المساعدات السعودية إلى لبنان.. طريق التعافي

من رعاية اتفاق الطائف 1989 إلى دعم مؤسسات الدولة والجيش بمليارات الدولارات

المساعدات السعودية إلى لبنان.. طريق التعافي
TT

المساعدات السعودية إلى لبنان.. طريق التعافي

المساعدات السعودية إلى لبنان.. طريق التعافي

ليس إعلان المملكة العربية السعودية عن تقديم هبة المليار دولار للجيش اللبناني، مطلع الشهر الحالي، إلا استكمالاً لمسيرة طويلة من المكرمات الملكية التي دعمت استقرار لبنان، وساعدته على تجاوز المحن التي عاناها نتيجة الحروب الإسرائيلية المتكررة عليه، منذ عام 1978 حتى عام 2006، ونتيجة الاقتتال الداخلي الذي انتهى برعاية المملكة العربية السعودية لاتفاق الطائف في عام 1989.
تلك المساهمات، وكان آخرها مكرمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بدعم الجيش اللبناني بمليار دولار لتسليحه، بعد هبة المليارات الثلاثة التي كان أعلن عنها قبل أشهر قليلة، تؤكد أهمية المساعدات السعودية لحماية استقرار لبنان، إذ لعبت السعودية، دوراً كبيراً ومحورياً في مساعدة لبنان في كل مراحل أزماته التي بدأت بالاشتداد منذ منتصف السبعينات من القرن الماضي، إبان الحرب اللبنانية، ولا تزال مستمرة حتى الآن، متخذة أشكالاً مختلفة يُكوى اللبنانيون بنيرانها الملتهبة.
لم يكن اتفاق الطائف، وهو الاسم الذي تعرف به وثيقة الوفاق الوطني اللبناني، مجرد ورقة، جرى التوقيع عليها في 30 سبتمبر (أيلول) 1989، بين الأطياف اللبنانيين، بل تعد المرجعية الأولى التي يستند إليه اللبنانيون، كمرجع نهائي لوفاقهم الوطني، وسلمهم الأهلي، بعد الحرب الأهلية التي استمرت قرابة 15 عاما.
ويؤكد فؤاد السنيورة، رئيس الوزراء الأسبق، ورئيس كتلة المستقبل النيابية، لـ«الشرق الأوسط»، أنه من دون المساعدات السعودية في أكثر من مناسبة، «لما استطاع لبنان، أن يتجاوز المحن التي وقع فيها في مواجهة العدوان الإسرائيلي وإزالة آثاره في عام 1982، وكذلك أيضا بالنسبة للعدوان الإسرائيلي في عام 2006، وهي أيضا كانت مبادرة في العمل الجاد من أجل تعزيز قدرة لبنان على مواجهة الإرهاب، وأخطاره في عام 2014».
ويضيف: «مبادرة خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز شخصياً، دعمت سيادة واستقلال لبنان وسلمه الأهلي وعيش أبنائه المشترك، حيث وقفت المملكة دون تردد إلى جانب لبنان، وفي كل المناسبات والأوقات التي احتاج فيها لبنان للمساعدة، وكانت السعودية هي السباقة والمبادرة للوقوف بشجاعة وبإقدام من أجل تلبية حاجات لبنان والشعب اللبناني بشكل سريع واستثنائي، بهدف تمكينهما من الصمود والتغلب على مصاعب الزمان والأعداء».
ويقول السنيورة: «إن المملكة اعتمدت في استراتيجية تقديم المساعدات للبنان، على تحقيق هدف سام واحد، وهو تمكين لبنان ودعمه بما يريد، ودعم تثبيت وقيام دولته، ودعم استقراره وازدهاره، وتقدمه بما يتفق مع مصالح الشعب اللبناني في البقاء واحة سلام وعيش مشترك، بحيث لم تضع السعودية أية شروط أو أهداف سياسية في أي عمل قامت به تجاه لبنان».
ويضيف: «ما تحرص عليه السعودية، هو دعم صمود لبنان واللبنانيين ودعم قيام الدولة اللبنانية، وهنا وفي هذا المجال نجد المفارقة الكبرى والحقيقة الكبرى وهي أن الأخوة المسؤولين في السعودية، لم يرفقوا يوماً مساعداتهم بأية شروط أو أهداف، بل كانوا دائماً يتوخون دعم الدولة والشعب اللبناني».
ولفت رئيس الوزراء اللبناني السابق إلى أن المساعدات التي تقدمها السعودية، برزت جلياً في رعاية المملكة لاتفاق الطائف 1989، وهي كانت رعاية ومساعدة سياسية ووطنية، حيث ظهر جلياً أن ما عملت عليه السعودية، من أجله كان إنهاء المحنة الداخلية (آنذاك)، ووضع لبنان على طريق التعافي بواسطة طريق دعم قيام الدولة، وإعادة إحياء مؤسساتها، وحيث عمل اللبنانيون على إعادة صياغة ميثاقهم الوطني، وأكدوا على صيغة العيش المشترك فيما بينهم، والتي يقوم عليها لبنان وهي الأساس في سلمه الأهلي.
ويضيف: «كل المبادرات والمساعدات المادية والعينية التي سبق وأن قدمتها السعودية، وتلت ذلك، لم تحد عن هذا الهدف الوحيد، وهو دعم لبنان واللبنانيين فيما يريدونه، وهنا يكمن سر قوة موقف المملكة في هذا الإطار، أي أنها تساعد لبنان من دون شروط واشتراطات سياسية ومن دون تمييز أو تفضيل، وهو دعم سخي وشامل يطال كل اللبنانيين في حاضرهم وغدهم».
وتبرعت المملكة العربية السعودية في عام 2006 عقب الحرب الإسرائيلية على لبنان، بمبلغ إجمالي بلغ 746 مليون دولار، في سعي منها لإقالة لبنان في التحديات التي كان يواجهها، وهو المبلغ الذي كان يمثل نسبة 63 في المائة من مجموع المساعدات التي قدمت للبنان من باقي الدول، وهي المساعدات التي مكنت لبنان، من إعادة إعمار وترميم أكثر من 55 ألف وحدة سكنية.
وتوزعت أبواب الإنفاق من المساعدات المقدمة من السعودية في عام 2006، على الإغاثة العاجلة بنحو 50 مليون دولار، وإعادة إعمار 208 قرى وبلدات في الجنوب اللبناني بقيمة 293 مليون دولار، وإعادة إعمار أبنية منها 36 عقارا في الضاحية الجنوبية بإجمالي 32 مليون دولار، وإعادة إعمار البنى التحتية ومشاريع إنمائية بقيمة 175 مليون دولار في كل لبنان، ودعم قطاع التعليم لكل اللبنانيين بـ84 مليون دولار، ودعم الجيش وقوى الأمن بنحو 100 مليون دولار، ومساعدات اللاجئين الفلسطينيين القاطنين في مخيم نهر البارد بنحو 12 مليون دولار.
وفي السياق نفسه، يبيّن علي عواض عسيري، السفير السعودي لدى لبنان لـ«الشرق الأوسط» أن الدور السعودي، تاريخي وملموس في الحياة السياسية اللبنانية، بدءاً من اتفاق الطائف، الذي رعته المملكة وأوجد دستوراً يضمن عيش اللبنانيين اليوم، حيث إن السعودية لم تترك لبنان مطلقاً في كل أزماتها التي واجهتها، سواء في حربها مع إسرائيل، أو غيرها.
وقال عسيري إن الدعم السعودي، ووقوفها إلى جانب لبنان، جعل هناك توازنا سياسياً يضمن الاستقرار، حيث لم تميز اللبنانيين عن بعضهم البعض، وكل القوى السياسية في لبنان واحدة.
وحول الجانب السياسي التي تستفيد منه السعودية في دعم لبنان، يتفق السنيورة مع السفير السعودي لدى لبنان، على أن الجانب السياسي الوحيد في عملية الدعم المستمر، هو أن المساعدات السعودية تشمل كل اللبنانيين دون تمييز أو تفريق بين لبناني وآخر ولأي جهة انتمى. ويستدل السنيورة بالتبرعات والمساعدات السعودية التي تلقاها لبنان، ليؤكد أن المملكة وبمسعى واهتمام شخصي من الملك عبد الله بن عبد العزيز، «تبرعت بمبالغ كبيرة من أجل تمكين لبنان على مواجهة آثار العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006 والذي أسفر عن تدمير قرى كثيرة وبلدات في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت».
ويضيف: «بالأمس، أعلنت المملكة عن التبرع بثلاثة مليارات دولار، لإعادة تجهيز الجيش اللبناني، بشكل غير مسبوق في تاريخ لبنان، ومن ثم بادرت مرة أخرى، وأعلنت عن مساعدة الجيش والقوى الأمنية، بمبلغ مليار دولار أميركي، وأوكل خادم الحرمين الشريفين، الرئيس سعد الحريري للإشراف على الإنفاق بالتعاون مع الحكومة اللبنانية».
هذه المبادرات السخية والتي تأتي تلبية لحاجة لبنان، وبناء على طلبه، يظهر وبطريقة واضحة تماماً، أنه لا أهدف سياسية للمساعدات التي تقدمها المملكة، بل إن الأهداف فقط الوقوف إلى جانب لبنان واللبنانيين.
ويؤكد رئيس الوزراء اللبناني السابق، أن وقوف المملكة إلى جانب الشعب اللبناني، محل تقدير من القيادة والشعب، خصوصا في المحن التي واجهها، ولا يزال، وهو يدرك تماما من هو الصديق ومن العدو، ومن يعمل على دعم الدولة اللبنانية، ومن يعمل على دعم القوى الخارجة عن الدولة، وأسهمت في نموها وازدهارها، مما أسهم في وجود عدد كبير من اللبنانيين يفوق 100 ألف فرصة عمل لهم، على مدى العقود الماضية للعمل في السعودية، وهو الأمر الذي شكّل مصدر دعم كبير لأعداد كبيرة من العائلات اللبنانية التي انتقلت للعمل والسكن في السعودية.
إلى ذلك، قال الدكتور ساعد العرابي الحارثي، مستشار وزير الداخلية السعودي، ورئيس الحملة الشعبية السعودية لإغاثة الشعب اللبناني لـ«الشرق الأوسط» إن المملكة لن تألو جهداً في الوقوف إلى جانب الشعب اللبناني، في الأزمات والكوارث أو المتغيرات التي تؤثر على مسار حياتها السياسية، حيث لم تفتر همة الشعب السعودي، ولم تلن عزيمته، وهو يبادر ويسارع إلى الوقوف إلى جانب لبنان، في أزماته من أجل تضميد جراحاته وإعادة السيوف إلى أغمادها، وتوحيد صفوفه بتجاوز سطوة النزعات الطائفية والمذهبية، والقفز فوق الولاءات التي قعدت بقدراته، وشلت حركة النمو والإنتاج في جميع قطاعاته، وشجعت المملكة الحملة الشعبية السعودية لإغاثة الشعب اللبناني التي انطلق نشاطها الإغاثي المكثف برعاية وإشراف الأمير نايف بن عبد العزيز (رحمه الله)، تحت شعار «معك يا لبنان»، وقد طوَّقها الأمير الراحل، بقدر كبير من الاهتمام، ودعم جهودها بقوة مما حولها إلى شخصية اعتبارية يتصل دعمها ويصل إلى كل شرائح وقطاعات الشعب اللبناني، ودعم يغطي كل مجالات الحياة من غذاء وكساء ودواء وتعليم وهلمَّ جرَّا».
وتأسست الحملة الشعبية السعودية لإغاثة الشعب اللبناني، بموجب أمرٍ سامٍ كريم، للمساهمة في تخفيف معاناة الشعب اللبناني، جراء العدوان الإسرائيلي، وذلك من خلال تنظيم حملة شعبية لجمع التبرعات. واقترن ذلك بوضع الضوابط والنظم الكفيلة بإيصالها إلى مستحقيها مباشرة في لبنان، حيث بدأ على الفور الإعلان عن تنظيم حملة التبرعات، من خلال التلفزيون السعودي، وعدد من القنوات الفضائية استجابة لدعوة الملك عبد الله بن عبد العزيز، مما أتاح للحملة تقديم الكثير من البرامج الإغاثية العاجلة والمشروعات التنموية الضرورية التي تلمست جوانب مختلفة بُغية الإسهام في تخفيف معاناة الشعب اللبناني بتكلفة تجاوزت 24.2 مليون دولار.

* هبة المليار دولار

* تعد هبة المليار دولار لتسليح الجيش اللبناني، أحدث المكرمات السعودية لحماية استقرار لبنان وتمكين مؤسساته الرسمية. وتزامن إعلان المملكة العربية السعودية عن تقديم هبة المليار دولار للجيش اللبناني، مع حاجته الملحة للأسلحة النوعية والذخائر، بموازاة الحرب التي كان يخوضها مطلع الشهر الحالي في بلدة عرسال (شرق لبنان) الحدودية مع سوريا، إذ أعلن قائده العماد جان قهوجي، خلال اجتماع حكومي، أن الهبة «كفيلة بتسليح الجيش في مواجهة الإرهاب»، على الرغم من أن الجيش طمأن «بأن الذخيرة متوفرة والقدرة كافية لمواجهة الإرهاب إلا أنه من الواجب تعزيز الذخيرة ونوعية الأسلحة».
وتأتي أهمية مكرمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الأخيرة، في كونها «تمكن الجيش اللبناني من التسلح بسرعة، وتوفير ما يحتاج إليه من أسلحة وذخائر تمكنه من مواجهة الإرهاب، كما يقول رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية الدكتور هشام جابر لـ«الشرق الأوسط»، كما في كونها «لا تلزم الجيش اللبناني بشراء الأسلحة من بلد واحد، خلافاً لهبة الثلاث مليارات دولار التي سبق أن قدمتها المملكة العربية السعودية للجيش قبل أشهر»، والتي لا تزال في بداية جدولة مصروفاتها لأسباب وإجراءات إدارية مع فرنسا، كما قال قائد الجيش في تصريح صحافي.
وكان رئيس الحكومة تمام سلام اعتبر أن الهبة السعودية «تؤكد وقوف الملك عبد الله الدائم إلى جانب لبنان وتدعيم ركائز الدولة اللبنانية، رافضاً أي تساهل أو تراخٍ مع انتهاك السيادة اللبنانية، وأن كل الدعم للقوات المسلحة اللبنانية». وتوافق القادة الأمنيون على خطة لصرف الهبة السعودية، على أن يديرها رئيس الحكومة الأسبق زعيم تيار المستقبل سعد الحريري العائد بعد غياب قسري استمر 3 سنوات إلى لبنان.
وتواجه المؤسسة العسكرية مشكلة التسليح بشكل أساسي، إذ توقف تسليح الجيش اللبناني، منذ عام 1985 حين عقد الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل صفقة تسليح للجيش مع الولايات المتحدة الأميركية، ورفدت حينها الجيش حينها بدبابات وناقلات جند مجنزرة ومدفعية، فضلاً عن أسلحة فردية ورشاشات متوسطة، في حين يعد الجيش اللبناني جيشاً كلاسيكياً، يحتاج إلى خطة تسليح شاملة، تتضمن أسلحة برية متطورة، وسلاح جو وسلاح بحرية.
ولم يُسلم الجيش اللبناني منذ 30 عاماً، أكثر من قطع مدفعية خفيفة، وآليات عسكرية برية حصل عليها من الولايات المتحدة، بالإضافة إلى سلاح فرنسي مضاد للدروع، فضلاً عن الهبات البريطانية والأميركية التي منحت الجيش ناقلات جند وآليات عسكرية. وخلال أكثر من 30 عاماً من الصراع مع إسرائيل، «مُنع الجيش اللبناني من امتلاك منظومات صواريخ أرض جو الكفيلة بصد الانتهاكات الإسرائيلية للأجواء اللبنانية»، كما يقول جابر، وهو عميد متقاعد في الجيش اللبناني، مشيراً إلى أن لبنان اليوم «بحاجة لشتى أنواع الأسلحة، من سلاح البر إلى البحرية، وصولاً إلى الطائرات الحربية المقاتلة وطائرات الهيلوكوبتر».
وأثبتت معركة عرسال أن الجيش اللبناني بحاجة لأسلحة نوعية، تُضاف إلى سلاح الجو. ويقول جابر: «لو كان الجيش يمتلك طائرات مروحية من نوع (أباتشي) أو مثيلات لها، لانتهت المعركة بسرعة كون تلك المروحيات الهجومية قادرة على القتال في الجبال»، مؤكداً أن الجيش اللبناني «بحاجة لمقاتلات حربية وطائرات مساندة أرضية و هيلوكوبتر، إضافة إلى طائرات تحمل القوات البرية لضرب أوكار المسلحين في الجبال». ويشير إلى أن وحدات النخبة في الجيش مثل فوج المجوقل (أي القوات التي تُنقل بالجو) «تحتاج إلى النوع الأخير من الطائرات الذي يفتقده لبنان، وأثبتت المعركة نقصاً بها، مما أخّر سيطرة الجيش على البلدة إلى أيام».
ومن المعروف أن سلاح الجو اللبناني ضعيف جداً، حيث يملك عدداً لا يُذكر من الطائرات المروحية التي تستخدم كناقلات جند وطائرات استطلاع، أما سلاح البحرية، فهو قديم جداً، ولم يُجدد إلا بزوارق عسكرية بريطانية في التسعينات.
وتزداد أهمية الهبة الأخيرة للمملكة العربية السعودية، في كونها هبة نقدية. يقول جابر: «في هذه الحالة، أعتقد أن الحل المثالي يقع في وضع المبلغ المرصود في حساب الجيش في البنك المركزي تحت بند تسليح الجيش، لتقوم بعدها وزارة الدفاع وقيادة الجيش بتشكيل لجان للشراء، تتألف من الضباط الموثوقين متنوعي الاختصاصات، إلى جانب أعضاء من المديرية العامة للإدارة في وزارة الدفاع»، موضحاً أن مهمة اللجنة «تتلخص في وضع لائحة بالحاجات الأساسية للجيش، وتستدرج عروضاً من شركات عالمية تتبع دولاً تبيعنا أسلحة من غير موانع مثل روسيا وغيرها»، في إشارة إلى أن بعض الدول ترفض بيع أسلحة متطورة للبنان من دون موافقة إسرائيل.
ويقول جابر إن «البدائل عن دول لا تزودنا بالأسلحة، موجودة، مشيراً إلى أن شركة روسية تصنّع مروحيات (إليغاتور) التي تشبه (الأباتشي) بأدائها الحربي، علماً أن سعرها يقارب ثلث سعر الأباتشي». وأكد أن لبنان «يحتاج أيضا إلى طائرات استطلاع تغطي النقص في العديد البشري لتغطية حدود لبنان مع سوريا التي تناهز الـ250 كيلومتراً»، لافتاً إلى أن «طائرات استطلاع فرنسية يمكن أن تسد الحاجة اللبنانية كونها قادرة على التحليق نحو 5 ساعات ونصف الساعة، وتصور فيديو على نحو دقيق وتنقل الصور على غرفة عمليات، مما يتيح لقوات البر التحرك».
غير أن قوى البرّ، تحتاج إلى أيضا إلى تطوير. فهي تفتقد، بحسب جابر، إلى «صواريخ من نوع أرض - أرض، وصواريخ مضادة للدروع، في حين كشفت معركة عرسال أن المسلحين يمتلكون تلك الصواريخ الموجهة، كما يمتلكون بنادق قنص متطورة جداً». إضافة إلى ذلك، «يستدعي القتال في مواقع مثل عرسال، أسلحة فردية أكثر تطوراً، يحتاجها مقاتل النخبة في عملياته، مثل التجهيزات المتطورة والمناظير الليلية التي تتيح له المشاهدة ليلاً، إضافة إلى أسلحة فردية خفيفة الوزن، ولا تعيق التحرك».
وعلى صعيد التجهيزات البرية، يشير جابر إلى أن الجيش يحتاج إلى مدرعات «أخف وزنا، وتتحرك بمرونة»، على الرغم من أن الهبات الأميركية التي قاربت المليار دولار منذ نحو عشر سنوات، قدمت آليات حديثة للجيش بينها آليات من نوع «هامفي»، سدّت جزءاً من حاجة لبنان إليها.
وتبرز مشكلة إضافية في احتياجات الجيش اللبناني، تتمثل في عديده، إذ يحتاج إلى تطويع أعداد كبيرة من العسكريين، خصوصاً بعد إلغاء الخدمة العسكرية الإلزامية قبل سنوات، والتي كانت ترفد المؤسسة بمجندين يتراوح عددهم بين 5 و8 آلاف مجند سنوياً. ويضم الجيش اللبناني نحو 40 ألف ضابط وعنصر، يتوزعون على ألوية وأفواج مقاتلة، ووحدات لوجيستية. وتحاول الحكومة اللبنانية ملء هذا النقص، عبر اتخاذ قرار بالموافقة على تطويع 12000 عسكري ورجل أمن في الجيش وسائر الأسلاك الأمنية.



كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.