراف بهذا الخطر، ويرفضون التعامل معه، بل يتسببون في إلحاق الضرر بالعسكرية الأميركية بتخفيض أعداد الجيش بصورة لم تحدث منذ بيرل هاربر».
وكعادته، وجه السيناتور الجمهوري جون ماكين انتقادات للرئيس أوباما بعد مقتل الصحافي فولي، قائلا «إن أوباما تجاهل تهديدات التنظيمات الإرهابية لفترة طويلة من الزمن، ونحن الآن ندفع الثمن». وأضاف «على الرئيس المضي قدما في وضع استراتيجية شاملة ومتماسكة، ليس فقط في العراق، لكن أيضا في أوكرانيا وفي أجزاء أخرى من العالم، وأقل كلمة يمكن أن أصف بها هذه الإدارة هي أنها إدارة (عاجزة) ولا تدرك الخطوط العريضة للدور الذي يجب للولايات المتحدة أن تلعبه، وهو دور القيادة».
بينما حذر السيناتور ليندسي غراهام من قدرة الجماعات الجهادية المتشددة على توجيه ضربات للولايات المتحدة إذا لم تسارع إدارة أوباما إلى اتخاذ موقف قوي ضد تلك الجماعات. وقال ليندسي لشبكة «سي إن إن»: «هل لدى (داعش) القدرة على ضرب الوطن؟ سأقول نعم، وقد حان الوقت الآن لنفترض الأسوأ من هؤلاء الرجال بدلا من التقليل منهم». وأضاف «ما يقلقني هو أن استراتيجية الرئيس في القيادة من الخلف قد فشلت، وعليه أن يدرك ويعترف بأن استراتيجيته لا تعمل».
ويرى المحللون أن ضعف كفاءة أوباما في معالجة القضايا الخارجية تسبب في تراجع الدور الأميركي في العالم، وتحولت العلاقات مع روسيا إلى مرحلة من الحرب الباردة مرة أخرى بعد موقف أوباما العاجز عن ردع طموحات الرئيس بوتين واستيلائه على شبه جزيرة القرم وفشله في علاج الاضطرابات في أوكرانيا وأيضا في بلدان الشرق الأوسط بعد أحداث الربيع العربي. وأعاد البعض الإشارة إلى ما قامت به إدارة أوباما من غش وحجب للمعلومات في أحداث الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي، والتي أسفرت عن مقتل السفير الأميركي وثلاثة أميركيين.
ولم يقتصر الأمر على الانتقادات الموجهة للرئيس أوباما في مجال السياسة الخارجية فقط، بل إنها فتحت الباب لانتقادات سابقة ضده في مجال تخفيض حجم الجيش الأميركي، وفي مجال الرعاية الصحية، والفشل في تنفيذ وعده بإغلاق معتقل غوانتانامو، والفشل في التعامل مع تدفق المهاجرين عبر الحدود الأميركية المكسيكية والقيام بإصلاحات في تشريعات الهجرة.
وتأتي تلك الانتقادات في وقت تدور فيه شعبية الرئيس أوباما في استطلاعات الرأي العام عند مستويات 40 في المائة، وهو ما يشكل علامة قلق للديمقراطيين. ويخشى الديمقراطيون من مزيد من الانخفاض في شعبية أوباما في استطلاعات الرأي، بما يسمح للجمهوريين بانتزاع السيطرة على مجلس الشيوخ في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس المقرر عقدها في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وفي أحدث استطلاع للرأي أجرته جامعة كونبياك، أشار 33 في المائة من المستطلعة آراؤهم إلى أن الرئيس أوباما هو أسوأ رئيس أميركي خلال السنوات السبعين الماضية، وجاء الرئيس جورج بوش الابن في المرتبة الثانية خلفا لأوباما. وقال 45 في المائة إنه كان من الأفضل للولايات المتحدة لو فاز الجمهوري ميت رومني في الانتخابات الرئاسية عام 2012.
ولم يتوقف الأمر عند هجوم وانتقاد الجمهوريين فقط، بل امتد ليشمل انتقادات قادمة من الديمقراطيين ومن المنابر الإعلامية المعروفة بمساندة الحزب الديمقراطي، ومناصرة إدارة أوباما، مثل صحيفة «نيويورك تايمز» التي نشرت عدة مقالات تنتقد أوباما.
واجتهد مساعدو أوباما والمسؤولون في البيت الأبيض في الدفاع عنه، وعن سياساته الخارجية، ودافعوا عن صورته الحزينة أثناء المؤتمر الصحافي لإدانة قتل الصحافي فولي وكذلك صورته المبتهجة بعد عدة دقائق أثناء ممارسة الغولف.
ويقول مسؤول بالبيت الأبيض «إن الرؤساء يتعلمون كيفية إخفاء مشاعرهم، ففي لحظة يتعاملون مع الموت وفي اللحظة التالية يسعون لراحة نفسية وجسدية لأن عليهم اتخاذ قرارات، وتحمل أعباء إدارة دولة، وعلى الرئيس أن يكون واعيا من انغماسه في حالة الحزن بحيث لا تتحكم عواطفه في ما يقوم به من قرارات وما يواجهه من مشاكل».
مسؤول آخر أشار إلى أن ظهور أوباما وهو يمارس رياضة الغولف يعطي إشارة لأعداء أميركا بأنهم لا يستطيعون تغيير جدول أعمال الرئيس، مشيرا إلى أن أوباما توقف مند فترة طويلة عن القلق عما يقوله منتقدوه. وقالت جنيفر بالميري، مديرة الاتصالات بالبيت الأبيض، إن ممارسة أوباما لرياضة الغولف لا تنفي عمق حزنه على مقتل الصحافي فولي.
وقال إريك شوالتز، المتحدث باسم البيت الأبيض «لا أعتقد أن الأميركيين ينكرون على الرئيس الحصول على إجازة لقضاء بعض الوقت مع عائلته، والرئيس هو الرئيس أينما ذهب، وعادة ما يسافر معه مجموعة واسعة من الموظفين ومعدات الاتصال التي تسمح له باتخاذ قرارات بغض النظر عن مكان وجوده».
وأشار بن رودس، نائب مستشار الأمن القومي، إلى أن كلا من العراق وسوريا في بؤرة اهتمام الرئيس لمنع تهديدات الإرهاب القادمة من خارج الولايات المتحدة، لكنه في الوقت نفسه شدد على أن الرئيس أوباما لا ينوي إعادة النظر في رأيه بأن العراق يجب أن يكون مسؤولا عن أمنه.
وأوضح بروس هوفمان، الأستاذ في دراسات الإرهاب بجامعة جورج تاون، أن تصميم فيديو قتل الصحافي الأميركي على يد مسلحي «داعش»، والرسالة المباشرة إلى الرئيس أوباما، يهدفان إلى غرس الخوف في نفس الرئيس، وقال «إن رد الرئيس بممارسة حياته الطبيعية كانت رسالة قوية بأن رسالة التنظيم الإرهابي لا تخيفه».
ويقول جون الترمان، نائب رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن (CSIS) «إن الرئيس أوباما كان يعتقد أن بإمكانه إحداث تغيير، وأن العالم سيكون أكثر استجابة لرغبته، لكن مجريات الأحداث في العالم أثبتت غير ذلك، وهو يواجه الآن انتقادات ويقوم بمناوشات في مواجهة المشاكل تقوم على رد الفعل أكثر من أخذ المبادرة والاختيار».



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.