قائد القسام.. الشبح الذي نجا من 5 محاولات اغتيال

من مسرحي في غزة إلى المطلوب الأول لإسرائيل.. لا يظهر في الأماكن العامة ولا توجد له صور حديثة

قائد القسام.. الشبح الذي نجا من 5 محاولات اغتيال
TT

قائد القسام.. الشبح الذي نجا من 5 محاولات اغتيال

قائد القسام.. الشبح الذي نجا من 5 محاولات اغتيال

بعد 5 محاولات اغتيال حقيقية وعشرات أخرى لم تر النور، تحول القائد العام لكتائب القسام، محمد الضيف (أبو خالد) إلى ما يشبه الأسطورة في عيون الفلسطينيين الذين يرون فيه وزير الدفاع الذي لا يعتقد أنه سيتسلم المنصب بشكل رسمي في يوم من الأيام.
والضيف الذي يعد الرجل الأكثر غموضا على الإطلاق من بين الفلسطينيين، شيعته إسرائيل مرتين، وما زالت تقول إن مصيره حتى الآن غير معروف على وجه الدقة، بعد محاولة اغتياله الأخيرة في 20 الحالي، وهي المحاولة التي وصفتها القسام بالفاشلة. ويستدل الفلسطينيون على أن الضيف حي يرزق، فقط من خلال إعلان أصدرته القسام، وآمالهم بأن الأسطورة لا تموت، أما الضيف نفسه فلم يظهر بعد المحاولة الأخيرة كعادته.
يحيط الضيف الذي اكتسب هذا اللقب (الضيف) بسبب أنه لا يمكث في مكان واحد كثيرا، نفسه بإجراءات أمنية معقدة للغاية. ومنذ نحو عقدين، لم يظهر الضيف في أماكن عامة، أو كما يقول من سألتهم «الشرق الأوسط»، لو نظرنا إليه ما عرفناه.
وحتى الإسرائيليون الذين يسعون وراءه لا يملكون صورة له. ولا يوجد للضيف أي صورة حديثة على الإطلاق ونشرت إسرائيل بضع صور قديمة جدا له، يعتقد أنه تغير بعدها كثيرا. وفي يناير (كانون الثاني) 2011 وفي أغسطس (آب) 2014 لم يحضر الضيف جنازات الأعز إلى قلبه، والدته وزوجته وابنه الصغير بسبب هذه الإجراءات الأمنية. والسؤال عن الضيف حتى لأسباب صحافية قد يجعلك في دائرة المشبوهين فورا أو غير المرغوب بهم إذا كنت غير معروف لرجاله، أما إذا كنت معروفا لهم فلن تجد أجوبة شافية. وفيما تضع إسرائيل الضيف على رأس المطلوبين لها منذ 20 عاما، تقول القسام إنه سيقود جيش تحرير القدس.
فمن هو محمد الضيف (أبو خالد)؟
اسمه الحقيقي: محمد دياب إبراهيم المصري، وشهرته الضيف ولد عام 1965 لأسرة فلسطينية لاجئة من بلدة القبيبة واستقرت في مخيم خان يونس جنوب قطاع غزة.
نشأ محمد في أسرة فقيرة للغاية، واضطر لترك الدراسة مؤقتا لإعانة أسرته، وقد عمل مع والده في «الغزل والتنجيد» ومن ثم أنشأ مزرعة صغيرة للدواجن وعمل سائقا قبل أن يصبح مطاردا لإسرائيل. عاش طفولته في مدينة خانيونس في حي الحطوب وله 3 أشقاء و4 شقيقات، هم عمر وعلي ويوسف، ومنال وانتصار ونجاح وتساهيل. والده ذياب المصري ما زال على قيد الحياة ويبلغ من العمر 81 عاما، ووالدته توفيت في 14 يناير عام 2011، عن 74 عاما.
يقول رفاقه في الحي الذي نشأ فيه إنه كان وديعا وصاحب دعابة وخفة ظل وطيب القلب ويميل إلى الانطوائية. انضم الضيف لحركة حماس في نهاية عام 1987 عبر علاقته بالمساجد.
عاد إلى دراسته وتلقى تعليمه في الجامعة الإسلامية في غزة وتخرج فيها 1988 بعد أن حصل على درجة البكالوريوس في العلوم. أثناء ذلك أنشأ الضيف فرقة «العائدون» الفنية الإسلامية وكانت تعنى بشؤون المسرح، وعرف عن الضيف ولعه بالتمثيل وأدى عدة أدوار مسرحية ومن بينها شخصيات تاريخية. وكان الضيف مسؤولا عن اللجنة الفنية خلال نشاطه في مجلس طلاب الجامعة الإسلامية. تزوج مرتين، الأولى قبل نحو 15 عاما وأنجب منها ثلاثة أبناء هم خالد وبهاء وخديجة، وما زالت على قيد الحياة، والثانية هي وداد عصفورة قبل نحو 4 سنوات، وقضت مع اثنين من أبنائها في آخر محاولة لاغتياله هذه الشهر، وتبقى له منها عمر وحلا.
اعتقلته إسرائيل عام 1989 وقضى 16 شهرا في سجون الاحتلال موقوفا دون محاكمة بتهمة العمل في الجهاز العسكري للحركة.
بعد خروج الضيف من السجن، بدأ مع آخرين في تأسيس القسام. وخلال التسعينات أشرف وشارك في عمليات لا تحصى ضد إسرائيل.
اعتقلته السلطة الفلسطينية في شهر مايو (أيار) عام 2000 بطلب من إسرائيل، وكانت علاقته بالسلطة متقدمة وجيدة وجرى اعتقاله ضمن تفاهمات. في 2002 تسلم قيادة القسام بعد اغتيال قائدها العام صلاح شحادة. تعرض لأول محاولة اغتيال في 2001، لكنه نجا. وبعد سنة واحدة جرت محاولة ثانية عندما أطلقت مروحية «أباتشي» صاروخين نحو مركبة الضيف، وأصاب أحدهما الضيف بجروح، وعالجه في مكان غير معروف، قائد حماس عبد العزيز الرنتيسي (الذي اغتيل سنة 2004) وكان طبيبا. في 2003، حاولت طائرة إسرائيلية اغتيال الضيف وبعض قادة حماس في منزل في مدينة غزة لكن الصاروخ أصاب الطابق الخطأ.
بعد 3 سنوات في 2006 أصاب صاروخ شديد الانفجار منزلا كان الضيف يجتمع فيه مع قادة القسام، ومرة ثانية نجا الضيف لكن إسرائيل قالت إنه أصيب بجروح بالغة.
ويعتقد مسؤولون إسرائيليون أن الضيف أصبح مقعدا على كرسي وفقد أحد عينيه لكن لم تعط حماس أي إشارة إلى أن ذلك صحيح أو لا. خرج الضيف في تسجيلات في السنوات الماضية 3 مرات، كان مثل الشبح مع صورة معتمة ونصفه ظاهر فقط وتحدث في شؤون الحرب مع إسرائيل متوعدا إياها في كل مرة بهزيمة. وبخلاف ذلك لم يظهر الضيف على الملأ أبدا.

* هاجس إسرائيلي قديم
* ملاحقة الضيف كانت على كل المستويات أمنية وسياسية كذلك، ففي 1996 طلب شيمعون بيرس الذي كان رئيسا لوزراء إسرائيل آنذاك، من الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات اعتقال الضيف من أجل المضي قدما في تطبيق اتفاقات أمنية وسياسية، أبدى عرفات استغرابه من الاسم، وكأنه لا يعرفه، وسأل مساعده الأمني محمد دحلان الذي كان صديقا للضيف وجاره كذلك، من هو؟ وتبين فيما بعد أن عرفات كان يحميه، وهو الأمر الذي أدى إلى امتعاض إسرائيل من تصرفات عرفات واتهامه بالكذب عليهم لحماية رجل حماس.
ظلت إسرائيل تسعى وراءه حتى اليوم وأصابته مرتين ضمن المحاولات الخمس الماضية.
ويروج الاحتلال الإسرائيلي أن الضيف ربما لا يكون على قيد الحياة بعد المحاولة الأخيرة وأن حماس تخفي الأمر لكن القسام قالت إنه حي يقود القتال ولم يصب بأذى.

* وفاة والدته تظهر أن عاطفته لا تغلب أمنه
* حين توفيت والدة الضيف في يناير 2011 حضر الجميع إلا ابنها الأقرب إلى قلبها. وقال مقربون من حماس لـ«الشرق الأوسط» إنه حضر ولم يعرفه أحد، وقال آخرون إنه جاء لمدة 5 دقائق فقط ومن ثم غادر، وروى البعض أنه تخفى بزي عجوز وودع والدته ومضى. لا أحد يعرف على وجه الدقة كيف ودع الضيف والدته، إلا حلقة ضيقة للغاية على رأس كتائب القسام، وهي الحلقة نفسها التي تعرف صورته الحقيقة.

* آخر محاولة حقيقية لاغتياله
* تمت في 20 أغسطس الحالي حين هوت عدة صواريخ تحمل نحو 12 طنا على منزل يعود لعائلة الدلو في حي الشيخ رضوان بمدينة غزة، فقتلت زوجته، وداد، (28 عاما) وابنه علي وابنته سارة. وأكد مصدر سياسي إسرائيلي أن الضيف كان هدف عملية القصف الذي أحدث إرباكا عند الفلسطينيين والإسرائيليين استمر ساعات، إذ طلب وزراء إسرائيليون من الجمهور الإسرائيلي انتظار مفاجأة من وراء القصف، ونشرت وسائل إعلام فلسطينية أسماء مسؤوليين كبار في القسام كانوا يعتقدون أنهم استهدفوا في القصف، قبل أن تخرج القسام في بيان وتتعهد أن تفتح على «العدو» أبواب «جهنم»، وتقول إنها تتحدى العدو الصهيوني أن يعلن عن السبب الحقيقي الكامن وراء هذا العمل الجبان في قصفه لمنزل عائلة الدلو دون أن تعطي أي تفاصيل.
ولساعات ظل الغموض مسيطرا على نتائج العملية الإسرائيلية مع تلميحات إسرائيلية بوجود صيد ثمين.
ثم أعلن موسى أبو مرزوق عضو المكتب السياسي لحركة حماس، استشهاد زوجة وابن القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف في استهداف منزل عائلة الدلو بحي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة.
وردت حركة حماس داعية إسرائيل لتجهيز نفسها لأيام قاسية. وقال الناطق باسم القسام، أبو عبيدة، «خبتم وخاب فألكم، فمرة بعد مرة تثبتون أنكم مجموعة من الفاشلين، فبعد 45 يوما من بدء المعركة في ظل كل عملكم الاستخباري فإن كل الذي تستطيعونه هو قتل النساء والأطفال، إنكم أفشل وأعجز من أن تطالوا القائد العام أبو خالد محمد الضيف – بإذن الله تعالى - أبو خالد الذي جعل فشلكم وعجزكم على مدار ما يزيد على ربع قرن واضحا وضوح الشمس في رابعة النهار». وكانت محاولة الاغتيال هذه قد تسببت بإشعال الحرب بقوة.

* فشل اغتياله للمرة الخامسة
* يؤكد تطور منظومة الأمن في القسام مرة ثانية حضر الجميع جنازة أقرب الناس إلى قلب الضيف ولم يحضر هو إذ لم يشاهد في توديع زوجته وابنه الصغير علي وابنته سارة التي ظلت تحت الأنقاض ليومين. واتضح لاحقا أن مجرد معرفة منزل الضيف كان يحتاج إلى جهد استثنائي بعد أن كشف أن أقرب الناس إليه لا يعرفون أنه منزله الضيف أو عائلته. وقال مصطفى عصفورة، والد وداد، زوجة الضيف، ويبلغ من العمر 65 عاما «لا يوجد عائلة في غزة لم تفقد شهيدا أو لم تتضرر، وأنا لست أفضل من غيري».
وأضاف: «ابنتي كانت تعرف أنها مشروع شهيدة عندما تزوجت محمد الضيف في عام 2007. كنت أتوقع خبر استشهادها في أي لحظة». وأوضح مصطفى عصفورة أنه شاهد الضيف مرة واحدة في حياته، وهي عندما تزوج ابنته. وبعدها، لم يكن على دراية حتى بمكان سكن ابنته بسبب الترتيبات الأمنية البالغة السرية التي تحيط بالضيف وتحركاته لتجنب استهدافه من قبل إسرائيل.
وتعد هذه الإجراءات الأعلى على الإطلاق، إذ إن مسؤولي القسام الآخرين يغادرون وعائلاتهم منازلهم وقت الحروب فقط إلى بيوت غير معروفة، ويشاركهم في هذا بعض المسؤولين السياسيين في حماس. وقالت مصادر أمنية لـ«الشرق الأوسط» إنه «في الحرب يتم إخلاء منازل حتى القياديين السياسيين الذي تعرضوا سابقا لمحاولات اغتيال أو يعتقد أن إسرائيل قد تلجأ لاغتيالهم أو على الأقل تدمير منازلهم». وأضافت «يذهبون إلى منازل أخرى آمنة لكن من دون المستهدفين».
وتابعت «أما القسام فإنهم يتخذون إجراءات مختلفة وسرية ولا أحد يعرف عنها شيئا».
ولم يشاهد مسؤولو حماس السياسيين والعسكريين في الشوارع منذ بدأت الحرب. ولكن لجميع هؤلاء في النهاية منازل معروفة يعودون إليها وعائلاتهم بعد الحرب، بخلاف الضيف.

* كيف تنظر إليه إسرائيل
* يصفه قادة إسرائيليون برأس الأفعى، ويقول الإعلام الإسرائيلي إنه المطلوب الأول منذ 20 عاما. تتهمه أجهزة المخابرات الإسرائيلية بأنه الشخص الذي حول القسام إلى ما يشبه جيشا منظما لكنهم يعترفون بأنه ذكي ولماح وقادر على التخفي دائما. وبعد محاولات اغتياله الأخيرة دافع وزير الداخلية جدعون ساعر عن محاولة اغتياله على الرغم من جهود وقف النار وقتل زوجته وأبنائه، بقوله، «الأمر لا يتكرر، إنه مثل ابن لادن يجب اغتياله في أي فرصة».



عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
TT

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا
يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا

حياة مغلفة بـ«هم الاستقلال»، سواءً عن المستعمر القديم في السنوات الأولى، أو تشكيل «الدولة المستقلة» طوال فترتَي الشباب والشيخوخة، لم تثنِ عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» عن مواصلة العمل لتحقيق حلمه. إذ تفتحت عينا «عرّو» في مدينة هرجيسا، عاصمة إقليم «أرض الصومال» وكبرى مدنه، يوم 29 أبريل (نيسان) 1955، على نداءات للاستقلال عن الاستعمار البريطاني، وتحقّق ذلك وعمره نحو 5 سنوات... وهو الآن يأمل باعتراف دولي للإقليم - الذي كان يُعرف سابقاً بـ«الصومال البريطاني» - وهو يترأسه بعمر الـ69 كسادس رئيس منذ انفصاله عن الجمهورية الصومالية عام 1991.

عاش عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» حياته بين دهاليز الدبلوماسية وسنوات غربة وتقلبات السياسة، وسجل أرقاماً قياسية، أبرزها أنه كان أطول رؤساء مجلس نواب إقليم «أرض الصومال» (صوماليلاند) عهداً مسجّلاً 12 سنة.

وجاء إعلان انتخابه رئيساً للإقليم في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) المودّع، في ظرف تاريخي وتوقيت مصيري يواجهان بلاده وسط توترات حادة، أبرزها مع الحكومة الصومالية الفيدرالية - التي لا تعترف بانفصاله - وترفض اتفاقاً مبدئياً أقرّه سلفه موسى بيحي عبدي مطلع 2024 مع إثيوبيا اعتبرت أنه يهدّد سيادة البلاد.

المولد والنشأة

وُلد عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو» وفق مصادر «الشرق الأوسط»، في عائلة مكوّنة من 7 فتيات و3 أولاد، وهو حالياً متزوج ولديه 5 أبناء.

بدأ تعليمه الابتدائي في مدينة بربرة، ثاني كبرى مدن الإقليم وميناؤه الرئيس. وتابع تعليمه الثانوي في هرجيسا، منتقلاً إلى المدرسة الثانوية عام 1977. وبعد ذلك، انتقل إلى العاصمة الصومالية الفيدرالية مقديشو، حيث التحق بكلية سيدام ومنها حصل على درجة البكالوريوس في المحاسبة، وتضم شهاداته أيضاً درجة الماجستير في إدارة الأعمال ودبلوماً في حل النزاعات.

بين عامي 1978 و1981، عمل «عرّو» في منظمة معنية بالتنمية الاجتماعية في مقديشو. وبين عامي 1981 و1988 شغل منصباً دبلوماسياً في وزارة الخارجية الصومالية بإدارة التعاون الاقتصادي. ومن مايو (أيار) 1988 إلى عام 1996، قبل أن يعمل مستشاراً للسفارة الصومالية في موسكو ثم نائب السفير والقائم بالأعمال.

العيش في الخارج

بعد انهيار الحكومة الصومالية، انتقل «عرّو» عام 1996 إلى فنلندا، التي كانت عائلته تقيم فيها منذ سنوات عدة وحصل على جنسيتها وظل مقيماً فيها حتى عام 1999.

للعلم، خلال عامي 1997 و1998 كان مساعد المنظمة الدولية للهجرة في فنلندا. بيد أنه عاد إلى إقليم أرض الصومال عام 1999، وبعد أقل من سنتين، أصبح «عرّو» أحد مؤسسي «حزب العدالة والتنمية» UCID - حزب المعارضة البارز - مع فيصل علي وارابي منافسه في الانتخابات الرئاسية هذا العام، وحينذاك شغل منصب نائب الأمين العام للحزب.

إقليم أرض الصومال شهد انتخابات لمجلس النواب، المكوّن من 82 نائباً، يوم 29 سبتمبر (أيلول) 2005. وكانت تلك أول انتخابات برلمانية متعددة الأحزاب تنظَّم في الإقليم منذ انفصاله عن جمهورية الصومال (الصومال الإيطالي سابقاً) عام 1991. ولقد انتخب «عرو» نائباً عن منطقة ساحل بربرة، وانتُخب لاحقاً رئيساً للبرلمان (مجلس النواب)، وإبّان فترة ولايته سُنّت معظم قوانين الإقليم وتشريعاته.

لكن، بعد نحو 6 سنوات، وإثر خلاف تفجّر مع وارابي، أسّس «عرّو» الذي يتكلم اللغات الإنجليزية والعربية والروسية، «الحزب الوطني» - أو حزب «وداني» (الوطني) - المعارض الذي يميل إلى اليسار المعتدل ويحمل رؤية تقدمية في قضايا الأقليات والحريات كما يدعم المزيد من اللامركزية.

يوم 2 أغسطس (آب) 2017، استقال «عرّو» من رئاسة البرلمان بعدما شغل المنصب لمدة 12 سنة، وهي أطول فترة لرئيس برلمان بتاريخ الإقليم، معلناً أنه يتهيأ لدور أكثر أهمية كرئيس لأرض الصومال. غير أن آماله تحطمت على صخرة موسى بيحي عبدي، مرشح «حزب السلام والوحدة والتنمية» في المرة الأولى.

لكنه حقق مراده بعدما أعاد الكرَّة وترشح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أجريت يوم 13 نوفمبر 2024، وحصل فيها على 63.92 في المائة من الأصوات متغلباً على عبدي الذي حل ثانياً بـ34.81 في المائة، لجنة الانتخابات الوطنية الرسمية بالإقليم.

الرئيس السادسانتخابات عام 2024 هي الانتخابات المباشرة الرابعة منذ عام 2003، ومع فوز «عرّو» غدا الرئيس الرابع حسب الانتخابات الرئاسية المباشرة لفترة تمتد إلى 5 سنوات، وكذلك أصبح الرئيس السادس في المجمل منذ انفصال الإقليم 18 مايو 1991. ويذكر أنه عقب إعلان انفصال إقليم أرض الصومال، انتخب السفير عبد الرحمن أحمد علي، رئيس الحركة الوطنية بالبلاد حينها، ليكون أول رئيس للإقليم عبر انتخابات غير مباشرة. وفي 1993 انتخب السياسي محمد إبراهيم عقال رئيساً، وفي عام 1997 وجدّد له لفترة ثانية.

وبعد وفاة عقال عام 2002 أثناء رحلة علاج في جنوب أفريقيا، انتًخب نائبه طاهر ريالي كاهن؛ رئيساً للبلاد لتكملة الفترة الانتقالية. ثم في عام 2003، أجريت أول انتخابات رئاسية مباشرة في الإقليم، أسفرت عن فوز حزب «اتحاد الأمة» بقيادة الرئيس طاهر ريالي كاهن على السياسي أحمد محمد سيلانيو.

وفي يونيو (حزيران) 2010، أُجريت ثاني انتخابات رئاسية مباشرة، وتمكن سيلانيو من الفوز بالرئاسة لفترة خمس سنوات. وانتهت الانتخابات الثالثة التي أجريت في 13 نوفمبر 2017، بفوز موسى بيحي عبدي، الذي حصل على 55 في المائة من الأصوات.

وكان من المقرر أن تُجرى انتخابات الرئاسة الرابعة في الإقليم عام 2022، لكن لجنة الانتخابات الوطنية أجّلتها إلى 2023 ثم إلى نوفمبر 2024 بعد تمديد نيابي لولاية الرئيس عبدي الذي يتولى الرئاسة منذ 2017. وأرجعت اللجنة التأجيلات إلى «قيود زمنية وتقنية ومالية»، وسط انتقادات من المعارضة، قبل أن يفوز «عرّو».

التزامات وتحديات

جاء انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال، لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا مطلع 2024، تسمح للأخيرة بمنفذ بحري على سواحل البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، مقابل الاعتراف بالإقليم بصفته دولةً مستقلة، الأمر الذي عدّته الحكومة الصومالية «اعتداءً على سيادتها وأراضيها».

إذ بجانب تحدّي الميناء، يشكّل الملف الداخلي تحدّياً ثانياً - بالذات - في أبعاده الأمنية والاقتصادية والعشائرية. كذلك تعدّ العلاقات الخارجية، وبخاصة مع إثيوبيا، تحدياً ثالثاً. ويضاف إلى ما سبق تحديان آخران، الرابع يتصل بملف المفاوضات المعلّقة مع الحكومة الصومالية الفيدرالية، والخامس بملف «حركة الشباب» الإرهابية المتطرفة.

هذه التحديات الخمسة، تقابلها التزامات أكّدها الرئيس المنتخب أثناء حملاته الانتخابية، منها التزامه بإعادة فتح وتنفيذ الحوار بين الإقليم والحكومة الفيدرالية الصومالية، وفق ما ذكرته إذاعة «صوت أميركا» باللغة الصومالية عقب مقابلة معه. وخلال حملاته الانتخابية أيضاً، قال «عرّو» إن حزبه سيراجع «مذكرة التفاهم» مع إثيوبيا، من دون أن يرفضها. في حين نقلت «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) عن محمود آدم، الناطق باسم حزب «عرّو»، أن «الاتفاقية لم تُعرض على الحزب أثناء العملية، وأن الحزب لم يراجعها منذ ذلك الحين». وأردف: «بشكل عام، نرحب بأي تعاون عادل ومفيد مع جيراننا. ولقد كانت إثيوبيا على وجه الخصوص صديقاً عظيماً على مرّ السنين. وعندما نتولّى السلطة، سنقيّم ما فعلته الحكومة السابقة».

لكن سبق هذه التعهدات والتحديات برنامج سياسي لحزب «وداني» تضمن خطوطاً عريضة متعلقة بالسياسة الخارجية لانتخاب الرئيس «عرّو» في عام 2024، أبرزها أن تكون الإجراءات القانونية والدبلوماسية لأرض الصومال مبنية على المصالح الوطنية ولا تتورط في نزاعات سياسية واقتصادية مع دول أخرى.

وتتضمن النقاط نقطتي:

- العمل على انضمام أرض الصومال إلى المنظمات الدولية الرئيسة، كالاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة، والكومنولث، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية، وغيرها.

- وإجراء مراجعة سنوية للسياسة الخارجية، لتعكس التطورات العالمية وتضمن التوافق مع المصالح الوطنية.

خبراء حاورتهم «الشرق الأوسط»، قالوا إنه من الصعب التكهن حالياً بتداعيات فوز مرشح المعارضة على مسار مذكرة التفاهم مع إثيوبيا، لكنهم اعتبروا أن الرئيس المنتخب سيسلك استراتيجية أخرى لنيل الاعتراف الدولي، تقوم على تهدئة الخطاب السياسي تجاه مقديشو، وإرسال رسائل تطمينية لها؛ بغية حثّها على الاعتراف بـ«أرض الصومال» دولةً مستقلة، مقابل الوصول لصيغة قانونية جديدة معترف بها دولياً تحكم العلاقة بين المنطقتين، كصيغة الاتحاد الفيدرالي مثلاً.