ترمب ينذر دولاً «أفريقية» بخفض نسبة التأشيرات الممنوحة لها

ترمب
ترمب
TT

ترمب ينذر دولاً «أفريقية» بخفض نسبة التأشيرات الممنوحة لها

ترمب
ترمب

مع بدء الحملات الانتخابية لعام 2020، وإطلاق الوعود السياسية في الشارع الأميركي، اتجه الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى استحضار وعوده الانتخابية السابقة التي لم يطبقها حتى الآن، قبل الشروع في إطلاق الوعود الجديدة، ولعل أبرز تلك الوعود إعادة تنظيم لوائح السفر والتأشيرات والحد من المهاجرين. ومن المقرر أن تصدر إدارته تنظيماً جديداً خلال الأيام المقبلة يحد من ذلك.
وبدأ ترمب فترته الرئاسية في عام 2017 بإصدار قرار حظر السفر على 6 دول، غالبيتها عربية إسلامية، ولقي ذلك القرار اعتراضات كبيرة في الشارع الأميركي، الذي عُرف بـ«حظر الدول المسلمة»، مما دفع إدارته إلى إعادة صياغة وتنظيم شروط القرار، ليتجه فيما بعد إلى وعد بناء الجدار الحدودي مع المكسيك، والحد من تدفق المهاجرين القادمين من أميركا اللاتينية.
وأنظمة التأشيرات تأتي اليوم في قائمة الاهتمامات التي تدفع الرئيس إلى الالتفات لها ومعالجتها قبل البدء في الانتخابات الجديدة 2020. ويتطلع ترمب إلى مواصلة فترة الرئاسة الثانية المسموحة له دستورياً، والبدء من جديد في إطلاق وعود انتخابية جديدة للمرحلة المقبلة مرة أخرى. وبحسب وسائل إعلام أميركية، فإن ترمب يتطلع إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد البلدان التي ترتفع فيها معدلات التأشيرة الأميركية، واتخاذ إجراءات صارمة ضدها، للحد من منح التأشيرات وتقليلها، أسوة بالبلدان الأخرى، وتعد بلدان الدول الأفريقية أكثر الدول التي ربما تتضرر من حزمة الإجراءات الجديدة للحد من الهجرة، وتأتي بالتوازي مع القرارات التي ينوي تنفيذها في الحدود الجنوبية مع المكسيك، وإنشاء ما يسمي «المدن المحمية».
وتعد الدول الأفريقية ذات معدلات مرتفعة في منح التأشيرات الأميركية، ومن بين تلك الدول نيجيريا وتشاد وإريتريا وليبيريا وسيراليون. وقد أخبرت الولايات المتحدة رسمياً تلك الدول بأن الحصول على التأشيرات سيكون أصعب في الفترة المقبلة، إذا لم تنعكس المعدلات، وتنخفض إلى النصف، وإشعارهم بضرورة التنفيذ وتفادي الحظر الدائم.
وبدوره، صرّح هوجان جيدلي، نائب المتحدثة باسم البيت الأبيض، لوسائل الإعلام، بإن الإدارة الأميركية تعتبر إعادة تنظيم نظام التأشيرات، وخفض معدلات الإقامة في التأشيرات، وبرنامج الإعفاء من التأشيرة، أمراً مهماً، مؤكداً أن الإدارة تعمل على ضمان تنفيذها للحفاظ على الأمن الأميركي، والحفاظ على قواعد رعاية الهجرة، وحماية دافعي الضرائب الأميركيين.
وأكد جيدلي أن هناك اقتراحاً قيد النظر بإعادة تنظيم التأشيرات، وكذلك إرسال المهاجرين المحتجزين في الجنوب إلى «المدن المحمية»، التي لاقت جدلاً كبيراً، برفض وكالات إنفاذ قوانين الهجرة الفيدرالية التعاون مع الإدارة في تنفيذها.
وعلى صعيد مختلف، قال ترمب إنه ليس نادماً على مهاجمة النائبة الديمقراطية إلهان عمر، ونشر فيديو اعتبره البعض يسيء لها على حسابه في «تويتر»، إذ ربط الفيديو بين خطاب النائبة عمر ولقطات من هجوم 11 سبتمبر (أيلول) الإرهابية في نيويورك، معلقاً على هذا الفيديو بأن عضوة الكونغرس «غير وطنية للغاية، ولا تحترم بلدنا».
وأتى ذلك في تصريحات له بولاية مينيسوتا، مقر النائبة إلهان عمر. وفي ردٍ على سؤال من إحدى وسائل الإعلام المحلية بالولاية، قال الرئيس ترمب دون التصريح باسم النائبة إلهان: «لم تحترم هذا البلد... لم تحترم إسرائيل. إنها شخص لا يفهم حقيقة الحياة، والحياة الحقيقية، أعتقد أنها غير وطنية للغاية، وغير محترمة لبلدنا».
كان ترمب قد نشر، الجمعة الماضي، مقطع فيديو يظهر فيه جزء من خطاب إلهان عمر في حفل لمجلس العلاقات الأميركية - الإسلامية الشهر الماضي، ناقشت فيه موضوع الحريات المدنية للمسلمين في الولايات المتحدة، قائلة: «لا ينبغي الحكم على كامل الدين من خلال تصرفات إرهابيين إسلاميين فعلوا أمراً ما»، وانهالت الانتقادات على النائبة عمر بعد هذه التصريحات، بسبب وصفها أحداث 11 سبتمبر الشهيرة بـ«فعلوا أمراً ما».
فيما سارعت الديمقراطية إلهان عمر بالدفاع عن نفسها ضد هذه الاتهامات، وزادت عناصر الحماية الأمنية معها في أثناء تنقلاتها، بسبب زيادة التهديدات عليها كما قالت، كما دافعت عنها أيضاً نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب، مطلع الأسبوع الجاري، منتقدة الرئيس ترمب، ونشره مقطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟